فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «هل أشركت بالله شيئا»؟ قال : أعوذ بالله أن أشرك بربي شيئا.
قال : «أقتلت النفس التي حرم الله»؟ قال : لا.
فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يغفر الله لك ذنوبك ، وإن كانت مثل الجبال الرواسي» قال الشاب : فإنها أعظم من الجبال الرواسي.
فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يغفر الله لك ذنوبك ، وإن كانت مثل الأرضين السبع ، وبحارها ، ورمالها ، وأشجارها ، وما فيها من الخلق» قال : فإنها أعظم من الأرضين وبحارها ورمالها وأشجارها وما فيها من الخلق (٢).
فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «يغفر الله لك ذنوبك ، وإن كانت مثل السماوات ونجومها ، ومثل العرش والكرسي» قال : فإنها أعظم من ذلك.
فنظر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كهيئة الغضبان ، ثم قال : «ويحك يا شاب ، ذنوبك أعظم من ربك»؟ فخر الشاب على وجهه ، وهو يقول : سبحان الله ربي ، ما من شيء أعظم من ربي ، ربي أعظم يا نبي الله ، الله أعظم من كل عظيم.
فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «فهل يغفر الذنب العظيم إلا الرب العظيم»؟ فقال الشاب : لا والله ، يا رسول الله. ثم سكت الشاب. فقال له النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ويحك ـ يا شاب ـ ألا تخبرني بذنب واحد من نوبك»؟.
قال : بلى ، أخبرك ، أني كنت أنبش القبور سبع سنين ، أخرج الأموات وأنزع الأكفان ، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار ، فلما حملت إلى قبرها ودفنت ، وانصرف عنها أهلها ، وجن عليهم الليل ، أتيت قبرها فنبشتها ، ثم استخرجتها ونزعت ما كان عليها من أكفانها ، وتركتها مجردة على شفير قبرها ومضيت منصرفا ، فأتاني الشيطان فأقبل يزينها لي ، ويقول : أما ترى بطنها وبياضها ، أما ترى وركيها؟! فلم يزل يقول لي هذا حتى رجعت إليها ، ولم أملك نفسي حتى جامعتها وتركتها مكانها ، فإذا أنا بصوت من ورائي ، يقول : يا شاب ، ويل لك من ديان يوم الدين ، يوم يقفني وإياك كما تركتني عريانة في عسكر الموتى (٣) ، ونزعتني من حفرتي وسلبتني أكفاني ، وتركتني أقوم جنبة إلى حسابي ، فويل لشبابك من النار. فما أظن أني أشم رائحة الجنة أبدا ، فما ترى لي ، يا رسول الله؟
فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «تنح عني يا فاسق ، إني أخاف أن أحترق بنارك ، فما أقربك من النار!».
ثم لم يزل صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول ويشير إليه حتى أمعن من بين يديه فذهب ، فأتى المدينة فتزود منها ، ثم أتى بعض جبالها فتعبد فيها ، ولبس مسحا ، وغل يديه جميعا إلى عنقه ، ونادى : يا رب ، هذا عبدك بهلول ، بين يديك مغلول ، يا رب أنت الذي تعرفني ، وزل مني ما تعلم يا سيدي ، يا رب ، إني أصبحت من النادمين ، وأتيت نبيك تائبا فطردني وزادني خوفا ، فأسألك باسمك وجلالك وعظمة سلطانك أن لا تخيب رجائي ، سيدي ولا تبطل دعائي ولا تقنطني من رحمتك. فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما وليلة ، تبكي له السباع والوحوش ، فلما تم له أربعون يوما وليلة رفع يديه إلى السماء ، وقال : اللهم ما فعلت في حاجتي؟ إن كنت استجبت دعائي ، وغفرت خطيئتي ، فأوح
__________________
(٢) (قال فإنّها أعظم من الأرضين ... الخلق) ليس في المصدر.
(٣) في المصدر : عساكر الموت.