المدينة ، وحث أصحابه على الجهاد والخروج ، فقال عبد الله بن أبي وقومه : يا رسول الله ، لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في أزقتها ، فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السكك وعلى السطوح ، فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا ، وما خرجنا إلى أعدائنا قط إلا كان لهم الظفر علينا.
فقام سعد بن معاذ رحمهالله وغيره من الأوس ، فقالوا : يا رسول الله ، ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام ، فكيف يطمعون فينا وأنت فينا؟! لا ، حتى نخرج إليهم فنقاتلهم ، فمن قتل منا كان شهيدا ، ومن نجا منا كان قد جاهد في سبيل الله. فقبل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله ، وخرج مع نفر من أصحابه يبتغون موضعا للقتال (٢) ، كما قال الله ، (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ) إلى قوله تعالى : (إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) (٣) يعني عبد الله بن أبي وأصحابه ، فضرب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم معسكره مما يلي طريق العراق ، وقعد عنه عبد الله بن أبي وقومه وجماعة من الخزرج اتبعوا رأيه ، ووافت قريش إلى أحد ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عد أصحابه ، وكانوا سبعمائة رجل ، فوضع عبد الله بن جبير في خمسين من الرماة على باب الشعب وأشفق أن يأتي كمينهم من ذلك المكان. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعبد الله بن جبير وأصحابه : «إن رأيتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مكة فلا تخرجوا من هذا المكان ، وإن رأيتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدينة فلا تبرحوا ، والزموا مراكزكم».
ووضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا ، وقال لهم : إذا رأيتمونا قد اختلطنا بهم فاخرجوا عليهم من هذا الشعب حتى تكونوا من ورائهم. فلما أقبلت الخيل واصطفوا ، وعبأ (٤) رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه ، ودفع الراية إلى أمير المؤمنين عليهالسلام فحملت الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة ، ووقع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في سوادهم ، وانحط خالد بن الوليد في مائتي فارس ، فلقي عبد الله بن جبير ، فاستقبلوهم بالسهام فرجعوا ، ونظر أصحاب عبد الله بن جبير إلى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ينهبون سواد القوم ، فقالوا لعبد الله بن جبير : تقيمنا هاهنا وقد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة! فقال لهم عبد الله : اتقوا الله ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد تقدم إلينا أن لا نبرح ، فلم يقبلوا منه ، وأقبل ينسل رجل فرجل حتى أخلوا مراكزهم ، وبقي عبد الله بن جبير في اثني عشر رجلا ، وقد كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العدوي من بني عبد الدار ، فبرز ونادى : يا محمد ، تزعمون أنكم تجهزونا بأسيافكم إلى النار ، ونجهزكم بأسيافنا إلى الجنة ، فمن شاء أن يلحق بجنته فليبرز إلي. فبرز إليه أمير المؤمنين عليهالسلام وهو يقول :
يا طلح إن كنت كما تقول |
|
لكم خيول ولنا نصول (٥) |
فاثبت لننظر أينا المقتول |
|
وأينا أولى بما تقول |
__________________
(٢) في المصدر : موضع القتال.
(٣) آل عمران ٣ : ١٢١ / ـ ١٢٢.
(٤) عبّأت الجيش : رتّبتهم في مواضعهم وهيأتهم للحرب. «مجمع البحرين ـ عبا ـ ١ : ٢٨١».
(٥) النّصل : حديدة السّهم والرمح والسّكّين والسيف ما لم يكن له مقبض. «مجمع البحرين ـ نصل ـ ٥ : ٤٨٤».