الناس قد أخذوا الطرق والمواضع ، فنزلت عن فرسي وتخطَّيتُ رقاب الناس حتّى قربت من باب الفسطاط ، وكان علي بن الحسين عليهالسلام داخلاً فخرج وبيده خرقة يمسح بها دموعه وخادم معه كرسيّ ، فوضعه وجلس وهو مغلوب على لوعته ، فعزّاه الناس. فأومأ إليهم أن اسكتوا ، فسكنت فورتهم ، فقال : «الحمد لله ربّ العالمين ، مالك يوم الدين ، بارئ الخلائق أجمعين ، الذي بَعُد فارتفع في السماوات العلى ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الأمور ، وفجائع الدهور ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب. أيّها القوم ، إنّ الله وله الحمد ابتلانا بمصيبة جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قُتل أبو عبد الله وعترته ، وسبي نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان. أيّها الناس ، فأيّ رجالات يسرّون بعد قتله؟ أيّة عين تحبس دمعها وتضن عن انهمالها؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار والسماوات والأرض والأشجار والحيتان ، والملائكة المقرّبون وأهل السماوات أجمعون. أيّها الناس ، أيّ قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أيّ فؤاد لا يحنّ إليه؟ أم أيّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام فلا يُصَمُّ؟
أيّها الناس ، أصبحنا مطرودين مشرّدين ، كأنّا أولاد ترك أوكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، والله لو أنّ النبي صلىاللهعليهوآله تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون».
فقام صوحان بن صعصعة بن صوحان ، وكان زمِناً فاعتذر إليه فقبل عذره وشكر له ، وترحّم على أبيه (١).
__________________
(١) مثير الأحزان / ٩٠ ـ ٩١ ، واللهوف / ٧٦ ـ ٧٧.