الأنوار الجلاليّة في شرح الفصول النصيريّة

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي

الأنوار الجلاليّة في شرح الفصول النصيريّة

المؤلف:

جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري الحلّي


المحقق: علي حاجي آبادي وعبّاس جلالي نيا
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ١
ISBN: 964-444-212-1
الصفحات: ٢١٦

الفصل الثاني : في العدل

١٢١
١٢٢

قال : الفصل الثاني في العدل.

أقول : هذا هو الأصل الثاني من اصول الدين. والمراد به ـ أي العدل ـ هو تنزيه الله سبحانه عن فعل القبيح والإخلال بالواجب. ثمّ إنّ المتكلّمين أطلقوا اسم باب العدل على ذلك (١) ، وعلى كلّ ما يتفرّع عليه من مباحث التكليف واللطف والأعواض والثواب والعقاب وغير ذلك ، وعلى مسألة تقسيم الأفعال إلى أقسامها الخمسة كما يجيء ؛ لابتناء الحكم بكونه لا يفعل قبيحا ولا يخلّ بواجب على معرفة الفعل الحسن والقبيح ، إذ التصديق مسبوق بتصوّر الأطراف.

قال : تقسيم ـ كلّ فعل إمّا أن ينفر العقل منه أولا. الأوّل قبيح ، والثاني حسن. والحسن إمّا أن ينفر العقل من تركه أولا. والأوّل واجب ، ولذلك يذمّ العقلاء فاعل القبيح ، وتارك الواجب.

أقول : الفعل عرّفه الحكماء بأنّه مبدأ التغيّر في شيء آخر. والمعتزلة بأنّه ما وجد بعد أن كان مقدورا. وبعض العلماء بأنّه صرف الشيء من الإمكان إلى الوجوب. والأكثر على

__________________

١ ـ اعلم أنّ مبحث العدل عند المتكلّمين من الإماميّة من متفرّعات أفعاله تعالى ، حيث إنّهم بعد إثبات عالميّته تعالى وقدرته ، بحثوا عن تنزيهه تعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب. وينشأ من ذلك البحث عن التحسين والتقبيح العقليّين. ولأجل ذلك يعنونون بحث العدل في كتب الكلام بعنوان : البحث في الأفعال.

قال المحقّق الطوسيّ في «تلخيص المحصّل» : القسم الثالث في الأفعال. وقال أيضا في «التجريد» : الفصل الثالث في أفعاله تعالى. وقال العلّامة الحلّيّ في «كشف المراد» : لمّا فرغ المصنّف من إثباته تعالى شرع في بيان عدله وما يتعلّق بذلك. وقال في «نهج المسترشدين» : الفصل الثامن في العدل ، وفيه مباحث : البحث الأوّل في أقسام الفعل. تلخيص المحصّل : ٣٢٥ ، كشف المراد : ٢٣٤ ، نهج المسترشدين : ٥٠ ، كشّاف اصطلاحات الفنون ٢ : ١٠١٦.

١٢٣

أنّه ضروريّ التصوّر ، فلا يفتقر إلى تعريف (١).

وهو ينقسم باعتبارات متعدّدة ، أورد المصنّف منها ما يتعلّق بغرضه في هذا الباب ، وهو الحسن والقبيح. ولذلك لم يأت بأقسامه كلّها بالفعل.

إذا عرفت هذا فنقول : الفعل إمّا أن يكون له صفة تزيد على حدوثه يكون مبدأ للحسن أو القبيح أولا. والثاني كحركة النائم والساهي. والأوّل إمّا حسن وهو ما للقادر عليه العالم به أن يفعله ، أو ما لم يكن على صفة مؤثّرة في استحقاق الذمّ.

وإمّا قبيح وهو بخلافه في التفسيرين ، أي ما ليس للقادر عليه العالم به أن يفعله ، أو ما كان على صفة مؤثّرة في استحقاق الذمّ ، والحسن إمّا أن ينفر العقل من تركه أولا.

والأوّل الواجب ، والثاني إمّا أن يترجّح فعله وهو الندب ، أو يترجّح تركه وهو المكروه ، أو يتساويا وهو المباح ، فأقسام الفعل حينئذ خمسة : واجب وندب ومكروه ومباح وقبيح.

قوله : «ولذلك يذمّ العقلاء» إلى آخره ، يريد بيان كون الواجب ينفر العقل من تركه والقبيح ينفر العقل من فعله ، فإنّ العقلاء يذمّون تارك الواجب وفاعل القبيح ، فلو لا نفرة العقل من ذلك لما توجّه الذمّ عليهما ، لكن أحدهما في جانب الترك والآخر في جانب الفعل.

قال : أصل ـ أنكرت المجبّرة (٢) والفلاسفة الحسن والقبح والوجوب العقليّة. ولأهل العدل عليها دلائل. والأولى إثباتها بالضرورة ؛ لأنّ الاستدلال لا بدّ من انتهائه إليها.

أقول : لمّا ذكر أنّ الفعل ينقسم إلى الحسن والقبيح ، والحسن ينقسم إلى الواجب

__________________

١ ـ يطلق الفعل عند المتكلّمين على صرف الممكن إلى الوجود ، وعند الحكماء هو : كون الشيء من شأنه أن يكون ، وهو كائن في وقت من الأوقات. ويطلق الفعل عند الحكماء أيضا على قسم من العرض وهو التأثير. وقد عرّفه القاضي أبو يعلى من المعتزلة بأنّه هو الحادث الذات من محدثه. المعتمد في أصول الدين : ١٣٣ ، كشّاف اصطلاحات الفنون ٢ : ١١٤٣ ، محيط المحيط ٦٩٦.

٢ ـ المجبّرة : هم القائلون بالجبر. والجبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الربّ. مقالات الإسلاميّين ١ : ٣١٢ ، الملل والنحل : ١٠٩.

١٢٤

وغيره ، شرع في بيان الحاكم بهما.

واعلم أنّ الحسن والقبح قد يكونان شرعيّين ، وهو ظاهر لا خلاف فيه. وقد يكونان عقليّين. ثمّ العقليّان يقالان على ثلاثة معان :

الأوّل : الحسن ما كان صفة كمال كقولنا : العلم حسن. والقبيح ما كان صفة نقص كقولنا : الجهل قبيح.

الثاني : الحسن ما كان ملائما للطبع كالحلو من الطّعوم. والقبيح ما كان منافيا كالمرّ منها ، ولا خلاف في كون هذين عقليّين.

الثالث : الحسن ما يستحقّ على فعله المدح عاجلا والثواب آجلا ، والقبيح ما يستحقّ على فعله الذمّ عاجلا والعقاب آجلا.

واختلف في هذا ، فقالت المجبّرة : هو شرعيّ أيضا. وقالت الفلاسفة والعدليّة ـ وهم المعتزلة والإماميّة ـ : هو عقليّ. لكن عند العدليّة عقليّ بالعقل النظريّ ، وعند الفلاسفة بالعقل العمليّ.

فقول المصنّف : «أنكرت المجبّرة والفلاسفة» أراد أنّ المجبّرة أنكرت ذلك مطلقا والفلاسفة بالعقل النظريّ. والمراد بالنظريّ ما كان متعلّقه ليس للقدرة الإنسانيّة فيه تصرّف ، وبالعمليّ ما كان للقدرة الإنسانيّة فيه تصرّف ، وبه يتمّ نظام النوع.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ لأهل العدل على مطلوبهم دلائل كثيرة :

منها أنّهما لو كانا شرعيّين لما حكم بهما من لا يقول بالشرع كالبراهمة (١). واللازم كالملزوم في البطلان ، أمّا اللازم فبطلانه ظاهر ، فإنّ البراهمة يحكمون بالحسن والقبح بالمعنى المذكور. وأمّا بيان الملازمة فلانتفاء المعلول بانتفاء العلّة.

ومنها أنّهما لو انتفيا عقلا انتفيا شرعا ، واللازم باطل إجماعا فكذا الملزوم.

وأمّا الملازمة فلأنّه إذا لم يحكم العقل بقبح الكذب مثلا لم يحكم بقبحه من الشارع ،

__________________

١ ـ البراهمة : قوم لا يجوّزون على الله بعثة الرسل. وأكثر ما يوجدون في الهند. محيط المحيط : ٣٨.

وقيل : هم قوم من منكري الرسالة ، ويعبدون مطلقا ، لا من حيث نبيّ ورسول ، بل يقولون : ما في الوجود شيء إلّا وهو مخلوق لله تعالى. فهم معترفون بالوحدانيّة لكنّهم ينكرون الأنبياء والرسل مطلقا. كشّاف اصطلاحات الفنون ١ : ١٤٩.

١٢٥

فيكون جائزا منه حينئذ. فإذا أخبرنا بحسن شيء أو بقبحه لم نجزم بذلك لجواز كذبه في إخباره.

ومنها أنّه لو لا ذلك لكان يجوز العكس بأن يصير الحسن قبيحا بحكم الشارع والقبيح حسنا بحكمه فيثيب الكافر ويعاقب المؤمن ، واللازم كالملزوم في البطلان والملازمة ظاهرة ، إذ الغرض أنّ العقل لا يحسّن ولا يقبّح لذاته ولا لصفة تقوم به حينئذ ، بل بمجرّد الأمر ، فكان يجوز العكس ، وبطلانه ظاهر ضرورة.

قال المصنّف : «والأولى إثباتها بالضرورة» ، وهو طريقة أبي الحسين البصريّ (١) ، فإنّا نعلم ضرورة حسن الصدق النافع وقبح الكذب الضارّ ، وقبح تكليف الكتابة من لا يدله ، والمشي من لا رجل له ، كما نعلم كون الكواكب في السماء ، وأنّ السماء فوقنا والأرض تحتنا ، وأنّ المدّ والجزر في البصرة دون بغداد. وإنّما كان الأولى إثبات ذلك بالضرورة ؛ لأنّ الاستدلال ما لم ينته إلى مقدّمات ضروريّة يلزم التسلسل أو الدّور الباطلان ، فكان الاعتماد على الضرورة أولى. والضمير في «عليها» و «إثباتها» راجع إلى الحسن والقبح والوجوب.

قال : وسبب الاشتباه في الحكم اشتباه ما يتوقّف عليه الحكم من تصوّرات معاني الألفاظ من المحكوم به والمحكوم عليه ولا ينافي ذلك ضروريّة الحكم ؛ لأنّ الضروريّ هو الذي إذا حصل تصوّر الطرفين حصل الحكم ، من غير حاجة إلى واسطة لأجل الحكم ، بل (٢) لأجل التصوّرات. ومحلّ النزاع كذلك ؛ فإنّ من تصوّر حقيقة الحسن والقبح حكم بنفرة العقل من ترك الأوّل وفعل الثاني ، من غير توقّف على أمر آخر.

أقول : هذا جواب سؤال يرد على قوله : والأولى إثباتها بالضرورة.

تقرير السؤال أنّ المعلوم ضرورة لا يختلف فيه ولا يقع فيه اشتباه ولا شكّ. والحكم هنا بخلاف ذلك فيهما ، فإنّ الخلاف فيه واقع ، والاشتباه والشكّ ظاهر ؛ فإنّا نتشكّك في

__________________

١ ـ نقل عنه في شرح الأصول الخمسة ، قال : وقد سلك شيخنا أبو عبد الله البصريّ طريقة أخرى ، وهي أنّ كلّ عاقل يستحسن بكمال عقله التفرقة بين المحسن والمسيء. شرح الأصول الخمسة : ٣٠٨.

٢ ـ في النسخ : لا. وما أثبتناه من الفصول النصيريّة.

١٢٦

هذا الحكم ، ولا نتشكّك في كون الواحد نصف الاثنين مع دعواكم استواء الحكمين في الضرورة.

والجواب : أنّ المراد بالحكم الضروريّ هو الذي إذا تصوّرنا طرفيه جزم الذهن بثبوت المحكوم به للمحكوم عليه ، سواء كان تصوّر الطرفين ضروريّا كقولنا : الواحد نصف الاثنين ، أو كسبيّا كقولنا : العدد إمّا أوّل أو مركّب. فجاز حينئذ توقّف الحكم الضروريّ على كسب أو تنبيه أو غير ذلك. فسبب الخلاف والاشتباه هنا جاز أن يكون ناشئا من تصوّر الأطراف بسبب عدم التفطّن لمعنى كلّ واحد من المحكوم به وعليه.

والواقع كذلك ، فإنّ معنى الحسن والقبح غير بيّن بنفسه ، بل يفتقر إلى كشف وإيضاح بأن يقال : معنى الحسن ما لا يشتمل على صفة مؤثّرة في استحقاق الذمّ ، والقبيح ما يشتمل على صفة مؤثّرة في استحقاق الذمّ. فالعالم بذلك المتصوّر له يحكم ضرورة بأنّ الأوّل لا ينفر العقل منه والثاني ينفر العقل منه وذلك هو المطلوب.

قال : أصل ـ واجب الوجود قادر ، عالم بتفاصيل القبائح وترك الواجبات ، ومستغن عن فعل القبائح وترك الواجبات ؛ لما تقدّم من الأصول. وكلّ من كان كذلك يستحيل عليه فعل القبيح وترك الواجب بالضرورة ينتج : أنّ الواجب تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب.

أقول : هذا الأصل هو المقصود بالذات من فصل العدل ، وعليه تبنى باقي الفروع التي تقدّم ذكرها. واتّفقت المعتزلة والإماميّة على امتناع فعل القبيح عليه تعالى وترك الواجب ، وخالفت الأشاعرة في ذلك فجوّزوا صدور كثير من الأفعال التي يقبّحها المعتزلة عنه تعالى ؛ بناء على ما تقدّم من نفي الحسن والقبح عقلا وأنّ الحاكم بذلك هو الشرع ، وهو تعالى الحاكم على غيره وليس لغيره حكم عليه ، بل هو أحكم الحاكمين. وقد عرفت بطلان مبنى مقالتهم ، ولم نقل : إنّ غيره يحكم عليه ، بل نقول : إنّ حكمته تقتضي ترك القبيح وفعل الواجب ، ولا ينافي ذلك كونه أحكم الحاكمين ، بل هو دليل على حقّيّته.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ المصنّف استدلّ على المطلوب ببرهان من الشّكل الأوّل ،

١٢٧

تقريره : الواجب تعالى قادر عالم بكلّ القبائح وترك الواجبات ومستغن عن كلّها ، وكلّ من كان كذلك استحال عليه فعل القبائح وترك الواجبات ، ينتج : أنّه لا يفعل قبيحا ولا يخلّ بواجب أمّا الصغرى فقد اشتملت على مدّعيات ثلاثة :

الأوّل : كونه قادرا على كلّ المقدورات التي من جملتها القبائح وترك الواجبات.

الثاني : كونه عالما بكلّ المعلومات التي من جملتها تلك أيضا.

الثالث : كونه غنيّا في ذاته وصفاته عن كلّ ما عداه اللازم ذلك من وجوب وجوده ، ومن جملة ذلك فعل القبائح وترك الواجبات. وقد تقدّم البرهان على هذه كلّها فلا وجه لإعادته.

وأمّا الكبرى فضروريّة ، فإنّا نعلم ضرورة أنّ القادر على القبيح العالم بقبحه المستغني عنه لا يفعله إذا كان حكيما ، وهو تعالى حكيم ، فيكون تعالى كذلك ، وهو المطلوب.

قال : أصل ـ الأفعال التي (توجد من عبيده) (١) هم موجدوها بالاختيار ؛ لأنّها تحصل بحسب دواعيهم. وعند الفلاسفة : هم موجدوها بالإيجاب. وعند المجبّرة : أوجدها الله تعالى فيهم ؛ إذ لا مؤثّر عندهم إلّا الله. واحتجّ أبو الحسين على الأوّل بالضرورة ، وليس ببعيد.

أقول : اختلف الناس في الأفعال التي تحصل عند قصودنا ودواعينا وتنتفي عند صوارفنا : هل هي صادرة عن قدرتنا أو عن قدرة الله تعالى؟ فذهب جهم بن صفوان إلى الثاني وتابعه على ذلك جماعة المجبّرة ، فعندهم إنّه ليس لأحد مع الله تعالى فعل لا إحداثا ولا كسبا (٢). وذهب المعتزلة والإماميّة والفلاسفة إلى الأوّل.

ثمّ اختلفوا ، فقالت الفلاسفة : هي صادرة منّا على سبيل الإيجاب ؛ لأنّ الإرادة

__________________

١ ـ ما بين القوسين في الفصول النصيريّة : تصدر من العبيد.

٢ ـ الجبريّة أصناف ، منهم أصحاب جهم بن صفوان ، فإنّهم قالوا : إنّ الأفعال مخلوقة لله تعالى فينا ، لا تعلّق لها بنا أصلا لا اكتسابا ولا إحداثا ، وإنّما نحن كالظروف. المقالات الإسلاميّين ١ : ٣١٢ ، شرح الأصول الخمسة : ٣٢٤.

١٢٨

المنضمّة إلى القدرة توجب الفعل ويستحيل معها الترك (١). ولأنّ الممكن ما لم يجب لم يقع كما تقرّر من قبل (٢).

وقالت المعتزلة (٣) والإماميّة بالاختيار. ولا ينافي ذلك الوجوب مع انضمام الإرادة ؛ إذ المراد بالاختيار نظرا إلى القدرة المستقلّة.

واحتجّ أبو الحسين البصريّ على هذا القول بالضرورة ، وليس ببعيد ؛ فإنّ كلّ عاقل يعلم ذلك ويحكم به بل كلّ ذي حسّ حتّى البهائم ، فإنّها تهرب من الإنسان عند استشعار أذاه ولا تهرب من النخلة والجدار. وليس ذلك إلّا لما تقرّر في وهمها صدور الفعل من الإنسان دون الجماد. وذكر أبو الحسين على سبيل التنبيه وجهين :

الأوّل : أنّ هذه الأفعال واقعة بحسب قصودنا ودواعينا ، ومنتفية بحسب كراهتنا وصوارفنا ولا نعني بالفاعل إلّا من وقع الفعل منه بحسب قصده ودواعيه ، وانتفى بحسب كراهته وصارفه.

الثاني : أنّه قد تقدّم حكم العقل ضرورة بحسن المدح على الإحسان وحسن الذمّ على الإساءة. وذلك متوقّف على كون المحسن والمسيء فاعلين ، فلو لم يكن العلم بفاعليّتهما ضروريّا لزم ضروريّة الفرع مع عدم ضروريّة الأصل ، وهو محال (٤).

قال : وإن استدللنا عليه ، قلنا : إن وجد شيء من القبائح في العالم فالعبيد موجدوا أفعالهم ، والملزوم ثابت باعتراف الخصم ، فكذا اللازم.

بيان الملازمة : أنّا بيّنّا أنّ القبيح محال على الواجب ، فيكون فاعله غيره. وإذا كان

__________________

١ ـ قال المحقّق الطوسيّ في «تلخيص المحصّل» : زعم أبو الحسن الأشعريّ أنّه لا تأثير لقدرة العبد في مقدوره أصلا ، بل القدر والمقدورات واقعان بقدرة الله تعالى. وقالت الفلاسفة : إنّ الله تعالى موجد للعبد القدرة والإرادة ، ثمّ هما يوجبان وجود المقدور. تلخيص المحصّل : ٣٢٥.

٢ ـ يراجع ص : ٥٥.

٣ ـ اتّفقت المعتزلة على أنّ العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرّها ، مستحقّ على ما يفعله ثوابا وعقابا في الدار الآخرة. وقال أبو الحسن البصريّ : إنّ العلم بذلك ضروريّ. كشف المراد : ٢٣٩ ، مذاهب الإسلاميّين ١ : ٤٨.

٤ ـ المعتمد في أصول الفقه : ١ : ٣٣٤ ـ ٣٤١.

١٢٩

فاعل القبيح غيره ، فكذا الحسن ؛ لأنّا نعلم بالضرورة أنّ فاعل القبيح هو فاعل الحسن ، فإنّ الذي كذب هو الذي صدق.

أقول : اختلف أهل العدل في العلم باستناد أفعالنا إلينا : هل هو ضروريّ أو كسبيّ؟

قال أبو الحسين بالأوّل (١) ، وباقي المشايخ بالثاني. والمصنّف رحمه‌الله لمّا اختار مذهب أبي الحسين قال : وإن قلنا بمذهب المشايخ قلنا استدلالا على المطلوب : «إن وجد شيء من القبائح ...» إلى آخره وهو ظاهر.

قال : والذي أثبته أبو الحسن الأشعريّ (٢) وسمّاه كسبا ، وأسند وجود الفعل وعدمه إليه تعالى ولم يجعل للعبد شيئا من التأثير ، غير معقول.

أقول : لمّا أورد المعتزلة على الأشاعرة إيرادات وألزموهم إلزامات ، وبيّنوا لهم التفرقة الضروريّة بين ما يزاوله الإنسان من الأفعال وبين ما يجده من الجمادات ، حتّى قال أبو الهذيل (٣) عن بشر المريسيّ (٤) : حمار بشر أعقل من بشر ؛ لأنّك إذا أتيت به إلى جدول صغير طفره (٥) وإذا أتيت إلى جدول كبير لم يطفره ؛ لأنّه فرّق بين ما يقدر على طفره وما لا يقدر وبشر لم يفرّق بين مقدوره وغير مقدوره. وحصل لهم الشبهة في إسناد

__________________

١ ـ المعتمد في أصول الفقه ١ : ٣٤٢.

٢ ـ عليّ بن إسماعيل بن إسحاق ، أبو الحسن الأشعريّ ، مؤسّس مذهب الأشاعرة. ولد في البصرة ، وتلقّى مذهب المعتزلة وتقدّم فيهم ، ثمّ رجع وجاهر بخلافهم. له مصنّفات ، منها : مقالات الإسلاميّين ، الإبانة عن اصول الديانة. مات سنة ٣٢٤. شذرات الذهب ٢ : ٣٠٣ ، الأعلام للزركليّ ٤ : ٣٦٢.

٣ ـ محمّد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبديّ ، مولى عبد القيس ، أبو الهذيل العلّاف ، من أئمّة المعتزلة. ولد في البصرة ، واشتهر بعلم الكلام. له مقالات في الاعتزال ، ومجالس ومناظرات. كفّ بصره في آخر عمره ، وتوفّي بسامرّاء سنة ٢٣٥ ه‍. طبقات المعتزلة : ٥٤ ، شذرات الذهب ٢ : ٨٥ ، الأعلام للزركليّ ٧ : ١٣١. نقل قوله العلّامة في «نهج الحقّ وكشف الصدق» : ١٠١.

٤ ـ بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسيّ العدويّ بالولاء ، أبو عبد الرحمن. ففيه معتزليّ ، عارف بالفلسفة. يرمى بالزندقة. وهو رأس الطائفة المريسيّة القائلة بالإرجاء ، وإليه نسبتها. أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف ، وقال برأى الجهميّة ، واوذي في دولة هارون الرشيد. قيل : كان أبوه يهوديّا ، وهو من أهل بغداد ، ينسب إلى درب المريس. مات سنة ٢١٨ ه‍. طبقات المعتزلة : ٦٢ ، شذرات الذهب ٢ : ٤٤ ، الأعلام للزركليّ ٢ : ٥٥.

٥ ـ الطفر : الوثوب ، والطفرة الوثبة. وقيل : الوثبة من فوق ، والطفرة إلى فوق. النهاية لابن الأثير ٣ : ١٢٩ ، المصباح المنير : ٣٧٤.

١٣٠

الفعل إلى الله تعالى لا إلى العبد ، راموا الجمع بينهما فقالوا : الأفعال واقعة بقدرة الله وكسب العبد.

ثمّ اختلفوا في تفسير ذلك الكسب ، فقال أبو الحسن الأشعريّ ـ وهو الذي تنسب إليه الأشاعرة ـ معناه أنّ العبد إذا صمّم العزم واختار الطاعة أو المعصية خلق الله فيه الطاعة أو المعصية عقيب عزمه (١).

وقال القاضي : (٢) إنّ ذات الفعل من الله ، وللعبد قدرة مؤثّرة في صفاته من كونه طاعة أو معصية (٣).

وقال الإمام (٤) منهم : إنّ العبد إن استقلّ بإدخال شيء في الوجود بطل ما قلتم : إنّ العبد لا يؤثّر. وإن لم يستقلّ فلا يكون كاسبا ، ويكون الكلّ بقدرة الله تعالى (٥).

__________________

١ ـ إنّ الأشعريّ لمّا ثبت عنده أنّ الخالق هو الله تعالى ، وبالضرورة أنّ لقدرة العبد وإرادته مدخلا في بعض الأفعال كحركة البطش ، دون البعض كحركة الارتعاش ، التجأ إلى القول بأنّ الله تعالى قادر والعبد كاسب. واختلفت الأشاعرة في معنى الكسب ، فقال أبو الحسن الأشعريّ : إنّ الكسب معناه مقارنة قدرة العبد وإرادته مع إيجاد الفعل ، من غير أن يكون هناك منه تأثير. وقال في موضع : معنى الكسب أن يكون الفعل بقدرة محدثة ، فكلّ من وقع منه الفعل بقدرة قديمة فهو فاعل خالق ، ومن وقع منه بقدرة محدثة فهو مكتسب. مقالات الإسلاميّين ٢ : ١٩٦ ، شرح تجريد العقائد للقوشجيّ : ٣٤١.

٢ ـ القاضي أبو بكر محمّد بن الطيّب بن محمّد بن جعفر بن القاسم ، المعروف بالباقلانيّ البصريّ. من كبار متكلّمي الأشاعرة ، انتهت إليه رئاستهم في عصره. وكان كثير التطويل في المناظرة. له مصنّفات ، منها : الإنصاف ، والتمهيد. مات ببغداد سنة ٤٠٣ ه‍. شذرات الذهب ٣ : ١٦٨ ، الأعلام للزركليّ ٦ : ١٧٦.

٣ ـ قال الباقلانيّ : معنى الكسب أنّ قدرة الله يتعلّق بأصل الفعل وقدرة العبد بصفته ، أعني بكونه طاعة أو معصية. وبعبارة أخرى : إنّ لقدرة العبد تأثيرا في وجوه الفعل وكونه على هيئة مخصوصة. التمهيد للباقلانيّ : ١٤ ، الملل والنحل : ٨٩ ، شرح العقائد النسفيّة : ١١٧.

٤ ـ هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمّد الجوينيّ ، أبو المعالي ركن الدين الملقّب بإمام الحرمين ، من أصحاب الشافعيّ. ولد في جوين ورحل إلى بغداد ، فمكّة حيث جاور أربع سنين ، وذهب إلى المدينة فأفتى ودرّس ، ولذلك سمّي بإمام الحرمين. ثمّ عاد إلى نيسابور ، فبنى له الوزير نظام الملك المدرسة النظاميّة. له مصنّفات ، منها : العقيدة النظاميّة في الأركان الإسلاميّة ، الشامل في اصول الدين. مات بنيسابور سنة ٤٧٨ ه‍. شذرات الذهب ٣ : ٣٥٨ ، الإعلام للزركليّ ٤ : ١٦٠.

٥ ـ قال : إنّ الأفعال واقعة على سبيل الوجوب بما خلقه الله تعالى في العبد من مبادئها من غير اختيار. الشامل في أصول الدين : ٣٦ ، الملل والنحل : ٩٠ ، شرح العقائد النسفيّة : ١١٧.

١٣١

وقال البيضاويّ (١) منهم أيضا : إنّه أي الكسب مشكل ؛ لأنّ تصميم العزم أيضا فعل فيكون هو أيضا واقعا بقدرة الله ، فلا يكون للعبد فيه مدخل ويعود المحذور. وبالجملة القول بالكسب هذيان.

قال : شبهة وجواب ـ قالت المجبّرة : إن كانت القدرة والإرادة من الله تعالى ، وبعدمهما (٢) يمتنع الفعل ومعهما يجب ، فالفعل من الله ، والملزوم ظاهر الثبوت ، فكذا اللازم.

والجواب : أنّه لا يلزم من كون آلة الفعل من الله أن يكون الفعل منه. غاية ما في الباب أنّه يتخيّل منه الإيجاب ، وأمّا الجبر فلا.

ودفع الإيجاب بأن نقول : إنّ كون آلة الفعل من الله تعالى مسلّم ، إلّا أنّ فعل العبد تابع لداعيه فيكون باختياره ، لأنّا لا نريد بالاختيار إلّا هذا القدر ، وبعد ظهور كون فعله تابعا لداعيه ، إن سمّوه إيجابا ـ لكون الآلات من الله ـ كان منازعة في التسمية ، ولا مضايقة فيها. ولو قالوا : إنّ الله تعالى خلق العبيد ، ولو لم يخلقهم لما كانت الأفعال ، ولمّا خلقهم كانت ، فيكون هو تعالى فاعلا لها ، كان مثل قولهم وأسهل ، لكن لا يخفى على العاقل ما فيه.

أقول : لمّا فرغ من الاحتجاج على المذهب الحقّ أشار إلى شبه المخالف. وقد ذكر منها شبهتين :

الأولى : تقريرها أنّ كلّما كانت آلة الفعل من الله كان الفعل منه ، لكنّ الملزوم حقّ فاللازم مثله.

أمّا بيان حقيّة الملزوم ، فلأنّ المراد بالآلة هو ما يؤثّر الفاعل بواسطته في منفعله القريب منه ، كالقدوم بالنسبة إلى النجّار ؛ فإنّ أثر النجّار في الخشب ـ وهو تفرّق اتّصاله ـ

__________________

١ ـ عبد الله بن عمر بن عليّ الشيرازيّ ، أبو سعيد أو أبو الخير ، ناصر الدين البيضاويّ. قاض ، مفسّر ، علّامة. ولد في المدينة البيضاء بفارس قرب شيراز ، وولى قضاء شيراز مدّة ، وصرف عن القضاء فرحل إلى تبريز فتوفّي فيها سنة ٦٨٥ ه‍. من تصانيفه : أنوار التنزيل وأسرار التأويل ، لبّ اللباب ، الطوالع. شذرات الذهب ٥ : ٣٩٢ ، الكنى والألقاب ٢ : ١٠٣ ، الأعلام للزركليّ ٤ : ١١٠.

٢ ـ في النسخ : بغيرهما. وما أثبتناه من الفصول النصريّة.

١٣٢

إنّما يصل إلى الخشب بواسطة القدوم. وكذلك نقول هنا : إنّ فعل الإنسان إنّما يقع بواسطة قدرته وإرادته ؛ لاستحالة صدور الفعل الاختياريّ بدونهما ، ولا شكّ في كونهما من فعل الله تعالى.

وأمّا بيان الملازمة فلأنّ الفعل بدون آلته محال فيكون علّة له ، وعلّة العلّة علّة.

والجواب : أمّا تفصيلا فلأنّه لا يلزم من كون آلة الفعل من الله أن يكون الفعل منه ، وإلّا لكان الحدّاد فاعل السيف هو القاتل للوليّ فيذمّ أو للكافر فيمدح ، واللازم كالملزوم في البطلان وهو ظاهر. سلّمنا ، لكن ذلك موهم للإيجاب ؛ لوجوب وجود الفعل عند انضمام الإرادة إلى القدرة ، فهو مناف لكون العبد فاعلا بالاختيار.

قلنا في الجواب : إنّه وإن أوهم الإيجاب لكنّه غير مناف للاختيار ، لأنّ مرادنا بالاختيار : جواز الفعل وعدمه نظرا إلى القدرة المستقلّة ، والوقوع تابع لداعيه والقصد فهو مسبوق بهما. والإيجاب الحقيقيّ غير مسبوق بهما ، كالنار في إحراقها والماء في تبريده. فإن سمّوا ذلك الوقوع تبعا لداعيه والقصد إيجابا ، فهو مصطلح لا مضايقة فيه.

وأمّا إجمالا فلأنّ دليلكم لو صحّ بجميع مقدّماته ، لكان لقائل أن يقول : كلّما كان فعل العبد موقوفا على وجوده ، ووجوده من فعل الله ففعل العبد من فعل الله ، لكان أسهل من قولهم وأبين. لكن ذلك باطل قطعا ؛ لأنّا نعني بكون العبد فاعلا أي مباشرا قريبا ، لا أنّ جميع ما يتوقّف عليه فعله يكون منه ، وهو ظاهر.

قال : شبهة أخرى وجواب ـ قالوا أيضا : علمه تعالى يتعلّق بفعل العبد ، فيكون تركه ممتنعا ؛ إذ لو فرض تركه لزم كون علمه تعالى جهلا ، واللازم محال فالملزوم مثله. وإذا كان تركه ممتنعا كان العبد مجبورا.

قلنا : هذا أيضا يوهم الإيجاب ، وأمّا الجبر فلا. ويلزمهم مثله في فعل البارئ تعالى ، وكلّ ما أجابوا به فهو جوابنا. على أنّا نقول : العلم لا يكون علما إلّا إذا طابق المعلوم ، فيكون تابعا للمعلوم ، فلو كان مؤثّرا في المعلوم كان المعلوم تابعا له ، فيدور. وإذا لم يكن مؤثّرا لم يلزم الإيجاب.

أقول : هذه الشبهة الثانية لهم ، وهي أقول ما لهم من الشّبه. وتقريرها : أنّ الافعال

١٣٣

المنسوبة إلى العبد واجبة الوقوع ، ولا شيء من الواجب الوقوع بمقدور ، فلا شيء ممّا هو منسوب إلى العبد بمقدور. أمّا الصغرى فلأنّه ا معلومة لله ، لما تقدّم من علمه بكلّ ما صحّ أن يكون معلوما ، وكلّ معلوم له تعالى يمتنع خلافه وإلّا لزم انقلاب علمه تعالى جهلا. وانقلاب علمه جهلا محال ، فكلّ معلوم له واجب الوقوع ، وهو المطلوب. وأمّا الكبرى فلما تقدّم من أنّ متعلّق القدرة هو الإمكان لا الوجوب والامتناع ، فتصدق النتيجة وهو المطلوب.

والجواب من وجوه :

الأوّل : بالمنع من صحّة الكبرى مطلقا ، بل الوجوب المنافي للمقدوريّة هو الوجوب الذاتيّ لا الغيريّ والوجوب هنا غيريّ نظرا إلى تعلّق العلم به ، فلا ينافي إمكانه الذاتيّ الذي هو متعلّق القدرة. على أنّا نقول : غاية ما في الباب أنّ ذلك موهم للإيجاب نظرا إلى وجوب وقوع المعلوم. أمّا الجبر الذي هو عبارة عن خلق الفعل في العبد فلا يفيده دليلكم.

ثمّ إنّا نقول : الإيجاب المذكور غير مناف للاختيار الذي هو تبعيّة الفعل للداعية المنضمّة إلى القدرة.

الثاني : إنّ ما ذكرتموه منقوض إجمالا بفعل الله تعالى ؛ فإنّه معلوم له وكلّ معلوم له واجب ، ولا شيء من الواجب والممتنع بمقدور له تعالى ، فلا شيء من الفعل المنسوب إليه تعالى بمقدور ، فيلزم سلب القدرة عنه. وهو باطل بالإجماع والدليل ، فكلّ ما أجابوا به فهو جوابنا.

الثالث : إنّا نمنع تأثير العلم في الفعل الوجوب ؛ لأنّ العلم تابع للمعلوم ، ولا شيء من التابع بمؤثّر ، فلا شيء من العلم بمؤثّر وهو المطلوب. أمّا أنّ العلم تابع ؛ فلأنّه حكاية للمعلوم ومثال له مطابق ، فتبعيّته بهذا المعنى ظاهرة. وأمّا أنّه لا شيء من التابع بمؤثّر ؛ فلأنّ التابع متأخّر ، فلو كان مؤثّرا لكان متقدّما فيكون متقدّما متأخّرا معا ، وهو محال.

قال : هداية ـ إذا ثبت أنّ للعبد فعلا ، فكلّ فعل يستحقّ العبد به مدحا أو ذمّا ، أو يحسن أن يقال له : لم فعلت؟ فهو فعله ، وما عداه فهو فعله تعالى.

١٣٤

أقول : لمّا ثبت أنّ للعبد فعلا ولله تعالى فعل أيضا أراد أن يفرّق بينهما بإعطاء قاعدة كليّة يستحضرها من يريد الفرق ، فقال : كلّ ما يستحقّ العبد عليه مدحا كالعبادة أو ذمّا كالمعصية أو يقال له : لم فعلت؟ كتجارته وأسفاره ، فهو فعله. وما لا يكون كذلك كحسن صورته وثقل جسمه أو خلق السماوات وجعل الكواكب فيها ، فليس ذلك بفعله ، بل بفعل الله سبحانه.

قال : أصل ـ إذا ثبت أنّ فعل البارئ تعالى تبع لداعيه ، والداعي هو العلم بمصلحة الفعل أو الترك ، فأفعاله تعالى لم تخل من مصالح (١) ، أي إنّه إنّما يفعل لغرض. وإذا ثبت أنّه كامل لذاته ومستغن عن الغير ، فتلك المصالح لم تعد إليه تعالى ، بل إلى عبيده. وإذا ثبت أنّ أفعاله لمصالح عبيده ، ثبت بطريق العكس أنّ كلّ ما فيه فساد بالنسبة إليهم لم يصدر عنه تعالى.

أقول : في هذا الأصل فوائد :

الأولى : أنّ فعل الله تعالى تبع لداعيه. وهذا تقدّم بيانه ، وهو معنى كونه مختارا.

الثانية : أنّه تعالى يفعل لغرض ، إمّا بمعنى أنّه يسوق أفعاله إلى كمالاتها ، والغرض انسياقها إلى كمالاتها ، وذلك ظاهر لمن تدبّر مخلوقاته. وإمّا بمعنى أنّه يفعل لمصالح ترجع إلى غيره ، والدليل على ذلك أنّ الداعي هو العلم بمصلحة الفعل أو الترك الباعث على إيجاده ، وإذا كان كذلك فأفعاله تعالى لم تخل من الحكم والمصالح ؛ لأنّ ذلك لازم من كونه فاعلا مختارا ، وذلك ثابت له بالبرهان ولازم اللازم لازم ، فأفعاله تلزمها المصالح والحكم. وتلك المصالح والحكم هي مرادنا بالأغراض ، ففعله تعالى لا يخلو من غرض. وهذا مذهب أصحابنا الإماميّة والمعتزلة (٢) خلافا للأشاعرة ؛ فإنّهم حكموا بسلب الغرض عن أفعاله تعالى (٣) ، وذلك باطل باتّفاق الفقهاء والحكماء.

__________________

١ ـ الفصول النصيريّة : عن المصالح.

٢ ـ ذهب أصحابنا الإماميّة والمعتزلة إلى أنّه تعالى يفعل لغرض ولا يفعل شيئا لغير فائدة. والدليل عليه أنّ كلّ فعل لا يقع لغرض فإنّه عبث. كشف المراد : ٢٣٨ ، الملل والنحل : ٥٠.

٣ ـ ذهبت الأشاعرة إلى أنّه لا يجوز تعليل أفعاله تعالى بشيء من الأغراض والعلل الغائيّة ، وإلّا لكان هو ناقصا في ذاته مستكملا بتحصيل ذلك الغرض. شرح تجريد العقائد للقوشجيّ : ٣٤٠.

١٣٥

أمّا الفقهاء فلأنّهم يذكرون للأحكام الشرعيّة عللا وأغراضا مناسبة لها ، ككون القصاص للانزجار عن القتل (١) وتحريم المسكر تحصينا للعقل (٢) ، إلى غير ذلك من الأغراض (٣).

وأمّا الحكماء فإنّهم قالوا : كلّ حادث لا بدّ له من علل أربع : الفاعل ، والمادّة ، والصورة ، والغاية. والغاية هي الغرض (٤). ثمّ الذي يدلّ على بطلان قولهم أيضا أنّ الفعل الخالي عن الغرض عبث والعبث قبيح ؛ لاستحقاق الذمّ عليه ، والبارئ سبحانه منزّه عن القبيح كما تقدّم ، وأيضا دلالة القرآن كقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (٥). (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) (٦). (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٧).

الثالثة : أنّه لمّا ثبت كونه تعالى كاملا مطلقا مستغنيا في ذاته وصفاته استحال عود الغرض إليه ، وإلّا لكان ناقصا مستكملا بذلك الغرض. بل الغرض إمّا كماليّة الفعل كما قلناه ، أو كونه عائدا إلى العبيد لا إليه تعالى.

الرابعة : لمّا ثبت أنّ أفعاله تعالى لمصالح عبيده لزم ذلك ـ بطريق (٨) النقيض ـ أنّ كلّ ما ليس فيه مصلحة لعبيده فليس صادرا منه تعالى ، بل من غيره.

قال : تبصرة ـ قد بيّنّا حقيقة إرادته تعالى لأفعال نفسه ، وأمّا إرادته لأفعال عبيده فهو أمرهم بها. والأمر بالقبيح يتضمّن الفساد ، فلا يأمر به. وبيّنّا أنّه لا يفعل القبيح

__________________

١ ـ علل الشرائع : ٤٧٨.

٢ ـ علل الشرائع : ٤٧٥ ، المبسوط للطوسيّ ٨ : ٥٧.

٣ ـ إنّ فقهاءنا العظام ذكروا للأحكام الشرعيّة عللا وأغراضا يجمعها أنّ الأوامر الشرعيّة والنواهي ناشئتان من المصلحة والمفسدة ، والأصل في هذا ، الروايات الواردة عن المعصومين عليهم‌السلام ، منها : ما ورد عن أمير المؤمنين وزوجته سيّدة نساء العالمين عليهما‌السلام. نهج البلاغة : ١٢٥ الحكمة ٢٥٢ ، الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ٧٩.

٤ ـ النجاة من الغرق في بحر الضلالات : ٥١٨ ، التحصيل لبهمنيار : ٥١٩.

٥ ـ المؤمنون / ١١٥.

٦ ـ ص / ٢٧.

٧ ـ الذاريات / ٥٦.

(٨) ـ «ح» «ن» «خ» بزيادة : عكس.

١٣٦

فلا يرضى به ؛ لأنّ الرضا به قبيح كفعله.

أقول : ذهب أبو الحسين البصريّ إلى أنّ إرادته تعالى هي علمه باشتمال الفعل على المصلحة ، فإن كان من أفعال نفسه فعله ، وإلّا أمر به فالأمر عنده ملزوم الإرادة ومشروط بها.

وقال أبو القاسم البلخيّ (١) : إرادته لفعل نفسه كما تقدّم ، ولفعل غيره : أمره به ، فالأمر عنده إرادة (٢). إذا تقرّر هذا فهنا مسألتان :

الأولى : أنّه لا يأمر بالقبيح ؛ لأنّ الأمر إمّا نفس الإرادة أو مشروط بها وعلى التقديرين إرادة القبيح عليه تعالى محال. أمّا أوّلا فلأنّ القبيح لا مصلحة فيه ، فلا تتعلّق به الإرادة ، وأمّا ثانيا فلأنّ الأمر بالقبيح وإرادته يشتملان على فساد ناش من وقوع القبيح أو مشارفته ، وقد تقدّم نفي الفساد عنه تعالى.

الثانية : أنّه تعالى لا يرضى بالقبيح ، وهو اتّفاق منّا ومن الأشاعرة ؛ فإنّ الرضا بالقبيح قبيح كفعله ، لأنّ العقلاء كما يذمّون فاعله يذمّون الراضي به ، ولقوله تعالى : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (٣).

واعلم أنّ الأشاعرة وإن وافقونا في عدم الرضا بالقبيح فقد خالفوا في عدم إرادته ، فإنّه عندهم مراد ؛ لكونه كائنا والله سبحانه مريد لجميع الكائنات عندهم ، لأنّه فاعل لكلّها فهو مريد لها. وذلك لأنّهم جعلوا الرضا أمرا غير الإرادة ، وضرورة العقل تمنع المغايرة ، وتحقيق ذلك في المطوّلات (٤).

__________________

١ ـ أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخيّ ويعرف بالكعبيّ. عالم ، متكلّم ، رئيس أهل زمانه. له من الكتب : كتاب المقالات وعيون المسائل والجوابات ، والغرر والنوادر. مات في سنة ٣٠٩ ه‍. الفهرست لابن النديم : ٢١٩.

٢ ـ اختلفوا في معنى إرادته تعالى ، بعد اتّفاقهم على أنّه مريد. فذهبت الأشاعرة إلى أنّها مغايرة للعلم والقدرة وسائر الصفات. وذهب المحقّق الطوسيّ وجماعة من رؤساء المعتزلة كأبي الحسين البصريّ وأبي القاسم البلخيّ ومحمود الخوارزميّ إلى أنّها هي العلم بالنفع ، ويسمّى بالدواعي. شرح تجريد العقائد للقوشجيّ : ٣١٥.

٣ ـ الزمر / ٧.

٤ ـ اعلم أنّ الأشاعرة لمّا قالوا بأنّ إرادة الله تعالى غير علمه ورضاه ، فيمكن منهم القول بالانفكاك بين الرضا بالشيء والأمر به ؛ لأنّ الرضا بالشيء غير الأمر به. فعلى هذا المبنى قالوا : إنّ الله تعالى وإن لم يرض بالقبيح ولكنّه يمكن أن يريد القبيح ؛ لأنّ إرادته متعلّقة بكلّ كائن : فهو يريد من الكافر الكفر ، ومن الفاسق الفسق. والإماميّة والمعتزلة لمّا قالوا بأنّ

١٣٧

قال : تفسير ـ ما ورد أنّه تعالى خالق الخير والشرّ ، اريد بالشرّ ما لا يلائم الطباع وإن كان مشتملا على مصلحة.

أقول : لمّا قرّر أنّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يريده استشعر ورود سؤال ، تقريره : أنّه ورد في النقل الصحيح أنّه تعالى خالق الخير والشرّ ، وكذا في الكتاب العزيز قوله : (إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (١). والشرّ والسيّئة قبيحان ، فيكون فاعلا للقبيح ، وهو خلاف ما قرّرتموه.

أجاب بأنّ كلّا من الخير والشرّ يقال على معنيين :

الأوّل : يراد بالخير ما كان ملائما للطباع ، كالمستلذّ من المدركات. وبالشرّ ما لا يلائم ، كخلق الحيّات والعقارب والموذيات ، فإنّها تشتمل على حكم لا نعلمها تفصيلا.

الثاني : يراد بالخير ما يرادف الحسن والمصلحة ، وبالشرّ ما يرادف القبيح والفساد ، والمنسوب إليه بالخلق هو الأوّل منهما. وكذا يراد بالحسنة ما يرادف الطاعة ، ويراد بها ما هو مستطاب كالخصب وسعة الرزق ، وبالسيّئة ما يرادف المعصية ، ويراد بها ما هو مكروه ، كالجدب وضيق الرزق. والمنسوب إليه تعالى في الآية هو المعنى الثاني منهما ، بدليل قوله تعالى : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى) (٢). وقوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٣). وإنّما حملنا ما ورد في النقل على ما قلناه ، جمعا بين الدليل العقليّ والنقليّ الصحيح ، مع عدم المانع من ذلك.

قال : تبصرة ـ تكليف البارئ تعالى ، هو أمر عبيده بما فيه مصلحتهم ، ونهيهم عمّا فيه مفسدتهم. وذلك لا ينافي الحكمة ، وإن كان فيه مشقّة فلا يكون قبيحا.

__________________

الإرادة لا ينفكّ عن الرضا ، قالوا : بأنّ الله تعالى لا يرضى بالقبيح فلا يريده. والعقل حاكم بأنّ إرادة القبيح قبيحة ، كما أنّ الرضا به كذلك. كشف المراد : ٢٣٦ ، شرح تجريد العقائد للقوشجيّ : ٣٤٠.

١ ـ النساء / ٧٨.

٢ ـ الأعراف / ١٣١.

٣ ـ الأعراف / ١٦٨.

١٣٨

والغرض من التكليف امتثال العبد ما كلّف به ، فلا يكون تكليف ما لا يطاق حسنا.

أقول : لمّا فرغ من تقرير باب العدل شرع في فروعه ، وقد ذكر فرعين :

الأوّل : التكليف وفيه مسائل (١) :

الأولى : التكليف لغة مأخوذ من الكلفة وهي المشقّة ، واصطلاحا عرّفه المصنّف بأنّه «أمر عبيده بما فيه مصلحتهم ، ونهيهم عمّا فيه مفسدتهم». وهو أجود ما عرّف به ، لاستعمال الجنس القريب فيه وهو الأمر والنهي (٢). وقوله : «بما فيه مصلحتهم». يشمل الواجب والندب لتعلّق الأمر بهما ؛ إذ الأمر عند الأكثر للقدر المشترك بينهما. وقوله : «ونهيهم عمّا فيه مفسدتهم». يشمل الحرام والمكروه ؛ فإنّ المكروه مشتمل على مفسدة ما وإن كانت ضعيفة لا تبلغ مرتبة القبيح. وإن شئت كان المكروه داخلا فيما فيه مصلحة باعتبار تركه ، ويكون النهي مختصّا بالقبيح. ولمّا كان المباح ليس من التكليف عند المحقّقين لم يتعرّض له بدخوله في التعريف ؛ لأنّه لو اشتمل على مصلحة أو مفسدة لكان إمّا راجح الفعل أو راجح الترك ، فلم يكن حينئذ مباحا متساوي الطرفين ، هذا خلف.

الثانية : التكليف موافق للحكمة غير مناف لها ، وإن كان مشتملا على مشقّة. وبيان ذلك يظهر من تقريرنا فيما سبق أنّه يفعل لغرض ومصلحة تعود إلى العبيد ، فإذا علم أنّ مصلحتهم إنّما تحصل بامتثال أوامره وأنّ مفسدتهم لا تنتفي إلّا بالانتهاء عن نواهيه ، وجب في حكمته أمرهم ونهيهم ليحصل الغرض من خلقهم. وذلك الغرض هو التعريض

__________________

١ ـ كذا في النسخ ولكنّه لم يذكر إلّا مسألتين.

٢ ـ التكليف : مصدر كلّف. وعند جمهور الاصوليّين : إلزام فعل فيه مشقّة وكلفة. وعلى هذا ، المندوب والمباح والمكروه ليس من الأحكام التكليفيّة ؛ إذ لا إلزام في كلّ منها. وعرّفه بعض بأنّه إيجاب اعتقاد كون الفعل حكما من الأحكام الشرعيّة. فعلى هذا ، المندوب والمكروه والمباح من الأحكام التكليفيّة. وعرّفه الشيخ الطوسيّ بأنّه إرادة المريد من غيره ما فيه كلفة ومشقّة. وعرّفه العلّامة في «كشف المراد» و «النهج» بأنّه إرادة من يجب طاعته ما فيه مشقّة ابتداء ، بشرط الإعلام. وتعريف المصنّف أجود التعريفات حيث إنّه بالحدّ التامّ المأخوذ فيه الجنس القريب في التعريف ، والأمر عند أكثر الاصوليّين يطلق على القدر المشترك بين الوجوب والندب ، وهو طلب إيجاد الفعل ، الناشئ عن مصلحة فيه. كما أنّ النهي طلب ترك الفعل ، الناشئ عن مفسدة فيه. والمباح هو الذي لا يشتمل على مصلحة ولا مفسدة ، فهو متساوي الطرفين في الفعل والترك ، فلا يطلق عليه التكليف. الاقتصاد للشيخ الطوسيّ : ٦١ ، كشف المراد : ٢٤٩ ، نهج المسترشدين : ٥٤. كشّاف اصطلاحات الفنون ٢ : ١٢٥٥ ، محيط المحيط : ٧٨٨.

١٣٩

لاستحقاق الثواب الدائم المشتمل على التعظيم والإجلال ، والخلاص من العقاب المشتمل على الاستخفاف والإهانة.

إن قلت : ذلك الغرض وتلك المصلحة الابتداء بهما من غير توسّط التكليف ممكن ، فلا فائدة في توسّطه.

قلت : نمنع إمكان الابتداء بذلك في الحكمة ؛ لأنّ التعظيم اللازم للثواب لغير مستحقّه قبيح ولو فرض جوازه لكان تفضّلا والاستحقاق له مزيّة. هذا مع أنّ التكليف يشتمل على مصالح اخر غير ذلك :

الأولى : رياضة النفس بامتثال الأوامر والنواهي ، فتمسك عن إرسال عنان القوّة الشهوانيّة والغضبيّة في ميدان مقتضياتهما ، فيسلم للقوّة العقليّة صفاؤها عن المنافيات والكدورات ، فيحصل على أخلاق حميدة.

الثانية : أنّ امتثال الأوامر والنواهي تبعث النفس وتعوّدها وتمرّنها على النظر في الامور الإلهيّة والمقاصد العالية ، والنظر في أحوال الذوات الشريفة ، والتفكّر في ملكوت السماوات والأرض ، وكمال مبدعها وموجدها ، وكيفيّة فيضان الموجودات عنه ، فتحصل النفس على مرتبة لا توصف وعلم لا ينزف.

الثالثة : أن امتثال الأوامر والنواهي ممّا يتمّ به نظام النوع الإنسانيّ ، المقتضي ذلك للعدل ، المقيم لحياة ذلك النوع. وستسمع لهذا فضل بيان قريبا إن شاء الله.

الرابعة : أنّ التكليف واجب في الحكمة ، وإلّا لزم الإغراء بالقبيح ، وهو قبيح. بيان الملازمة أنّ خلق العبد مجبولا على الميل إلى القبيح والنفور عن الحسن ـ مع عدم زاجر له ـ إغراء ظاهر بالقبح ، وقالت الأشاعرة بنفي ذلك ، بناء على أصلهم الفاسد ، وقد تقدّم بطلانه.

الخامسة : أنّه لمّا كان الغرض من التكليف امتثال العبد ما كلّف به ، وجب كون المكلّف به على حال يمكن معها الامتثال ، وإلّا لما تمّ الغرض ، فيكون التكليف حينئذ قبيحا. وتلك الحال أن يكون ممكن الوقوع عقلا ، فيدخل في ذلك أن يكون مقدورا مطاقا ، وإلّا لكان ممتنع الوقوع. وأن لا يشتمل على مفسدة ؛ لأنّ تلك المفسدة تقتضي

١٤٠