الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

الشيخ علي المروّجي القزويني

الدّرر واللآلئ في فروع العلم الإجمالي

المؤلف:

الشيخ علي المروّجي القزويني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٨

١
٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله المعصومين ، واللعن الدائم على أعدائهم الى يوم الدين.

اما بعد : فغير خفي على أهل الفضل والكمال أن علم الفقه من أجل العلوم قدرا وأكملها نفعا ، اذ به يعرف أوامر الله فتمتثل ونواهيه فتجتنب ، وهو ناظم لأمور المعاش والمعاد وبه يتم كمال الانسان ، وهو وسيلة الى الفوز بجميع السعادات ، وبه يعرف الحلال من الحرام والصلاح من الفساد.

ولذا قد حث على التفقه في الدين في الآيات والروايات وأمر بلزوم كتابتها ، كما روى عن رئيس المذهب جعفر بن محمد عليه‌السلام «اكتبوا فانكم لا تحفظون حتى تكتبوا» (١).

__________________

(١) اصول الكافى ج ١ ص ٥٣ ح ٩.

٥

وقال للمفضل «اكتب وبث علمك في اخوانك فان مت فأورث كتبك بنيك فانه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه الا بكتبهم» (١).

وقد من الله علي بالتوفيق أن أحضر بحث سماحة سيدنا الاستاذ آية الله العظمى الحاج السيد تقي الطباطبائي القمي من الفقه والاصول في مدة طويلة من السنوات وأكتب ما استفيده من افاداته بحسب طاقتي ، ومما أفاده في مجلس درسه الدرر واللئالى في فروع العلم الإجمالي ، فانه دام ظله قد دقق النظر في هذه المسائل وبين غوامضها ومبانيها كما هو المأمول منه.

وحيث كان طبعه ونشره لا يخلو عن فائدة فقمت بذلك واستجزت منه دام ظله فقد أجازنى في طبعه ونشره.

واسأل الله المولى جلت عظمته أن يوفقني لطبع سائر الكتب التي كتبتها في الفقه والاصول كما وفقني لطبع بعضها مما سبق ، فانه خير موفق ومعين.

__________________

(١) اصول الكافى ج ١ ص ٥٢ ح ـ ١١.

٦

ختام

(فيه مسائل متفرقة)

[المسألة الأولى إذا شك في أن ما بيده ظهر أو عصر]

(الاولى) اذا شك في أن ما بيده ظهر أو عصر ، فان كان قد صلى الظهر بطل ما بيده ، وان كان لم يصلها أو شك في أنه صلاها أو لا عدل به اليها (١).

______________________________________________________

(١) أقول للمسألة صور ثلاث : الاولى أن يعلم باتيان الظهر ، الثانية أن يعلم بعدم اتيانها ، الثالثة أن يشك في اتيانها.

(اما الصورة الاولى) فقد ذهب الماتن قدس‌سره الى بطلانها ، والمتصور في وجه البطلان أمور :

«الامر الاول» ـ عدم جريان قاعدة التجاوز في المقام ، وله تقريبان :

التقريب الاول : ان قاعدة التجاوز منصرفة الى الشك في وجود

٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الشىء بعد التجاوز عنه ، وأما اذا كان الشك في صحة الموجود كما في المقام فلا تشمله القاعدة ، اذ الشك في عنوان الظهر. مثلا شك في صحة الاجزاء واتصافها بالعنوان المذكور لا في ذات الاجزاء ، فانها معلومة على الفرض فلا مورد للقاعدة المذكورة.

التقريب الثاني : انه لو أغمضنا عن الانصراف المذكور وقلنا بشمول القاعدة للشك في الوجود وصحة الموجود الا أن هذا يستلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، لان المجعول في قاعدة الفراغ هو البناء على الصحة والتعبد بها بعد فرض الوجود ، والمجعول في قاعدة التجاوز هو البناء على الوجود مع فرض الشك فيه ، وهو على تقدير عدم استحالته خلاف الظاهر.

والجواب عن التقريب الاول : ان دعوى الانصراف في المقام لا وجه لها ، وعن الثاني ان شمول القاعدة لكلا الموردين لا يستلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، لوجود الجامع بين الشك في الوجود والشك في صحة الموجود ، وهو لفظة «الشىء» في قوله عليه‌السلام : يا زرارة اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشىء (١). فيكون موضوع القاعدة مطلق الشك في شيء بعد التجاوز عنه بلا لحاظ خصوصية كون الشك متعلقا بالصحة أو الوجود. هذا أولا.

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ الباب ٢٣ من أبواب الخلل ح ١.

٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانيا ـ ان وصف الصحة من الامور الانتزاعية ، وهو منتزع من مطابقة المأتي به للمأمور به ، فالشك في الصحة دائما يرجع الى الشك في وجود جزء أو شرط وعدمه. وعلى هذا فلا مانع من شمول القاعدة لموارد الشك في الوجود وموارد الشك في صحة الموجود.

وثالثا ـ انا قد أثبتنا في الاصول أن قاعدة التجاوز ليست هي قاعدة مستفلة بإزاء قاعدة الفراغ ، لعدم قيام الدليل عليها. وبعبارة أخرى : ان الخروج من «الشىء» المذكور في الحديث لا يصدق الا مع الاتيان ، وحمل الخروج على الخروج عن المحل يحتاج الى قرينة مفقودة في المقام. وتفصيل الكلام موكول الى محله.

«الامر الثاني» ـ ما أفاده المحقق العراقي قدس‌سره بتوضيح منا ، وهو أن اثبات صحة الصلاة بقاعدة التجاوز تمسك بالاصل المثبت ، اذ غاية ما يستفاد منها التعبد بتحقق الاجزاء السابقة ومنها قصد العصر ، وهذا لا يكفي في صحة الصلاة ، اذ هي تتوقف على احراز كون الاجزاء السابقة ناشئة عن قصد العصر. وهو لا يتم الا على القول بالاصل المثبت ، اذ جهة نشو الافعال عن القصد من اللوازم العقلية للقاعدة الجارية في تحقق قصد العصر.

وفيه : أولا انه لا دليل على لزوم كون أفعال الصلاة ناشئة عن قصد عنوان العصر أو الظهر.

٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وثانيا أنه لو أغمضنا عن ذلك وقلنا بلزوم كون أجزاء الصلاة ناشئة عن القصد ، ولكن نقول باجراء قاعدة التجاوز في نفس النشو والحكم بتحقق النشو مع الاجزاء السابقة.

«الامر الثالث» ـ ان ما أتى به لا يصح جعله ظهرا لأنه قد صلاها على الفرض ولا عصرا لعدم احراز عنوانها ، ولا مجال لإحرازه بقاعدة التجاوز ، اذ جريان القاعدة متوقف على احراز العنوان ، ولو كان احراز العنوان متوقفا على اجراء القاعدة يلزم الدور. ولا مجال للعدول الى العصر ولو رجاء ، لعدم وجود دليل على جواز العدول من المتقدم الى المتأخر.

ويرد عليه أنه لم يقم دليل على اعتبار احراز العنوان بما هو في جريان القاعدة. نعم يمكن أن يقال بضرورة احرازه من باب ان عدم احرازه يستلزم عدم صدق التجاوز والمضي ، وهو أمر آخر سنتعرض له إن شاء الله تعالى.

ومما يؤيد عدم اعتبار احراز العنوان في جريان قاعدة التجاوز ما لو رأى نفسه أنه قد دخل في الجزء الذي هو فيه بنية العصر ولكن شك في اتيان الاجزاء السابقة بعنوان العصر فلا اشكال في جريان القاعدة فيها. ولو كان احراز العنوان معتبرا في جريانها لمنع من اجرائها هنا أيضا.

«الامر الرابع» ـ ما أفاده سيدنا الاستاذ دام ظله بأنه يعتبر في

١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

جريان القاعدة صدق المضي والتجاوز عن المشكوك فيه ، وهذا لا يتحقق الا بالدخول في الغير المترتب ، وليس الدخول في مطلق الغير كافيا في ذلك. ضرورة أن قوله عليه‌السلام «اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشىء» يدل على أنه ليس الخروج عن المشكوك فيه الا باعتبار التجاوز والخروج عن محله ، والا فلا معنى للخروج عن نفسه بعد فرض الشك فيه ، فلا يصدق الخروج عن المحل الا بالدخول فيما هو مترتب عليه وأن يكون له محل شرعا ، فما لم يكن للغير الذي دخل فيه محل شرعا لا يكون خارجا عن محل المشكوك فيه. وعلى هذا لا مجال لجريان القاعدة في المقام ، لان قصد عنوان العصر كما يعتبر حدوثا كذلك يعتبر بقاء ، بمعنى لزوم اقتران تمام الاجزاء به ، فالشك في نية العصر مع عدم اتيانه بالجزء الذي شك فيه بقصد عنوان العصر شك في المحل ، فلا تجري القاعدة في الاجزاء السابقة ، لعدم تحقق الدخول في الغير المترتب الشرعي ، لعدم كون ما دخل فيه من الغير مما له محل شرعا.

نعم يحكم بصحة الصلاة في بعض الصور ، وهو ما اذا كان محرزا لقصد عنوان العصر في الجزء الذي هو مشغول به فعلا مع الشك في قصد العنوان بالنسبة الى الاجزاء السابقة ، لجريان قاعدة التجاوز بالنسبة الى الاجزاء السابقة.

١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه : أولا انه لا دليل على اعتبار الترتب الشرعي في الغير المترتب على المشكوك في صدق التجاوز ، بل يكفيه الدخول في مطلق الغير المترتب.

وثانيا : ان مرجع الشك في العنوان الى الشك في الصحة فتجري فيه قاعدة الفراغ ، ولا يعتبر فيه الدخول في الغير ، فان رواية زرارة حيث قال عليه‌السلام : يا زرارة اذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء (١) ، وان كانت ظاهرة في اعتبار الدخول في الغير الا أنه يعارضها منطوق رواية محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام حيث : قال كلما شككت فيه مما قد مضى فامضه كما هو (٢). فانها تدل على عدم اعتبار الدخول في الغير ، وهي تتقدم على صحيحة زرارة لدلالتها على العموم بالوضع ، بخلاف صحيحة زرارة فانها تدل على العموم بالاطلاق ، والعموم الوضعي مقدم على العموم الاطلاقي عند التعارض كما حقق في الاصول. وملخص الكلام أنه لا دليل على اعتبار الدخول في الغير أصلا في جريان قاعدة الفراغ فضلا عن اعتبار قيد الترتب الشرعي.

أضف الى ذلك كله أنه لو سلمنا ظهور رواية زرارة في التجاوز الا أن رواية ابن مسلم ظاهرة في قاعدة الفراغ ، والمقام تجري

__________________

(١) الوسائل ، ج ٥ الباب ٢٣ من أبواب الخلل ح ١.

(٢) الوسائل ، ج ٥ الباب ٢٣ من أبواب الخلل ح ٣.

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فيه قاعدة الفراغ أيضا ، اذا لمفروض أن الشك في صحة الاجزاء السابقة.

وبعبارة أخرى : انه لا اشكال في أن المكلف شاك في صحة الاجزاء السابقة ، فتجري فيها قاعدة الفراغ كما تجرى فيها قاعدة التجاوز حسب ما يدعيه ، فيقع التعارض بين الروايتين بالنسبة الى الدخول في الغير ، والترجيح مع رواية ابن مسلم كما تقدم.

الرابع : ان سيدنا الاستاذ يرجع كلامه الى التناقض ، اذ انه يدعي أن قاعدة التجاوز تختص بمورد يكون الشك في أصل الوجود ، والحال أن المفروض في المقام تحقق الاجزاء الصلاتية ، غاية الامر يكون الشك في تعنونها بعنوان العصرية. ان قلت : الشك في تحقق العنوان. قلت : لا ينفك الشك في تحقق الوجود عن الشك في الصحة.

مضافا الى أن ما أفاده من المحل الشرعي والترتب المعتبر في جريان القاعدة هل هو ملحوظ بالنسبة الى المعنون أو بالنسبة الى العنوان؟ لا اشكال في أنه ملحوظ بالنسبة الى المعنون ، أي الاجزاء المعنونه بعنوان العصرية ، واما نفس العنوان فلا معنى لهذا اللحاظ فيه. وان شئت قلت : الترتب الشرعي بين المقيدات بهذا العنوان ، وهذه الجهة ملحوظة بالنسبة الى الموصوف بهذه الصفة لا بالنسبة الى

١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

نفس الصفة. ولا اشكال أن الموصوف مفروض الوجود في المقام ، فانهدم التقريب من بنيانه وأساسه.

فتلخص من جميع ما ذكرناه أنه يحكم بصحة الصلاة بمقتضى قاعدة الفراغ بالنسبة الى الاجزاء السابقة ويقصد عنوان العصر في الجزء المشكوك الذي هو بيده ويتم الصلاة عصرا ، بلا فرق في ذلك بين ما اذا كان محرزا لقصد عنوان العصر في الجزء الذي هو مشغول به فعلا أم لا يكون محرزا له.

هذا تمام الكلام في الوجوه المتصورة للبطلان ، ويبقى الكلام في الوجوه المتصورة للصحة :

(الاول) أصالة الصحة المثبتة لصحة ما أتى به من الصلاة.

وفيه : أولا ان أصالة الصحة انما تجري في فعل الغير وأما فعل نفسه فلا دليل على جريانها فيه. اللهم الا أن يكون مرادهم من أصالة الصحة في فعل النفس قاعدة التجاوز والفراغ ، وقد عرفت الحال فيهما.

وثانيا ان أصالة الصحة انما تجري فيما اذا كان عنوان الفعل محرزا ، كما اذا علمنا بتغسيل شخص لميت وشككنا في صحة تغسيله وفساده فانه يحكم بالصحة للأصل المذكور ، وأما اذا لم نعلم أنه يغسل الميت أم لا فلا يمكن التمسك بأصالة الصحة للحكم بصحة

١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

غسله.

(الثاني) ان الداعي للمصلي هو امتثال الامر الواقعي المتعلق بما في يده ، وقد أخطأ في التطبيق فحسبه أمرا بالظهر وهو في الواقع أمر بالعصر ، فهو ناو لواقعه ولا يضره الخطأ في التطبيق.

وفيه نقضا بما لو علم بأنه قصد ما أتى به ظهرا فلازم كلامه أنه وقع صحيحا ، وحلا.

بأن المقام ليس من باب الخطأ في التطبيق ، اذ هو فيما كان العمل محبوبا للمولى في نفسه ولكن المكلف أخطأ في تطبيقه على مورد خاص ، كما لو اقتدى بعادل بعنوان أنه زيد فبان عمرا ، فحيث أن الاقتداء في نفسه محبوب للمولى لا يضره اتيانه بداعي كون الامام زيدا.

وأما لو كان ما أتى به متباينا للمأمور به بالقصد والعنوان كالظهر والعصر فلا يجزي قصد أحدهما عن الاخر.

(الثالث) أنه لو كان قبل الشروع قاصدا للعصر فيمكن ابقاؤه باستصحاب قصد العصر الى حين الشروع.

وفيه أن استصحاب القصد لا يثبت تعنون الاجزاء السابقة بعنوان العصر الا على القول بالاصل المثبت.

(الرابع) النصوص ، منها ما رواه عبد الله بن المغيرة قال في

١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كتاب حريز أنه قال : اني نسيت أني في صلاة فريضة (حتى ركعت) وأنا أنويها تطوعا. قال : فقال : عليه‌السلام : هي التي قمت فيها اذا كنت قمت وأنت تنوي فريضة ثم دخلك الشك فأنت في الفريضة ، وان كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة ، وان كنت دخلت في فريضة ثم ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة (١).

ومنها ـ ما رواه معاوية قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فسها فظن أنها نافلة أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة. قال : هي على ما افتتح الصلاة عليه (١). تقريب الاستدلال بهما أن المستفاد منهما عدم الاعتناء بالشك الطارئ والاخذ بما كان قاصدا له من أول الامر.

وفيه : ان الروايتين المذكورتين اجنبيتان عن المقام ، فان المستفاد منهما عدم الاعتناء بالشك الطارئ بعد احراز العنوان حين الشروع ، ومقامنا ليس من هذا القبيل ، لان العنوان ليس محرزا من أول الامر على الفرض هذا تمام الكلام في الصورة الاولى.

(وأما الصورة الثانية) وهي أن يعلم بعدم الاتيان بالظهر فيجب عليه العدول الى الظهر ، وكذا حكم الصورة الثالثة وهي ما لو شك

__________________

(١) الوسائل ، ج ٤ الباب ٢ من أبواب النية الحديث ١.

(١) الوسائل ، ج ٤ الباب ٢ من أبواب النية الحديث ١.

١٦

(الثانية) اذا شك في أن ما بيده مغرب أو عشاء فمع علمه باتيان المغرب بطل ومع علمه بعدم الاتيان بها أو الشك فيه عدل بنيته اليها ان لم يدخل في ركوع الرابعة وإلا بطل أيضا (١).

______________________________________________________

في أنه صلى الظهر أم لا فانه يجب العدول الى الظهر.

أفاد المحقق العراقي والسيد الحكيم في المستمسك أنه يعدل الى الظهر عدولا رجائيا ، لكن لا وجه للتقييد بوصف «الرجاء» ، اذ وظيفته الجزمي هو العدول كما كان كذلك فيما لو علم بعدم الاتيان بالظهر. غاية الامر أن عدم الاتيان هناك محرز بالعلم الوجداني وفي المقام محرز بالاستصحاب. وان شئت فقل : ان الحكم بالعدول في صورة الشك حكم ظاهري.

(١) أقول : قد ظهر حكم هذه المسألة مما بيناه في المسألة السابقة وبقيت هنا صورة واحدة ، وهي ما اذا علم بعدم الاتيان بالمغرب أو شك فيه ودخل في الركعة الرابعة. وحكمها هو البطلان أيضا ، لتعذر العدول ، فلا تقع مغربا ولا عشاء لعدم احراز النية.

ربما يقال بالصحة في هذا الفرض بجريان قاعدة الفراغ في الاجزاء السابقة ، وقصد عنوان العشاء في الباقى ولا ينافى هذا اشتراط الترتيب لان الترتيب بين المغرب والعشاء مختص بحال الذكر فانه لو أتى بالعشاء سهوا قبل المغرب والتفت الى ذلك بعد الدخول

١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

في ركوع الرابعة تصح صلاته ، لقوله عليه‌السلام «لا تعاد الصلاة الا من خمس» ، ضرورة أن الترتيب ليس من الخمس ، فبضميمة قاعدة التجاوز الى حديث لا تعاد يتم المطلوب.

ويرد عليه بوجوه :

«الوجه الاول» ان حديث لا تعاد يسقط اشتراط الترتيب بالنسبة الى الاجزاء المأتي بها ، وأما الاجزاء التي لم يأت بها فلا يستفاد من الحديث سقوط الترتيب بالنسبة اليها ، فلا يصح وقوعها قبل المغرب فتبطل.

ان قلت : لما ذا لا يجوز تصحيح الصلاة باقحام المغرب في العشاء.

قلت : انه لا يوجب صحة الصلاة الا بنحو الموجبة الجزئية ، اذ لو كان حال الشك في الركوع وعلم بعدم الاتيان بالمغرب يتوقف الاقحام على النهوض عن الركوع ، فانه على فرض كونه جزءا من الصلاة لم يتحقق الترتيب فيه ، فلا يفيد الاقحام في هذه الصورة.

وثانيا ان اقحام الصلاة في الصلاة ممنوع ، لان التسليم كلام آدمي ، فلا يجوز أن يقع في اثناء الصلاة.

ويستفاد البطلان أيضا من النهي الوارد عن قراءة العزائم في الصلاة ، معللا بأن السجدة زيادة في المكتوبة أضف الى ذلك انه غير معهود في الشريعة.

١٨

(الثالثة) اذا علم بعد الصلاة أو في أثنائها أنه ترك سجدتين من ركعتين سواء كانتا من الاولتين او الاخيرتين صحت وعليه قضاؤهما وسجدتا السهو مرتين ، وكذا ان لم يدر أنهما من أي الركعات بعد العلم بأنهما من الركعتين (١).

______________________________________________________

«الوجه الثاني» ان المقام ليس من موارد جريان قاعدة الفراغ ، لعدم دوران الامر بين الصحة والفساد ، لان على تقدير قصد المغرب لا تكون صلاته باطلة. وبعبارة أخرى : انما تجري القاعدة في المورد الذي لو كان المكلف متوجها لكان آتيا بالوظيفة ، وأما في المقام فان المكلف على تقدير أن يكون ناويا للمغرب حين الشروع لم يأت على خلاف الوظيفة وملخص الكلام لا يمكن تصحيح الصلاة عشاء بقاعدة الفراغ ، اذ المفروض أنه يعلم بفوات المغرب.

«الوجه الثالث» ان حديث لا تعاد لا يشمل المقام ، لما حققناه في محله أن الاعادة لا تصدق في أثناء العمل.

(١) للمسألة فروض عشرة :

(الفرض الاول) ما اذا علم بعد الصلاة أن السجدتين من الركعتين الاولتين. ولا اشكال في صحة صلاته في هذا الفرض وعليه قضاء السجدتين ، لعموم ما دل على قضاء السجدة لو نسيها وسجدتا السهو مرتين بناء على أنهما لكل زيادة ونقيصة ، أو لقيام الاجماع عليها في خصوص المقام.

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(الفرض الثاني) ما اذا علم بذلك بعد الدخول في الركن الذي بعدهما ، فحكم هذه المسألة كحكم المسألة الاولى ولا وجه للإعادة.

(الفرض الثالث) ما اذا علم بذلك قبل الدخول في الركن ، كما اذا كان حال القيام مثلا ، فلا بد أن يهدم القيام ويأتي بالسجدة الاخيرة منهما وقضاء السجدة الفائتة من الركعة السابقة بعد الصلاة ويسجد سجدتي السهو.

(الفرض الرابع) ما لو علم بتركهما من الركعة الثانية والثالثة ، وقد علم حكم ذلك مما سبق.

(الفرض الخامس) ما لو علم بأنهما كانتا من الاخيرتين وكان ذلك بعد السلام وقبل الاتيان بالمنافي العمدي والسهوي. والذي يظهر من المتن قضاؤهما والاتيان بسجدتي السهو ، لشمول قوله عليه‌السلام «لا تعاد» بعد خروجه عن الصلاة بالسلام.

ولكنك عرفت فيما سبق أن السلام الواقع في غير محله لا يكون مخرجا عن الصلاه بعد بقاء محلها الذكري ، فلا بد له أن يرجع ويأتي بالسجدة ويتشهد ويسلم بعدهما ثم يقضي السجدة الفائتة من الركعة السابقة ويسجد سجدتي السهو مرتين لزيادة التشهد والسلام.

(الفرض السادس) ما لو علم بأنهما كانتا من الاخيرتين وكان بعد السلام وبعد الاتيان بالمنافي السهوي والعمدي ، فيحكم بصحة

٢٠