كالراكد الواقف ، وبينهما (١) مراتب لا تخفى على الفطن العارف ، وبذلك تتفاوت المعرفة للأحكام والإدراك لما فيها من نقض وإبرام ، وقد اشير إلى هذه المعرفة في الأخبار بالدراية التي تتفاوت الناس في أفرادها.
وفي حديث الرزاز عن أبي جعفر عليهالسلام أنه قال للصادق عليهالسلام : «يا بني اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم ؛ فإن المعرفة هي الدراية للرواية ، وبالدرايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الايمان. إني نظرت في كتاب علي عليهالسلام فوجدت في الكتاب أن : قيمة كلّ امرئ وقدره معرفته (٢). إن الله يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا» (٣) الحديث.
ومن ذلك يعلم أيضا أنه لا ريب أن التكليف الوارد في السنّة و (الكتاب) إنّما وقع على حسب ما رزقه الله من العقول والألباب. وحينئذ ، فكل ما أدّى إليه الفهم بعد بذل الوسع فيما يتعلق بذلك الحكم من أدلّته ، وتحصيلها من مظانها وطلب مناقض أو مؤيد أو قرينة أو ناسخ أو مخصص أو مقيد ، أو نحو ذلك وجب على الناظر الأخذ به والعمل عليه وإن فرض خطؤه واقعا ؛ فالظاهر أنه غير مؤاخذ بعد بذل الوسع كما قلنا ؛ لأن هذا أقصى تكليفه المأمور به ، وهذا ما أدى إليه فهمه الذي رزقه.
نعم ، لو كان خطؤه إنّما نشأ من عدم بذل الوسع في الدليل ، أو في تحصيل تلك الامور التي تنضاف إليه ، فلا يبعد المؤاخذة لتقصيره في السعي والفحص كما لا يخفى.
ولا يخفى أن ما ذكرناه لا خصوصية له ببعض دون بعض من المجتهدين
__________________
(١) في «ح» : بينها.
(٢) انظر نهج البلاغة : ٦٦٧ / الحكمة : ٨١.
(٣) معاني الأخبار : ١ ـ ٢ / ٢ ، بحار الأنوار ٢ : ١٨٤ / ٤.