الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

الشيخ علي المروّجي القزويني

الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

الشيخ علي المروّجي القزويني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٨

(الفرع الثالث عشر) لو اشتهت القبلة الى جهات اربع ولم يبق من وقت الصلاتين المرتبتين ما يفى أن يأتى بهما بجميع الاطراف كما لو كان الباقى منه بمقدار ثمانية والعشرين ركعة في الظهرين مثلا (١)

______________________________________________________

بعدم صحته ، لان المأتى به اما قصد به الظهر فلا مجال للعدول واما قصد به العصر فقد فات محل العدول ، فلا بد من العمل بمقتضى العلم نعم في متفقتى العدد يمكن الاتيان بواحدة بعنوان ما في الذمة.

(١) ملخص كلامه : أنه لو اشتبهت عليه القبلة ولم يبق من وقت الظهرين الا مقدار سبع فرائض ـ اعني ثمانية وعشرون ركعة ـ والحال يجب عليه أن يأتي بثمان فرائض ـ أعني اثنين وثلثين ركعة ـ فيقع التزاحم بين وقتي الصلاتين ، لأنه يدور الامر بين اتيان الظهر الى أربع جهات والعصر الى ثلاث جهات أو بالعكس.

ربما يقال بلزوم الاتيان بالظهر الى ثلاث جهات ثم بالعصر الى الجهات الاربع ، بتقريب أن القائل بالاختصاص يقول باختصاص مقدار الاتيان بالعصر من آخر الوقت بالعصر بحسب شروطها جميعا ، ومن جملة الشروط القبلة ، فبمقدار تحصيل العصر بشروطها ـ وهو هنا أربع فرائض ـ يختص بالعصر ، فلا يجوز الاتيان بالظهر الا بثلاث فرائض.

وفيه : ان وقت الاختصاص انما هو للعصر الواقعي ، وهو بمقدار

١٦١

(الفرع الرابع عشر) أنه لو شك بعد الفراغ بين الثلث والخمس فما هى وظيفته (١)

______________________________________________________

أربع ركعات من آخر الوقت ، لا للمحتملات المأتي بها من باب المقدمة لتحصيل العلم بالمأمور به.

وقال سيدنا الاستاذ دام ظله : ان مقتضى القاعدة الاولية هو التخيير ، فله أن يأتي بواحدة منهما الى جهات أربع والاخرى الى جهات ثلاث كيفما أراد ، الا أن يكون هناك محتمل الاهمية.

وفيه : ان مقتضى الترتيب هو عدم الاتيان بالعصر قبل الظهر عمدا مع بقاء الوقت كما صرح به في ذيل كلامه ، وعليه فلا مجال للتخيير ، بل يجب عليه أن يأتي بالظهر الى جهات أربع وتبقى الثلاث للعصر. وأما لزوم قضاء ما بقي من العصر بمقدار أربع ركعات فهو مبني على أن المستفاد من الادلة وجوب القضاء حتى مع اشتباه القبلة ، والاستاذ لا بد أن يلتزم هنا بعدم وجوب القضاء ، للشك في صدق الفوت مع الاتيان بثلاث فرائض ، ولكن على ما بيناه في محله من عدم كون الفوت أمرا وجوديا فيجب القضاء بمقتضى الاستصحاب.

(١) تارة يشك بعد فعل المنافي المطلق وأخرى قبله ، فان كان شكه بعد فعل المنافي فلا اشكال في بطلان صلاته لوقوع فعل المنافي قبل الخروج من الصلاة ، وان كان قبل فعل المنافي فتبطل صلاته

١٦٢

(الفرع الخامس عشر) انه لو شك بين الثلث والاربع فيما يعتقده عشاء وبنى على الاربع ثم علم بعد الفراغ بأن صلاته كانت مغربا بطلت صلاته (١)

(الفرع السادس عشر) أنه لو صلى صلاتين بوضوءين ثم علم بفساد احد الوضوءين (٢)

______________________________________________________

أيضا ، لكون شكه هذا من الشكوك الباطلة.

(١) لأنه بعد الفراغ يعلم بأن الشك الواقع في صلاته من الشكوك الباطلة غير القابلة للعلاج.

(٢) تارة يكون فساد أحد الوضوءين لوقوع الحدث بعده وأخرى من جهة خلل فيه :

أما على الاول فربما يقال بأنه يجب اعادتهما ان كانتا مختلفتين عددا والاتيان بواحدة مرددة بينهما ان كانتا متحدتين عددا عملا بمقتضى العلم الإجمالي.

أفاد المحقق المامقاني أنه لا يبعد القول بكفاية الاتيان بالاولى ، وذلك بعد تعارض قاعدة الفراغ في كل من الوضوءين ، فيبقى استصحاب الطهارة بالنسبة الى الوضوء الثاني سليما عن المعارض ، لان الطهارة الحاصلة من الوضوء الاول زائلة قطعا اما بالحدث بعده أو بالحدث بعد الوضوء الثاني ، فيبقى استصحاب الطهارة بالنسبة الى الوضوء الثاني سليما عن المعارض ، فتصح الصلاة الثانية ويعيد

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة الاولى.

وفيه : ان استصحاب الطهارة بالنسبة الى الوضوء الثاني معارض لاستصحاب الطهارة بالنسبة الى الوضوء الاول ، والعلم المذكور بزوال الطهارة لا يمنع من استصحاب بقاء الطهارة الى حين الصلاة الاولى. والحاصل ان جريان استصحاب الطهارة الحاصلة من الوضوء الثاني معارض لاستصحاب الطهارة الحاصلة من الوضوء الاول الى حين الصلاة الاولى.

ويمكن أن يقال كما قال سيدنا الاستاذ في التقرير أنه تصح الاولى وتلزم اعادة الثانية فقط ، لاستصحاب الطهارة بالنسبة الى الاولى وعدم جريانه بالنسبة الى الثانية ، للقطع بارتفاع الحدث ، فان الصلاة الثانية مسبوقة بحالتين متضادتين ، ومع الشك في المتقدم والمتأخر لا يجري الاستصحاب ، فالصلاة الاولى صحيحة باستصحاب الطهارة بلا معارض. وأما الثانية فلا مصحح لها لا قاعدة الفراغ لسقوطها بالمعارضة ، ولا الاستصحاب لما ذكر فتلزم اعادتهما لاستصحاب عدم الاتيان بها على المذهب المنصور ولقاعدة الاشتغال على المسلك المشهور حيث بينا أن الاصل الجاري في مورد الشك منحصر في البراءة والاستصحاب ، اذ الشك ان كان بدويا يكون محلا للبراءة ، وان كان مسبوقا بالحالة السابقة يكون مجرى للاستصحاب.

١٦٤

(الفرع السابع عشر) لو اغتسل للجنابة ثم أحدث وتوضأ وبعد ذلك علم بفساد احدى الطهارتين سواء صلى بعدها او لم يصل (١)

(الفرع الثامن عشر) لو توضأ او اغتسل بماء اناء لا يشك في طهارته ثم علم اجمالا بنجاسة اناء مردد بين ما توضأ منه وماء آخر محل للابتلاء (٢)

______________________________________________________

فلا مورد للاشتغال والتفصيل موكول الى محل آخر ، وان شئت فراجع ما حققناه في الاصول.

واما على الثانى فتصح كلتا الصلاتين اذ يعلم تفصيلا بصحة الصلاة الثانية اما بالوضوء الاول او الثانى فتبقى قاعدة الفراغ بالنسبة الى الوضوء الاول سليمة عن المعارض وتترتب عليه صحة الصلاة الاولى أيضا.

(١) أقول : ان العلم الإجمالي في المسألة ينحل الى علم تفصيلي ببطلان الوضوء ، اما لبطلانه بنفسه لخلل فيه أو لبطلان غسله بالحدث المتأخر. وأما الغسل فتجري فيه قاعدة الفراغ بلا معارض.

(٢) أفاد المحقق المامقاني أنه يمكن أن يقال هنا بصحة ما أتى به من الوضوء والغسل ، لقاعدة الفراغ بعد معارضة أصالة الطهارة في الماء الموجود بأصالة الطهارة في الماء المستعمل ، فالاظهر صحة وضوئه أو غسله للقاعدة وطهارة بدنه للاستصحاب.

والجواب عنه : أولا ان ما ذكره مبني على بقاء الماء الذي توضا أو اغتسل منه حتى يكون هو طرف العلم ، وأما مع انعدامه فيكون

١٦٥

(الفرع التاسع عشر) اذا كان مائان أحدهما كر يقينا والاخر أقلّ منه واشتبه أحدهما بالاخر وعلم بوقوع نجاسة في أحدهما (١)

______________________________________________________

نفس الوضوء أو الغسل طرفا للعلم الإجمالي ، اذ هو يعلم اجمالا بأحد الامرين اما بنجاسة الماء الموجود واما ببطلان الوضوء أو الغسل ، فلا مجال لقاعدة الفراغ هنا لمعارضتها بأصالة الطهارة.

وثانيا ـ انه لا تجري قاعدة الفراغ في المقام ، لعدم صدق التعليل المذكور في الرواية عليه. وبعبارة أخرى : ان صورة العمل محفوظة ومعها لا تجري القاعدة ، وعليه فيجب عليه اعادة غسله أو وضوئه. لكنه يعلم تفصيلا اما بصحة غسله ووضوئه واما بنجاسة بدنه ، فلا بد أن يعمل بمقتضى علمه ، وهو أن يطهر بدنه من النجاسة ثم يتوضأ أو يغسل لكي يقطع بحصول الطهارة من الحدث.

(١) أقول : تارة يعلم بوقوع النجاسة في أحدهما المعين وأخرى في أحدهما غير المعين ، وعلى كلا التقديرين فاما أن تكون الحالة السابقة لكلا المائين الكرية ، واما أن تكون الحالة السابقة لهما هي القلة ، واما ان تكون الحالة السابقة لواحد منهما الكرية ، وللاخر القلة ، فيقع الكلام في جميع هذه الفروض :

(الفرض الاول) ما كان ما وقع عليه النجس غير معين وكانت الحالة السابقة لكلا المائين الكرية ، فانه يجرى استصحاب الكرية في الملاقى ويحكم بطهارة كليهما ولا يجري استصحاب عدم الملاقاة مع

١٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الكر ، اذ لا يترتب عليه اثر الا بالنحو المثبت ، مضافا الى أن المرجع بعد التعارض قاعدة الطهارة والنتيجة واحدة.

(الفرض الثاني) ما كان ما وقع عليه النجس غير معين وكانت الحالة السابقة لهما هي القلة ، وقد أفاد السيد الحكيم في المستمسك أن مقتضى استصحاب القلة فيما لاقته النجاسة هو الحكم بنجاسته فيجب الاجتناب عنهما ويمكن الجواب عنه : بأن استصحاب القلة معارض لاستصحاب عدم ملاقاة النجس مع القليل فيتساقطان بالتعارض ، فالمرجع هو استصحاب الطهارة في كل منهما.

(الفرض الثالث) ما لو كانت الحالة السابقة لواحد منهما الكرية وللاخر القلة فيحكم بطهارة كليهما لاستصحاب عدم ملاقاة القليل مع النجاسة ، وقد عرفت عدم جريان عدم ملاقاته مع الكر.

(الفرض الرابع) ما لو كان الملاقي للنجس معينا وكانت الحالة السابقة فيه الكرية جرى استصحاب الكرية ويحكم بالطهارة ، وان كانت هي القلة جرى استصحاب القلة ويحكم بالنجاسة.

(الفرض الخامس) ما لا يعلم له حالة سابقة أصلا ، فيحكم بالنجاسة في هذا الفرض بمقتضى استصحاب العدم الازلي في الكرية ، فالملاقاة وجداني والكرية منفية بالاصل فيتحقق موضوع النجاسة.

١٦٧

(الفرع العشرون) لو قامت بينة على طهارة أحد الإناءين معينا ونجاسة الاخر وقامت بينة أخرى على عكس ذلك (١)

(الفرع الحادى وعشرون) انه لو أتى بالصلوات الخمس بخمس وضوءات ثم حصل له علمان اجماليان أحدهما العلم الإجمالي بوقوع الخلل في أحد وضوءاته والاخر العلم اجمالا بصدور الحدث منه بعد أحد وضوءاته (٢)

______________________________________________________

(١) قد ذهب المحقق المامقاني الى لزوم اجتنابهما جميعا ، بتقريب أن التعارض في البينتين في تعيين المتنجس لا في حصول النجاسة في أحد الإنائين ، فهما متسالمان على وجود متنجس واقعي بينهما ، فيؤخذ بهما فيما اتفقا عليه.

ويرد عليه : ان ما ذكره مبني على عدم تبعية المدلولات الالتزامية للمداليل المطابقية. والحق خلافه ، فان ما قام به البينة هو النجاسة الخاصة الموجودة في ذلك الشخص لا مطلق النجاسة ، ولذا لو قامت بينة على أن الدار التي في زيد لعمرو وقامت بينة أخرى على أنها لبكر فهل يتوهم أحد أنه تؤخذ الدار من يد زيد الذي هو ذو اليد في المقام ويحكم بكونه مجهول المالك كلا ، فمقتضى القاعدة هو تساقط البينتين ويحكم بطهاره كلا الإناءين.

(٢) وقد فصل المحقق المامقاني بين انقضاء وقت الجميع وبين

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

كون وقت احدى الصلوات باقيا بأنه يلزمه اعادة الصلوات الخمس اعادة ثنائية وثلاثية ورباعية مرددة بين الظهرين والعشاء فيما اذا نقضى وقت الجميع قضاء لحق العلم الإجمالي ويلزم اعادة ما كان وقته باقيا وتجرى بالنسبة الى الباقي قاعدة عدم العبرة بالشك بعد خروج الوقت.

أقول : يقع الكلام تارة في أصل المطلب وأخرى في التفصيل الذي ذكره قدس‌سره :

أما الاول فالحق أن يقال انه تجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى الوضوء الاول وتستصحب الطهارة الى الصلاة الاخيرة ويحكم بصحة جميع الصلوات الا الاخيرة ، ولا يعارضه استصحاب الحدث لعدم العلم بوقوع الحدث بعد وضوءاتها كي يستصحب ، واما الاخيرة فلا يمكن تصحيحها ، اذ استصحاب الطهارة بالنسبة اليها معارض لاستصحاب الحدث ، فيجب عليه ان يقضيها رجاء اذ يحتمل أن يكون متوضأ في الواقع فلا تجرى فيها قاعدة الفراغ لعدم ترتب أثر عليها بعد كونها تجديديا ، اذ المفروض أن الوضوءات تجديدية غير الوضوء الاول واما العلم الإجمالي بوقوع الخلل في أحد وضوءاته فلا يؤثر لعدم الاثر في أحد طرفيه وهو غير الوضوء الاول ، اما لصحة نفس تلك الوضوءات او لصحة الوضوء الاول واما الوضوء الاول فتجري فيه قاعدة الفراغ كما عرفت.

١٦٩

(الفرع الثانى والعشرون) لو كان هناك ماء بمقدار الوضوء وتراب بمقدار التيمم وعلم اجمالا بنجاسة أحدهما لا بعينه (١)

______________________________________________________

وأما تفصيله فهو أيضا غير صحيح ، لعدم شمول قاعدة الحيلولة لمثل المقام ، اذ هى تجري فيما اذا شك في اتيان الصلاة وعدمه لا فيما كان الاتيان بها معلوما وشك في صحتها ، فانه من موارد قاعدة الفراغ.

وان أبيت عن ذلك وقلت بشمولها للمقام أيضا ، فتعارضها قاعدة الفراغ الجارية في الصلاة التي بقيت وقتها ، فلا بد أن يعمل بمقتضى علمه الإجمالي.

هذا كله فيما اذا كانت الوضوءات تجديدية ، وأما لو كانت تأسيسية فلا بد أن يعمل بمقتضى علمه ، بأن يعيد ثنائية وثلاثية ورباعية بقصد ما في الذمة.

(١) للمسألة صورتان : الصورة الاولى ما لا يترتب على طهارة التراب أثر آخر غير التيمم ، الصورة الثانية ما اذا ترتب عليها اثر آخر غير التيمم كجواز السجود عليه.

أما الصورة الاولى فالظاهر أنه يجب عليه الوضوء فقط ، لجريان أصالة الطهارة في الماء ، ولا تعارضها أصالة الطهارة في التراب لعدم ترتب أثر على الاصل المذكور الا وجوب التيمم ، وهو ليس في

١٧٠

(الفرع الثالث والعشرون) لو علم ان البلل الخارج منه اما بول أو منى (١)

______________________________________________________

عرض وجوب الوضوء كي يعارض الاصل الجارى في التراب للأصل الجاري في الماء. وان شئت فقل : ان مقتضى جريان الاصل في الماء عدم جريانه في التراب ، اذ جريان الاصل في التراب متوقف على عدم جريانه في الماء ولا عكس. ومما ذكرنا ظهر فساد القولين الاخرين ، وهما القول بوجوب الجمع بينهما والقول بعدم وجوب شيء عليه.

وأما الصورة الثانية فأفاد سيدنا الاستاذ دام ظله أن الامر هنا بالعكس ، بمعنى أنه يجب عليه التيمم فقط ، اذ المفروض أن لنجاسة التراب أثرا في عرض نجاسة الماء ، فتكون أصالة الطهارة في الماء متعارضة لجريانها في التراب ، فلا يمكن الوضوء ولا السجدة ، وأما بالنسبة الى التيمم فتجري فيه أصالة الطهارة بلا معارض.

وفيه : أنه لا وجه لهذا التفكيك ، فان أصالة الطهارة اما تجري بالنسبة الى التراب واما لا تجري ، والالتزام بجريانها في التراب بالنسبة الى التيمم وعدم جريانها بالنسبة الى جواز السجدة لا وجه له.

(١) أقول : للمسألة صور ثمان :

(الأولى) أن يكون الحدث السابق على البلل بولا ولم يستبرئ عنه بالخرطات ، فانه يحكم بكونه بولا ، وذلك للنص ، وهو ما رواه

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

محمد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل بال ولم يكن معه ماء. قال : يعصر أصل ذكره الى طرفه ثلاث عصرات وينتر طرفه ، فان خرج بعد ذلك شيء فليس من البول (١).

«ومنها» ـ ما رواه سماعة قال : سألته عن الرجل يجنب ثم يغتسل قبل أن يبول فيجد بللا بعد ما يغتسل. قال : يعيد الغسل فان كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله ولكن يتوضأ ويستنجى (٢).

والمستفاد من الروايتين هو الحكم بكون البلل بولا ، بلا فرق بين كونه متطهرا بعد البول أم لا. مضافا الى أن مقتضى الاستصحاب عدم الجنابة.

(الثانية) ان يكون الحدث السابق هو البول واستبرأ عنه بالخرطات ولم يكن متطهرا بعده. أفاد سيدنا الاستاذ دام ظله أن حكم هذه الصورة حكم الصورة الاولى من عدم أثر لجريان الاصل في طرف البول ، فلا يجري بالنسبة اليه ويجرى في طرف المني بلا معارض.

ويرد عليه : ان الاثر موجود في طرف البول أيضا ، وهو عدم لزوم الغسل فيما لاقاه البلل مرتين ، ومقتضى العلم الإجمالي ترتيب

__________________

(١) الوسائل ، ج ١ الباب ١١ من ابواب أحكام الخلوة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ، ج ١ الباب ٣٦ من ابواب أحكام الجنابه الحديث ٨.

١٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الاثر على كلا طرفى العلم فما ذكره وجها للمدعى غير تام.

(الثالثة) أن يكون الحدث السابق هو البول واستبرأ عنه بالخرطات وكان متطهرا بعده ، فيعلم اجمالا أنه اما يجب عليه الوضوء مع غسل موضع البول مرتين واما الغسل ، فيجب الجمع بينهما قضاء لحق العلم الإجمالي.

(الرابعة) أن يكون الحدث السابق منيا ولم يستبرئ عنه بالبول ولم يغتسل فيحكم بكونه منيا للنصوص (١) ، منها ما رواه الحلبى قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يغتسل ثم يجد بعد ذلك بللا وقد كان بال قبل أن يغتسل. قال : ليتوضأ وان لم يكن بال قبل الغسل فليعدا لغسل.

(الخامسة) أن يكون الحدث السابق منيا ولم يستبرئ عنه ولكنه اغتسل بعده فحكمها حكم الصورة الرابعة لشمول النص ، اذ المستفاد من النصوص أن الخارج بعد المني قبل الاستبراء بالبول محكوم بكونه منيا ، وأما بالنسبة الى البول فيجري الاصل فيه بلا معارض.

(السادسة) أن يستبرئ بعد المني بالبول ولكن لم يكن

__________________

(١) الوسائل ، ج ١ الباب ١٣ من ابواب الجنابة الحديث ١ والباب ٣٦ من ابواب الجنابة الحديث ١ ، ٥ ، ٦ ، ٧ ، ٨ ، ٩ ، ١٠.

١٧٣

(الفرع الرابع والعشرون) لو كان هناك اناء وفيه مائع وشك في أنه بول او ماء (١)

______________________________________________________

مغتسلا ، فتجري أصالة عدم البول بلا معارض ، لان جريان الاصل في طرف المني لا أثر له فلا يجري.

(الصورة السابعة) أن يكون مغتسلا بعد الاستبراء عن المني واستبرأ عن البول أيضا ، فلا بد أن يعمل بمقتضى علمه ، وهو الجمع بين الغسل والوضوء.

(الصورة الثامنة) ان لا يكون مغتسلا ولكن استبرأ عن البول والمني فتجري أصالة عدم البول ، ولا تعارضها أصالة عدم المني لعدم ترتب أثر عليه الاعلى النحو المثبت.

(١) أقول : انه لا شك في طهارته ، لجريان الاصل الموضوعي وهو استصحاب العدم الازلى والاصل الحكمى وهى اصالة الطهارة ولكن لا يجوز له التوضؤ به بعد عدم احراز كونه ماء ، ولو توضأ غفلة أو رجاء لا يمكن تصحيحه بقاعدة الفراغ ، لعدم صدق الا ذكرية هنا ولا تشمل لمثل المقام الذي يكون احتمال الصحة من باب احتمال المصادفات الواقعية ، فيجري استصحاب بقاء الحدث ، فلا بد من الوضوء ثانيا. ولكن حيث يعلم بعدم الامر للوضوء الثانى اما لصحة الوضوء الاول أو لتنجس بدنه ، فلا بد اما من غسل مواضع الوضوء أو احداث ناقض قبل الوضوء كي يصح أن يتوضأ ثانيا.

١٧٤

(الفرع الخامس وعشرون) انه لو كان عليه قضاء يوم أو ايام من شهر رمضان السابق وقضاء مثل ذلك من شهر رمضان المتأخر ودفع كفارة عن الاول وهل هلال رمضان الثالث وقد قضى بمقدار ما فات من أحدهما لكنه لا يعلم انه كان بقصد قضاء رمضان الاول ليجب عليه كفارة الثانى وقضاؤه أو كان بقصد قضاء الثانى لئلا يجب عليه إلا قضاء الاول (١)

______________________________________________________

(١) قد ذهب المحقق المامقاني الى وجوب الكفارة عليه مستدلا باستصحاب بقاء قضاء شهر رمضان السابق الى هلال شهر رمضان الحاضر المترتب عليه وجوب الكفارة الذي هو أثر شرعي للمستصحب ولا يعارضه استصحاب بقاء شهر رمضان الذي قبل السابق ، لعدم ترتب عدم وجوب الكفارة عليه الا بتوسط غير شرعي ، وهو أنه قد أتى بقضاء السابق.

وملخص كلامه : ان موضوع القضاء عبارة من بقاء شهر رمضان المتأخر الى هلال شهر رمضان الحاضر ، فهلال رمضان محرز بالوجدان وبقاء القضاء بالاصل فبضم الوجدان الى الاصل يتم المطلوب.

أقول : ان الاستدلال المزبور وان كان مقتضى الصناعة وموافقا لبعض الاخبار الدالة على ان الكفارة ثابتة لبقاء القضاء الى هلال

١٧٥

(الفرع السادس والعشرون) انه لو علم اجمالا انه اما نسى من الظهر تكبيرة الاحرام أو ركنا آخر أو حدث منه ناقض في العصر (١)

______________________________________________________

الحاضر ، الا أن المستفاد من بعض (١) الاخبار أن الكفارة ثابتة لبقاء القضاء بعنوان التواني والتهاون ، وهما أمران وجوديان ولا يمكن اثباتهما باستصحاب بقاء القضاء الاعلى القول بالاصل المثبت ، فعليه تجري أصالة البراءة عن وجوب الكفارة. ولا مجال للتمسك بالاشتغال كما تمسك به المحقق المذكور ، بل يمكن احراز عدمهما بالاستصحاب.

(١) أقول : ان العلم المذكور قد يحصل بعد الفراغ من العصر وأخرى في اثنائها ، فان حصل بعد الفراغ منها يتعارض قاعدتا الفراغ في كل منهما ويحكم ببطلان الظهر بمقتضى استصحاب عدم الاتيان بالركن وبصحة العصر بمقتضى استصحاب الطهارة في العصر وان حصل في الاثناء فتجب اعادة الصلاتين بمقتضى العلم الإجمالي بعد سقوط قاعدة الفراغ في الظهر واستصحاب الطهارة في العصر بالمعارضة.

نعم يمكن له العدول الى الظهر رجاء وبالعدول يقطع بفراغ ذمته من الظهر اما بالاولى او الثانية.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٧ الباب ٢٥ من ابواب أحكام شهر رمضان الحديث ١ و ٦.

١٧٦

(الفرع السابع والعشرون) لو علم انه اما أتى بالظهر بغير طهارة أو نقص من العصر تكبيرة الاحرام أو ركنا آخر (١)

______________________________________________________

ولو انعكست المسألة ـ بأن كان احتمال صدور الحدث في الظهر وترك الركن في العصر ـ ففي هذه الصورة تارة لم يتوضأ للعصر وأخرى توضأ لها ، فان لم يتوضأ للعصر يكون العصر باطلا اما لترك الركن واما لعدم الوضوء ، فتصح الظهر بمقتضى جريان قاعدة الفراغ في الظهر.

وان توضأ للعصر فتارة يحصل العلم بعد الفراغ منها وأخرى قبله ، فان حصل العلم الإجمالي بعد الفراغ منها فجريان قاعدة الفراغ في كل من الصلاتين معارض لجريانها في الاخرى ، ومقتضى استصحاب الطهارة في الظهر واستصحاب عدم الاتيان بالركن صحة الظهر وبطلان العصر.

وان حصل العلم في الاثناء تجري قاعدة الفراغ في الظهر ، ولا يعارضها قاعدة الفراغ في العصر ، للقطع بعدم الامر باتمامها اما لبطلان الظهر فيجب العدول اليها او لترك الركن فيها فتبطل العصر.

(١) أقول : للمسألة صور :

(الاولى) أن يعلم بذلك بعد الفراغ من العصر أو في أثنائها

١٧٧

(الفرع الثامن والعشرون) اذا علم المحدث بالحدث الاصغر انه اما توضّأ او اجنب (١)

______________________________________________________

ولم يأت بالعصر بوضوء آخر ، وحينئذ يقطع ببطلان العصر اما لعدم الطهارة واما لنقص الركن ، وأما بالنسبة الى الظهر فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ.

(الثانية) ما لو كان آتيا بالعصر بوضوء آخر وكان عليه بذلك بعد الفراغ ، فمقتضى العلم اعادة الصلاتين بعد سقوط قاعدة الفراغ في كل منهما. نعم يكفي هنا الاتيان برباعية بقصد ما في الذمة.

(الثالثة) أن يعلم بذلك في أثناء العصر فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى الظهر بلا معارض ، للعلم بعدم الامر باتمام العصر اما لبطلان الوضوء فيجب العدول واما لنقص الركن فيها فتبطل.

(الرابعة) ما لو شك في وضوء العصر ثانيا وعلم بذلك بعد الفراغ ، فلا بد من اعادتهما قضاء لحق العلم الإجمالي بعد سقوط الفراغين في كل منهما بالتعارض ، ومقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بالمأمور به.

(الخامسة) ما لو علم بذلك في أثناء العصر فيحكم بصحة الظهر لقاعدة الفراغ وببطلان العصر لعدم جريان القاعدة فيها ، لان الشك في الطهارة من قبيل الشك في المحل ولم يتحقق الفراغ منها.

(١) افاد المحقق المامقانى أنه لزمه أن يغتسل غسل الجنابة قضاء

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لحق العلم الإجمالي بعد معارضة استصحاب الحدث الاصغر باستصحاب الطهارة من الحدث الاكبر وتساقطهما.

ويرد عليه : انه لا مجال لاستصحاب بقاء الحدث الاصغر ، لأنه يقطع بعدم بقائه اما بارتفاعه بالوضوء أو بتبدله بالاكبر. فالحق في المقام أن يقال : ان مقتضى استصحاب عدم الجنابة وجوب الغسل عليه ، كما أن مقتضى استصحاب بقاء الحدث عدم جواز الدخول في الصلاة وعدم جواز مس الكتاب وأمثالهما ، غاية الامر يبقى الاشكال في أن هذا الاستصحاب شخصي أو كلي ، وعلى الثاني من أي قسم من أقسامه.

ويمكن أن يقال : بأن هذا من الاستصحاب الشخصي ، بدعوى أن العرف يرى هذا الاختلاف من الحالات العارضة على الموضوع.

وبعبارة أخرى : ان الشخص وان كان منعدما بالدقة ولكن ليس كذلك عرفا.

نعم لقائل أن يقول : ان الامر وان كان كذلك في بعض الموارد لكن ليس في جميع الموارد كذلك ، فان الحدث الاصغر في قبال الحدث الاكبر حتى في نظر العرف.

لكن يمكن أن يقال : انه لا مانع من جريان الاستصحاب في كلي الحدث ، بأن يقال الكلي قد وجد في ضمن الحدث الاصغر

١٧٩

(الفرع التاسع والعشرون) لو علم المتطهر من الحدث الاصغر بأنه اما صلى الفريضة أو أجنب (١)

______________________________________________________

ونشك في بقائه في ضمن الاكبر بلا قطع بانقطاعه.

وبعبارة أخرى : تارة نقطع بارتفاع فرد ونحتمل بقاء الكلي في ضمن فرد آخر أجنبي عن الفرد المعدوم ، وأخرى نحتمل بقاء الكلي في ضمن فرد آخر أجنبي عن الفرد المعدوم ، وأخرى نحتمل بقاء الكلي باشتداد الفرد الاول كما في المقام ، فلا وجه لعدم جريان الاستصحاب.

وان شئت قلت : لم يتخلل العدم في تبدل فرد بفرد آخر ، ولكن مع ذلك لا يمكنه التوضؤ لقطعه بأحد الامرين المذكورين في صدر الكلام ، فلا بد له من الاتيان بأحد الامرين من الغسل رجاء أو احداث ناقض والتوضؤ بعده تمسكا باطلاق دليل الوضوء ، فانه محدث بالوضوء وجدانا وغير محدث بالاكبر تعبدا ، فيترتب عليه أثر الحدث الاصغر.

(١) أقول : انه لا مانع من جريان أصالة الاتيان بالفريضة وكذا أصالة عدم الجنابة ، لعدم لزوم مخالفة عملية من جريانهما ، ولا بد من الغسل قبل اتيان الصلاة رجاء ، اذ لو صلى بغير الغسل يقطع ببطلان صلاته اما لإتيانها واما لجنابته أو احداث الناقض والتوضؤ بعده.

١٨٠