فقال الناس : يا أمير المؤمنين ، ائذن له ليصعد ، فعلّنا نسمع منه شيئاً. فقال لهم : إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان.
فقالوا : وما قدر ما يحسن هذا؟ فقال : إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقّاً. ولم يزالوا به حتّى أذن له بالصعود ، فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وقال :
«أيّها النّاس ، أُعطينا ستّاً وفُضّلنا بسبع ؛ أُعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبّة في قلوب المؤمنين ، وفُضّلنا بأنّ منّا النبي المختار محمّداً صلىاللهعليهوآله ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيار ، ومنّا أسد الله وأسد الرسول ، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول ، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة ، فمَنْ عرفني فقد عرفني ، ومَنْ لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي :
أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حُمل الركن بأطراف الرداء ، أنا ابن خير مَنْ ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير مَنْ انتعل واحتفى ، أنا ابن خير مَنْ طاف وسعى ، أنا ابن مَنْ حجّ ولبّى ، أنا ابن مَنْ حُمل على البراق في الهواء ، أنا ابن مَنْ أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، فسبحان مَنْ أسرى! أنا ابن مَنْ بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن مَنْ دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن محمّد المصطفى.
أنا ابن مَنْ ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا لا إله إلاّ الله ، أنا ابن مَنْ بايع البيعتين ، وصلّى القبلتين ، وقاتل ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، يعسوب المسلمين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين ، سمح سخي ، بهلول زكي ، ليث الحجاز ، وكبش العراق ، مكيّ مدنيّ ، أبطحيّ تهاميّ ، خيفيّ عقبيّ ، بدريّ اُحديّ ، شجريّ مهاجري ، أبي السبطين الحسن والحسين علي بن أبي طالب.
أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيّدة النساء ، أنا ابن بضعة الرسول ...».
قال : ولم يزل يقول أنا أنا حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أن تكون فتنة.