يُرَ مثلهما لأمثاله ، وفُرقت الجُوَنُ على الغلمان والخدم والنقباء والركابية والفراشين والملاحين وغيرهم من الحاشية ، لكل واحد جونة .
وقال : قد أمنتُ ذمَّهم لأنني ما كنت آمن لو أطعموا على موائد ، أن يرضى هذا ويغضب الآخر ، ويقول واحد شبعت ويقول آخر لم أشبع ، فإذا أعطى كل إنسان جونةً من هذه الجُوَن كفته ، واستشرف المتوكل على الطعام ، فاستعظمه جداً . وأراد النوم فقال لبختيشوع : أريد أن تنومني في موضع مضئ ، لا ذباب فيه ، وظن أنه يتعنته بذلك ، وقد كان بختيشوع تقدم بأن تجعل أجاجين السيلان « أوني الدبس » في سطوح الدار ، ليجتمع الذباب عليه ، فلم يقرب أسافل الدور ذبابة واحدة ! ثم أدخل المتوكل إلى مربع كبير سقفه كله كُواء فيها جامات يضئ البيت منها ، وهو مخيَّش مُظَهَّر بعد الخيش بالدبقي المصبوغ بماء الورد والصندل والكافور ، فلما اضطجع للنوم أقبل يشم روائح في نهاية الطيب ، لا يدري ما هي ، لأنه لم يرَ في البيت شيئاً من الروائح والفاكهة والأنوار ، ولا خلف الخيش لا طاقات ، ولا موضع يجعل فيه شئ من ذلك ، فتعجب وأمر الفتح بن خاقان أن يتتبع حال تلك الروائح حتى يعرف صورتها ، فخرج يطوف فوجد حول البيت من خارجه ومن سائر نواحيه وجوانبه أبواباً صغاراً لطافاً كالطاقات ، محشوة بصنوف الرياحين والفواكه واللخالخ والمشام ، التي فيها التفاح والبطيخ المستخرج ما فيها ، المحشوة بالنمام والحماحم اليماني المعمول بماء الورد والخلوق والكافور ، والشراب العتيق ، والزعفران الشعر .