(فَأْتُوا) يا معشر قريش واليهود ، ويا معشر النواصب المنتحلين (٢) الإسلام ، الذين هم منه برآء ، ويا معشر العرب الفصحاء ، البلغاء ، ذوي الألسن (بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٣) من مثل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، مثل رجل منكم لا يقرأ ولا يكتب ، ولم يدرس كتابا ، ولا اختلف إلى عالم ، ولا تعلم من أحد ، وأنتم تعرفونه في أسفاره وحضره ، بقي كذلك أربعين سنة ، ثم أوتي جوامع العلم حتى علم الأولين والآخرين.
فإن كنتم في ريب من هذه الآيات ، فأتوا من مثل هذا الرجل بمثل هذا الكلام ، ليتبين أنه كاذب كما تزعمون ، لأن كل ما كان من عند غير الله فسيوجد له نظير في سائر خلق الله.
وإن كنتم ـ معاشر قراء الكتب من اليهود والنصارى ـ في شك مما جاءكم به محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم من شرائعه ، ومن نصبه أخاه سيد الوصيين وصيا ، بعد أن قد أظهر لكم معجزاته ، التي منها : أن كلمته الذراع المسمومة ، وناطقه ذئب ، وحن إليه العود وهو على المنبر ، ودفع الله عنه السم الذي دسته اليهود في طعامهم ، وقلب عليهم البلاء وأهلكهم به ، وكثر القليل من الطعام (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) يعني من مثل القرآن من التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وصحف إبراهيم ، والكتب الأربعة عشر (٤) فإنكم لا تجدون في سائر كتب الله تعالى سورة كسورة من هذا القرآن ، فكيف يكون كلام محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم المتقول (٥) أفضل من سائر كلام الله وكتبه ، يا معاشر اليهود والنصارى؟! ثم قال لجماعتهم : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) ادعوا أصنامكم التي تعبدونها أيها المشركون ، وادعوا شياطينكم يا أيها النصارى واليهود ، وادعوا قرناءكم من الملحدين يا منافقي المسلمين من النصاب لآل محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم الطيبين ، وسائر أعوانكم على إرادتكم (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم تقول هذا القرآن من تلقاء نفسه ، لم ينزله الله عز وجل عليه ، وأن ما ذكره من فضل علي عليهالسلام على جميع أمته وقلده سياستهم ليس بأمر أحكم الحاكمين.
ثم قال الله عز وجل : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي إن لم تأتوا ، يا أيها المقرعون بحجة رب العالمين (وَلَنْ تَفْعَلُوا) أي ولا يكون هذا منكم أبدا (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) حطبها الناس والحجارة ، توقد فتكون عذابا على أهلها (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) المكذبين بكلامه ونبيه ، الناصبين العداوة لوليه ووصيه.
قال : فاعلموا بعجزكم عن ذلك أنه من قبل الله تعالى ، ولو كان من قبل المخلوقين لقدرتم على معارضته ،
__________________
(٢) النّحلة : الدعوى ، وفلان ينتحل مذهب كذا : إذا انتسب إليه. «الصحاح ـ نحل ـ ٥ : ١٨٢٦».
(٣) قال المجلسي رحمهالله : اعلم أنّ هذا الخبر يدل على أنّ إرجاع الضمير في مثله إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإلى القرآن كليهما ، مراد الله تعالى بحسب بطون الآية الكريمة. «بحار الأنوار ١٧ : ٢١٧».
(٤) كذا وردت في المخطوط والمصدر ، وعنه في البحار في موضعين : ٩ : ١٧٦ و ١٧ : ٢١٥ ، وفي موضع ثالث من البحار ٩٢ : ٢٩ : والكتب المائة والأربعة عشر ، ولعلّه هو الصواب ، انظر معاني الأخبار : ٣٣٢ / ١ (قطعة) ، والخصال : ٥٢٣ / ١٣ (قطعة) ، والاختصاص : ٢٦٤ ، وعنه في البحار ١١ : ٤٣ / ٤٨ (قطعة)
(٥) تقوّل قولا : ابتدعه كذبا. «القاموس المحيط ـ قول ـ ٤ : ٤٣».