ومن هنا يتعين الاحتمال الثاني ، إذ هو الذي لا يرد على الإشكال الوارد على الاحتمال الاول كما لا يرد عليه الإشكال الوارد على الاحتمال الثالث ، فمن المناسب جدا ان يقال حين ترجيح أحد الدليلين بما يلائم الطبع والمذاقات العامة من المناسب انّ يقال انّ الترجيح تم بالاستحسان ، على انّ هذا الاحتمال هو المناسب لبعض التعريفات المذكورة للاستحسان.
ثم انّه لو افترضنا جدلا ان الاحتمال الثالث هو المتعيّن لكان علينا ان نمارس عملية الاستذواق لغرض تشخيص الدليل الاقوى ولو في الحالات التي لا يكون معها مرجح آخر ، كما لو تعارض خبران ولم يكن ثمة مرجح من المرجحات الاخرى فإنّ علينا ان نلاحظ ما هو الدليل المناسب لمقتضيات الذوق وملائمات الطبع ، وهذا هو المستفاد مما ذكره السرخسي في مبسوطه ، حيث ذكر ان من تعريفات الاستحسان هو « طلب السهولة في الاحكام مما يبتلي به الخاص والعام » وكذلك ما نقله عن بعض من انّ الاستحسان هو « الأخذ بالسماحة وانتفاء ما فيه الراحة » « والأخذ بالسعة وابتغاء الدعة » ، فإنّ هذه التعريفات تعبّر عن انّه يحوم في حمى الاحتمال الذي رجّحناه أو يكون الاستحسان متضمنا للمعنى الذي ذكرناه.
وأما احتمال ان تكون الآلية لتشخيص الدليل الأقوى هو مجموع المرجحات باستثناء ما ذكرناه في الاحتمال الثاني فهو وان كان معقولا إلاّ انّه يتنافى ـ كما ذكرنا ـ مع عدّ الاستحسان مرجحا في عرض المرجحات الاخرى وفي حالات يكون في طولها مما يؤكد عدم إرادة هذا الاحتمال.
المعنى الخامس : وهو ما نقل عن المالكيّة من انّ الاستحسان هو