قلت : فقولك : اللطيف فسره لي ، فإني أعلم أن لطفه خلاف لطف غيره للفصل غير أني أحب أن تشرح لي ، فقال : يا فتح إنما قلت : اللطيف للخلق اللطيف ولعلمه بالشئ اللطيف ، ألا ترى إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف وفي الخلق اللطيف من أجسام الحيوان من الجرجس والبعوض وما هو أصغر منهما مما لا يكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يستبان لصغره الذكر من الأنثى ، والمولود من القديم ، فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد والهرب من الموت ، والجمع لما يصلحه بما في لجج البحار ، وما في لحاء الأشجار والمفاوز والقفار ، وإفهام بعضها عن بعض منطقها ، وما تفهم به أولادها عنها ، ونقلها الغذاء إليها ، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة وبياض مع حمرة ، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف ، وأن كل صانعِ شئ فمن شئ صنع ، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شئ .
قلت : جعلت فداك وغير الخالق الجليل خالق ؟ قال : إن الله تبارك وتعالى يقول : فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . فقد أخبر أن في عباده خالقين منهم عيسى بن مريم ، خلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله ، فنفخ فيه فصار طائراً بإذن الله ، والسامري خلق لهم عجلاً جسداً له خوار .
قلت : إن عيسى خلق من الطين طيراً دليلاً على نبوته ، والسامري خلق عجلاً جسداً لنقض نبوة موسى ، وشاء الله أن يكون ذلك كذلك ، إن هذا لهو العجب !