وأما الاستصحاب فقد ذكرت له ثلاثة تقريبات :
التقريب الأول : استصحاب عدم الجعل الثابت قبل الشريعة ، فحينما نشك في وجوب شيء أو حرمة شيء ، فإنّ جعل الوجوب لمّا كان متيقن العدم ـ قبل ان يصدع الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم بالرسالة ـ كان ذلك مستوجبا لجريان استصحاب عدم الجعل في ظرف الشك.
وقد صاغ السيد الخوئي رحمهالله هذا التقريب بصياغة اخرى حاصلها : انّ تشريع الاحكام لم يكن دفعيا بل كان بنحو التدرّج ، وعندئذ لو وقع الشك في جعل المولى الوجوب على شيء فإن لحاظ الصدر الاول من التشريع يورث القطع بعدم جعل الوجوب لهذا الفعل حينذاك فلو وقع الشك بعد ذلك فإنّه يمكن استصحاب عدم الجعل.
والإيراد على هذا التقريب بأنّ عدم الجعل الذي كنا على يقين منه انما هو عدم محمولي بمفاد ليس التامة ، أي انّ المتيقن هو عدم وجود جعل لعدم وجود الشريعة ، وحينئذ لا يكون استصحابه منتجا للعدم النعتي إلاّ بناء على حجيّة الأصل المثبت ، بمعنى انّ استصحاب عدم الجعل المحمولي ينتج عدم الجعل المحمولي ولازمه عدم الجعل النعتي المنتسب للشريعة ، فحينما نشك في ايجاب الشارع لصلاة الجمعة فإنّ عدم وجوب صلاة الجمعة في الشريعة ليست له حالة سابقة متيقنة حتى تستصحب ، نعم نحن على يقين من عدم وجوب صلاة الجمعة حينما لم تكن شريعة إلاّ انّ ذلك لا ينفع لمعالجة الشك الفعلي ، إذ انّ الشك الفعلي في وجوب صلاة الجمعة انّما هو شك في عدم الوجوب المنتسب للشريعة والمستصحب انما هو عدم الجعل الثابت قبل الشريعة ، نعم لو كنّا نبني على حجيّة اللازم العقلي للمستصحب لكان استصحاب عدم الجعل الثابت