رجلاً من أهل الأدب والقرآن والعلم ، لا يوالي أهل هذا البيت ، لأضمه إلى هذا الغلام وأُوكله بتعليمه ، وأتقدم إليه بأن يمنع منه الرافضة الذين يقصدونه !
فأسمَوْا له رجلاً من أهل الأدب يكنَّى أبا عبد الله ويعرف بالجنيدي ، وكان متقدماً عند أهل المدينة في الأدب والفهم ، ظاهر الغضب والعداوة « لأهل البيت » ! فأحضره عمر بن الفرج وأسنى له الجاري من مال السلطان ، وتقدم إليه بما أراد وعرفه أن السلطان « المعتصم » أمره باختيار مثله ، وتوكيله بهذا الغلام .
قال : فكان الجنيدي يلزم أبا الحسن عليهالسلام في القصر بِصِرْيَا « بيت الإمام في مزرعة صريا بضاحية المدينة » فإذا كان الليل أغلق الباب وأقفله ، وأخذ المفاتيح إليه ! فمكث على هذا مدة ، وانقطعت الشيعة عنه وعن الإستماع منه والقراءة عليه .
ثم إني لقيته في يوم جمعة فسلمت عليه وقلت له : ما حال هذا الغلام الهاشمي الذي تؤدبه ؟ فقال منكراً عليَّ : تقول الغلام ، ولا تقول الشيخ الهاشمي ! أُنشدك الله هل تعلم بالمدينة أعلم مني ؟ قلت : لا . قال : فإني والله أذكر له الحزب من الأدب ، أظن أني قد بالغت فيه ، فيملي عليَّ بما فيه أستفيده منه ، ويظن الناس أني أُعلمه ، وأنا والله أتعلم منه !
قال : فتجاوزت عن كلامه هذا كأني ما
سمعته منه ، ثم لقيته بعد ذلك فسلمت عليه وسألته عن خبره وحاله ، ثم قلت : ما حال الفتى الهاشمي ؟ فقال لي : دع هذا القول عنك ، هذا والله خير أهل الأرض ، وأفضل من خلق الله تعالى ، وإنه لربما همَّ بالدخول فأقول له : تَنَظَّرْ حتى تقرأ عُشْرَك فيقول لي : أيَّ السور
تحب أن أقرأها ؟ وأنا أذكر له من السور الطوال ما لم يبلغ إليه ، فيهذُّهَا بقراءة لم
أسمع أصح منها من أحد قط ، بأطيب من مزامير داود النبي عليهالسلام
، التي بها من قراءته