فأذابت الحديد فذل الحديد ثم إن النار زفرت وشهقت وفخرت وقالت أي
______________________________________________________
على وجه الماء ، فإذا أرسيت بالأجسام الثقلية استقرت وسكنت ، فظهر الفرق.
وأما على التقدير الثاني وهو أن يقال : ليس للأرض والماء طبائع توجب الثقل والرسوب والأرض إنما تنزل لأن الله تعالى أجرى عادته بجعلها كذلك وإنما صار الماء محيطا بالأرض لمجرد إجراء العادة ليس هيهنا طبيعة للأرض ولا للماء توجب حالة مخصوصة ، فنقول : على هذا التقدير علة سكون الأرض هي أن الله تعالى يخلق فيها السكون ، وعلة كونها مائدة مضطربة هو أن الله تعالى يخلق فيها الحركة ، فيفسد القول بأن الله خلق الجبال لتبقى الأرض ساكنة ، فثبت أن التعليل مشكل على كلا التقديرين.
الإشكال الثاني : أن إرساء الأرض بالجبال إنما يعقل لأجل أن تبقى الأرض على وجه الماء من غير أن تميد وتميل من جانب إلى جانب ، وهذا إنما يعقل إذا كان الذي استقرت الأرض على وجهه واقفا ، فنقول : فما المقتضي لسكونه في ذلك الحيز المخصوص ، فإن قلت : إن طبيعته توجب وقوفه في ذلك الحيز المعين ، فحينئذ يفسد القول بأن الأرض إنما وقفت بسبب أن الله أرساها بالجبال ، وإن قلت إن المقتضي لسكون الماء في حيزه المعين هو أن الله أسكن الماء بقدرته في ذلك الحيز المخصوص ، فنقول : فلم لا تقول مثله في سكون الأرض وحينئذ يفسد هذا التعليل أيضا.
الإشكال الثالث : أن مجموع الأرض جسم واحد فبتقدير أن يميل بكليته ويضطرب على وجه البحر المحيط لم تظهر تلك الحالة للناس ، فإن قيل : أليس أن الأرض تحركها البخارات المحتقنة في داخلها عند الزلازل ، وتظهر تلك الحركات للناس؟ قلنا : تلك البخارات احتقنت في داخل قطعة صغيرة من الأرض فلما حصلت الحركة في تلك القطعة ، ظهرت تلك الحركة ، فإن ظهور الحركة في تلك القطعة المعينة يجري مجرى اختلاج عضو من بدن الإنسان ، أما لو تحركت كلية الأرض