الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

الشيخ علي المروّجي القزويني

الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

الشيخ علي المروّجي القزويني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

صلاته لقوله «لا تعاد» ويجب عليه قضاء السجدتين وسجدة السهو مرتين لزيادة التشهد والسلام.

وقد حكم المحقق العراقي بالبطلان في هذا الفرض ، من جهة أن المنافي كان واقعا في أثناء الصلاة وكانت جزئية السجدة باقية على حالها ، فبمجرد الاستدبار الحاصل في أثناء الصلاة مثلا تنقطع الهيئة الاتصالية وتبطل الصلاة قبل شمول قوله «لا تعاد» ، لان الخروج عن الصلاة الذي هو موضوع لعدم الاعادة واقع في رتبة متأخرة عن وقوع المبطل فرتبة وقوع المبطل سابقة على رتبة الخروج عن الصلاة ، فلا يشمله حديث «لا تعاد» لكونها باطلة في رتبة سابقة.

ويرد عليه نقضا وحلا ، أما النقض فبجميع موارد جريان قاعدة «لا تعاد». والالتزام بهذا الايراد يوجب عدم تحقق موضوع لحديث لا تعاد ، فان من علم حال الركوع بعدم الاتيان بالفاتحة مثلا لا شبهة في شمول الحديث له ، والحال أن النقص الوارد بترك الفاتحه مقدم رتبة على عدم الاعادة. ولا فرق بين صدور المنافي وفقدان الشرط في كونهما من الامور المبطلة في الصلاة لو لا حديث لا تعاد.

وأما الحل فان التقدم الرتبي لا يضر بالمطلوب مع الاتحاد الزماني ، فان الخروج الذي هو موضوع لعدم الاعادة والمبطل للصلاة يتحققان في زمان واحد ويحكم بعدم الاعادة في نفس زمان صدور المنافي.

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

(الفرض السابع) ما اذا لم يعلم أنهما من أي الركعات بعد الاتيان بالمنافي العمدي والسهوي ، فحكمه يعلم مما ذكرناه. واجماله أنه يقضي السجدتين ويأتي بسجدتي السهو على ما مر.

(الفرض الثامن) ما اذا لم يعلم أنهما من أي الركعات من الاولتين أو الاخيرتين قبل الاتيان بالمنافي ، فانه يعلم اجمالا اما بوجوب الرجوع لإعادة السجدة الاخيرة واما بوجوب قضاء السجدتين لو لم تكن من الاخيرة.

ولا مجال لجريان قاعدة التجاوز ، لان جريانها في الاخيرتين معارض لجريانها في الاولتين ، فتصل النوبة الى الاستصحاب ، ومقتضاه عدم الاتيان بهما من الركعات السابقة ، فيجب قضاؤهما ، كما أن مقتضى الاستصحاب اعادة السجدة الاخيرة ، فلا بد من العمل بمقتضى العلم الإجمالي بأن يرجع ويأتي بالسجدة ثم التشهد والسلام بقصد الاحتياط لا بقصد الجزئية ، لان قاعدة الاشتغال لا تثبت أن ما أتى به جزء للمأمور به وقضاء سجدتين وسجدتي السهو مرتين بمقتضى الاستصحاب.

وله أن يأتي بمقتضى العلم الإجمالي بنحو آخر ، بأن يأتي بالسجدة بعد اعادة السجدة والتشهد والسلام بقصد ما في الذمة وسجدتي السهو مرتين ، فانه بذلك يقطع ببراءة الذمة ، اذ هو يعلم تفصيلا بأنه لم يترك أزيد من السجدتين ، فان كان أحدهما من الاخيرة فما

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أعاده يكون في محله والتي أتى بها بقصد ما في الذمة تكون قضاء عن السابقة ، وان كان كلاهما من الركعات السابقه فما أعاده وما أتى به بقصد ما في الذمة يكون قضاء.

وأما سجدة السهو فقد يتوهم في بادئ الرأي انه يؤتي بها أربع مرات مرتان لنقص السجدتين ومرتان لزيادة التشهد والسلام ، ولكنه يزول بأدنى تأمل ، فان التشهد والسلام الزائدين وقعا خارج الصلاة ، وهما لا يوجبان سجدة السهو ، فان المعلوم بالوجدان ثبوت سجدتي السهو مرتين وما زاد من ذلك مشكوك فتجرى أصالة البراءة.

أضف الى ذلك أنا نقطع بعدم وجوب سجدة السهو أربع مرات ، لان السجدتين ان فاتتا من غير الركعة الاخيرة فيجب سجدة السهو مرتين وان فاتت إحداهما من الاولتين والاخرى من الاخيرة فتجب ثلاث مرات وما زاد عن ذلك مقطوع العدم.

واستشكل المحقق العراقي على الاستصحاب المذكور بأنه لا يثبت القضاء وسجدتي السهو ، لان ما يثبت بالاستصحاب الترك أو الترك المقيد بعدم كونه عمديا ، وموضوع القضاء وسجدتي السهو انما هو الترك السهوي ، كما يستفاد ذلك من رواية اسماعيل بن جابر عن أبى عبد الله عليه‌السلام في رجل نسى أن يسجد سجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم يسجد قال فليسجد ما لم يركع فاذا ركع فذكر

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض على صلواته حتى يسلم ثم يسجدها فانها قضاء قال وقال ابو عبد الله عليه‌السلام ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شك في السجود بعد ما قام فليمض (١). واستصحاب عدم اتيانها لا يثبت الترك السهوى الا بالملازمة الخارجية بين الترك والقطع بأن مع فرض الترك لكان عن سهو ، فلا يثبت هذا بالاصل الاعلى القول بالاصل المثبت.

وفيه : أولا ان التأمل في الرواية بمناسبة الحكم والموضوع يقتضي أن يقال أن الموضوع هو الترك لا عن عمد ، وان النسيان المذكور في الرواية ليس على نحو التقييد بل هو في مقابل العمد. ولا خصوصية للسهو ، ولذا أفتى القوم بوجوب القضاء فيما كان الترك عن سهو أيضا ، مع أنه لا مدرك له الا هذه الروايات المذكورة فيها النسيان.

وثانيا : ان وجوب القضاء لا يحتاج الى الاستصحاب بل نلتزم به بمقتضى العلم الإجمالي ، فانه يعلم اما بوجوب اعادة السجدة لو كانت من الاخيرة.

واما بوجوب قضاء السجدتين ، فيجب عليه العمل بمقتضاه ، بأن يرجع ويعيد السجدة الاخيرة ويقضي السجدتين ويأتي بسجدتي السهو مرتين ، فان مقتضى العلم الإجمالي وان كان أزيد من مرتين

__________________

(١) الوسائل ، ج ٤ الباب ١٤ من أبواب السجود الحديث ١.

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الا أنه ينحل بالعلم بوجوبهما مرتين ، فيجري الاصل بالنسبة الى الزائد.

(الفرض التاسع) ما لو علم في أثناء الصلاة أنه ترك سجدتين من الركعتين ولم يدخل في الركن الذي بعد الركعة المحتملة تركها منها ، كما لو تذكر قبل الدخول في الركوع سواء قد أتى بشىء من الافعال والاذكار بعد تجاوز محل السجدة أم لم يأت بها.

أفاد سيدنا الاستاذ دام ظله يجب عليه الرجوع وتدارك السجدة ، بمقتضى قاعدة الاشتغال بعد سقوط قاعدة التجاوز في كل من الركعات المحتملة تركها منها بالتعارض فيما اذا دخل في شيء من الافعال بعد تجاوز محلها وانحلال العلم بالاشتغال والبراءة عن وجوب القضاء ، الا أنه يحصل له العلم الإجمالي بزيادة شيء حينئذ اما القيام مثلا لو كانت متروكة مما قام عنها واما السجدة لو كانت متروكة من الركعة السابقة ، فيعلم اجمالا اما بوجوب قضاء سجدة وسجدتي السهو أو بوجوب سجدتي السهو فقط ، ولكنه حيث يعلم بوجوب سجدتي السهو تفصيلا فيأتي بهما ويدفع الزائد بالاصل.

نعم لو كان ما أتى به بعد محلها تشهدا فحينئذ بعد الرجوع يعلم بزيادة تشهد تفصيلا اما الاول أو الثاني ، فلا بد من سجدتي السهو لزيادته ، وأما بالنسبة الى زيادة السجدة فشك بدوي تجرى

٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فيه البراءة.

وفيه : أولا انا بينّا في محله أن قاعدة التجاوز لا دليل عليها ، فالتعارض يكون بين قاعدتى الفراغ.

وثانيا أنه ما الفرق بين المقام والمسألة السابقة ، فانه قال بجريان الاستصحاب من ناحية وجريان الاشتغال من ناحية أخرى هناك ولم يقل بالاستصحاب هنا ، والحال أنه لا فرق بين المسألتين من هذه الجهة.

وثالثا ان العلم الإجمالي لا وجه لانحلاله هنا أيضا لتعارض الاصول في أطرافه.

ورابعا ان المقام ليس مجرى الاشتغال ، لعدم العلم باشتغال الذمة بخصوص السجدة الاخيرة. نعم نعلم باشتغال الذمة بالمركب. لكن ببركة استصحاب عدم الاتيان وحرمة ابطال الصلاة يجب العود والتدارك.

وخامسا انه دام ظله ذكر في ذيل كلامه «نعم لو كان ما أتى به بعد محلها تشهدا فحينئذ بعد الرجوع يعلم بزيادة تشهد تفصيلا اما الاول أو الثاني» فان ما ذكره يتم لو كان الاتيان به بمقتضى الاستصحاب وأما لو كان بمقتضى الاشتغال فلا لأنه على هذا لم يأت به بقصد الجزئية كي يصدق عليه الزيادة. والحق في المسألة أن يقال انه

٢٦

(المسألة الرابعة) اذا كان في الركعة الرابعة مثلا وشك في أن شكه السابق بين الاثنتين أو الثلاث كان قبل اكمال السجدتين أو بعدهما بنى على الثاني (١)

______________________________________________________

يرجع ويعيد السجدة ويقضى السجدة الفائتة من السابقة ويسجد سجدتي السهو.

(الفرض العاشر) نفس الفرض التاسع مع فرض دخوله في الركن ، فانه يأتي بالسجدتين قضاء ويسجد سجدتي السهو مرتين. وهذه عشرة كاملة.

(١) لا يخفى أن المراد من الرابعة الرابعة البنائية ، اذ هو شاك فعلا بين الثلاث والاربع. وكيف كان حكم المسألة هى الصحة ، والوجه فيها ما ذهب اليه المحقق العراقي بأن كل شك في عدد الركعات محكوم بالصحة والبناء على الاكثر ، لعموم قوله «ابن على الاكثر» ، غاية الامر خرج من مثله الشك قبل اكمال الاوليين للروايات وأصالة عدم كون شكه هذا حادثا قبل اكمال الاوليين تثبت موضوع البناء على الاكثر ، لأنه كل شك لم يحدث في الاوليين ، فبعضه محرز بالوجدان وهو أصل الشك وبعضه بالاصل وهو عدم حدوثه قبل الاكمال ، فيحرز موضوع صلاة الاحتياط.

وأورد عليه سيدنا الاستاذ دام ظله أن التمسك بالاصل لإثبات موضوع صلاة الاحتياط لا يتم الا على القول بالاصل المثبت ، اذ

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ليس العنوان الخارج من عموم دليل البناء على الاكثر أمرا وجوديا ، بل نفس موضوع البناء على الاكثر أمر وجودي وهو كون الشك في الركعات مع حفظ الاوليين ، وانما الخارج أمر عدمي وهو ما اذا لم يكن الشك مع حفظهما. فحينئذ اثبات كون الشك مع حفظ الاوليين بأصالة عدم كون الشك قبل الاكمال يكون من الاصل المثبت.

أقول : ان الاخبار في المقام طائفتان :

(الطائفة الاولى) تدل على أن موضوع صلاة الاحتياط نفس الشك من دون أن يكون متصفا بأمر وجودي :

«منها» ـ ما رواه عمار عن أبى عبد الله عليه‌السلام أنه قال له : يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين ، متى ما شككت فخذ بالاكثر (١).

«ومنها» ـ ما رواه عمار بن موسى الساباطي قال : سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن شيء من السهو في الصلاة فقال : ألا أعلمك شيئا اذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء. قلت : بلى. قال : اذا سهوت فابن على الاكثر (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ الباب ٨ من أبواب الخلل الحديث ١.

(٢) الوسائل ، ج ٥ الباب ٨ من أبواب الخلل الحديث ٣.

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

«ومنها» ـ ما رواه عن عمار بن موسى قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام قال : كلما دخل عليك من الشك في صلاتك فاعمل على الاكثر (١).

(الطائفة الثانية) تدل على بطلان الصلاة فيما اذا كان الشك في الاولتين :

«منها» ـ ما رواه زرارة بن أعين (٢) قال : قال ابو جعفر عليه‌السلام : فمن شك في الاولتين أعاد حتى يحفظ. وغيرها من الروايات الواردة في الباب.

والمستفاد من الطائفة الاولى أن كل شك في الركعات محكوم بالبناء على الاكثر ، والمستفاد من الطائفة الثانية أن الشك في الاولتين مبطل للصلاة ، فالمستثنى أمر وجودي ـ أعنى الشك في الاولتين ـ فاذا شك في أنه كان قبل الاكمال أو بعده يجري أصالة عدم حدوثه قبل الاكمال ، ولا يعارضه أصالة عدم حدوثه بعد الاكمال لعدم ترتب أثر عليه الاعلى القول بالاصل المثبت.

وأفاد سيدنا الاستاذ في مقام الاستدلال على المدعى شرحا على كلام الماتن : وأما صحة الصلاة من جهة شكه السابق مع احتمال كونه قبل اكمالهما فتحرز بمقتضى قاعدة التجاوز أو استصحاب

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ الباب ٨ من أبواب الخلل الحديث ٤.

(٢) الوسائل ، ج ٥ الباب ١ من ابواب الخلل الحديث ١.

٢٩

كما انه كذلك اذا شك بعد الصلاة (١).

______________________________________________________

تأخر الحادث ، وفصحة الصلاة محرزة بقاعدة التجاوز أو بالاصل ودخوله في موضوع صلاة الاحتياط بشمول روايات البناء على شكه الفعلي.

ويرد عليه : انه صرح في مقام الاشكال بأن موضوع صلاة الاحتياط الشك مع حفظ الاوليين ، وعليه كيف يثبت هذا العنوان باستصحاب تأخر الحادث.

ومما ذكرنا ظهر أن جريان قاعدة التجاوز لا يصحح الامر ، فان الاثر المترتب على القاعدة صحة ما مضى من الصلاة ، وأما وجوب صلاة الاحتياط فلا يترتب عليها الا ببركة الاستصحاب. ومع جريانه لا مجال لجريان القاعدة ، فانه بالاستصحاب تحرز صحة الصلاة ووجوب صلاة الاحتياط بمقتضى النص الخاص كما مر.

فتلخص من جميع ما ذكرناه أن الحق في وجه الصحة ما ذهب اليه المحقق العراقي بأنه تصح الصلاة ويتحقق موضوع صلاة الاحتياط بعد ضم ما أحرز بالوجدان الى الاصل.

(١) أفاد سيدنا الاستاذ دام ظله أن الحكم بصحة الصلاة والبناء على الاكثر كما أفاده الماتن مشكل جدا ، لعدم شمول قاعدة البناء للشك الحادث بعد الصلاة وعدم اثبات قاعدة التجاوز أو الاصل موضوع صلاة الاحتياط.

٣٠

(المسألة الخامسة) اذا شك في الركعة التى بيده آخر الظهر أو انه أتمها وهذه أول العصر جعلها آخر الظهر (١).

______________________________________________________

والجواب عنه : أن الشك لم يحدث بعد الفراغ ، بل الشك حادث في أثناء الصلاة ، والشك الحادث بعد الصلاة شك في كيفية الشك الحادث. وعليه نحكم بالصحة ووجوب صلاة الاحتياط ، فاذا شك في شكه السابق بأنه كان قبل الاكمال أو بعده فقد شك أن العارض أي من الشكين ، فبأصالة عدم حدوثه قبل الاكمال يتحقق موضوع البناء على الاكثر ويترتب عليه حكمه.

(١) أقول : ان الشاك المذكور يدور أمره بين أمور : اما أن يرفع اليد عن الصلاة التي بيده ويستأنفها ، واما أن يسلم بعنوان الظهر ويأتي بالعصر بعدها ، واما أن يمضي فيها بعنوان العصر.

أما الاول فلا يجوز على القول بحرمة ابطال الصلاة.

وأما الثاني فأفاد السيد الحكيم في المستمسك أنه يسلم عليها برجاء الظهر ووجب عليه استئناف الظهر ثانيا لقاعدة الاشتغال ، والعصر للعلم بعدم الفراغ منها. واستصحاب عدم تمام الظهر لا يثبت كون الركعة التي بيده ظهرا الاعلى القول بالاصل المثبت.

ويرد عليه : أنه لا وجه للتقييد بالرجاء ، بل يأتي بها ظهرا بمقتضى استصحاب بقائه اثناء الظهر وعدم اتيان ركعتها الاخيرة.

ولا وجه للإيراد على الاستصحاب المذكور بكونه مثبتا ، اذ

٣١

(المسألة السادسة) اذا شك في أثناء العشاء بين الثلاث والاربع وتذكر أنّه سها عن المغرب بطلت صلاته وان كان الاحوط اتمامها عشاء والاتيان بالاحتياط ثم اعادتها بعد الاتيان بالمغرب (١).

______________________________________________________

بعد استصحاب بقائه في الظهر يقصد أن ما بيده ظهر ويتمها بهذا العنوان. ومما ذكرنا ظهر أن الصحيح ما أفاده في المتن ، ولا مجال للاحتمال الثالث.

نعم اذا علم بأنه كبر بعنوان العصر يجعل ما بيده عصرا ويحكم بصحة صلاة الظهر بقاعدة الفراغ.

(١) في المسألة احتمالات ثلاث : بطلان الصلاة ، العدول الى المغرب ، اتمامها عشاء.

أما العدول فلا وجه له لأنه شرع لتصحيح الصلاة وهو هنا مبطل لها لأنه مع العدول يقع الشك في صلاة المغرب وهو مبطل لها.

وأما اتمامها عشاء واتيان المغرب بعد ذلك فاستدل عليه بسقوط شرطية الترتيب بالتقريب الذي عرفت في المسألة الثانية.

وفيه : أولا انه لا وجه لسقوط الترتيب بعد اطلاق أدلته ، ونحن نذكر بعضها :

«منها» ـ ما رواه زرارة عن ابى جعفر عليه‌السلام حيث قال :

٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وان كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ، ابدأ بالمغرب ثم العشاء (١). فان شمول هذه الرواية للمقام أوضح من أن يخفى.

«ومنها» ـ ما رواه الحلبى في حديث قال : سألته عن رجل نسي الاولى والعصر جميعا ثم ذكر ذلك عند غروب الشمس. فقال : ان كان في وقت لا يخاف فوت احداهما فليصل الظهر ثم يصل العصر (٢).

ان قلت : ما لمانع من شمول حديث «لا تعاد» للمقام ، اذ الترتيب ليس من الخمس فيتمها عشاء.

وفيه : ان «لا تعاد» يتوجه الى من يصلح أن يتوجه اليه أعد والشاك في أثناء الصلاة لا يقال له اعد الاجزاء اللاحقة كي يشمله لا تعاد ، بل يقال له ائت بها. وملخص الكلام أن الترتيب يسقط بالنسبة الى الاجزاء السابقة وأما الاجزاء اللاحقة التي لم يأت بها فلا يسقط الترتيب.

وأفاد السيد الحكيم في المستمسك أن عموم حديث «لا تعاد الصلاة» لا مانع من شموله لمثل المقام.

ولا مجال لدعوى ان الظاهر منه خصوص صورة تحقق الفعل

__________________

(١) الوسائل ، ج ٣ الباب ٦٣ من أبواب المواقيت الحديث ١.

(٢) الوسائل ، ج ٣ الباب ٤ من أبواب المواقيت الحديث ١٨.

٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

المشتمل على الخلل بعنوان الامتثال فلا يشمل صورة الاضطرار الى وقوع الخلل قبل تحققه كالمضطر في الاثناء الى ترك جزء او شرط مما بقى عليه من ركعاتها نظير ما لو نسى الساتر وذكره في الاثناء ، فان حديث لا تعاد لا يصلح لرفع شرطية الساتر بالنسبة الى بقية الصلاة وكذا بالنسبة الى الركعات اللاحقة ، اذ الدعوى المذكورة تتم بالنسبة الى الشرائط المقارنة كالساتر ونحوه لا بالنسبة الى الشرائط المتقدمة كصلاة الظهر فيما نحن فيه ، فان شرطية الترتيب راجعة الى شرطية سبق صلاة الظهر ، ولذا يجري الحديث مع الالتفات في الاثناء الى ترك الجزء السابق نسيانا ، مع أن الترتيب المعتبر بين الاجزاء لا يختص بالاجزاء المأتي بها بل يعم الاجزاء اللاحقة أيضا.

وفيه : أن جريان الحديث مع الالتفات في الاثناء الى ترك الجزء السابق نسيانا أجنبي عن المقام ، فان محل الجزء السابق قد مضى بخلاف الترتيب فانه شرط معتبر في حال الشك أيضا وهو نظير شرطية الساتر. وملخص الكلام ان الترتيب معتبر بين الصلاتين بتمام أجزائهما ، فصلاة العشاء من المبدأ الى المنتهى مترتبة على صلاة المغرب ، مضافا الى أن شمول حديث لا تعاد لا ثناء الصلاة محل اشكال.

وأما ما ربما يقال بجواز الاتيان بالمغرب أثناء العشاء ثم اتمام

٣٤

(المسألة السابعة) اذا تذكر في أثناء العصر أنه ترك من الظهر ركعة قطعها وأتم الظهر ثم اعاد الصلاتين ، ويحتمل العدول الى الظهر بجعل ما بيده رابعة لها اذا لم يدخل في ركوع الثانية ثم اعاد الصلاتين (١).

______________________________________________________

العشاء بنحو اقحام الصلاة في الصلاة ففيه أن المبنى فاسد اذ التسليم الواقع في اثنائها كلام آدمي وهو مبطل لها. اضف الى ذلك أن الافحام غير معهود في الشريعة.

والحاصل ان الصناعة العلمية تقتضي بطلان صلاته. نعم الاحتياط الذي ذكره الماتن طريق النجاة.

(١) ولا يخفى أن مفروض المسألة ما اذا لم يحصل مبطل بين الصلاتين ، والا فلا شبهة في بطلانها ووجوب العدول الى الظهر. وكيف كان للمسألة صور ثلاث :

(الصورة الاولى) ما اذا كان تذكره بعد الدخول في ركوع الركعة الثانية ، فتبطل صلاة الظهر بزيادة الركوع ، فانها موجبة لبطلان الصلاة كما هو المستفاد من الروايات الآتية ، وهي وان كان مفادها بطلان الصلاة بزيادة السجود الا أنه يمكن التعدي الى مبطلية زيادة الركوع أيضا بدعوى عدم الفرق بينهما.

«منها» ـ ما رواه زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال : لا تقرأ

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

في المكتوبة بشىء من العزائم ، فان السجود زيادة في المكتوبة (١).

«ومنها» ـ ما رواه علي بن جعفر عن أخيه قال : سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أيركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال : يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ويركع ، وذلك زيادة في الفريضة (٢). وغير ذلك من الروايات.

فاذا بطلت الظهر تعين عليه العدول اليها ويتمها ظهرا ويأتى بالعصر بعد ذلك.

وهنا رواية تدل على خلاف العدول ، وهو قوله عليه‌السلام : ان كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين ، وان لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الاخيرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى العصر بعد ذلك (٣). الا أن هذه الرواية ضعيفة بالارسال.

(الصورة الثانية) ما اذا كان تذكره قبل الدخول في ركوع الركعة الثانية وبعد دخوله في ركوع الركعة الاولى. أفاد سيدنا الاستاذ أنه يجعلها رابعة الظهر ويسلم ويسجد سجدتي السهو لكل زيادة وقعت منه ، وذلك بمقتضى عموم التعليل في قوله عليه‌السلام «انما يحسب للعبد من صلاته التى ابتدأ بها». وأما زيادة التكبيرة

__________________

(١) الوسائل ، ج ٤ الباب ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ١.

(٢) الوسائل ، ج ٤ ، الباب ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة الحديث ٤.

(٣) الوسائل ، ج ٥ الباب ١٢ من أبواب الخلل ، الحديث ٦.

٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث لم يدل دليل على كون زيادتها ولو سهوا موجبة للبطلان ولو قلنا بكونها من الاركان ، فيشمل قوله عليه‌السلام «لا تعاد الصلاة الا من خمس» هذا. مضافا الى عدم صدق الزيادة عليها في المقام اذ لم يؤت بها بقصه الجزئية.

وفيه : أولا ان ما أفاده في صدر كلامه «انه يسجد سجدتي السهو لكل زيادة وقعت منه» وقوله في ذيل كلامه «انه لا يصدق عليها الزيادة لتقوم الزيادة مفهوما على اتيان الشىء بقصد الجزئية» متنافيان.

فانه اذا كان قصد الجزئية مقوما لصدق الزيادة ـ وهو لم يتحقق هنا على الفرض ـ فلما ذا حكم بلزوم سجدتي السهو لكل زيادة وقعت منه ، واذا لم يكن مقوما لها فلا وجه لذيل كلامه.

وثانيا : ان الروايات المذكورة لا تشمل المقام ، اذ مورد المسألة ما اذا كان المصلي بانيا على أنه خرج من صلاة الظهر ودخل في صلاة العصر وانكشف الخلاف في الاثناء. ومورد الروايات ما اذا تحققت نية شروع الظهر منه مثلا حين الشروع ونوى خلافه في الاثناء لعارض ، ونحن نذكر بعض تلك النصوص كي يتضح الحال في غيرها أيضا ، وهو ما رواه عبد الله بن أبى يعفور عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل قام في صلاة فريضة فصلى

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ركعة وهو ينوي أنها نافلة فقال : هي التي قمت فيها ولها. وقال : اذا قمت وأنت تنوي الفريضة فدخلك الشك بعد فأنت في الفريضة على الذي قمت له ، وان كنت دخلت فيها وأنت تنوي نافلة ثم انك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة ، وانما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أول صلاته (١).

والحق في المقام أن يقال انه تبطل صلاة الظهر في هذه الصورة أيضا ، لزيادة الركوع فيها ويعدل الى الظهر.

ولا يرد علينا ما أورده السيد الحكيم في المستمسك على الماتن بأن احتمال العدول لا وجه له ، اذ العدول انما يصح مع اتفاق المعدول عنها والمعدول اليها ، لا كما في المقام فان ايراده على الماتن في محله ، اذ العدول الى الظهر بجعل ما بيده رابعة الظهر لا وجه له والوجه الصحيح للعدول ما بيناه.

(الصورة الثالثة) ما اذا كان تذكره قبل الدخول في ركوع الركعة الاولى ، فان قلنا بأن هذا المقدار من الفصل لا يوجب البطلان يأتي ببقية صلاة الظهر ، وان قلنا ان الفصل بهذا المقدار يوجب بطلانها فوظيفته أن يعدل بما بيده الى الظهر. والنتيجة صحة صلاة الظهر اما اتمامها بنفسها واما بالعدول اليها ووجوب الاتيان بالعصر

__________________

(١) الوسائل ، ج ٤ الباب ٢ من أبواب النية الحديث ٣.

٣٨

(المسألة الثامنة) اذا صلى صلاتين ثم علم نقصان ركعة او ركعتين من احداهما من غير تعيين فان كان قبل الاتيان بالمنافى ضم الى الثانية ما يحتمل من النقص ثم أعاد الاولى فقط بعد الاتيان بسجدتى السهو لأجل السلام احتياطا وان كان بعد الاتيان بالمنافى فان اختلفا في العدد أعادهما (١) والا أتى لصلاة واحدة بقصد

______________________________________________________

بعدها ، فلا وجه لما أفاده في المتن. وقس على المقام المغرب والعشاء ، ولا يلزم سجدتا السهو لزيادة التكبيرة والقراءة لعدم قصد الجزئية فيها فيشمله حديث لا تعاد.

(١) أقول : ان العلم بالنقصان اما أن يكون قبل الاتيان بالمنافي بعد كل من الصلاتين ، أو بعد الاتيان بالمنافي بعد كل منهما ، أو بعد الاتيان بالمنافي بينهما او بعد الاتيان بالمنافي بعدهما. وفي الثلاثة الاخيرة اما أن تكونا متجانستين كالظهر والعصر او مختلفتين كالعشاءين ، فهذه صور سبع :

(الصورة الاولى) ما اذا لم يقع منه المنافي لا بينهما ولا بعدهما. وقد ذهب السيد «قده سره» الى صحة الصلاة الثانية وضم ما احتمل نقصه اليها ، لأنه سلم على نقص ووجوب اعادة الاولى لبطلانها بفعل الثانية في أثنائها.

والدليل على ذلك الاستصحاب ، اذ بعد تعارض قاعدتي الفراغ

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

في كل من الصلاتين تصل النوبة الى أصالة عدم الاتيان بالركعة أو الركعتين في كل من الصلاتين ، فان مقتضاها نقص كل منهما. وحيث ان الصلاة الثانية منهما قابلة للتصحيح بضم ما احتمل نقصه يحكم بصحتها ، بخلاف الاولى فانها تبطل بالفصل الحاصل بينها بفعل الصلاة الثانية في أثنائها. ولا يمكن تصحيحها بالاقحام كما عرفت سابقا ، وكذا لا يمكن تصحيحها بحديث «لا تعاد» ، اذ غاية ما يستفاد منه أن الزيادة الحاصلة في الصلاة لا توجب البطلان لكونها سهوية.

ولا يكفي هذا المقدار من الدليل لإثبات الصحة ، اذ ادخال الصلاة في الصلاة من قبيل الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة وهو مبطل لها ولو في صورة السهو ، ولا يشمل الحديث للمقام.

وكذا لا يمكن تصحيحها بالعدول ، اذ لم يثبت جواز العدول بعد العمل ، وانما الثابت منه في أثنائه. نعم على القول بجوازه حتى بعد العمل يمكن الحكم بصحة الظهر والاتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمة. فتحصل من جميع ما ذكرنا أن الحق ما ذهب اليه الماتن من العمل بمقتضى العلم الإجمالي الموجود في المقام.

وأورد عليه سيدنا الاستاذ دام ظله ان ما ذهب اليه الماتن مبتن على توهم تنجيز العلم الإجمالي بوجوب ضم ما يحتمل النقص ان كانت الناقصة هي الثانية أو اعادة الاولى اذا كانت هي الناقصة.

٤٠