تأثيره عن المفيض
الاول ، فالنار مستقلة في تأثيرها للإحراق كما انّ النور مستقل في تأثيره للإنارة
، وهكذا الإنسان فإنّه مستقل في تأثيره للأفعال الصادرة عنه.
ومن هنا قالوا :
لو افترض انعدام الله ـ تعالى عما يقولون علوا كبيرا ـ لما أدى ذلك الى اختلال
عالم الوجود ، إذ انّ الله جلّ وعلا لم يكن سوى علة الايجاد والمفيض للعلة الاولى
، وأما البقاء والتأثير في عالم الممكنات فهو مستقل عنه.
ومن هنا عبّر عن
هذا الفرقة بالمفوضة ، فهي وان أرادت بهذا المذهب التفصّي عن محذور سلب العدل عن
الله سبحانه وتعالى إلاّ انها وقعت في محذور آخر لا يقلّ شأنا عن المحذور الاول
حيث سلبت عن الله جلّ وعلا سلطنته المطلقة عن مملكته.
وفي مقابل هاتين
النظريتين ذهب الامامية ـ رفع الله شأنهم ـ الى نظرية الأمر بين الأمرين ، وهي
مستفادة من أئمتهم المعصومين عليهمالسلام ، وهي برزخ بين النظريتين ، ومعها يتحفّظ على الإيمان
بعدالة الله جلّ وعلا وعلى سلطنته المطلقة.
وحاصل هذه النظرية
على ما أفاده السيد الخوئي رحمهالله ان صدور الفعل عن العباد منوط بأمرين :
الأمر
الاول : ان يكون العبد
واجدا للحياة والعلم والقدرة والإرادة وما الى ذلك ، وكلّ ذلك مفاض من قبل الله
جلّ وعلا ، وهذه الإفاضة لا تختص بالإحداث والايجاد فحسب ، بل هي فيض بعد فيض ،
فالفقر الذاتي للإنسان ـ ولسائر الممكنات ـ يستوجب احتياجه الى مفيض الوجود جلّ
وعلا حدوثا واستمرارا.
وبتعبير آخر : انّ
وجود الإنسان بالنسبة لوجود الله جلّ وعلا وجود ربطي تعلّقي ، أي انّ وجوده عين
الربط وعين التعلّق لا أنهما شيئان متغايران