والأخباريين ، كما زعمه جملة من متأخّري الأخباريين ، حيث صرّح بعضهم بحصر الاختلاف بينهم في العمل بأخبار التقية خاصة ، بمعنى أن اختلافهم إنّما نشأ من عملهم بالأخبار المختلفة التي بعضها قد ورد مورد التقية دون اختلاف الانظار والافهام. فإنه لا يخفى على المتتبع المنصف ما وقع بينهم من الاختلاف في فهم معاني الأخبار من الصدوق فما دونه كما فصلنا جملة من ذلك في الدرة الموضوعة للبحث مع صاحب (الفوائد المدنية) ، سامحه الله تعالى برحمته المرضية.
وحينئذ ، فلو كان ما يدّعونه من الجزم والقطع في الأحكام مطابقا لما زعموه ، لم يجز أن يجري الخلاف فيما بينهم ؛ لأن المعلوم من حيث هو معلوم لا يصحّ أن يكون محلا للاختلاف ، وإنّما يقع الاختلاف في الامور المظنونة من حيث اختلاف الأفهام في قوة الإدراك وضعفه كما ذكرنا. وعلى ما ذكرنا ـ من الأخذ بما أدى إليه الفهم ، ووصل إليه الذهن ـ عمل كلّ من الأخباريين والمجتهدين الآخذين الأحكام من (الكتاب) العزيز والسنّة المطهرة وإن اختلفوا في التسمية وإطلاق العلم على ما تؤدي إليه أفهامهم ، أو الظن. فالأخباريون يسمون ذلك علما ، والمجتهدون يسمونه ظنا ، فإنا نراهم في أكثر المواضع مشتركين في استنباط الأحكام من الدليلين المذكورين وإن اختلفوا في التسمية بذينك الاسمين.
والظاهر أن من أطلق عليه الظن من المجتهدين أراد بالعلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع الغير القابل للنقيض ، ومن أطلق عليه العلم من الأخباريين أراد به : ما هو أعم ، وهو ما تسكن النفس إليه وتطمئن به ؛ فإن العمل له مراتب