استطال وقل ما تصدقك الأمنية والتواضع يكسوك المهابة وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق كم من عاكف على ذنبه في آخر أيام عمره ومن كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه وانح القصد من القول فإن من تحرى القصد خفت عليه المؤن وفي خلاف النفس رشدك من عرف الأيام لم يغفل عن الاستعداد ألا وإن مع كل جرعة شرقا وإن في كل أكلة غصصا لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى ولكل ذي رمق قوت
______________________________________________________
أو مالا أو علما أو غيرها من أسباب الشرف ، يلزمه غالبا الفخر والاستطالة ، فحذف المفعول للإبهام والتعميم ، أو المراد أن الجود والكرم غالبا يوجبان الفخر والمن والاستطالة.
قوله عليهالسلام : « وقل ما تصدقك » على المجرد أي في الغالب أمنيتك كاذبة فيما تعدك.
قوله عليهالسلام : « كم من عاكف » إلخ. أي من ينبغي الحذر عن الذنوب في جميع الأوقات لاحتمال كل وقت أن يكون آخر عمره وهو لا يعلم.
قوله عليهالسلام : « وانح القصد » أي اقصد الوسط العدل من القول ، وجانب التعدي والإفراط والتفريط ، ليخف عليك المؤن ، فإن من قال جورا أو ادعى أمرا باطلا يشتد عليه الأمر لعدم إمكان إثباته.
قوله عليهالسلام : « وإن مع كل جرعة شرقا » الشرق والغصة اعتراض الشيء في الحلق ، وعدم إساغته ، والأول يطلق في المشروبات ، والثاني في المأكولات غالبا.
قوله عليهالسلام : « لا تنال نعمة إلا بزوال أخرى » قال ابن ميثم (١) : فإن نعمها لا تجتمع أشخاصها كلقمة ولقمة بل وأنواعها كالأكل والشرب والجماع انتهى.
أقول : ظاهر أن عادة الدنيا أن نعمها متناوبة ، فإن من ليس له مال يكون آمنا صحيحا غالبا ، وإذا حصل له الغنى يكون خائفا أو مريضا لا ينتفع بما له ، بل كل حالة من جهة نعمة ، ومن جهة بلاء كالمرض ، فإنه نعمة لتكفيره السيئات ، فإذا ورد عليه نعمة الصحة زالت تلك النعمة الحاصلة بالبلاء.
__________________
(١) لم نعثر بهذه العبارة في شرح الخطبة ولعلّه قدسسره نقل مضمونه لاحظ شرح نهج البلاغة لابن ميثم ج ٥ ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣.