وهذا المقدار لا
إشكال فيه ، انّما الإشكال من جهة حقيقة هذا الاستعمال ، فقد ذهب المحقق صاحب
الكفاية رحمهالله الى انّ حقيقة الاستعمال هي إفناء اللفظ في المعنى حتى
كأنّ الملقى هو المعنى ابتداء. ومعنى ذلك انّ اللفظ يلاحظ باللحاظ الآلي المرآتي
ويكون المعنى ملحوظا باللحاظ الاستقلالي.
فالآلية بالنسبة
للفظ تعني طريقيته لالقاء المعنى ، فيكون أشبه شيء بالمرآة حيث يكون النظر اليها
وسيلة للنظر الى المنكشف عنها ، فهي فانية في منكشفها وكأن المنظور اليه هو
المنكشف ولهذا تكون المرآة مغفولا عنها حين النظر الى مرئيها ، وهذا هو المراد من
انّ لحاظ المعنى يكون لحاظا استقلاليا.
ومن هنا يكتسب
اللفظ ما للمعنى من حسن وقبح وما ذلك إلاّ لتهالك اللفظ وفنائه في معناه.
المعنى
الآخر للاستعمال : وهو عبارة عن جعل اللفظ علامة على المعنى ، فهو أشبه شيء بالعلامات
الموضوعة على الطرقات لبيان انّها سالكة أو مغلقة وكالإشارات التي يحدثها الأخرس
لغرض تفهيم مراداته.
واذا كان اللفظ
كذلك فلا يلزم ان يكون لحاظه آليا ، إذ من الممكن جدا ان يلحظ بشكل استقلالي
ويتأدى منه الغرض وتفهيم المعنى المراد. وهذا هو الذي مال اليه السيد الخوئي رحمهالله كما يستظهر من عبائره. ونبه على ذلك بما هو مشاهد عند إلقاء القصائد والخطب
البليغة ، إذ انّ ألفاظها وتراكيبها تلحظ لحاظا استقلاليا ومع ذلك يكون المتكلم
قاصدا تفهيم معانيها.
وبما ذكرناه يتضح
انّ الاستعمال بكلا معنييه متقوّم بالإرادة الاستعمالية ، وهذا ما أوضحناه تحت
عنوان « الإرادة الاستعمالية ».
وأما شروط
الاستعمال فسنبحثها تحت عنوان « الاستعمال وشروطه ».