وثالثها : الاستصحاب ، أي استصحاب الحالة السابقة الّتي كان عليه الشيء قبل حال الاختلاف ومحلّ النزاع ، ومنه قولهم : تعارض الأصل والظاهر ، كما مثلوا له بأرض الحمّام (١) ، فإن المراد بالظاهر أي ظنّ النجاسة واحتمالها احتمالا راجحا ، والأصل أي الحالة السابقة. ويحتمل أيضا حمل الأصل هنا على الحالة الراجحة الّتي هي ـ كما عرفت ـ عبارة عن ملاحظة الشيء من حيث هو هو. وأمّا قولهم : الأصل في كلّ ممكن عدمه ، فيحتمل الحمل أيضا على كل من الحالة الراجحة والاستصحاب ، فإنه مبنيّ على أن كلّ ممكن إذا خلّي ونفسه ترجّح عدمه على وجوده ؛ لأن المتبادر من التخلية ، عدم تأثير المؤثر.
ورابعها : بمعنى القاعدة (٢) كقولهم : الأصل في البيع اللزوم ، والأصل في تصرّف المسلمين الصحة ، أي القاعدة الّتي عليها وضع البيع بالذات اللزوم (٣) ، وحكم المسلم بالذات صحة تصرفه.
المناقشة في معاني الأصل
إذا عرفت ذلك فالمعنى الأوّل من هذه المعاني مما لا خلاف فيه ولا إشكال يعتريه.
__________________
(١) أي في مثل أرض الحمّام. منه رحمهالله ، (هامش «ح»).
(٢) منه قول النحويين : الأصل في الفاعل الرفع ، وفي المفعول به النصب ، وأمثال ذلك ، أي القاعدة المستفادة من استقراء كلام (١) العرب ، فتأمّل ذلك. منه رحمهالله. (هامش «ح»).
(٣) هذا إن وضع [لفظ] البيع شرعا لنقل مال كلّ من المتبايعين إلى الآخر ، وذلك لا ينافي [...] (٢) من خارج. واعترضه بعض المتأخرين بأن قولهم : الأصل في البيع واللزوم ، ليس له وجه ، لأن خيار المجلس ممّا يعمّ أقسام البيع.
وفيه : أن عروض الخيار له وإن كان في المجلس [إلّا إنه] خارج عن صيغة البيع. منه رحمهالله ، (هامش «ح»).
__________________
(١) في الأصل : الكلام.
(٢) سقط في الأصل بمقدار ثلاث كلمات.