الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

الشيخ علي المروّجي القزويني

الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

الشيخ علي المروّجي القزويني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٨

والعشاء أم لا قبل أن ينتصف الليل والمفروض أنه عالم بأنه لم يصل في ذلك اليوم الا ثلاث صلوات من دون العلم بتعيينها ، فيحتمل أن يكون الصلاتان الباقيتان المغرب والعشاء ويحتمل أن يكون آتيا بهما ونسى اثنتين من صلوات النهار وجب عليه الاتيان بالمغرب والعشاء فقط لان الشك بالنسبة الى صلوات النهار بعد الوقت وبالنسبة اليهما في وقتهما. ولو علم أنه لم يصل في ذلك اليوم الا صلاتين أضاف الى المغرب والعشاء قضاء ثنائية ورباعية وكذا ان علم انه لم يصل الا صلاة واحدة (١)

______________________________________________________

(١) وللمسألة صور ثلاث :

(الصورة الاولى) ما اذا علم بأنه لم يصل في ذلك اليوم الا ثلاث صلوات من دون العلم بتعيينها وكان الشك قبل أن ينتصف الليل ، ففي المقام ينحل العلم الإجمالي بأصلين ناف ومثبت ، أعني استصحاب أمر المغرب والعشاء ، وأما بالنسبة الى صلواته النهارية فتجري قاعدة الحيلولة بلا معارض. وهذا مبني على انتصاف الليل آخر وقت العشاءين.

(الصورة الثانية) ما اذا علم بأنه لم يصل الا صلاتين ، فحينئذ لا بد أن يأتي بالمغرب والعشاء ويضيف اليهما ثنائية ورباعية ، اما وجوب

١٢١

(الرابعة والخمسون) اذا صلى الظهر والعصر ثم علم اجمالا أنه شك في احداهما بين الاثنتين والثلاث وبنى على الثلاث ولا يدرى أن الشك المذكور في أيهما كان يحتاط باتيان صلاة الاحتياط واعادة صلاة واحدة بقصد ما في الذمة (١)

______________________________________________________

العشاءين فلاستصحاب أمر المغرب والعشاء ، وأما وجوب الثنائية والرباعيه فللعلم ببقاء احدى الصلوات الثلاث ، فباتيان ثنائية ورباعية يحصل الامتثال جزما ، اذ هي ان كانت الصبح فقد امتثلها وان كانت احدى الظهرين فقد امتثلها بالرباعية.

(الصورة الثالثة) ما اذا علم بأنه لم يصل الا صلاة واحدة ، فلا بد أن يأتي بثنائية ورباعيتين مضافا الى الاتيان بالمغرب والعشاء. ولا يمكن تحصيل اليقين باتيان رباعية وثنائية بعد العشاءين كما توهمه عبارة المتن ، اذ يحتمل أن يكون ما أتى به هو صلاة الصبح فيتعين تحصيل اليقين بالفراغ لما ذكرناه.

(١) أقول : ان مفروض المسألة فيما اذا علم بذلك قبل الاتيان بالمنافي ، وأما اذا علم به بعد الاتيان بالمنافي فيعلم اجمالا بصحة احدى الصلاتين وبطلان احداهما ، وكذا ان ما ذكره الماتن «قدس‌سره» من وجوب الاحتياط بمقتضى العلم الإجمالي مبنى على عدم جواز الاقحام في الصلاة ، اذ حينئذ يعلم اجمالا اما بوجوب ركعة الاحتياط

١٢٢

(الخامسة والخمسون) اذا علم اجمالا أنه اما زاد قراءة أو نقصها يكفيه سجدتا السهو مرة ، وكذا اذا علم أنه اما زاد التسبيحات الاربع او نقصها (١)

(السادسة والخمسون) اذا شك في أنه هل ترك الجزء الفلانى عمدا أم لا فمع بقاء محل الشك لا اشكال في وجوب الاتيان به (٢) ، واما مع تجاوزه فهل تجرى قاعدة الشك بعد التجاوز أم لا لانصراف أخبارها عن هذه الصورة

______________________________________________________

للثانية أو بوجوب اعادة الاولى فيجب الجمع بينهما عقلا. ولا وجه لقوله «بقصد ما في الذمة» ، اذ مع الاتيان بركعة متصلة لا يبقى شك بالنسبة الى العصر ، واحتمال البقاء مختص بالظهر ، والاستصحاب يقتضي بقاؤه في الذمة.

وأما على القول بجواز الاقحام فلا وجه للاحتياط المذكور ، اذ هو يقطع بفراغ ذمته باتيان صلاة الاحتياط بقصد ما في الذمة ، لعدم تحقق العلم الإجمالي بوجوب الاعادة أو ركعة الاحتياط.

(١) الامر كما أفاده لعدم العلم بالتكليف أزيد من هذا المقدار.

ولا يخفى أن ما ذكره مبني على وجوب سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة ، وتفصيل الكلام فيه موكول الى محله.

(٢) اذ مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان ، ولا دليل على أنه أتى به.

١٢٣

خصوصا بملاحظة قوله كان حين العمل اذكر وجهان والاحوط الاتيان ثم الاعاده (١)

______________________________________________________

(١) وقد استدل على عدم جريان القاعدة في المقام بوجهين :

(الاول) ما أفاده المحقق النائيني «قدس‌سره» أن القاعدة المذكورة تجري فيما اذا كان احتمال الترك عن غفلة ونسيان ، كما هو يظهر من قوله عليه‌السلام «هو حين يتوضأ (١) اذكر منه حين يشك» أو «أقرب الى (٢) الحق منه بعد ذلك» وأما مع احتمال تركه العمدي فلا تشمله القاعدة.

ويرد عليه : أنه لا وجه لاختصاص القاعدة بما ذكر ، اذ كما أن مقتضى حال المكلف التفاته وعدم تركه السهوى كذلك مقتضاه عدم تركه عن عمد أيضا ، فما دام لم يعلم بالترك العمدي تجري القاعدة في كل ما يحتمل تركه مع احتمال التفاته حين العمل.

أضف الى ذلك أن غاية ما في الباب عدم شمول النصوص المذيلة بهذا الذيل ، لكن يكفي الاطلاق في بعض الاخر المجرد عن هذا الذيل. مضافا الى ذلك كله أن حديث بكير بن اعين ضعيف ببكير. لاحظ ما رواه ابن مسلم عن ابى عبد الله عليه‌السلام في الرجل يشك بعد ما ينصرف من صلاته قال : فقال لا يعيد ولا شيء عليه (٣).

__________________

(١) الوسائل ، ج ١ الباب ٤٢ من أبواب الوضوء الحديث ٧.

(٢) الوسائل ، ج ٥ الباب ٢٧ من أبواب الخلل ، الحديث ٣.

(٣) الوسائل ، ج ٥ الباب ٢٧ من أبواب الخلل الحديث ١.

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وما رواه زرارة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شك في الاذان وقد دخل في الاقامة قال يمضى الى أن قال يا زرارة اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشىء (١).

(الثاني) دعوى الانصراف عن هذه الصورة كما صرح به في المتن.

وفيه : انه على فرض تسليمه بدوي يزول بأدنى تأمل.

وهنا فرع لم يتعرض به الماتن قدس‌سره ، وهو ما اذا علم بالترك وشك في كونه عمديا كي تكون صلاته باطلة أو سهويا كي يجب عليه قضاؤه ان كان من الاجزاء التي يجب قضاؤها او توجب عليه سجدتي السهو بناء على وجوبهما لكل زيادة ونقيصة ، فمقتضى العلم الإجمالي لا بد من الاتمام والاتيان بكلا طرفي العلم.

ولقائل أن يقول : انه لا حاجة الى الاعادة ، اذ ببركة جريان القاعدة يحرز موضوع القضاء وسجود السهو.

وفيه : أنه لا يمكن التمسك بقاعدة التجاوز ، اذ لا يثبت الموضوع بها الا بالاصل المثبت وكذا لا يمكن اثبات وجوب القضاء أو سجدتي السهو بالاستصحاب الا بالاصل المثبت ، اذ الموضوع فيهما هو الترك السهوي كما يستفاد ذلك مما رواه عن أبى عبد الله

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ الباب ٢٣ من أبواب الخلل الحديث ١.

١٢٥

(السابعة والخمسون) اذا توضأ وصلى ثم علم أنه اما ترك جزء من وضوئه أو ركنا في صلاته فالاحوط اعادة الوضوء ثم الصلاة ولكن لا يبعد جريان قاعدة الشك بعد الفراغ في الوضوء لأنها لا تجرى في الصلاة حتى يحصل التعارض وذلك للعلم ببطلان الصلاة على كل حال (١)

______________________________________________________

عليه‌السلام في حديث الرجل ينسى سجدة فذكرها بعد ما قام وركع. قال : يمضي في صلاته ولا يسجد حتى يسلم ، فاذا سلم يسجد مثل ما فاته. قلت : وان لم يذكر الا بعد ذلك. قال : يقضي ما فاته اذا ذكره (١). وعدم تحقق الترك العمدي لا يثبت الترك السهوي الا بالملازمات الخارجية ، وهو كما ترى.

(١) ملخص كلامه أنه ينحل العلم الإجمالي الى العلم التفصيلي ببطلان الصلاة والشك البدوي بالنسبة الى الوضوء ، فتجري قاعدة الفراغ فيه.

واستشكل عليه المحقق النائيني قدس‌سره بأن انحلال العلم في أمثال المقام يستلزم انحلال الشىء بنفسه ، والشىء يمتنع أن يؤثر في نفسه ، ولذا منع انحلال العلم في موارد دوران الامر بين الاقل والاكثر. وملخص ما أفاده في وجه ذلك هو أن الاقل ليس وجوبه معلوما على كل تقدير ، بل هو مردد بين كون وجوبه في

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ ، الباب ٢٦ من أبواب الخلل الحديث ٤.

١٢٦

(الثامنة والخمسون) لو كان مشغولا بالتشهد أو بعد الفراغ منه وشك في أنه صلى ركعتين وأن التشهد في

______________________________________________________

ضمن وجوب الاكثر وبشرط شيء ، وحينئذ لا يحصل الامتثال باتيان الاقل فقط ، وبين كونه مطلقا بالنسبة الى الاكثر ، وبعد عدم امكان الاهمال في الواقع فالعلم بوجوب الاقل مرددا ليس الا علما بالجامع بين المطلق والمقيد ، وهو عبارة أخرى عن العلم الإجمالي ، فكيف يمكن أن يكون موجبا لانحلال نفسه.

والجواب عنه : ان ما ذكره يتم على تقدير تعارض الاصلين ، وأما اذا لم يكن بين الاصلين تعارض فلا محالة ينحل العلم الإجمالي. والمقام من هذا القبيل ، اذ الاقل الجامع بين الاطلاق والتقييد قد علم وجوبه وترتب العقاب على تركه ، ولكن لا يعلم أنه واجب على الاطلاق أو مع أخذ الزائد المشكوك فيه ، فخصوصية الاطلاق وان كانت مشكوكة كخصوصية التقييد الا أن أصالة البراءة عن التقييد لا يعارضها أصالة البراءة في الاطلاق ، اذ الاطلاق ليس فيه كلفة زائدة لترتفع بالاصل ، فاذن لا مانع من جريان أصل البراءة عن التقييد ، وبذلك ينحل العلم. وبعبارة أخرى : ان تنجيز العلم الإجمالي يدور مدار تعارض الاصول ، ولا تعارض بينهما في المقام للعلم التفصيلي بوجوب الاقل اما نفسيا واما غيريا ، بخلاف الاكثر فان وجوبه مشكوك فتجري البراءة بالنسبة اليه.

١٢٧

محله او ثلاث ركعات وأنه في غير محله يجرى (١) حكم الشك بين الاثنتين والثلاث وليس (٢) عليه سجدتا السهو لزيادة التشهد لأنها غير معلومة ، وان كان الاحوط الاتيان بهما أيضا بعد صلاة الاحتياط (٣)

(التاسعة والخمسون) لو شك في شيء وقد دخل في غيره الذى وقع في غير محله ـ كما لو شك في السجدة من الركعة الاولى او الثالثة ودخل في التشهد أو شك في

______________________________________________________

(١) لإطلاق دليل البناء وتحقق موضوع الحكم.

(٢) اذ لا يترتب على قاعدة البناء الآثار العقلية ، ولكن حيث يحتمل الزيادة يسجد سجدتي السهو احتياطا ، ولا يقاس المقام على ما تقدم.

(٣) وأورد عليه السيد الحكيم في المستمسك بأن قاعدة البناء على الاكثر تصلح لإثبات زيادة التشهد كما قلنا في المسألة الاربعين أنها تصلح لإثبات زيادة الركعة.

ويرد عليه : أنه لا يترتب على البناء على الاكثر أزيد من الآثار الشرعية فلا يثبت به زيادة التشهد ، وعلى تقدير ثبوت الزيادة أيضا لا يثبت وجوب سجدة السهو ، اذ يعتبر فيه أن تكون الزيادة عن سهو وهو لا يكون من الآثار الشرعية للقاعدة.

١٢٨

السجدة من الركعة الثانية وقد قام قبل أن يتشهد ـ فالظاهر البناء على الاتيان وان الغير أعم من الذى وقع في محله او كان زيادة في غير المحل ولكن الاحوط مع ذلك اعادة الصلاة أيضا (١)

(الستون) لو بقى من الوقت اربع ركعات للعصر وعليه صلاة الاحتياط من جهة الشك في الظهر فلا اشكال في مزاحمتها للعصر ما دام يبقى لها من الوقت ركعة (٢) ،

______________________________________________________

(١) وفيه : أولا انه بنى الماتن سابقا على كفاية الدخول في مطلق الغير في جريان قاعدة التجاوز على نحو الترديد وهنا بنى عليه على نحو الجزم ، وهذا تهافت منه.

وثانيا ـ ان قاعدة التجاوز لا تجري هنا لا من جهة انصراف الغير في الادلة الى الغير المترتب ولا من جهة ما أفاده المحقق النائيني من أنه لعوده الى اتيان الجزء المترتب يكون من الشك في المحل ، بل من باب أن وجود هذا الغير كعدمه ، اذ يعتبر في صدق الدخول على الغير أن يكون هذا الغير مترتبا على المشكوك اما شرعا واما عرفا واما عادة ، وكل هذه الامور منتف في المقام. فعلى هذا لا بد من اتيان المشكوك بمقتضى أصالة عدم الاتيان به والاتيان بسجدتي السهو بناء على أنهما لكل زيادة ونقيصة.

(٢) اذ المفروض أن وظيفة المكلف أن يأتي بصلاة الاحتياط

١٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بعنوان أنها يمكن أن تكون متممة للظهر. وان شئت قلت : ان مقتضى الحكم الظاهري أن المكلف لم يأت بالظهر ، بعد فلا بد من تقديم ما يكون متممة لها.

أفاد سيدنا الاستاذ دام ظله : انه مع امكان درك ركعة من الوقت يجب عليه تقديم تمام ما هو من توابع صلاة الظهر من صلاة الاحتياط أو قضاء شيء أو سجدتي السهو ، سواء قلنا بجزئية صلاة الاحتياط على فرض نقصان الصلاة أو لم نقل بذلك وكانت واجبة مستقلة. أما على الاول فواضح ، وأما على الثاني فانها ولو لم تكن جزءا من الظهر لكنه لا ريب في كون وجوبها فوريا ، فعليه يمكن درك مصلحة الوقت بتمامها مع درك ركعة منها ولا يمكن درك مصلحة فوريتها بالتأخير. ومن هنا يظهر الحال في ترك السجدة والتشهد.

أقول : ان ما ذكره مبتن على أن يكون دليل «من أدرك» حاكما على دليل الوقت ، بأن يوجب توسعة في موضوعه. وأنى لنا باثباته ، بل غاية ما يستفاد منه أن من أخر صلاته لعذر الى أن بقي من الوقت ركعة كمن أدرك الوقت كله ، وأما كون صلاة الاحتياط وغيرها من المزاحمات عذرا موجبا لجواز التأخير اول الكلام ، ولا يثبت كونها عذرا الا على نحو الدوري.

والحق أن يفصل في المقام بين صلاة الاحتياط وبين قضاء

١٣٠

بل وكذا لو كان عليه قضاء السجدة أو التشهد ، واما لو كان عليه سجدتا السهو فهل يكون كذلك اولا؟ وجهان من أنهما من متعلقات الظهر ومن أن وجوبهما استقلالى وليستا جزأ او شرطا لصحة الظهر ومراعاة الوقت للعصر أهم فتقدم العصر ثم يؤتى بهما بعدها ويحتمل التخيير.

(الحادية والستون) لو قرأ في الصلاة شيئا يتخيل أنه ذكر أو دعاء أو قرآن ثم تبين انه كلام الادمى فالاحوط سجدتا السهو ، لكن الظاهر عدم وجوبهما لأنهما انما تجبان عند السهو وليس المذكور من باب السهو. كما ان الظاهر عدم وجوبهما في سبق اللسان الى شيء ، وكذا اذا قرأ شيئا غلطا من جهة الاعراب او المادة ومخارج الحروف (١)

______________________________________________________

السجدة وقضاء التشهد وسجدتي السهو ، بأن يقال بعدم مزاحمة العصر مع صلاة الاحتياط اذ هى متممة لصلاة الاصلية بخلاف غيرها من الامور المذكورة فانها واجبات مستقلة يقع التزاحم بينهما ، فمقتضى القاعدة هو التخيير الا أن يحرز أهمية أحدهما على الاخر.

(١) أقول : ان السهو كما في مجمع البحرين هو الفعل عن غير علم وكذا ان المستفاد من بعض الروايات أن الموضوع

١٣١

(الثانية والستون) لا يجب سجود السهو فيما لو عكس الترتيب الواجب سهوا ، كما اذا قدم السورة على الحمد وتذكر في الركوع فانه لم يزد شيئا ولم ينقص ، وان كان الاحوط الاتيان معه لاحتمال كونه من باب نقص السورة بل مرة أخرى لاحتمال كون السورة المقدمة على الحمد

______________________________________________________

للوجوب عنوان التكلم بلا تقييده بالسهو. وبعبارة أخرى : يكفي في الوجوب عدم تحقق العمد ، وهو ما عن ابن ابى يعفور قال : سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يدري ركعتين صلى أم أربعا. قال : يتشهد ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعتين وأربع سجدات يقرأ فيهما بفاتحة الكتاب ثم يتشهد ويسلم ، فان كان صلى أربعا كانت هاتان نافلة وان كان صلى ركعتين كانت هاتان تمام الاربعة ، وان تكلم فليسجد سجدتي السهو. فالمستفاد منها ثبوت سجدتي السهو لكل ما لا يكون عن عمد ، وهو المطلوب. وعلى هذا فيجب عليه سجدتا السهو لجميع المذكورات في المتن.

نعم يمكن أن يدعى انصراف الادلة عن مورد القرآن والذكر ، فالدعوى فيهما لا تكون جزافية. ومما ذكرناه يعرف الحال في ما ذكره الماتن.

١٣٢

من الزيادة (١)

(الثالثة والستون) اذا وجب عليه قضاء السجدة المنسية أو التشهد المنسى ثم أبطل صلاته أو انكشف بطلانها سقط وجوبه ، لأنه انما يجب في الصلاة الصحيحة (٢) واما لو أوجد ما يوجب سجود السهو ثم أبطل صلاته فالاحوط اتيانه وان كان الاقوى سقوط وجوبه (٣) أيضا ،

______________________________________________________

(١) الحق أن يقال : انه لا تجب عليه سجدة السهو ، فان مقتضى حديث «لا تعاد» صحة الصلاة ولا موجب لسجدة السهو. وبعبارة أخرى : الصلاة المفروضة تامة ببركة حديث لا تعاد.

(٢) اذ المستفاد من الروايات أن قضاء السجدة أو التشهد انما يجب في الصلاة الصحيحة ، كما هو يظهر مما رواه عمار عن أبى عبد الله عليه‌السلام : الرجل ينسي سجدة فذكرها بعد ما قام وركع. قال : يمضي في صلاته ولا يسجد حتى يسلم ، فاذا سلم سجد مثل ما فاته. قلت : وان لم يذكر الا بعد ذلك. قال : يقضي ما فاته اذا ذكره (١).

فان المستفاد من الرواية أن محل القضاء بعد التسليم فالامر بقضاء ما فات بعد تمامية الصلاة كما هو واضح.

(٣) اعلم أن المستفاد من عدة روايات أن وجوب سجود السهو

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ الباب ٢ من أبواب الخلل الحديث ٤.

١٣٣

وكذا اذا انكشف بطلان صلاته. وعلى هذا فاذا صلى ثم أعادها احتياطا وجوبا او ندبا وعلم بعد ذلك وجود سبب سجدتي السهو في كل منهما يكفيه اتيانهما مرة واحدة وكذا اذا كان عليه فائتة مرددة بين صلاتين او ثلاث مثلا

______________________________________________________

يكون في الصلاة التي يسلم فيها وتكون محكومة بالصحة :

«منها» ـ ما رواه سهل بن اليسع عن الرضا عليه‌السلام ... ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم (١).

«ومنها» ـ ما رواه عبد الله بن سنان ... فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك ثم سلم بعدهما (٢).

فان المستفاد من هذه النصوص ان سجود السهو مترتب على اتمام الصلاة. وبعبارة أخرى : ان العرف لا يفهم من نصوص الباب الوجوب النفسي الاستقلالي بعنوان كونه كفارة حتى مع بطلان الصلاة وبتقريب آخر ان وجوب سجدتي السهو اما حكم للصلاة الصحيحة أو حكم للأعم منها اما على الاول فيثبت المدعى واما على الثاني فيلزم القول به حتى في صورة بطلان الصلاة من اول الامر وهو كما ترى.

__________________

(١) الوسائل ، الجزء ٥ الباب ١٣ من ابواب الخلل الحديث ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٥ الباب ١٤ من ابواب الخلل الحديث ١ ، ٣ ، ٤.

١٣٤

فاحتاط باتيان صلاتين او ثلاث صلوات ثم علم تحقق سبب السجود في كل منها فانه يكفيه الاتيان به مرة بقصد الفائتة الواقعية وان كان الاحوط التكرار بعد الصلوات (١)

______________________________________________________

(١) قد علم الحال فيما أفاده في هذا الفرع ، وهو أن الميزان في وجوب سجود السهو الاتيان بموجبه في الصلاة الصحيحة والمفروض انه واحد. ولا يبعد أن يقال : بأنه لو استحبت الاعادة تجري على المعادة أحكام الشكوك وسجدتي السهو ، اذ يكفي في جريان تلك الاحكام الوجوب الذاتي الاولي. لكن لقائل أن يقول : بأنه فرق بين أحكام الشك وسجدتي السهو ، فان سجود السهو حكم للصلاة الصحيحة المصداق للمأمور به ، ولا ريب في كونه واحدا ولا وجه للتعدد.

ولقائل أن يقول : ان غاية ما يستفاد من الروايات أن سجود السهو لا بد أن يكون بعد التسليم ولا يستفاد منها اختصاص وجوب السجود في الصلاة الصحيحة ، اذ يمكن أن يكون امره عليه‌السلام بالسجدة بعد التسليم اشارة الى أن سجود السهو لا بد أن يؤتى به بعد الصلاة ولا يجوز اتيانه في أثناء الصلاة لكونه مبطلا لها وان أبيت عن ذلك وقلت ان الروايات المذكورة ظاهرة في أن وجوب سجدتي السهو يكون في الصلاة الصحيحة ، فنقول : انه بكفي للمطلوب الروايات المطلقة في الباب :

١٣٥

(الرابعة والستون) اذا شك في انه هل سجدة واحدة او اثنتين او ثلاث فان لم يتجاوز محلها بنى على واحدة واتى بأخرى (١) وان تجاوز بنى على اثنتين ولا شيء عليه عملا باصالة عدم الزيادة (٢) واما ان علم انه اما واحدة او ثلاثا وجب عليه اخرى ما لم يدخل في الركوع (٣) والا قضاها

______________________________________________________

«منها» ما رواه زرارة قال : سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر زاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو جالس (١).

«ومنها» ـ ما رواه الفضيل بن يسار أنه سأل ابا عبد الله عليه‌السلام عن السهو فقال : من حفظ سهوه فأتمه فليس عليه سجدتا السهو ، وانما السهو على من لم يدر زاد في صلاته أم نقص منها (٢).

ولكنه يمكن أن يدعى أن الروايات المطلقة أيضا منصرفة الى خصوص الصلاة الصحيحة.

(١) لاستصحاب عدم الاتيان فيجب التدارك.

(٢) كما هو مقتضى قاعدة التجاوز.

(٣) لا بد من التفصيل في المقام ، بأن يقال : انه لو كان المحل

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ الباب ١٤ من أبواب الخلل الحديث ١.

(٢) الوسائل ، ج ٥ الباب ١٤ من أبواب الخلل الحديث ٦.

١٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الشكي باقيا يأتي بسجدة أخرى لاستصحاب عدم الاتيان بها ، وأما لو لم يكن المحل الشكي باقيا ـ بأن دخل في القيام فيعلم اجمالا اما بوجوب العود والاتيان بالسجدة وسجدتي السهو لزيادة القيام او بوجوب سجدتي السهو لزيادة السجدة ـ فيجب العمل بمقتضى العلم الإجمالي.

ولكنه يمكن أن يورد عليه : أن العلم الإجمالي المذكور ينحل الى علم تفصيلي بوجوب سجود السهو اما لنقص السجدة أو لزيادة القيام الواقع في غير محله ، فوجوب السجدة معلوم على كل حال ، فيكون الامر دائرا بين الاقل والاكثر ، فيجري قاعدة التجاوز بالنسبة الى وجوب العود وقد ذهب السيد الحكيم «قدس‌سره» في المستمسك الى عدم انحلال العلم المذكور ، بدعوى عدم زيادة القيام هنا الموجبة للعلم التفصيلي بوجوب سجدة السهو ، اذ يجوز له أن يمضي في صلاته ولو ظاهرا فلا يجب سجود السهو للقيام فيرتفع العلم التفصيلي بوجوبه ، ولذا لو شك في الشبهة البدوية بعد القيام في تحقق السجود وجرت قاعدة التجاوز وبعد تمام الصلاة علم بفوات السجود لا يكون القيام الواقع لغوا بل يكون صحيحا وقياما صلاتيا ويكون السجود هو الفائت لا غير.

ويرد عليه : أن الوجه فيما أفاده أن مقتضى قاعدة لا تعاد صحة

١٣٧

بعد الصلاة وسجد للسهو (١)

(الخامسة والستون) اذا ترك جزء من أجراء الصلاة من جهة الجهل بوجوبه اعاد الصلاة على الاحوط وان لم يكن من الاركان. نعم لو كان الترك مع الجهل بوجوبه مستندا الى النسيان ـ بأن كان بانيا على الاتيان به باعتقاد استحبابه فنسى وتركه ـ فالظاهر عدم البطلان وعدم وجوب الاعادة اذا لم يكن من الاركان (٢)

______________________________________________________

الصلاة ، ومع فرض الصحة لا تتصور الزيادة ، ولكن في المقام يعلم المكلف بأنه اما سجد سجدة واحدة أو ثلاث ، فعلى الثاني يجب سجود السهو لزيادة السجدة وعلى الاول يجب لزيادة القيام ، ففى أثناء الصلاة يعلم بوجوب سجود السهو عليه ، فلا يقاس على ما ذكره.

(١) الكلام فيه هو الكلام في سابقه ، بل في هذا الفرض أوضح ، اذ مع عدم امكان العود يعلم تفصيلا بوجوب سجود السهو اما لزيادة السجدة أو لنقصانها ، وأما وجوب قضائها فمشكوك فلا مانع من اجراء القواعد من التجاوز والبراءة.

(٢) أقول : ان ما فصله المصنف في المسألة من الحكم ببطلان الصلاة ووجوب اعادتها احتياطا فيما اذا كان ترك الجزء مستندا الى

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الجهل بالحكم والحكم بالصحة فيما اذا كان الترك مستندا الى النسيان ولو مع الجهل بوجوبه ، مبنى على اختصاص جريان حديث لا تعاد بالناسي وعدم عمومه للجاهل.

ولكن ذكرنا سابقا انه لا وجه لاختصاص قاعدة لا تعاد بالناسي بل يشمل الجاهل القاصر. نعم لا يشمل العالم والجاهل المقصر الملتفت حين العمل ، والوجه فيه ان دليل لا تعاد ظاهر في أن من يأت بالعمل بتصور أنه تام وهو في الواقع ناقص ، وفي مثله يكون مقتضى القاعدة أن يحكم عليه بالاعادة ، ولكن ببركة حديث لا تعاد يحكم عليه بعدم الاعادة. وقد تكلمنا في أوائل بحث الخلل في مفاد الحديث وقلنا ان مفاده ليس نفى الجزئية والشرطية بل مفاده تخصيص أدلة الاجزاء والشرائط ، فلا يمكن أن يحكم على عمل بالصحة والمكلف ملتفت ولا يراعى ما يمكن أن يكون لازم المراعاة.

وان شئت قلت : الحكم الواقعي مشترك بين العالم والجاهل ، ولذا يصح أن يقال انه مقصر. وعليه كيف يمكن أن يقال انه صحيح مع عدم رعايته عمدا.

وملخص الكلام : عدم وجوب الاعادة اما بلحاظ اختصاص الحكم بالعالم أو بلحاظ أن الفاقد للجزء أو الشرط واجد لمقدار من المصلحة التى لا يمكن معها تدارك الفائت ، أما الاول فلا يمكن للدور ، وأما الثانى فخلاف ظاهر الدليل ، فان قوله عليه‌السلام في حديث

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام «القراءة سنة» الى أن قال «ولا تنقض السنة الفريضة» يدل على أن فقدان الجزء أو الشرط لا يضر ، أي لا يكونان جزءا وشرطا.

فالنتيجة عدم شمول الحديث للعامد ولا للجاهل المقصر الملتفت حين العمل بل الجاهل المقصر الغافل حين العمل اذ لا يجمع بين كونه مقصرا وعدم كونه مكلفا ولكن يشمل الناسى والجاهل المعذور اعم من أن يكون الشبهة حكمية او موضوعية والتفصيل في ذلك موكول الى محله.

وعلى هذا فلا وجه للتفصيل الذي ذكره الماتن. والحق ما ذكرناه وهو عدم لزوم الاعادة في كلتا الصورتين.

والى هنا تم ما ذكره العروة من الفروع في العلم الإجمالي ، والان نتعرض لبعض الفروع التي ذكرها المحقق المامقاني قدس‌سره تتميما للبحث.

١٤٠