أيها الناس إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط وفطنة الفهم للمواعظ ما يدعو النفس إلى الحذر من الخطر وللقلوب خواطر للهوى والعقول تزجر وتنهى وفي التجارب علم مستأنف والاعتبار يقود إلى الرشاد وكفاك
______________________________________________________
الأول : أن يكون المراد أنه لو كان الموت مما يمكن أن يشتري لاشتراه الكريم لشدة حرصه في الكرم وقلة بضاعته ، كما هو الغالب في أصحاب الكرم ، فلا يجد ما يجود به وهو محزون دائما لذلك ، ويتمنى الموت ويشتريه إن وجده ، واللئيم يشتريه لأنه لا يحصل له ما هو مقتضى حرصه ، وقد ينقص من ماله شيء بالضرورة وهو مخالف لسجيته ، ويرى الناس في نعمه فيحسدهم عليها ، فهو في شدة لازمة لا ينفك عنها بدون الموت فيتمناه.
الثاني : أن يكون المراد أنه يشتري الكريم لنفسه ليتخلص منه البائع ، واللئيم لأنه حريص على جمع جميع الأشياء حتى الموت.
الثالث : أن يقال : أنه يشتري الكريم ليرفع الموت من بين الخلق ، واللئيم ليميت جميعهم ويستبد بأموالهم ، قوله عليهالسلام : « عن مدرجة » قال الجوهري : المدرجة : المذهب والمسلك (١) ، والحاصل أن للقلوب شواهد مما يفيض عليها من أنوار حكمة الله ، أو مما جبلها الله عليه من معرفة الحق أو مما يشاهده ويعتبر به في عالم الخلق تجري تلك الشواهد ، وتخرج الأنفس عن مسالك أهل التقصير في العبادة إلى منازل المتعبدين ودرجات المقربين.
قوله عليهالسلام : « وفطنة الفهم » يحتمل أن يكون مبتدأ وخبره قوله : « ما يدعو » بأن تكون ما موصولة ، أو يكون مع خبره ما مطرفا فتنحسب عليه كلمة « إن » أي إن فطنة الفهم هي ما يدعو النفس إلى الحذر من مخاطرات الآخرة لا مجرد فهمها مع عدم العمل بها. ويحتمل أن يكون معطوفا على قوله « شواهد » أي إن للقلوب فطنة الفهم للمواعظ ما دام يدعو النفس أو مقدار ما يدعو النفس إلى الحذر والله أعلم.
__________________
(١) الصحاح : ج ١ ص ٣١٤.