الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

الشيخ علي المروّجي القزويني

الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

الشيخ علي المروّجي القزويني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن فيه ما قد عرفت من عدم تنجيز العلم بعد عدم استلزام جريان الاصول في الاطراف مخالفة ، عملية وفي المقام بالنسبة الى اعادة الاولى مجرى للاشتغال وبالنسبة الى ضم النقيصة مجرى للبراءة فلا يكون العلم منجزا.

وحينئذ فان لم تكونا متجانستين ولم يضم الى الثانية ما يحتمل النقص حتى خرج محل الضم وجب عليه اعادتها أيضا ، لقاعدة الاشتغال بها بالاضافة الى الاولى ، وان كانتا متجانستين وقد ضم اليها ما يحتمل نقصه فمع الاتيان بصلاة بقصد ما في الذمة يقطع بفراغها. وأما توهم جريان استصحاب بقائه في الصلاة ليترتب عليه حرمة القطع ما لم يضم اليه ما يحتمل النقص.

ففيه : انه لو كانت الحرمة مترتبة على ذوات القواطع ـ كما في باب الصوم حيث ان نفس الاتيان بالقاطع من الاكل والشرب وغيرهما محرم وموضوع للكفارة والقضاء ـ لكان للتمسك بالاصل حينئذ لإثبات الحرمة مجال ، ولكن حيث ان الثابت بالإجماع هو حرمة قطع الصلاة لا حرمة الاتيان بذات القاطع فلا يمكن اثبات تحقق عنوان القطع باستصحاب بقائه في الصلاة مع الاتيان بالقاطع وجدانا الاعلى نحو المثبت.

نعم بناء على جريان الاستصحاب التعليقي في الموضوعات

٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

يمكن اثبات حرمة ما يأتي به من المنافيات بالاصل ، لكنه محل منع قطعا ولو بنينا على جريانه في الاحكام ، مع أن جريانه فيها أيضا في غاية الاشكال فكيف كان فلا ملزم لضم ما يحتمل النقص اليها أصلا.

وأما بناء على ما عليه الماتن من لزوم ذلك فانه ان كان من جهة استصحاب بقائه في الصلاة لم يكن اثبات زيادة السلام به الا بنحو المثبت ، وان كان من جهة العلم الإجمالي المزبور فان قلنا بتنجيزه ولو لم يكن المعلوم بالاجمال حكما فعليا على كل تقدير كما هو مختارنا ، فحينئذ احد طرفي العلم هو وجوب الضم وسجدتي السهو ، فيثبت وجوب سجدتي السهو لزيادة السلام ، والا فلا يجب عليه ذلك لعدم تنجيزه بالنسبة الى وجوب سجدتي السهو ، بل يجب الاتيان بما يحتمل النقص انتهى كلامه.

وفيه : أولا منع كون العلم الإجمالي غير منجز في المقام وانه لا يلزم من جريان الاصول في الاطراف مخالفة عملية ، بل هو منجز في المقام ، اذ هو يعلم اما باعادة الظهر أو بالاتيان وانضمام الركعة الى الثانية وان شئت قلت : انه اشتغلت ذمته بالظهر والعصر ، فلا بد من العلم بالفراغ من كليتهما ولا يحصل العلم بالفراغ الا بالاتيان بكلا الامرين. فلاحظ.

وثانيا ـ ان قوله «جريان الاستصحاب لإثبات حرمة القطع من

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الاصل المثبت» مدفوع نقضا وحلا :

أما النقض فبحرمة ابطال صلاة من دخل فيها باستصحاب الطهارة أو بقاعدة الطهارة أو بقاعدة التجاوز ، فانه دام ظله لا بد أن يلتزم بعدم حرمة ابطالها ، اذ على ما ذكره يكون الحكم بحرمة قطعها من مثبتات استصحاب الطهارة ونحوها ، فكلما أجبتم هناك نقول هنا بمثله.

وأما الحل فان معنى قطع الصلاة ازالة هيئتها الاتصالية ، فالشاك في قطع الصلاة شاك في بقاء الهيئة الاتصالية ، فيستصحب بقائها ويترتب عليه حرمة القطع المستفادة من الاجماع.

وأما وجوب سجدتي السهو المذكور في كلام الماتن ليس من باب الاستصحاب كي يقال انه من الاصل المثبت ، بل هو انما ثبت بالعلم الإجمالي الموجود ، فان المعلوم بالاجمال هنا حكم فعلي على كل تقدير ، غاية الأمر أن ظرف سجدتي السهو يكون بعد ضم الركعة الى الصلاة.

(الصورة الثانية) وهي ما اذا وقع منه المنافي سهوا بين الصلاتين وبعدهما. والحكم هنا وجوب اعادة الصلاتين ان كانتا مختلفتين كالعشاءين ، اذ جريان قاعدة الفراغ في كل منهما يتساقطان بالتعارض وتصل النوبة الى استصحاب عدم الاتيان بالركعة في كل من الصلاتين

٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لوقوع المنافي في الاثناء واما ان كانتا متجانستين كالظهرين فمقتضى الاصل وان كان اعادة الصلاتين أيضا الا أنه لو أتى بأربع ركعات بقصد ما في الذمة يقطع بفراغ ذمته ولا يحتاج الى الاعادة ، اذ لو كان الظهر ناقصة كان ما أتى به عصرا في محله ويسقط الترتيب هنا لكون التقديم سهويا ، وما أتى به بقصد ما في الذمة يقع مكان الظهر ولو كان العصر ناقصة ، فما أتى به بقصد ما في الذمة يقع مكان العصر والترتيب على حاله.

ولا يخفى أن هذه الصورة باعتبار انقسامها الى مختلفتين وغير هما تكون صورتين.

(الصورة الثالثة) وهي ما اذا وقع منه المنافي سهوا بينهما. فمقتضى الاستصحاب لزوم اعادة الصلاة الاولى وضم ركعة متصلة الى الصلاة الثانية والاتيان بسجدتي السهو لزيادة السلام بمقتضى العلم الإجمالي ، ولا مجال للعدول بعد الفراغ ، لقصور الدليل عن ذلك ، والترتيب ساقط لحديث لا تعاد.

وهذا الذي ذكرنا لا يفرق فيه بين المختلفتين والمتجانستين. وهذه الصورة أيضا تنحل الى الصورتين بأدنى تأمل.

(الصورة الرابعة) وهي ما اذا وقع منه المنافي بعد الصلاتين. ومقتضى الاستصحاب في هذه الصورة وجوب اعادتهما ، لان الصلاة

٤٤

(التاسعة) اذا شك بين الاثنتين والثلاث أو غيره من الشكوك الصحيحة ثم شك في أن الركعة التى بيده آخر صلاته او أولى صلاة الاحتياط جعلها آخر صلاته واتم ثم اعاد الصلاة احتياطا بعد الاتيان بصلاة الاحتياط (١).

______________________________________________________

الثانية بطلت لوقوع المنافي في أثنائها ان كان الناقص منها ، وأما الصلاة الاولى فلبطلانها باقحام الصلاة في الصلاة ان كان الناقص من الاولى ، بل تبطل بوقوع المنافي بعد الثانية ، اذ على فرض النقصان من الاولى يقع المنافي أثنائها.

ولا فرق في هذه الصورة أيضا بين الصلاتين المختلفتين والمتجانستين ، الا أن في الصورة الثانية يكفى الاتيان بأربع بقصد ما في الذمة وهذه الصورة أيضا تنحل الى الصورتين. والحاصل ان الصور المتصورة في المسألة سبعة.

(١) الكلام يقع تارة فيما اذا كانت صلاة الاحتياط ركعة وأخرى فيما اذا كانت ركعتين :

(أما الصورة الاولى) فيحتسب ما بيده من صلاته ويأتي بصلاة الاحتياط بمقتضى الاستصحاب.

هذا بالنسبة الى حكمه الظاهري واضح ، واما بالنسبة الى الحكم الواقعي فالحق ما ذهب اليه الماتن «قدس‌سره» من جعل ما بيده آخر صلاته واعادة الصلاة احتياطا بعد الاتيان بصلاة الاحتياط ،

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

لاحتمال زيادة ما بيده من الركعة المشكوكة بين أصل الصلاة وصلاة الاحتياط.

وأورد عليه المحقق المامقاني «قدس‌سره» بقوله : الاظهر عندي عدم لزوم الاحتياط المذكور ، لمنع احتمال زيادة ما بيده بين أصل الصلاة وصلاة الاحتياط ، ضرورة أن ما بيده ان كان في الواقع تتمة الصلاة فلا زيادة وان كانت صلاة الاحتياط لم يقدح اتيانه بقصد التكلمة الاصلية في احتسابها صلاة الاحتياط حتى تحتسب الثانية صلاة الاحتياط ويكون ما بيده من الركعة زيادة ركعة موجبة لإعادة الاصلية ، فايجابه «قدس‌سره» الاحتياط مبني على عدم احتساب ما بيده صلاة الاحتياط على تقدير كونها كذلك في الواقع.

وهو كما ترى مما لا دليل عليه. وكون النية ممنوعة لا يوجب القدح ، لان نية كون ما بيده مكملا للصلاة غير منافية لصلاة الاحتياط التي هي أيضا على فرض الحاجة اليها مكملة ، سيما نية الاكمال حدثت في الاثناء مقيدة بكون ما بيده آخر الاصلية في الواقع ، فاذا كان ما بيده في الواقع صلاة احتياط فقد نوى ذلك ، فيقع المنوي ـ انتهى كلامه.

ويظهر من كلام سيدنا الاستاذ تصديق التقريب المذكور.

أقول : ولعل نظره في ذلك الى حديث «الصلاة على ما افتتحت» (١).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٤ الباب ٢ من أبواب النية الحديث ٢.

٤٦

(العاشرة) اذا شك في أن الركعة التى بيده رابعة المغرب او أنه سلم على الثلاث وهذه اولى العشاء ، فان كان بعد الركوع بطلت ووجب عليه اعادة المغرب (١)

______________________________________________________

وفيه : أولا ان ما بيده ان كانت صلاة الاحتياط في الواقع لا يجوز اتيانها بقصد التكلمة الاصلية ، اذ الاتيان بقصد التكلمة يستلزم أن يأتي بها بنية الجزء وصلاة الاحتياط لا يجوز اتيانها بقصد الجزئية بل يؤتي بها بعنوان الاحتياط. وبعبارة أخرى : ان نية كون ما بيده مكملا للصلاة منافية لصلاة الاحتياط.

وأما حديث الصلاة على ما افتتحت فهو لا يشمل المقام ، لان مورده ما اذا رأي المصلي نفسه في صلاة غير ما بدء به ، وفي المقام يرى نفسه متحيرا في كون ما بيده صلاة احتياط أو آخر صلاته.

(وأما الصورة الثانية) وهي ما اذا كانت صلاة الاحتياط ركعتين وشك في أن ما بيده آخر صلاته أو ثانية ركعتى الاحتياط ، فالحكم الظاهري فيها كما هو في الصورة الاولى ، اذ غاية ما يقال في هذا المقام ان ما جعل آخر صلاته يمكن أن يكون ثانية ركعتي الاحتياط ، فتقع زائدة. وفيه ان مقتضى الاصل عدم تحقق الزيادة واما الحكم الواقعي فيها فهو بطلان صلاته لزيادة الركوع والسجدتين فيها.

(١) أقول : قد ذكر في وجه البطلان أمران :

(الاول) ما أفاده المحقق المامقاني بأن الوجه في بطلان ما بيده

٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم جريان قاعدة الفراغ لعدم احرازه الفراغ من المغرب وكون الفراغ بعد مشكوكا ، ولا قاعدة التجاوز لكون موردها الدخول في الغير المترتب على ما قبله والركعة الزائدة غير مترتبة على التسليم ، وأصالة عدم الزيادة في المغرب لا تثبت وقوع التسليم عقيب الثالثة ، والدخول في الركوع يوجب زيادة ركن فيها على فرض كونها رابعة المغرب ، فيتوقف اليقين بالبراءة بعد ثبوت الشغل بالمغرب على اعادتها ثم الاتيان بالعشاء حيث انه لم يأت بها.

أقول : أن ما أورده من الاشكال على الاستصحاب في محله ، فان أصالة عدم الزيادة في المغرب لا تثبت وقوع السلام في محله.

وأما ايراده على قاعدة التجاوز «بأن الركعة الزائدة غير مترتبة على التسليم» فغير تام ، اذ الترتب هنا موجود عقلا على تقدير كون ما بيده رابعة المغرب وشرعا على تقدير كون ما بيده اولى العشاء.

(الثاني) ما ذهب اليه السيد الحكيم في المستمسك بأنه لا يمكن أن يتمها عشاء لعدم احراز نيتها ولا مغربا لامتناع الرابعة في المغرب ، ولا يمكن تصحيح المغرب بقاعدة التجاوز الجارية لإثبات التشهد والتسليم ، لان صدق التجاوز عن محلهما موقوف على الترتب بينهما وبين الركعة الرابعة المذكورة في الفرض ، وذلك موقوف على نيتها عشاء ، وهو أول الكلام فيحكم بوجوب اعادة المغرب لقاعدة الاشتغال ، فان الذمة مشغولة بالتشهد والسلام ، فمقتضى

٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستصحاب عدم اتيانهما. ولا يمكن تداركهما ، للعلم بأنه لا أثر لفعلهما اما للإتيان بهما قبل الركوع أو للبطلان بزيادة الركوع فيها ويرد عليه ما أوردناه آنفا فلا نعيد.

وقد ذهب سيدنا الاستاذ دام ظله الى صحة المغرب بجريان قاعدة الفراغ ، بتقريب انه لا ملزم بالالتزام بصدق الفراغ والخروج في جريانها بعد عدم أخذ عنوان الفراغ والخروج في شيء من الادلة. نعم يعتبر صدق المضي والتجاوز في مورد جريانها ، كما هو صريح قوله عليه‌السلام «كلما مضى من صلاتك وطهورك فأمضه كما هو». ولا اشكال في تحقق المضي والتجاوز الذي هو عبارة عن التعدي عن الشىء في المقام ، فانه كما يصدق مع الخروج عنه والشك في صحته كذلك يصدق مع عدم امكان التدارك على فرض النقص الا باعادة العمل من رأسه ، فانه بدخوله في الركوع تحقق المضي والتعدي عن المغرب ، اما لكونه في العشاء أو زاد في المغرب ركعة وبطلت فيشمله قوله «فامضه» كما هو. ومن هنا قلنا بصحة جريان القاعدة فيما لو رأى نفسه في أحد المنافيات كالحدث والاستدبار وشك في أنه سلم عن صلاته أم لا فانه يبنى على صحة صلاته.

ثم قال : والعجب من شيخنا الاستاذ «قدس‌سره» حيث التزم بجريان القاعدة في المثال المذكور ومع ذلك أنكر جريانها في المقام ووافق الماتن مع عدم الفرق بين المقامين ـ انتهى كلامه.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويرد عليه : انا نمنع عدم اخذ عنواني الفراغ والتجاوز في شيء من الادلة ، فانهما مأخوذان فيها كما يظهر ذلك بملاحظة الروايات الواردة في الباب :

«منها» ـ ما رواه محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه‌السلام قال : كلما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فأمض ولا تعد (١).

«ومنها» ـ ما رواه محمد بن مسلم عن أبى عبد الله عليه‌السلام في الرجل يشك بعد ما ينصرف من صلاة. قال : فقال لا يعيد ولا شيء عليه (٢).

«ومنها» ـ ما رواه زرارة عن ابى عبد الله عليه‌السلام : اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشىء.

«ومنها» ـ ما رواه اسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله عليه‌السلام : كل شيء شك فيه مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه (٣).

«ومنها» ـ ما رواه عبد الله بن أبى يعفور عن ابى عبد الله عليه‌السلام : انما الشك اذا كنت في شيء لم تجزه (٤).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ الباب ٢٧ من أبواب الخلل ، الحديث ٢.

(٢) الوسائل ، ج ٥ الباب ٢٣ من أبواب الخلل الحديث ١.

(٣) الوسائل ، ج ٤ الباب ١٥ من أبواب السجود الحديث ٤.

(٤) الوسائل ، ج ١ الباب ٤٢ من أبواب الوضوء الحديث ٢.

٥٠

وان كان قبله يجعلها من المغرب (١) ويجلس ويتشهد ويسلم ثم يسجد سجدتي السهو لكل زيادة من قوله «بحول الله»

______________________________________________________

فتحصل : أن ما ذكره سيدنا الاستاذ في تصحيح المغرب بجريان قاعدة الفراغ غير تام ، لعدم احراز الفراغ والانصراف والمضى والتجاوز في المقام.

واما ما أفاده من التأييد من جريان القاعدة فيما لو رأى نفسه في أحد المنافيات مع الشك في السلام ، فيرد عليه أن صحة السلام لا تتوقف على جريان قاعدة الفراغ ، بل يحكم بالصحة حتى مع القطع بتحقق المنافي قبل السلام ، وذلك لاقتضاء قاعدة لا تعاد الصحة ، ولعله منشأ ما أفاد المحقق النائيني.

ثم انه هل يجوز أن يرفع اليد عن هذه الصلاة والاتيان بالصلاتين وقع الكلام في جواز القطع وعدمه ، والوجه في عدم الجواز أن المصلي يعلم اجمالا اما بوجوب اعادة الصلاتين على فرض بطلان المغرب بالزيادة أو يحرم عليه القطع. ولا يمكن الجمع بين جريان البراءة عن وجوب الاعادة وعن حرمة القطع وبعد المعارضة يحرم القطع. ولكن يمكن أن يقال : ان مقتضى قاعدة الاشتغال واستصحاب عدم الاتيان بالمغرب وجوب اعادتها على المكلف ، فلا مانع من جريان البراءة بالنسبة الى القطع لعدم المعارضة.

(١) وذلك لقاعدة الاستصحاب ، فانه يبني على أن ما بيده زيادة في المغرب ، فيهدم ويجلس ويتشهد.

٥١

وللقيام وللتسبيحات احتياطا ، وان كان في وجوبها اشكال (١) من حيث عدم علمه بحصول الزيادة في المغرب.

______________________________________________________

أفاد السيد الحكيم «قده» في المستمسك أن قول الماتن «يجعلها من المغرب» ليس حكما الزاميا ، لان المكلف في حال كونه مشغولا بالركعة هو في صلاة صحيحة ، لأنه اما في مغرب أو في عشاء ويعلم حينئذ بحرمة ابطالها. لكن في كل من اتمامها مغربا واتمامها عشاء موافقة احتمالية ومخالفة احتمالية ، فيجوز كل منهما لعدم الترجيح ، وحينئذ لزوم جعلها مغربا ليس حكما الزاميا بل هو ارشادي الى ما به تحصيل الموافقة القطعية لأمر صلاة المغرب ، والا فيجوز جعلها عشاء رجاء واتمامها ثم اعادة المغرب والعشاء احتياطا.

ففيه : ان مقتضى البقاء في صلاة المغرب بحكم الاستصحاب اتمامها مغربا فلا يجوز جعلها عشاء ، ولا بد أن يأتي بصلاة العشاء على حسب وظيفته الظاهرية.

مضافا الى أنه لو أتمها عشاء يجب عليه الاتيان بكلتا الصلاتين بمقتضى الاستصحاب ، اذ لم يحرز الاتيان لا بالمغرب ولا بالعشاء ولا حاجة الى اتيانها بعنوان الاحتياط.

(١) وجه الاشكال أن احتمال زيادة المذكورات في المتن مدفوع بالاصل ، واستصحاب بقاء المغرب لا يعطي عنوان الزيادة عليها كما

٥٢

(الحادية عشرة) اذا شك وهو جالس بعد السجدتين بين الاثنتين والثلاث وعلم بعدم اتيان التشهد في هذه الصلاة فلا اشكال في أنه يجب عليه أن يبنى على الثلاث (١) لكن هل عليه أن يتشهد أم لا؟ وجهان ، لا يبعد عدم الوجوب بل وجوب قضائه بعد الفراغ ، اما لأنه مقتضى البناء على الثلاث ، واما لأنه لا يعلم بقاء محل التشهد من حيث ان

______________________________________________________

عرفت سابقا.

(١) وذلك لما دل عليه من النصوص :

«منها» ـ ما رواه عمار عن أبى عبد الله عليه‌السلام انه قال له : يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين ، متى ما شككت فخذ بالاكثر ، فاذا سلمت فأتم ما ظننت انك نقصت (١).

«ومنها» ـ ما رواه عمار بن موسى الساباطي قال : سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن شيء من السهو في الصلاة. فقال : ألا أعلمك شيئا اذا فعلته ثم ذكرت أنك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء. قلت : بلى. قال : اذا سهوت فابن على الاكثر (٢).

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ ، الباب ٨ من أبواب الخلل الحديث ١.

(٢) الوسائل ، ج ٥ الباب ٨ من أبواب الخلل الحديث ٣.

٥٣

محله الركعة الثانية وكونه فيها مشكوك بل محكوم بالعدم (١)

______________________________________________________

(١) ملخص كلامه أنه حكم بعدم وجوب التشهد عليه ، وقال انه يجب عليه قضاؤه بعد الفراغ عن الصلاة. واستدل على ذلك بدليلين على سبيل منع الخلو : «الاول» أنه مقتضى البناء على الثلاث ، «الثاني» أنه مقتضى عدم احراز محل التشهد والشك في بقائه ، فنقول : ان عدم وجوب التشهد ووجوب قضائه بعد الصلاة مبني على أن معنى قوله «فابن على الاكثر» ترتيب جميع آثار الركعة الثالثة الواقعية على الركعة الثالثة البنائية ، وأما على القول باختصاصه بعدد الركعات فقط فلا وجه لما ذكره الماتن.

وحيث ان الظاهر من معنى البناء على الاكثر هو الاول فالحق ما ذهب اليه «قدس‌سره» بأنه يقضي التشهد بعد الصلاة ويسجد سجدتي السهو.

والذي يؤيد التقريب المذكور أن الاصحاب لا يلتزمون بوجوب التشهد ، في الشك بين الاثنتين والثلاث في حال الجلوس مع أن الغالب في هذا الشك كونه في هذا الحال ، وليس هذا الا من جهة استفادتهم من الادلة ترتيب جميع الآثار على الاكثر كالثالثة في مفروض الكلام.

ان قلت : فعليه يلزم وجوب سجدتي السهو للزيادة لو أتى بالتشهد قبل حصول الشك.

٥٤

وأما لو شك وهو قائم بين الثلاث والاربع مع علمه بعدم الاتيان بالتشهد في الثانية فحكمه المضي والقضاء بعد

______________________________________________________

قلت : وجوب سجدتي السهو مترتب على عنوان الزيادة ودليل البناء يقتضي ترتيب الآثار الشرعية وصدق الزيادة ليس منها فلا تنافي بين الامرين.

وأما الثاني ـ وهو الشك في بقاء محل التشهد ـ فأورد عليه سيدنا الاستاذ دام ظله بأن الشك في بقاء المحل لا يضر بجريان قاعدة الاشتغال ، اذ يمكن احرازه باصالة بقاء المحل.

ويرد عليه أن الاستصحاب المذكور معارض باستصحاب العدم الازلي ، وهو استصحاب عدم كون الركعة الثانية هي التي بيده. واذن فلا مجال لقاعدة الاشتغال مع الشك في بقاء المحل.

فتلخص أن الوجه الثاني الذي ذكره الماتن لإثبات دعواه غير تام ، فالمتعين هو الوجه الاول ، وهو يدل على عدم وجوب التشهد كما عرفت. لكن هل يمكن الاكتفاء بقضائه بعد اتمام الصلاة أم لا؟ الظاهر أنه مشكل ، فان عدم الاتيان بالتشهد مع الالتفات بوجوبه في أثناء الصلاة لا ينطبق على القاعدة. الا أن يقال : انه لا يمكن التدارك ، وقاعدة لا تعاد تقتضي الصحة وعدم الاعادة على المشهور بين القوم من جريانها في الاثناء ، فلا بد من قضائه على القول به والاكتفاء بما أتى به من الصلاة وعدم الاعادة.

٥٥

السلام ، لان الشك بعد تجاوز محله (١).

(الثانية عشرة) اذا شك في أنه بعد الركوع من الثالثة أو قبل الركوع من الرابعة بنى على الثانى لأنه شاك بين الثلاث والاربع ، ويجب عليه الركوع لأنه شاك فيه مع بقاء

______________________________________________________

(١) أقول : لا فرق بين الشك المذكور وبين الشك حال الجلوس الا توهم جريان قاعدة التجاوز هنا بخلاف حال الجلوس. بتقريب : انه يشك في عدد الركعات مع علمه بعدم اتيان التشهد في الركعة التي قام عنها ، فيرجع شكه الى الشك في أنه هل أتى بوظيفة الركعة التي قام عنها أم لا ، فمقتضى قاعدة التجاوز عدم الاعتناء بهذا الشك.

ويرد عليه : أن ما ذكره مبني على كون القاعدة متكفلة لبيان المصادفات الواقعية والحال أنه ليس كذلك ، فان من صلى الى جهة معلومة وشك في أنها صادفت القبلة أم لا ، لا يمكن اثبات كونها قبلة بقاعدة الفراغ. والمقام من هذا القبيل ، فان المصلي يعلم بعدم اتيانه التشهد في الركعة التي قام عنها وشك في أن عدم الاتيان كان وظيفته أم لا ، فانه لا يثبت بالقاعدة المذكورة ، اذ القاعدة محلها ما اذا شك في اتيان المأمور بها بعد تجاوز محلها لا ما اذا علم بعدم الاتيان واحتمل ان عدم الاتيان وظيفته واقعا ، فانه خارج عن مدار القاعدة. وعليه فالحكم هنا كالحكم في حال الجلوس بلا فرق بينهما.

٥٦

محله. وأيضا هو مقتضى البناء على الاربع في هذه الصورة (١)

______________________________________________________

(١) أقول : ان ما ذكره «قدس‌سره» يتوقف على أن يشمل دليل البناء على الاكثر لما يعلم بعدم جابرية صلاة الاحتياط ، بأن يقال : ان جابرية صلاة الاحتياط وكونها متممة للنقص حكمة التشريع وليست دخيلة فيها ، فان تمام الموضوع في وجوب صلاة الاحتياط هو الشك بين الاقل والاكثر وان علم أنها ليست متممة للنقص. وبتعبير آخر : ان التكليف الواقعي يتبدل في هذا الحال.

ولكن الحق خلافه ، فان هذا المعنى خلاف ظاهر النصوص (١) ، اذ المستفاد منها أنه لا بد في موارد البناء على الاكثر من احتمال جابرية الركعة المنفصلة على فرض نقصان الصلاة.

وأما فيما لم يحتمل جابريتها للعلم بعدم الحاجة الى ركعة الاحتياط فلا مورد للبناء على الاكثر. ومقامنا من هذا القبيل ، فانه اذا بنى على الاربع بمقتضى أدلة البناء وأتى بالركوع يعلم اما بتمامية الصلاة على تقدير كونها أربعا واما ببطلان الصلاة لزيادة الركوع على تقدير كونها ثلاثا ، فلا حاجة الى صلاة الاحتياط ، لعدم احتمال نقص في صلاته ، اذ هي اما باطلة واما تامة بلا حاجة الى صلاة الاحتياط. وعلى هذا فلا بد أن يبني على الاقل ، فتكون صلاته باطلة بنفس الشك غير الصحيح فيها ، وذلك لما رواه صفوان عن أبى الحسن

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ الباب ٨ من أبواب الخلل الحديث ٣.

٥٧

واما لو انعكس بأن كان شاكا في أنه قبل الركوع من الثالثة أو بعده من الرابعة فيحتمل وجوب البناء على الاربع بعد الركوع فلا يركع بل يسجد ويتم وذلك لان مقتضى البناء على الاكثر البناء عليه من حيث انه أحد طرفى شكه وطرف الشك الاربع بعد الركوع لكن لا يبعد بطلان صلاته لأنه شاك في الركوع من هذه الركعة ومحله باق فيجب عليه أن يركع ومعه يعلم اجمالا أنه اما زاد ركوعا أو نقص ركعة فلا يمكن اتمام الصلاة مع البناء على الاربع والاتيان بالركوع

______________________________________________________

عليه‌السلام قال : ان كنت لا تدري كم صليت ولم يقع وهمك على شيء فأعد الصلاة (١).

«ومنها» ـ ما رواه زرارة وأبو بصير جميعا قالا : قلنا له : الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلى ولا ما بقي عليه. قال : يعيد (٢).

أضف الى ذلك أنه لو شك بين الثلث والاربع وبنى على الثلاث لجهله بوظيفته وأتى بركعة متصلة وانكشف بعد ذلك كونها ثلاث لزم بطلان صلاته ، وهو كما ترى.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ الباب ١٥ من أبواب الخلل الحديث ١.

(٢) الوسائل ، ج ٥ الباب ١٦ من ابواب الخلل الحديث ٢.

٥٨

مع هذا العلم الإجمالي (١).

(الثالثة عشرة) اذا كان قائما وهو في الركعة الثانية من الصلاة وعلم أنه أتى في هذه الصلاة بركوعين ولا يدرى أنه أتى بكليهما في الركعة الاولى حتى تكون الصلاة باطلة أو أتى فيها بواحد وأتى بالاخر في هذه الركعة ، فالظاهر بطلان الصلاة لأنه شاك في ركوع هذه الركعة ومحله باق فيجب عليه أن يركع ، مع أنه اذا ركع يعلم بزيادة ركوع في صلاته ولا يجوز له أن لا يركع مع بقاء محله فلا يمكنه تصحيح الصلاة (٢).

______________________________________________________

(١) الكلام فيه ما عرفت آنفا في عكس فرض المسألة ، ولا وجه للإعادة.

(٢) قال السيد الحكيم «قدس‌سره» في المستمسك : انه لا يمكن تصحيح الركوع الثاني ووقوعه في الركعة الثانية بقاعدة الفراغ في الركوع ، بتقريب ان الركوع الثاني في كل صلاة انما يكون صحيحا اذا وقع في محله وهو الركعة الثانية ولا تثبت وقوعه في الركعة الثانية الا على القول بالاصل المثبت.

أقول : يمكن تصحيحه بقاعدة الفراغ ، بتقريب ان الواجب على المصلي أن يأتي بركوعين في الركعتين الاولتين ، والمفروض

٥٩

(الرابعة عشرة) اذا علم بعد الفراغ من الصلاة انه ترك سجدتين ولكن لم يدر أنهما من ركعة واحدة أو من ركعتين وجب عليه الاعادة (١)

______________________________________________________

أنه أتى بالركوعين وانما الشك في وقوع الركوع الثاني صحيحا وهو الاتيان به مرتبا ، فمقتضى قاعدة الفراغ وقوعه صحيحا. واحتمال زيادة الركوع في الركعة الاولى محكوم بالعدم بالاستصحاب.

(١) أقول : الوجه فيما ذهب اليه من وجوب الاعادة هو العلم الإجمالي بأنه اما تجب عليه اعادة الصلاة أو قضاء السجدتين وسجود السهو. ولا تجري قاعدة التجاوز بالنسبة الى سجدتي الاولى لابتلائها بمثلها في سجدتي الثانية ، فتصل النوبة الى أصالة عدم الاتيان بهما ، ومقتضى ذلك هو البطلان.

وأورد عليه المحقق المامقاني «قدس‌سره» أن أصالة عدم الاتيان بالسجدتين من الثانية معارضة بأصالة عدم الاتيان بالسجدتين من الاولى ، فتتساقطان.

ويرد عليه : ان التعارض بين الاصول يتحقق فيما اذا لزم من جريانها مخالفة عملية ، وأما اذا لم يستلزم من جريانها مخالفة عملية كما في المقام فلا معارضة بينها.

والحق أن يقال : ان العلم بترك السجدتين اما أن يحصل بعد

٦٠