الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

الشيخ علي المروّجي القزويني

الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

الشيخ علي المروّجي القزويني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الاتيان بالمنافي المطلق واما أن يحصل قبله ، وعلى كلا التقديرين اما أن يكون طرفا العلم غير الركعة الاخيرة واما أن يكون الركعة الاخيرة. وعلى التقدير الثاني ان الركعة الاخيرة اما ان تكون من أطراف العلم يقينا. كما اذا كان أطراف العلم ثنائيا واما احتمالا كما اذا كان أطراف العلم ثلاثيا ، فصور المسألة ستة.

(الصورة الاولى) ما اذا حصل العلم بعد الاتيان بالمنافي وكان طرفا العلم غير الركعة الاخيرة.

فتارة يتكلم فيها على مسلك المشهور القائلين بتمامية قاعدة التجاوز ، واخرى على المسلك المنصور حيث بينا في محله عدم قيام دليل على قاعدة التجاوز وليس لنا الا قاعدة الفراغ.

أما على الاول فنقول : ان مقتضى التحقيق جريان قاعدة التجاوز في السجدة الاولى من الركعة الاولى ، ولا تعارضها قاعدة التجاوز في السجدة الثانية من الركعة الثانية ، لان مفاد القاعدة الجارية في السجدة الاولى من الركعة الاولى هي الصحة ، ومفاد القاعدة الجارية في السجدة الثانية من الركعة الثانية هو التمام. والاصل المصحح مقدم على الاصل المتمم.

وتوضيح ذلك : ان العلم الإجمالي بترك السجدتين ينحل الى علم تفصيلي بعدم اتيان السجدة الثانية من احدى الركعتين وباتيان

٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

السجدة الاولى من احداهما ، اذ على فرض عدم الاتيان بالسجدتين من ركعتين فقد ترك السجدة الثانية من كلتا الركعتين وأتى بالسجدة الاولى من كلتا الركعتين ، وعلى فرض عدم الاتيان بهما من ركعة واحدة فقد ترك السجدة الثانية. أيضا من احدى الركعتين وأتى بالاولى من احدى الركعتين ، فالترك للسجدة الثانية من احدى الركعتين معلوم تفصيلا سواء ترك السجدتين من ركعة واحدة أو من ركعتين ، وكذا الاتيان بالسجدة الاولى من احدى الركعتين معلوم سواء ترك السجدتين من ركعة أو من ركعتين.

وصفوة الكلام : ان العلم الإجمالي في المقام يرجع الى العلم التفصيلي بعدم اتيان السجدة الثانية من احدى الركعتين وباتيان السجدة الاولى من احداهما والى الشك بأن السجدة الاخرى التي تركها هل هي أولى السجدة الثانية التي لم يأت بها قطعا لتكون صلاته باطلة أو ثانية السجدة الاولى التي أتى بها قطعا ، فتكون صلاته صحيحة.

هذا واضح بحسب الكبرى ، انما الكلام في تعيين ما علم عدم الاتيان بسجدتها الثانية بأنها هي الركعة الاولى كي يكون النقص في تلك الركعة موجبا لبطلان الصلاة أم هى الركعة الثانية فيشك في صحة الركعة الاولى من جهة النقص في سجدتها الثانية وعدمه ، فنقول : ان مقتضى قاعدة التجاوز عدم كون السجدة التي تركها من الركعة الاولى ، فمقتضاها هو الحكم بتحقق السجدتين في الركعة

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الاولى ، فتصح صلاته. ولا تعارضها قاعدة التجاوز في الركعة الثانية ، بأن يقال ان مقتضاها عدم كون السجدة التي تركها من الركعة الثانية فمقتضاها تمام السجدتين ، اذ القاعدة الاولى مصححة للصلاة والقاعدة الثانية متممة للسجدتين من الركعة الثانية ، والاصل المتمم لا يصلح لمعارضة الاصل المصحح ، للعلم بعدم سقوط أمر السجدة اما لبطلان الصلاة على تقدير تركهما من الركعة الاولى أو لعدم الاتيان بها. أما على المسلك المنصور فتجري قاعدة الفراغ ولا تعارضها قاعدة الفراغ في الصلاة ، فلا تجب الاعادة ، لكن حيث يعلم المصلي بترك سجدتين يجب عليه الاتيان بقضائهما وسجدتي السهو مرتين.

(الصورة الثانية) ما اذا حصل العلم بعد الاتيان بالمنافي وكانت الركعة الاخيرة من أحد طرفي العلم يقينا ، والمستفاد من كلام صاحب المستمسك البطلان اما لنقص الركن أو لوقوع المنافي في الاثناء.

(الصورة الثالثة) ما كانت الركعة الاخيرة من أطراف العلم احتمالا. الكلام فيه هو الكلام في الصورة الاولى.

(الصورة الرابعة) ما اذا حصل العلم قبل الاتيان بالمنافي وكان طرفا العلم غير الركعة الاخيرة ، فهو مجرى قاعدة التجاوز على

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المشهور وقاعدة الفراغ على المسلك المنصور. وتقريبهما كما مر في الصورة الاولى. وحيث انه يعلم بترك سجدتين يجب عليه قضاؤهما والاتيان بسجدتي السهو مرتين.

(الصورة الخامسة) ما اذا كانت الركعة الاخيرة من أطراف العلم يقينا ـ كما كان أطرافه ثنائيا بأن كانت الفائتتان مرددتين بين أنهما فاتتا اما من الركعة الثالثة أو من الاخيرة أو واحدة منها وواحدة من الاخيرة فيرجع ويأتى بالسجدتين لكون الشك بالنسبة اليهما شكا في المحل وتجري قاعدة الفراغ في الركعات السابقة على المختار وقاعدة التجاوز على المشهور ويحكم بصحة الصلاة بلا وجوب سجدتي السهو اذ لا يعلم بزيادة شيء. واستصحاب عدم الاتيان بالسجدتين لا يثبت زيادة ما أتى به من السلام والتشهد الا على القول بالاصل المثبت.

(الصورة السادسة) ما كانت الركعة الاخيرة من أطراف العلم احتمالا ، وهو كما اذا كان أطراف العلم ثلاثيا ، كما اذا علم فوات السجدتين اما من الركعتين الاخيرتين واما من الركعة الثانية والثالثة ، وحينئذ لا بد من العمل بمقتضى العلم الإجمالي ، لوقوع التعارض بين الاطراف. ولا يكون احدى القاعدتين بالنسبة الى الاخرى من قبيل الاصل المصحح ، فيكون الشك في المحل بالنسبة الى السجدة الاخيرة ، فلا بد أن يأتى بها وما قبلها بأصالة عدم اتيانهما ثم يقضى السجدتين

٦٤

ولكن الاحوط قضاء السجدة مرتين وكذا سجود السهو مرتين اولا ثم الاعادة (١) وكذا يجب الاعادة اذا كان ذلك في أثناء الصلاة (٢) ، والاحوط اتمام الصلاة وقضاء كل منهما وسجود السهو مرتين ثم الاعادة.

______________________________________________________

ويسجد سجدتي السهو مرتين ولا يضر العلم بمخالفته للواقع ، اذ لا يلزم منه مخالفة عملية.

ولا يترتب على هذا الاستصحاب كون السلام والتشهد زيادة الاعلى القول بالاصل المثبت.

(١) الحق في المقام هو التفصيل الذي عرفته آنفا. نعم الاحتياط طريق النجاة.

(٢) أقول : ان حصول العلم للمصلي قد يكون بعد تجاوز المحل الذكري أو الشكي وقد يكون قبله ، فللمسألة صور :

(الصورة الاولى) أن تكون أطراف العلم ثلاثة وقد حصل في المحل الشكي ، كما لو علم وهو جالس في الثانية بالفوات ولم يدر أنهما من الاولى أو من الثانية أو واحدة من الاولى وأخرى من الثانية ، فمقتضى الاصل بالنسبة الى السجدتين الاولتين هو الحكم بتحققهما وأما بالنسبة الى الثانية فالشك في المحل. ولا مجال لجريان القاعدة وعليه أن يأتي بالسجدتين ويتم الصلاة ولا شيء عليه.

٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

(الصورة الثانية) ما لو كان المحل الذكري باقيا ، بأن كان الشك بعد الدخول في التشهد ، فان كانت الركعة الاخيرة طرف الاحتمال ـ بأن كان أمر الفائت دائرا بين أن يكون من الركعات السابقة والركعة الاخيرة ولا يحتمل أن يكون احدى السجدتين من الركعة الثالثة والاخرى من الثانية ـ فلا مناص من الرجوع والتدارك ، للعلم بأنه اما تكون الصلاة باطلة واما يجب التدارك ، فجريان القاعدة بالنسبة الى الركعات السابقة بلا معارض ولا يجب سجود السهو للتشهد الزائد كما مر.

لكن يتوجه اشكال في المقام ، وهو أن الفائت ان كان من السابقة بطلت الصلاة ، وان كانت من الاخيرة وجبت سجدة السهو.

والاصول في الاطراف متعارضة ، فان مقتضى قاعدة الفراغ عدم وجوب الاعادة وعدم قضاء السجدة وعدم سجدتي السهو للنقيصة ، كما أن مقتضى اصل البراءة عدم وجوب سجدتي السهو للزيادة.

وبعبارة أخرى : هذا العلم له أطراف ثلاثة : أحدها احتمال نقصانهما من السابقة فالنتيجة البطلان ، وثانيها النقصان من السابقة واللاحقة فالنتيجة وجوب القضاء وسجود السهو للنقيصة والزيادة ، وثالثها النقصان من الاخيرة والنتيجة وجوب سجدتي السهو للزيادة

٦٦

(الخامسة عشرة) ان علم بعد ما دخل في السجدة الثانية مثلا انه اما ترك القراءة أو الركوع أو أنه اما ترك سجدة من الركعة السابقة أو ركوع هذه الركعة وجب عليه الاعادة (١. لكن الاحوط هنا أيضا اتمام الصلاة وسجدتا

______________________________________________________

ومقتضى العلم الإجمالي العمل بأطرافه.

(الصورة الثالثة) أن تكون أطراف العلم ثلاثة وقد حصل العلم بعد فوات محل التدارك ، فالظاهر أنه لا مانع من جريان قاعدة الفراغ واستصحاب عدم الاتيان ، ويترتب عليه وجوب قضاء سجدتين والاتيان بسجدتي السهو للنقيصة.

هذا على ما سلكناه ، وأما على مسلك القوم فتجرى قاعدة التجاوز.

وقد ظهر من مجموع ما ذكرناه حكم ما لو كان أطراف العلم ثنائيا.

(١) والوجه في ذلك معارضة قاعدة التجاوز الجارية في الركوع للقاعدة الجارية في القراءة وفي السجدة من الركعة السابقة ، فتصل النوبة الى استصحاب عدم الاتيان بالركوع ، ولا يعارضه استصحاب عدم الاتيان بالقراءة أو السجدة بعد عدم استلزامه جريانه فيهما مخالفة عملية ، مع أنه لا أثر له بعد جريانه في الركوع المقتضي لبطلان الصلاة ، فينفي وجوبهما بأصل البراءة.

٦٧

السهو في الفرض الاول وقضاء السجدة مع سجدتي السهو في الفرض الثانى ثم الاعادة (١) ، ولو كان ذلك بعد الفراغ

______________________________________________________

ويرد عليه : انا لا نسلم تعارض قاعدتي التجاوز في المقام ، اذ القاعدة الجارية في الركوع اصل مصحح والقاعدة الجارية في القراءة أو السجدة أصل متمم ، والاصل المتمم لا يصلح لمعارضة الاصل المصحح ، للعلم بمخالفة المتمم للواقع المانع عن التعبد ، فان السجدة من الركعة السابقة يعلم بعدم امتثال أمرها اما للبطلان أو لعدم الاتيان بها ، فلا مجال لجريان قاعدة التجاوز فيها ، وكذا لا يجرى التجاوز في القراءة بعين ما تقدم في السجدة.

هذا على مبنى المشهور القائلين بتمامية قاعدة التجاوز ، وأما على المسلك المنصور فلا بد من التفصيل بين الفرعين ، بأن يقال في الفرع الاول تجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى احتمال نقصان الركوع بلا معارض وبمقتضى الاستصحاب يحكم بعدم القراءة ويترتب عليه وجوب سجدتي السهو ، وأما الفرع الثاني فلا يمكن اجراء قاعدة الفراغ بالنسبة الى الركعة التي بيده لأنه لم يمض ولم يتجاوز عنها فلم يتحقق موضوع قاعدة الفراغ ، فالنتيجة بطلان الصلاة لاستصحاب عدم الاتيان بالركوع.

(١) يمكن أن يكون الوجه في الاحتياط تعارض القاعدة وسقوطها بالمعارضة ، فالمصلى يعلم بأنه اما مخاطب بخطاب أعد أو مخاطب

٦٨

من الصلاة فكذلك (١).

(السادسة عشرة) لو علم بعد الدخول في القنوت قبل أن يدخل في الركوع أنه اما ترك سجدتين من الركعة السابقة أو ترك القراءة وجب عليه العود لتداركهما والاتمام ثم الاعادة (٢) ويحتمل الاكتفاء بالاتيان بالقراءة والاتمام

______________________________________________________

بالاتيان بقضاء السجدة وسجدتي السهو في فرض وباتيان سجدتي السهو فقط في فرض آخر ، ولا يقطع ببطلان صلاته ، فيجمع بين الاعادة والقضاء وسجود السهو.

(١) لوحدة الملاك. نعم التشقيق الذي ذكرناه لا مجال له هنا ، اذ المفروض تحقق الفراغ من الصلاة ، فقاعدة الفراغ موضوعها محرز. فلاحظ.

(٢) أقول : اما وجوب العود لتداركهما فلاستصحاب عدم الاتيان بهما مع بقاء محلهما الذكري بعد سقوط قاعدة التجاوز بالتعارض ، اذ جريانها في سجدتين يعارض جريانها في القراءة. واما الاعادة فلانه بعد اعادتهما يعلم اجمالا بأنه اما زاد سجدتين فتكون صلاته باطلة أو زاد قراءة فتجب عليه سجدتا السهو لزيادة القراءة فيعلم بوجوب الاعادة أو سجود السهو بعد الاتيان.

وأورد عليه السيد الحكيم «قده» في المستمسك : بأن أصالة عدم الاتيان بهما تسقط للمعارضة بأصالة عدم القراءة لان العمل على

٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

طبقها في الطرفين يوجب العلم بالزيادة المذكورة.

وفيه : ان مجرد العلم بتحقق الزيادة لا يوجب بطلان الصلاة اذا كان عن جهل ، والمفروض أنه في المقام كذلك ، فان المصلي حين الاتيان بالسجدتين أو القراءة لا يعلم بزيادتهما ، وحصول العلم بها بعده لا يوجب البطلان ، فلا وجه لرفع اليد عن الاستصحاب المذكور.

وان شئت قلت : انه يعلم اما يحرم عليه القطع ويجب الاتيان بسجدتي السهو لأجل زيادة القراءة أو يجب عليه الاعادة فلا بد من الاتيان بالاطراف.

وأورد عليه سيدنا الاستاذ دام ظله : ان العلم الإجمالي منحل هنا ، اذ الاصل الجاري في أحد الاطراف مثبت للتكليف وهو الاشتغال بالنسبة الى الاعادة ، وفي الطرف الاخر ناف له وهو البراءة عن وجوب سجدتي السهو ، فينحل العلم ويجب عليه الاعادة فقط.

وفيه : ان ما ذكره مسلم بحسب الكبرى ، فان العلم الإجمالي غير منجز فيما اذا كان الاصل الجاري في أحد الطرفين مثبتا وفي الطرف الاخر نافيا ، الا أن الكبرى المذكورة لا تنطبق على المقام ، اذ الاصل الجاري هنا هو أصالة عدم الاتيان بهما ، ومعها فلا مجرى

٧٠

من غير لزوم الاعادة اذا كان ذلك بعد الاتيان بالقنوت ، بدعوى ان وجوب القراءة عليه معلوم لأنه اما تركها او ترك السجدتين ، فعلى التقديرين يجب الاتيان بها ويكون الشك بالنسبة الى السجدتين بعد الدخول في الغير الذى هو القنوت (١) واما اذا كان قبل الدخول في القنوت فيكفى

______________________________________________________

للاشتغال كي تجرى البراءة عن وجوب سجدتي السهو ، فيجب العود بحكم الاستصحاب ، واذا اعاد وتداركهما يحصل العلم بالزيادة. ولا موجب لانحلال العلم على التقريب المذكور.

والحق في المقام أن يقال بجريان قاعدة التجاوز بالنسبة الى السجدتين على مبنى المشهور لدخوله في القيام وبقاعدة الفراغ على المسلك المنصور ، وأما القراءة فيجب الاتيان بها قطعا ، اما لعدم الاتيان بها أصلا واما لعدم وقوعها في محله على تقدير ترك السجدتين.

(١) اما الاكتفاء بالقراءة وعدم لزوم الاعادة فهو الصحيح كما بيناه ، ولا وجه لذكره بعنوان الاحتمال ، بل هو المتعين. انما الكلام في صدق التجاوز بالدخول في القنوت.

أفاد سيدنا الاستاذ دام ظله أنه : لا يصدق التجاوز في المقام ، لأنه ليس القنوت الواقع على وفق أمره اما لإتيانه به قبل القراءة أو قبل السجدتين ، فلم يدخل المصلي في الغير المترتب الشرعي بل بالنسبة الى القراءة شك في المحل.

٧١

الاتيان بالقراءة ، لان الشك فيها في محلها وبالنسبة الى السجدتين بعد التجاوز وكذا الحال لو علم بعد القيام الى الثالثة أنه اما ترك السجدتين او التشهد (١) او ترك سجدة

______________________________________________________

ويرد عليه أنا قد بينا في محله عدم قيام دليل على اعتبار الترتب الشرعي في صدق التجاوز ، بل يكفي مطلق الترتب ، وهو يتحقق بالدخول في القنوت ، لأنه مترتب على السورة وهي مترتبة على القراءة فالمترتب على المترتب على شيء مترتب على نفس ذلك الشىء.

أضف الى ذلك كله أنه لا حاجة في تحقق التجاوز الى الدخول في القنوت ، بل الدخول في القيام كاف في صدقه ، كما هو المستفاد من صحيحة اسماعيل بن جابر عن أبى عبد الله عليه‌السلام في حديث قال : ان شك في السجود بعد ما قام فليمض (١).

(١) يعني لو علم حال القيام أنه اما ترك السجدتين أو التشهد فعليه أن يرجع ويأتي بالتشهد ، لأنه اما لم يأت به واما أتى في غير محله ، فلا يمكن اجراء قاعدة التجاوز بالنسبة اليه بعد العلم بعدم سقوط أمره. وأما السجدتان فتجرى قاعدة التجاوز فيهما لأنه شاك فيهما بعد الدخول في الغير وهو القيام.

وهذ التقريب مبنى على أن القيام يعتبر لغوا بالنسبة الى التشهد ،

__________________

(١) الوسائل ، الجزء ٤ الباب ١٥ من ابواب السجود الحديث ٤.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن يمكن أن يقال انه بعد لغوية القيام لا تجري بالنسبة الى السجدتين أيضا ، لأنه لم يدخل في الجزء المترتب ، فيكون مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان لا بالسجدتين ولا بالتشهد ، فيجب تدارك كليهما.

وأما ما أفاده السيد الحكيم في المستمسك في المقام بأنه لا يجري استصحاب العدم في الاطراف لتحقق الزيادة. لا يرجع الى محصل ، اذ المفروض أن المصلي لم يتعمد أن يزيد في صلاته فلا توجب البطلان. غاية الامر بعد الاتيان بالسجدتين والتشهد يعلم اجمالا اما زاد السجدتين فبطلت صلاته أو زاد التشهد فيحرم ابطال الصلاة ويجب الاتيان بسجدتي السهو مرة ، فمقتضى العلم الإجمالي ان يتم الصلاة ويأتي بالسجدتين ويعيد.

والعجب من سيدنا الاستاذ حيث سلم في المقام أن العلم الإجمالي بالنحو المذكور ينجز الاطراف كما ذكرناه ، وناقض كلامه قبلا حيث قال : ان العلم لا ينجز ، بدعوى أن قاعدة الاشتغال تقتضي الاعادة ، ففي طرف يكون الاصل مثبتا وفي الطرف الاخر نافيا ، وفي المقام خالف ما بنى عليه قبلا ولكن مع ذلك أفاد بأنه لا مانع من قطع الصلاة لعدم دليل على حرمته فيما لا يمكن الاقتصار على ما بيده ، مضافا الى أن أصل البراءة يقتضي الجواز.

وفيه : انه مضافا الى أن تقييد الحرمة بهذا النحو بلا وجه ، فان

٧٣

واحدة او التشهد (١) ، واما لو كان قبل القيام فيتعين الاتيان

______________________________________________________

الدليل الدال على حرمة الابطال مطلق وهو ما رواه حريز عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : اذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة فاتبع غلامك أو غريمك واقتل الحية (١).

أن البراءة لا مجال لها ، اذ كما ذكرناه أن حرمة القطع ووجوب سجدتي السهو طرف للعلم الإجمالي من طرف ووجوب الصلاة من طرف آخر. فلا تغفل.

ولا يخفى أنه يمكن الاتيان بالوظيفة بنحو لا يحصل العلم الإجمالي المزبور ، وهو أن يأتي المصلي بالسجدتين والتشهد رجاء ، فانه في هذه الصورة لا وجه للبطلان ، اذ الزيادة متقومة بقصد الجزئية. والاستصحاب يقتضي عدم الاتيان ، حيث ان مقتضاه عدم تحقق المأمور به ، ولا موجب لقصد الجزئية ، بل لا بد من قصد الرجاء اذ المصلى يعلم بأنه اما لا يجوز له أن يأتي بالسجدتين ان ترك التشهد اذ الاتيان بهما يوجب البطلان أو تجب عليه سجدتا السهو مرة ان لم يأت بالسجدتين ، فلا بد من الاتيان بالسجدتين احتمالا وكذلك التشهد.

(١) أفاد سيدنا الاستاذ بأنه لا يحتمل وجوب الاعادة في هذا الفرض ، بل بعد الاتيان بهما يقطع بوجوب سجدتي السهو عليه.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٤ الباب ٢١ من أبواب قواطع الصلاة الحديث ١.

٧٤

بهما مع الاحتياط بالإعادة (١).

(السابعة عشرة) اذا علم بعد القيام الى الثالثة أنه ترك التشهد وشك في أنه ترك السجدة أيضا أم لا ، يحتمل أن يقال يكفى الاتيان بالتشهد ، لان الشك بالنسبة الى السجدة بعد الدخول في الغير الذى هو القيام فلا اعتناء به (٢) والاحوط الاعادة بعد الاتمام سواء أتى بهما أو بالتشهد

______________________________________________________

لكن نقول : انه يعلم اجمالا اما بعدم جواز الاتيان بالسجدة الواحدة لأنها زيادة في المكتوبة أو يجب عليه سجدتا السهو ، فطريق النجاة في كلتا الصورتين أن يقصد الاحتياط والرجاء.

(١) اما الاتيان بهما فلبقاء المحل بالنسبة الى كلا الجزءين ، وأما الاحتياط بالاعادة فلما ذكرناه من العلم الإجمالي. لكن يمكن التخلص عن الاعادة بما ذكرناه آنفا فلاحظ.

ولا يخفى أنه في فرض الدخول في القنوت تجب عليه سجدتا السهو لزيادته على القول بوجوبها لكل زيادة ، كما أن الامر كذلك فيما لو دخل في القيام ورجع لأجل التدارك ، فان القيام صار زائدا.

وعليه لو تدارك السجدتين والتشهد يعلم اجمالا اما بوجوب الاعادة أو بحرمة الابطال ووجوب سجدتي السهو مرتين مرة للزيادة الحاصلة من التدارك ومرة للقنوت أو القيام.

(٢) أقول : منشأ الترديد في كفاية الاتيان بالتشهد هو الترديد في

٧٥

فقط (١).

______________________________________________________

صدق التجاوز بالدخول في القيام ، فانه قدس‌سره احتمل اعتبار الدخول في الغير المترتب شرعا على المحل المشكوك وعدم كفاية الدخول في مطلق الغير. والقيام هنا ليس مترتبا شرعا على المحل المشكوك ، للحكم بلغويته من جهة عدم وقوعه في محله بعد فوات التشهد ، وحيث انه لم يكن القيد المذكور مسلما عنده ـ لاحتمال كفاية مطلق الدخول في الغير ـ لم يحكم بكفايته جزما بل ذكره بنحو الاحتمال.

أفاد سيدنا الاستاذ دام ظله في هذا المقام أنه بعد العود لإتيان التشهد يكون شكه بالنسبة الى السجدة شكا في المحل.

ويرد عليه : أنه لو سلم جريان القاعدة بعد الدخول في القيام فلا أثر للعود ، اذ الشىء لا ينقلب عما هو عليه ، واذا لم تجر القاعدة فان شكه بالنسبة الى السجدة شك في المحل حتى قبل العود فلا وجه لتقييده لما بعد العود.

هذا كله على المسلك المشهور ، واما على المسلك المنصور فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ بالنسبه الى الركعة ، فلا بد أن يرجع ويأتي بالتشهد.

(١) أما على تقدير الاتيان بالسجدة والتشهد فلاحتمال صدق الزيادة العمدية ، وأما على تقدير الاتيان بالتشهد فقط فلاحتمال

٧٦

(الثامنة عشرة) اذا علم اجمالا أنه أتى بأحد الامرين من السجدة والتشهد من غير تعيين وشك في الاخر ، فان كان بعد الدخول في القيام لم يعتن بشكه ، (١) وان كان قبله يجب عليه الاتيان بهما لأنه شاك في كل منهما مع بقاء المحل ولا يجب الاعادة بعد الاتمام وان كان أحوط (٢).

______________________________________________________

النقيصة. لكن لا وجه للاحتياط المذكور بحسب الصناعة ، اذ مع الشك لا يتحقق عنوان الزيادة أو النقيصة ، وبمقتضى الاستصحاب يحكم بعدم الاتيان ووجوب التدارك. نعم لا بد من الاتيان بسجدتي السهو للقيام الزائد على القول بوجوبهما لكل زيادة ونقيصة.

(١) أقول : تارة يبحث على المسلك المشهور وأخرى على المختار ، وأما على الاول فلجريان قاعدة التجاوز في كل واحد من السجدة والتشهد ، وأما على الثاني فلا بد أن يأتي بالتشهد فقط لجريان قاعدة الفراغ بالنسبة الى الركعة والاتيان بسجدتي السهو للقيام الزائد.

(٢) بتقريب أن مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بشىء منهما فيجب تداركهما.

ويرد عليه أنه لا وجه للحكم بوجوب الاتيان بالسجدة للقطع بعدم وجوبها ، اما لأجل الاتيان بها أو لأجل ان الشك فيه شك بعد الدخول الى التشهد وكان محكوما بالاتيان بقاعدة التجاوز هذا

٧٧

(المسألة التاسعة عشرة) اذا علم أنه اما ترك السجدة من الركعة السابقة او التشهد من هذه الركعة ، فان كان جالسا ولم يدخل في القيام أتى بالتشهد وأتم الصلاة وليس عليه شيء (١) وان كان حال النهوض الى القيام (٢) أو بعد الدخول

______________________________________________________

على المشهور ، وأما المختار فقد اتضح مما بيناه آنفا.

ولنا أن نقول : أن المكلف يعلم اجمالا اما يحرم عليه الاتيان بالسجدة لكونها زيادة أو تجب عليه سجدة السهو لزيادة التشهد ، فيجب عليه أن يتشهد ويتم ثم يعيد صلاته للاشتغال أو الاستصحاب. ولكن يمكن أن يقال انه يكتفى بالتشهد وحده ولا يعيد صلاته.

(١) أقول : أما اتيانه بالتشهد فلان شكه بالنسبة اليه شك في المحل فيجب عليه اتيانه بمقتضى استصحاب عدم اتيانه ، وأما السجدة من الركعة السابقة فتجرى فيها قاعدة التجاوز بلا معارض. وهكذا على القول المنصور ، اذ لا مانع من جريان قاعدة الفراغ بالنسبة الى الركعة السابقة واثبات الاتيان بالسجدة فيها بالقاعدة.

(٢) يقع الكلام تارة في حال النهوض وأخرى في حال القيام ، اما الاول فلا مانع من صدق التجاوز ، لما عرفت من أنه يصدق التجاوز بالدخول في الغير المترتب وان لم يكن ترتبه شرعيا ، ولكن في المقام رواية تدل على عدم كفاية الترتب غير الشرعي ، وهو

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ما رواه عبد الرحمن بن أبى عبد الله قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل رفع رأسه عن السجود فشك قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد. قال : يسجد. قلت : فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد. قال : يسجد (١). بتقريب أنه يستفاد من هذه الرواية عدم كون النهوض موجبا لصدق التجاوز ، ومن المعلوم أن خصوص النهوض لا خصوصية له ، فيكون عدم كفايته من باب أن الترتب بين النهوض وما قبله لا يكون شرعيا ، فيستكشف من ذلك اعتبار الترتب الشرعي في صدق التجاوز.

وفي مقابل هذه الرواية رواية أخرى تدل على كفاية الهوي الى السجدة في عدم الاعتناء بالشك في الركوع ، وهو أيضا ما رواه عبد الرحمن بن أبى عبد الله قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أهوى الى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع. قال : قد ركع (٢).

وجمع المحقق النائيني بين الروايتين بأن النسبة بين الصحيحتين بالنص والظاهر ، فان قوله «أهوى الى السجدة» ظاهر في كونه قبل الوصول الى السجدة ، بخلاف قوله «وشك فيها قبل أن يستوي

__________________

(١) الوسائل ، الجزء ٤ الباب ١٥ من ابواب السجود الحديث ٦.

(٢) الوسائل ، ج ٤ الباب ١٣ من ابواب الركوع الحديث ٦.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

جالسا» فانه صريح في عدم وصوله الى القيام. ولكنه قابل للمناقشة ، اذ مجرد كون احدى الروايتين نصا لا يوجب تقديمها على الاخرى ما لم يصل الى حد القرينة.

هذا ما نسب اليه المقرر في فروع العلم الإجمالي ، الا أنه نقل عنه في فوائد الاصول وفي مصباح الاصول جمع آخر بينهما ، وهو أن صحيحة عبد الرحمن مطلقة من حيث الوصول الى السجود وعدمه وتكون موثقة اسماعيل بن جابر المتقدمة مقيدة لإطلاقها.

وأورد عليه سيدنا الاستاذ دام ظله : ان الموثقة غير صالحة لتقييد الصحيحة ، اما من حيث المنطوق فواضح اذ لا منافاة بين الحكم بعدم الاعتناء بالشك في الركوع بعد الدخول في السجود وبين الحكم بعدم الاعتناء بالشك في الركوع بعد الهوى الى السجود مطلقا سواء وصل الى السجود أم لا ، واما من حيث المفهوم فلان مفهوم الشرط في قوله عليه‌السلام «ان شك في الركوع بعد ما سجد» ان لم يشك في الركوع بعد ما سجد فيكون الحكم في المفهوم منتفيا بانتفاء الموضوع وهو الشك.

وقال بعد ذلك : والصحيح في الجواب عن الصحيحة أن يقال : ان دلالتها غير تامة على المدعى في نفسها ، وهو جريان قاعدة التجاوز في الشك في الركوع بعد الدخول في الهوي مع عدم الوصول الى السجود ، وذلك لان التعبير في الصحيحة انما هو

٨٠