كتاب الجنايات
وما توجبه الجنايات على ضربين : قتل وغير قتل ، فالقتل على ضروب ثلاثة : عمد محض ، وخطأ محض ، وخطأ شبيه العمد.
فالعمد المحض هو ما وقع من كامل العقل عن قصد إليه بلا خلاف ، سواء كان بمحدد ، أو مثقل ، أو سم ، أو خنق ، أو تغريق ، أو تحريق ، بدليل إجماع الطائفة ، وأيضا قوله تعالى (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) (١) ، لأنه لم يفصل (٢) بين أن يكون القتل بمحدد أو غيره.
ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليهالسلام : ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل ، وأنا والله عاقلته ، فمن قتل بعده قتيلا ، فأهله بين خيرتين : إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية (٣) ، لأنه لم يفرق أيضا.
والخطأ المحض ، هو ما وقع من غير قصد إليه ، ولا إيقاع سببه بالمقتول ، نحو أن يقصد المرء رمي طائر مثلا فيصيب إنسانا فيقتله ، بلا خلاف.
والخطأ شبيه العمد ، هو ما وقع من غير قصد إليه ، بل إلى إيقاع ما يحصل القتل عنده مما لم تجر العادة بانتفاء الحياة بمثله بالمقتول ، نحو أن يقصد المرء تأديب من له تأديبه ، أو معالجة غيره بما جرت العادة بحصول النفع عنده ، من مشروب ، أو فصد أو غيرهما ، بدليل إجماع الطائفة.
__________________
(١) الإسراء : ٣٣.
(٢) في (ج) : لأنه لم يفرق.
(٣) سنن البيهقي : ٨ ـ ٥٢ كتاب الجنايات ، باب الخيار في القصاص ، وسنن الترمذي : ٤ ـ ٢١ وسنن الدار قطني : ٣ ـ ٩٥ برقم ٥٤ و ٥٥ ومسند أحمد بن حنبل : ١ ـ ٣٥٨.