الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

الشيخ علي المروّجي القزويني

الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

الشيخ علي المروّجي القزويني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٨

تتميم للفروع

(الفرع الاول) ما لو علم بترك أحد الجزءين المترتبين (١)

______________________________________________________

(١) أقول : ان الجزءين المذكورين اما أن يكون كلاهما غير ركنيين أو كلاهما ركنيين أو مختلفين ، فعلى التقديرات الثلاثة اما أن يبقى المحل الشكي أو الذكري بالنسبة الى كلا الجزءين أو لا يبقى الا بالنسبة الى احد الجزءين أو بقى المحل الشكي دون الذكري أو بالعكس ، فصور المسألة مختلفة.

(الصورة الاولى) ما اذا كان كلاهما غير ركنيين وكان محلهما الشكي باقيا كما لو علم حال الجلوس بترك أحد الامرين من السجدة والتشهد ، فيعلم تفصيلا بعدم امتثال امر التشهد اما لعدم الاتيان به

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

أصلا أو أتى به في غير محله وهو قبل السجدة ، فيكون الشك بالنسبة الى السجدة شكا في المحل ، فيأتي بها وبالتشهد ويسجد سجدتي السهو بناء على أنهما لكل زيادة ونقيصة ، اذ بعد الاتيان بهما يعلم بوقوع الزيادة في الصلاة اما السجدة أو التشهد. نعم لو أتى بالسجدة رجاء لا يحتاج الى سجدتي السهو ، لعدم العلم بالزيادة في هذه الصورة.

(الصورة الثانية) ما اذا كان المحل الشكي بالنسبة الى أحد الجزءين باقيا دون الآخر ، كما لو علم في حال القيام بترك أحد الامرين من التشهد والتسبيحات ، فانه بالنسبة الى التسبيحات شك في المحل ، فلا بد من أن يأتي بها ، وأما بالنسبة الى التشهد تجري قاعدة التجاوز ، لأنه شك بعد المحل ، اذ المفروض أنه دخل في القيام.

(الصورة الثالثة) ما اذا كان كلاهما غير ركنيين ولم يكن المحل الشكي باقيا بالنسبة الى كلا الجزءين ، كما لو علم في حال القيام بترك احد الامرين من السجدة والتشهد. ففي هذا الفرض ينحل العلم الإجمالي الى العلم التفصيلي بعدم امتثال أمر التشهد اما لعدم الاتيان به أو لإتيانه قبل السجدة ، فيكون قيامه هذا لغوا ، فلا بد أن يرجع ويأتي بالسجدة والتشهد ويسجد سجدتي السهو بناء على

١٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أنهما لكل زيادة ونقيصة.

(الصورة الرابعة) ما اذا كان كلاهما غير ركنيين وكان المحل الذكري باقيا بالنسبة الى أحد الجزءين دون الآخر. وفي هذه الصورة اما ان لا يكون لهما أثر مشترك بأن كان لكل منهما أثر مغاير مع اثر الاخر ، كما لو علم في حال القيام أنه ترك السجدة من الركعة السابقة أو التشهد من هذه الركعة ، فان ترك السجدة فلا بد من قضائها وان ترك التشهد فلا بد من اتيانها ، فمقتضى أصالة عدم الاتيان بهما بعد سقوط قاعدة التجاوز بالمعارضة هو لزوم الاتيان بالتشهد وسجدتي السهو لزيادة ما أتى به بعد التشهد بناء على لزومهما لكل زيادة ونقيصة ، والاتيان بقضاء السجدة بعد الصلاة.

واما أن يكون لهما أثر مشترك ـ كما لو علم في حال القيام اما بترك القراءة من الركعة السابقة أو التشهد مما بيده ـ فان ترك القراءة يجب عليه سجدتا السهو وان ترك التشهد فلا بد أن يرجع ويأتي به ويسجد سجدتي السهو لزيادة القيام ، فيعلم تفصيلا بوجوب سجدتي السهو اما لترك القراءة واما لزيادة القيام. وعلى هذا فلا أثر لجريان قاعدة التجاوز في القراءة ، لان اثرها نفى سجدتي السهو ، وهو معلوم الثبوت تفصيلا ، فتجري القاعدة بالنسبة الى التشهد بلا معارض وعليه فلا بد أن يتم صلاته ويسجد سجدتي السهو مرة بناء على لزومهما لكل زيادة ونقيصة. وان قلنا بعدم وجوبهما لكل زيادة

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ونقيصة فالامر أوضح ، اذ بمقتضى قاعدة التجاوز يحرز الاتيان بالتشهد ولا اثر لعدم الاتيان بالقراءة على الفرض ـ انتهى الكلام فيما اذا كان الجزءان المترتبان غير ركنيين.

(الصورة الخامسة) ما اذا كان كلا الجزءين ركنيين وبقي المحل الشكي بالنسبة الى احدهما دون الآخر ، كما لو علم في حال الجلوس بترك الركوع من الركعة السابقة أو سجدتي هذه الركعة ، فالشك بالنسبة الى السجدتين شك في محله ، فيجب الاتيان بهما وتجري قاعدة التجاوز بالنسبة الى الركوع ، واستصحاب عدم الاتيان بالسجدتين يقتضي الاتيان بهما.

(الصورة السادسة) ما اذا بقي المحل الشكي بالنسبة الى كلا الجزءين ، كما اذا علم بترك أحد الامرين من الركوع أو السجدتين في حال الجلوس أو القيام.

والحق أن يقال : ان بعد العلم بترك شيء منهما يعلم بعدم وقوع القيام في محله ، فيكون بالنسبة الى كل منهما شكا في المحل ، وان كان مقتضى القاعدة جريان أصالة عدم الاتيان بكل منهما ، الا أنه حيث يقطع بعدم الامر بالنسبة الى الركوع اما للإتيان به أو لبطلان الصلاة بالدخول في السجدة الثانية فلا يجري أصالة العدم بالنسبة اليه ، وأما بالنسبة الى السجدة فجريانها بلا معارض. الا أنه حيث

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يشك في الخروج عن عهدة الركوع فمقتضى الاشتغال هو اعادة الصلاة ، لكن مقتضى استصحاب عدم بطلان الصلاة حرمة قطعها. ويمكنك أن تقول : انه يعلم اجمالا اما تجب عليه الاعادة أو يحرم الابطال والعلم منجز للأطراف.

(الصورة السابعة) ما اذا حصل العلم الإجمالي بعد محلهما الذكري ، كما اذا علم في حال الركوع بترك أحد الامرين من الركعة السابقة اما الركوع أو السجدتين فيحكم ببطلان الصلاة في هذه الصورة لعدم امكان الجبر.

(الصورة الثامنة) ما كان المحل الذكري باقيا لأحدهما دون الآخر ، كما لو علم حال القيام بترك أحد الامرين من الركوع في الركعة السابقة والسجدتين في هذه الركعة ، فأفاد سيدنا الاستاذ أنه حيث يعلم بلغوية القيام يكون شكه بالنسبة الى سجدتين شكا في المحل فلا تجري القاعدة ، واما بالنسبة الى الركوع فلا مانع من اجراء القاعدة.

ويرد عليه : أن المكلف بعد علمه بالترك المذكور يعلم اجمالا اما تجب عليه الاعادة اذا كان الفائت الركوع أو يحرم عليه ابطال الصلاة والاتيان بسجدتي السهو لزيادة القيام ، ومقتضى قاعدة التجاوز الجارية بالنسبة الى الركوع عدم وجوب الاستيناف ، كما أن مقتضى

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

البراءة عدم حرمة الابطال ومقتضى عدم زيادة القيام عدم وجوب سجدتي السهو. وعليه يكون العلم الإجمالي منجزا ، فلا بد من الاتمام وسجدتي السهو والاعادة.

هذا على تقدير القول بحرمة الابطال كما هو المنصور. هذا تمام الكلام فيما اذا كان الجزء ان ركنيين.

(الصورة التاسعة) ما لو كان أحدهما ركنيا دون الآخر وكان ما هو ركنا مقدما على ما ليس بركن بحسب ترتيب الصلاة وكان الشك بالنسبة الى كل منهما في محلهما الشكي ، كما لو علم اما بترك السجدتين أو التشهد وهو في حال الجلوس فمقتضى استصحاب عدم اتيانهما وجوب الاتيان.

أفاد سيدنا الاستاذ دام ظله : انه لو أتى بهما يحصل له العلم الإجمالي اما بوجوب الاعادة لزيادة السجدتين لو كان المتروك في الواقع التشهد أو بوجوب سجدتي السهو لو كان الامر بالعكس ، فحيث لا يمكنه الاكتفاء بهذه الصلاة مع العلم المزبور فلا ملزم لإتمامها.

ويرد عليه : انه يمكن أن يأتي بهما رجاء ، فعليه لا يحصل العلم بشىء من الاعادة وسجدتي السهو كما هو واضح.

(الصورة العاشرة) ما لو كان بالنسبة الى غير الركني في محله الشكي دون الركني ،

١٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كما لو علم بترك الركوع من الركعة السابقة أو تشهد هذه الركعة وهو في حال الجلوس ، فانه بالنسبة الى التشهد شك في المحل فمقتضى الاستصحاب الاتيان به ، وأما بالنسبة الى الركوع فتجري قاعدة التجاوز.

(الصورة الحادية عشرة) ما لو كان بعد تجاوز المحل الشكي والذكري بالنسبة الى كليهما ، كما لو علم بعد الدخول في الركوع بترك سجدتي الركعة السابقة أو قراءة هذه الركعة ، فتجري القاعدة بالنسبة الى الركوع ولا يعارضها جريانها في القراءة ، لان القاعدة الجارية في الاولى من قبيل الاصل المصحح ، وهو مقدم على القاعدة الجارية في الثانية لكونها من قبيل الاصل المتمم.

(الصورة الثانية عشرة) ما لو بقي المحل الذكري دون الشكي لغير الركنى ، كما لو علم حال القيام اجمالا بأنه اما ترك الركوع من الركعة السابقة أو التشهد من هذه الركعة فانه يعلم اجمالا اما يجب عليه الاتيان ان كان المتروك هو الركوع أو يحرم عليه الابطال والاتيان بسجدتى السهو ان كان المتروك هو التشهد ، فمقتضى العلم تنجز الاطراف.

(الصورة الثالثة عشرة) ما لو كان الجزء الركني مؤخرا عكس الصورة الثامنة وبقي المحل الشكي بالنسبة الى كليهما ، كما لو علم في حال الجلوس أنه ترك أحد الامرين اما القيام بعد الركوع

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أو السجدتين.

ولا يخفى أن صحة هذا المثال فيما نحن فيه يتوقف على عدم كفاية الهوي في صدق الدخول على الغير الذي لا بد منه في صدق التجاوز ، وأما على القول بكفايته فهذا المثال أجنبي عن المقام.

والحاصل انه يعلم حينئذ بعدم الامر باتيان القيام بعد الركوع ، اما لإتيانه به كما لو كان المتروك في الواقع السجدتين أو لبطلان الصلاة لو أتى بالسجدتين بقاعدة الاشتغال ، فلا تجري أصالة العدم بالنسبة اليه لا من حيث أثره الداخلي وهو الاعادة ولا من حيث أثره الخارجي وهو سجدتا السهو ، ويجري الاصل بالنسبة الى السجدتين فلا بد أن يأتي بهما. فعلى القول بجريان حديث لا تعاد في أثناء الصلاة يمكن أن يصحح الصلاة ، وأما على القول بعدم جريانه كما هو المختار فلا يمكن تصحيحها للعلم الإجمالي اما باعادة الصلاة أو بحرمة قطعها.

ولقائل أن يقول : ان مقتضى استصحاب عدم الاتيان بالقيام بطلان الصلاة ، فينحل العلم الإجمالي باحراز بطلان الصلاة للأصل.

(الصورة الرابعة عشر) ما لو كان بالنسبة الى الجزء الركنى المحل الشكي باقيا دون الجزء غير الركني ، كما لو علم في حال الجلوس اما بترك القراءة أو السجدتين من هذه الركعة ، فيجب

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الاتيان بالسجدتين بمقتضى الاستصحاب ، وأما القراءة فتجري قاعدة التجاوز بالنسبة اليها.

(الصورة الخامسة عشر) ما لو كان بالنسبة الى الجزء الركني المحل الذكري باقيا دون الجزء غير الركني ، كما لو علم في حال القيام بأنه اما ترك القراءة من الركعة السابقة أو السجدتين منها.

فالظاهر أنه تجري القاعدة بالنسبة الى الركني ولا تجري بالنسبة الى غيره ، اذ القراءة اما أتى بها فقد امتثل أمرها أو دخل في الركن ولا يمكنه تدارك القراءة. وحيث ان موضوع قاعدة التجاوز بالنسبة الى كل من القراءة والسجدة حاصل ولا يمكن اجراء القاعدة في كليهما للعلم بتحقق النقص فلا بد من الرجوع والاتيان بالسجدتين ، بل الاتمام والاتيان بسجدتي السهو مرة ، اذ أنه يعلم اجمالا بأنه اما تجب عليه سجدة السهو لنقصان القراءة أو يجب عليه الرجوع والاتيان بالسجدتين وسجدتي السهو مرة لزيادة القيام.

الا أن يقال : بأن الامر دائر بين الاقل والاكثر ، اذ وجوب الاتيان بسجدتى السهو معلوم تفصيلا لكن وجوب الرجوع والاتيان بالسجدتين مشكوك ، وقاعدة التجاوز تقتضي عدم الرجوع واستصحاب عدم الاتيان بهما محكوم بالنسبة الى القاعدة.

(الصورة السادسة عشر) ما لو لم يكن المحل الذكري باقيا ،

١٤٩

(الفرع الثانى) لو علم بعد صلاته بأنه اما نقص ركنا في صلاته الاصلية أو في صلاة الاحتياط (١)

______________________________________________________

كما لو دخل في الركوع وعلم بأنه اما ترك القراءة من الركعة السابقة أو السجدتين منها ، فان جريان القاعدة بالنسبة الى السجدتين دون القراءة أوضح من أن يخفى ، اذ المكلف اما أتى بالقراءة أو بطلت صلاته فلا يلزم بالرجوع ولا بسجدتي السهو. وأما موضوع القاعدة بالنسبة الى السجدتين فتام بلا مانع ، وعلى تقدير عدم جريان قاعدة «لا تعاد» في الاثناء يشكل الامر كما مر نظيره.

لكن يشكل جريان القاعدة بالنسبة الى السجدتين ، اذ يحصل له العلم بالمخالفة القطعية ، ومقتضى العلم الإجمالي أن يأتي بسجدتي السهو بعد الصلاة واعادتها ، اذ يعلم بانتفاء أحد الامرين ، فعلى تقدير فوت القراءة تجب سجدتا السهو وعلى تقدير فوت السجدتين تجب الاعادة.

(١) أقول : تارة نتكلم على مبنى أن صلاة الاحتياط واجبة مستقلة وكونها جابرة حكمة للتشريع وأخرى على مبنى أنها ليست واجبة مستقلة بل جزء من الصلاة على تقدير النقصان :

أما على الاول فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى الصلاة الاصلية ، ولا يعارضها قاعدة الفراغ الجارية في صلاة الاحتياط ، للعلم التفصيلي ببطلانها اما من جهة ترك الركن فيها واما من جهة بطلان الصلاة الاصلية ، فلا يبقى مورد لصلاة الاحتياط بعد بطلان الصلاة الاصلية ، اذ المستفاد من أدلتها أنها مجعولة فيما تصح الصلاة وتكون لغوا

١٥٠

(الفرع الثالث) لو علم بعد الصلاة بأنه زاد ركوعا في صلاته لكن شك في أنه زاد فيها من جهة كونه في الجماعة حفظا لمتابعة الامام فلا يوجب بطلانها حينئذ او زاد سهوا مع كونه منفردا فيوجب بطلانها (١)

______________________________________________________

فيما اذا كانت الصلاة باطلة.

واما على الثانى فتكون صلاته باطلة للعلم الإجمالي بوقوع المنافى في احداهما فتبطل الصلاة على كلا التقديرين أما في صورة كون النقصان من الصلاة الاصلية فواضح واما في صورة كونه من صلاة الاحتياط فلا يمكن احراز تمامية الصلاة الاصلية.

(١) أفاد المحقق المامقاني «قدس‌سره» : الاظهر بطلان صلاته ، لان الاصل في زيادة الركنى الابطال وانما التبعية مانعة من الابطال ، فما لم يحرز المانع يؤثر المقتضى أثره. وأيضا الاصل عدم تحقق المانع فيؤثر المقتضى اثره.

ويرد عليه : ان قاعدة المقتضى والمانع ليست دليلا مستقلا بنفسها ولم يقم دليل على اعتبارها فلا تكون قابلة للتمسك بها. نعم يمكن أن يقرب ذيل كلامه بوجه يمكن أن يتمسك به ، وهو أن مقتضي البطلان وموضوعه هو زيادة الركني وقد خرج منه مورد متابعة الامام ، فمع وجود الزيادة وجدانا والشك في كونه جماعة يكون مقتضى الاصل عدمها.

الا أنه لا مجال لهذا التقريب أيضا مع جريان قاعدة الفراغ في الصلاة ومقتضاها صحة الصلاة.

١٥١

(الفرع الرابع) لو علم أنه أتى بالظهرين ثمان ركعات وقبل الخروج من العصر شك في أنه صلى الظهر ثلاثا او اربعا أو خمسا (١)

______________________________________________________

وذهب المحقق المامقاني قدس‌سره الى المنع من شمول قاعدة الفراغ لمثل ذلك ، ولعل الوجه في منعه توهم كون صورة العمل محفوظة ، اذ يعلم بما أتى به من زيادة الركوع لكنها من حيث كونها جماعة أو منفردة غير محفوظة.

ويرد عليه : أن صورة العمل كانت محفوظة بالنسبة الى اجزاء العمل ، وأما بالنسبة الى حالاتها من الجماعة والانفراد فلا مانع من جريان القاعدة.

وبعبارة أخرى : صورة العمل لا تكون محفوظه على الاطلاق ، اذ يحتمل أن يكون الترك مستندا الى المتابعة.

وان شئت قلت : المانع من جريان القاعدة احراز كون المصلي غافلا حين العمل ، وفي المقام هذا المعنى غير محرز ، اذ من الممكن كونه متوجها وكان تركه مستندا الى المتابعة ، ولو لا هذه الجهة يكفي في البطلان استصحاب عدم الاتيان بالمأمور به ولا نحتاج في اثبات البطلان الى ما ذكر في كلامه.

(١) تارة يشك بعد الدخول في ركوع الركعة الثامنة وأخرى قبله بأن كان في حال القيام :

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أما على الاول فلا شبهة في بطلان صلاة العصر لكون الشك في هذه الصورة من الشكوك غير المنصوصة ، وأما بالنسبة الى الظهر فتجري قاعدة الفراغ.

وأما على الثاني فمقتضى قانون الشك في مفروض الكلام ان يهدم القيام ، فيرجع شكه الى الشك في الركعة السابقة بين الاثنين والثلاث والاربع ، وكان هذا الشك من الشكوك الصحيحة ومع ذلك يحكم ببطلان صلاة العصر ، لأنه يعلم تفصيلا أنه لم يأت بها أزيد من سبع ركعات ، فيعلم تفصيلا بعدم الامر بالتشهد بعنوان العصر ، اما لان ما بيده ثالثة العصر فلا بد من الاتيان بركعة متصلة أو رابعتها فيجب العدول الى الظهر ، فحيث لا يمكن تصحيحها فيحكم ببطلانها وتجري قاعدة الفراغ في الظهر فمقتضاها صحتها.

أفاد المحقق المامقاني قدس‌سره : الاحوط والاولى العدول بما في يده الى الظهر والبناء على الاربع والاتيان بركعة الاحتياط ، فيعلم بذلك باتيان ظهر صحيحة واقعا اما بالاولى أو بالمعدول بها ثم يأتي بالعصر.

ويرد عليه : ان هذا الاحتياط لا يتم على بعض الاحتمالات ، كما اذا كان الظهر خمسا في الواقع فعدل الى الظهر فيكون ما بيده ثلاث ركعات ، ففي هذه الصورة لا بد أن يأتي بركعة متصلة ولا يمكن تصحيح ما بيده بالعمل بقاعدة الشك بين الاثنين والثلاث والاربع ، اذ حكم

١٥٣

(الفرع الخامس) لو صلى الى اربع جهات عند اشتباه القبلة أو الى جهتين عند اشتباهها بينهما وعلم بعد الفراغ بفساد واحدة منها ، وهكذا في كل ما أتى باطراف العلم الإجمالي وبعد ذلك علم بنقصان واحد منها (١)

______________________________________________________

هذا الشك الاتيان بركعتي الاحتياط جلوسا وركعتين قياما ، وفي المقام يقطع بعدم الحاجة الى ركعتين من جلوس ، اذ على تقدير كون ما بيده ثلاثا لا بد أن يأتي بركعة متصلة ، وأما الركعتان هنا من قيام فلم يؤمر بهما وحدهما ، والاتيان رجاء لا يفرق فيه بين الاتصال والانفصال.

(١) أقول : لا بد أن يفصل في المسألة بين ما كانت الصلاة الباطلة معلومة الجهة وبينما كانت مجهولة الجهة.

أما على الاول فالظاهر وجوب الاعادة ، لعدم جريان قاعدة الفراغ في هذه الصورة ، اما بالنسبة الى ما يعلم فساده فواضح وأما بالنسبة الى سائر الاطراف فلا تثبت أن الواجب غير هذا المعلوم بطلانه.

وبعبارة واضحة : ان منشأ الشك في الصحة أمران أحدهما الشك في كونها واقعة الى القبلة وثانيهما نقصان الركوع مثلا اما من الناحية الاولى فلا معنى لجريان القاعدة ، اذ الناقص ان كان واقعا الى الكعبة فالصلاة باطلة والذمة مشغولة قطعا ، وان كان الكامل واقع عليها

١٥٤

(الفرع السادس) انه لو أتى بصلاتين واجبتين مختلفتين عددا ثم علم بفساد إحداهما فأعادهما بحكم العلم الإجمالي ثم علم بفساد احدى المعادتين فهل يجب اعادتهما (١)

(الفرع السابع) لو شك في اتيان السجدة الثانية وهو في المحل لكنه يعلم بأنه لو كان آتيا بالسجدة الثانية

______________________________________________________

فالصلاة صحيحة والقاعدة لا تتكفل لإثبات وقوع الصلاة اليها مع الجهل بها ، والا لم يكن العلم منجزا وكان الاتيان بصلاة واحدة مجزية.

وأما من الناحية الثانية فأيضا لا مجال لجريان القاعدة ، اذ المأمور به الواقعي ان كان منطبقا على الناقص فعدم الصحة محرز بالوجدان وان لم يكن منطبقا عليه تكون الصحة كذلك ، والقاعدة لا تتكفل لبيان انطباق المأمور به على غير للناقص. ولعل الامر ظاهر لا يحتاج الى مزيد بيان واقامة برهان.

واما على الثاني فلا مانع من جريانها بالنسبة الى المأمور به الواقعي المجهول عند المصلي.

(١) الظاهر عدم لزوم اعادتهما مرة ثانية ، لجريان قاعدة الفراغ فيما هي واجبة واقعا ، فان الواجب علينا ليس الا صلاة واحدة ولزوم اعادتهما من باب الاحتياط ، فبعد الاتيان بهما يشك في أن الباطل هو واجب واقعا او غيره ، فيحكم بصحة الواجب الواقعي بمقتضى القاعدة.

١٥٥

فقد ترك ركوع الركعة السابقة ، فيعلم اجمالا اما بترك السجدة الثانية او ركوع الركعة السابقة (١) ، وكذا لو انعكس الفرض بأن علم أنه لو لم يكن آتيا بالسجدة الثانية فقد ترك الركوع (٢)

(الفرع الثامن) أنه لو أتى بصلاة واجبة وأخرى مندوبة كنافلة الصبح وفريضته مثلا ثم علم بفساد إحداهما

______________________________________________________

(١) أقول : ان الشك بالنسبة الى السجدة شك في المحل ، فلا بد من اتيانها بمقتضى الاستصحاب وأما بالنسبة الى الركوع فتجرى قاعدة التجاوز.

(٢) هل يمكن جريان القاعدة بالنسبة الى الركوع واجراء قاعدة الشك في المحل بالنسبة الى السجدة فيجب عليه أن يسجد؟ الظاهر أنه لا يمكن لعلم بعدم مطلوبية السجدة لأنه اما أن أتى بالسجدتين او ترك الركوع.

ويؤيد ما ذكرنا ما افاده سيدنا الاستاذان التحقيق عدم جريان الاشتغال في السجدة للعلم بعدم الامر بها ، لأنه اما قد أتى بها أو على فرض العدم ترك الركوع أيضا فيجب عليه العود. وحيث لا يمكن له احراز الاتيان بالسجدة المأمور بها لاحتمال تركها الركوع فلا يمكنه المضي في صلاته ، فلا يكون المقام مجرى لقاعدة التجاوز.

١٥٦

لم يلزمه اعادة الواجبة (١)

(الفرع التاسع) انه لو علم المصلى بأن ما بيده خامسة وشك في أنه قام اليها بعد التسليم في الرابعة أو قبله فان علم انه قام الى ما بيده بعنوان الصلاة الاولى ، غايته أنه لا يدرى أنه سلم للأولى وغفل عن التسليم وقام بزعم بقاء ركعة من صلاته أو أنه لم يسلم قام بزعم بقاء ركعة وأخرى يعلم انه قام الى ما بيده بعنوان الصلاة المتأخرة (٢)

______________________________________________________

(١) أفاد المحقق المامقاني أنه يصح صلاته الواجبة لجريان قاعدة الفراغ السليمة عن المعارض بعد عدم كون شقى العلم الإجمالي جميعا الزاميين حتى يؤثر ويرد عليه : أن المعيار في تأثير العلم الإجمالي هو تعارض الاصول وكون شقى العلم الإجمالي جميعا الزاميين وعدمه لا دخل له في المقام ، فما ذكره من صحة الصلاة الواجبة مبتن على عدم جريان قاعدة الفراغ في الصلوات الندبية ، وأما على القول بجريانها كما هو الحق فيقع التعارض بين القاعدتين ولا بد أن يعمل بمقتضى العلم الإجمالي وهو الاعادة.

(٢) أقول : للمسألة صورتان :

(الاولى) ما علم بأنه قام الى ما بيده بعنوان الصلاة الاولى وشك في أنه قام اليها بعد التسليم أو قبله ، فان كان شكه ذلك بعد

١٥٧

(الفرع العاشر) لو شك في الرباعية بين الثلاث والاربع مثلا وبنى على الاربع واتمها وبعد ما دخل في صلاة الاحتياط ذكر نسيان سجدة من الركعة الاخيرة من

______________________________________________________

الدخول في الركوع بطلت صلاته لزيادة الركن قبل احراز الخروج من الصلاة وان كان قبل الدخول فيه هدم القيام للعلم بزيادته ويأتى بالتسليم ، ولا تجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى الصلاة لعدم حصول الفراغ البنائى مع الشك في التسليم فموضوع القاعدة غير محرز.

وأما قاعدة التجاوز على القول باعتبارها فهي لا تجري أيضا ، لاشتراط الدخول في الغير المترتب ، والركعة الخامسة غير مترتب على التسليم.

(الثانية) ما علم بأنه قام الى ما بيده بعنوان الصلاة المتأخرة ، فان علم أنه كبر للمتأخرة تجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى المتقدمة ، اذ يصدق عنوان المضي الموضوع لقاعدة الفراغ. بل لنا أن نقول : ان عنوان الفراغ يصدق مطلقا ، اذ ما دام لم يفرغ من المتقدمة لا يأتي بالمتأخرة ، وان شك في التكبير للمتأخرة ، فان كان ذلك حال القراءة تجري قاعدة التجاوز بالنسبة الى التكبير على القول بها ، وان كان الشك قبل الدخول في القراءة لزم الاتيان بالتكبير لاستصحاب عدمه.

١٥٨

صلاة الاصلية (١)

(الفرع الحادى عشر) لو شك في الرباعية شكا موجبا لصلاة الاحتياط بين الثلاث والاربع ثم نسى صلاة الاحتياط فدخل بعد التسليم في الفريضة المتأخرة قبل الاتيان بصلاة الاحتياط وعلم بذلك في أثنائها (٢)

______________________________________________________

(١) الحق هو التفصيل بين ما اذا دخل في ركوع ركعة الاحتياط وقبله ، وعلى الاول لا بد أن يتمها ويأتي بالسجدة بعدها لعدم امكان تداركها بعد الدخول في الركن ، وعلى الثاني فيرجع ويأتي بها وبالتشهد ويسلم ويأتي بصلاة الاحتياط بعد ذلك.

قد ذهب المحقق المامقاني الى عدم جواز الرجوع في الصورة الثانية أيضا ، بتقريب ان تكبيرة الاحرام لصلاة الاحتياط ركن والدخول فيه مانع من الاتيان للمنسي ، اذ يلزم من العود زيادة التكبيرة.

ويرد عليه : انا قد بينا في محله عدم قيام دليل على بطلان الصلاة بزيادة التكبيرة عن غير عمد وعليه ، فالحق ما ذكرناه من التفصيل.

(٢) أقول : تارة يعلم بذلك قبل الدخول في ركوع الركعة الثانية من الفريضة المتأخرة وكانت صلاة الاحتياط عن قيام ، وأخرى بعد الدخول فيها. وعلى الاول يجب العدول من صلاة الفريضة الى صلاة الاحتياط ، الا أن يقال لم يقم دليل على جواز هذا العدول.

١٥٩

(الفرع الثانى عشر) لو شك في صلاة العصر مثلا ان الصلاة السابقة هل أتى بها بعنوان الظهر او العصر (١)

______________________________________________________

وعلى الثاني أفاد المحقق المامقاني انه على القول بجواز اقحام صلاة في أخرى يبدأ بالاحتياطية ويعود بعد اتمامها الى الاصلية المتأخرة من موضع قطعها أو يتم المتأخرة ثم يأتي بالاحتياطية ، والثانى أقرب لأنه عليه لا يلزم الا اقحام العصر بين الظهر وركعة الاحتياطية ، بخلاف الاول فانه يكون اقحام العصر في الظهر واقحام الاحتياطية في العصر ـ انتهى كلامه.

وعلى المختار من عدم جواز اقحام صلاة في أخرى فيلزمه العدول الى السابقة المشكوك فيها واتمامها ويأتي بالمتأخرة بعدها لبطلان السابقة بمضى وقت العدول الى الاحتياطية.

أضف الى ذلك أنه على التقدير الثاني يلزم خلاف الترتيب ، وهو لا يجوز واغتفار غير الخمسة انما يكون مع الجهل لا مع العلم والتذكر والصلاة الاحتياطية جزء من الاصلية.

(١) الحق هو اعادتهما بمقتضى العلم بوجوب صلاة الظهر أو العصر عليه ، ولا مجال لجريان قاعدة الفراغ بالنسبة الى الصلاة السابقة ، لعدم الشك في صحته على كل تقدير ، أما على تقدير كونها ظهرا فواضح ، وأما على تقدير كونها عصرا أيضا كذلك. غاية الامر اختل الترتيب على فرض كونها عصرا ، ولا وجه للعدول اذ يقطع

١٦٠