ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألا فلا تفعلوا كما فعلت بنو إسرائيل ، ولا تسخطوا (١٤) الله تعالى ، ولا تقترحوا على الله تعالى ، وإذا ابتلي أحدكم في رزقه أو معيشته بما لا يحب ، فلا يحدس (١٥) شيئا يسأله ، لعل في ذلك حتفه وهلاكه ، ولكن ليقل : اللهم بجاه محمد وآله الطيبين إن كان ما كرهته من أمري (١٦) خيرا لي وأفضل في ديني ، فصبرني عليه ، وقوني على احتماله ، ونشطني على النهوض بثقل أعبائه ، وإن كان خلاف ذلك خيرا فجد علي به ، ورضني بقضائك على كل حال ، فلك الحمد ؛ فإنك إذا قلت ذلك قدر الله ويسر لك ما هو خير.
ثم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : يا عباد الله ، فاحذروا الانهماك في المعاصي والتهاون بها ، فإن المعاصي يستولي بها الخذلان على صاحبها حتى يوقعه فيما هو أعظم منها ، فلا يزال يعصي ويتهاون ويخذل ويقع فيما هو أعظم (١٧) ، حتى يوقعه في رد ولاية وصي رسول الله ، ودفع نبوة نبي الله ، ولا يزال أيضا بذلك حتى يوقعه في دفع توحيد الله ، والإلحاد في دين الله.
ثم قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ، وبما فرض الإيمان به من الولاية لعلي بن أبي طالب والطيبين من آله (وَالَّذِينَ هادُوا) يعني اليهود (وَالنَّصارى) الذين زعموا أنهم في دين الله متناصرون (وَالصَّابِئِينَ) الذين زعموا أنهم صبؤوا (١٨) إلى دين الله ، وهم بقولهم كاذبون.
(مَنْ آمَنَ بِاللهِ) من هؤلاء الكفار ، ونزع من كفره ، ومن آمن من هؤلاء المؤمنين في مستقبل أعمارهم (١٩) ، ووفى بالعهد والميثاق المأخوذين عليه لمحمد وعلي وخلفائه الطاهرين (وَعَمِلَ صالِحاً) من هؤلاء المؤمنين (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ) ثوابهم (عِنْدَ رَبِّهِمْ) في الآخرة (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) هناك حين يخاف الفاسقون (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) إذا حزن المخالفون ، لأنهم لم يعملوا من مخالفة الله ما يخاف من فعله ، ولا يحزن له.
ونظر أمير المؤمنين عليهالسلام إلى رجل [فرأى] أثر الخوف عليه ، فقال : ما بالك؟ فقال : إني أخاف الله.
فقال : يا عبد الله ، خف ذنوبك ، وخف عدل الله عليك في مظالم عباده ، وأطعه فيما كلفك ، ولا تعصه فيما يصلحك ، ثم لا تخف الله بعد ذلك ، فإنه لا يظلم أحدا ولا يعذبه فوق استحقاقه أبدا ، إلا أن تخاف سوء العاقبة بأن تغير أو تبدل ، فإن أردت أن يؤمنك الله سوء العاقبة ، فاعلم أن ما تأتيه من خير فبفضل الله وتوفيقه ، وما تأتيه من سوء فبإمهال الله وإنظاره إياك وحلمه عنك».
__________________
(١٤) في المصدر زيادة : نعم.
(١٥) الحدس : الظنّ والتخمين ، ويحدس : يقول شيئا برأيه. «الصحاح ـ حدس ـ ٣ : ٩١٥»! وفي «س» : تخزينّ ، وفي «ط» : تجزينّ.
(١٦) في المصدر زيادة : هذا.
(١٧) في المصدر زيادة : ممّا جنى.
(١٨) صبأ : خرج من دين إلى دين. «الصحاح ـ صبأ ـ ١ : ٥٩».
(١٩) في المصدر زيادة : وأخلص.