الممكنات له تأثير استقلالي او تبعي على ممكن آخر ، فلا النار علة للإحراق ولا الشمس سبب للإنارة كما انّ البرودة ليست أثرا للثلج ولا الحلاوة أثر من آثار العسل.
وكلّ ما نشاهده من تلازم خارجي بين النار والإحراق والشمس والإنارة نشأ عن انّه قد جرت عادة الله جلّ وعلا ان يفيض النور مثلا عند ما يوجد الشمس وان يخلق الحلاوة عند ما يخلق العسل ، وإلاّ فليس بين الشمس والنور علاقة علّية ومعلولية وهكذا الكلام في سائر الممكنات التي توهّم انّ بينها علاقة علّية ومعلولية.
هذا وقد ترقى بعضهم وادعى ان حصول العلم بالنتيجة من القياس ليس ناشئا واقعا عن مقدمتي القياس بل لأنّ عادة الله جلّ وعلا قد جرت على إحداث العلم بالنتيجة بعد تأليف القياس وإلاّ فلا علاقة بين النتيجة وبين مقدمتي القياس ، فكما انّ قضيّة « الكلّ أعظم من الجزء » لا تنتج « زوجية الاربعة » فكذلك قضيتا « العالم متغيّر » « وكلّ متغيّر حادث » لا ينتجان « ان العالم حادث ».
ومن هذه النظريّة نشأ القول بالجبر وانّ الأفعال الصادرة عن الإنسان معلولة مباشرة لله جلّ وعلا وليس للإنسان أيّ نحو من أنحاء الدخل في حدوثها ، فكلامه وصلاته وظلمه وعدله وكذبه وصدقه وايمانه وكفره كلها أفعال معلولة لله جلّ وعلا أولا وآخرا ومباشرة واستقلالا.
هذا هو حاصل المراد من نظريّة الجبر ، وهي منافية للبراهين العقليّة ومباينة للأدلة الشرعية القطعيّة ، وبيان ذلك خارج عن المقصود إلاّ انّه قد أوضحنا ما هو المذهب الحقّ في هذه المسألة تحت عنوان « الأمر بين الأمرين ».
* * *