لا يعلمون ، فالرزق مقسوم ، وهو يأتي ابن آدم على أي مسيرة سارها من الدنيا ، ليس بتقوى متق بزائده ، ولا فجور فاجر بناقصه ، وبينه وبينه ستر وهو طالبه ، فلو أن أحدكم يفر من رزقه ، لطلبه رزقه كما يطلبه الموت.
فقال الله جل جلاله : قولوا : الحمد لله على ما أنعم علينا ، وذكرنا به من خير في كتب الأولين ، قبل أن نكون ، ففي هذا إيجاب على محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم) وعلى شيعتهم أن يشكروه بما فضلهم ، وذلك
أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : لما بعث الله موسى بن عمران عليهالسلام ، واصطفاه نجيا ، وفلق له البحر ، ونجى بني إسرائيل ، وأعطاه التوراة والألواح ، رأى مكانه من ربه عز وجل ، فقال : يا رب ، لقد أكرمتني بكرامة لم تكرم بها أحدا قبلي.
فقال الله تعالى : يا موسى ، أما علمت أن محمدا أفضل عندي من جميع ملائكتي وجميع خلقي؟
قال موسى عليهالسلام : يا رب ، فإن كان محمدا أكرم عندك من جميع خلقك ، فهل في آل الأنبياء أكرم من آلي؟
فقال الله تعالى : يا موسى ، أما علمت أن فضل آل محمد على جميع آل النبيين ، كفضل محمد على جميع المرسلين.
قال موسى : يا رب ، فإن كان آل محمد كذلك ، فهل في أمم الأنبياء أفضل عندك من أمتي؟ ظللت عليهم الغمام ، (٣) وأنزلت عليهم المن (٤) والسلوى (٥) وفلقت لهم البحر.
فقال الله جل جلاله : يا موسى ، أما علمت أن فضل أمة محمد على جميع الأمم ، كفضله على جميع خلقي.
قال موسى : يا رب ، ليتني كنت أراهم ، فأوحى الله جل جلاله إليه : يا موسى ، إنك لن تراهم ، وليس هذا أوان ظهورهم ، ولكن سوف تراهم في الجنان ، جنات عدن والفردوس ، بحضرة محمد في نعيمها يتقلبون ، وفي خيراتها يتبحبحون ، (٦) أفتحب أن أسمعك كلامهم؟ قال : نعم ، إلهي.
قال الله جل جلاله : قم بين يدي واشدد مئزرك قيام العبد الذليل بين يدي الرب الجليل. ففعل ذلك موسى ، فنادى ربنا عز وجل : يا أمة محمد. فأجابوه كلهم وهم في أصلاب آبائهم ، وأرحام أمهاتهم : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، قال : فجعل تلك الإجابة شعار الحاج.
ثم نادى ربنا عز وجل : يا أمة محمد ، إن قضائي عليكم أن رحمتي سبقت غضبي ، وعفوي قبل عقابي ، قد استجبت لكم ، من قبل أن تدعوني ، وأعطيتكم من قبل أن تسألوني ، من لقيني منكم بشهادة : أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، صادقا في أقواله ، محقا في أفعاله ، وأن علي بن أبي طالب أخوه ووصيه ووليه ، ويلتزم طاعته كما يلتزم طاعة محمد ، وأن أولياءه المصطفين المطهرين ، المبلغين بعجائب آيات الله ،
__________________
(٣) الغمام : السّحاب الأبيض ، سميي بذلك لأنّه يغمّ السّماء ، أي يسترها. «مجمع البحرين ـ غمم ـ ٦ : ١٢٨».
(٤) المنّ : شي حلو ، كان يسقط من السّماء على شجرهم فيجتنونه ، ويقال : ما منّ الله به على العباد بلا تعب ولا عناء. «مجمع البحرين ـ منن ـ ٦ : ٣١٨».
(٥) السّلوى : طائر. «الصحاح ـ سلا ـ ٦ : ٢٣٨٠».
(٦) بحبح في الشّيء : توسّع ، وبحبح في الدار : تمكّن في المقام والحلول بها ، وبحبح الدّار : توسّطها. «المعجم الوسيط ـ بحبح ـ ١ : ٣٩».