الأساس لعقائد الأكياس

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي

الأساس لعقائد الأكياس

المؤلف:

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي


المحقق: محمّد قاسم عبد الله الهاشمي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٠٦

قلنا : لا فرق عند أهل اللغة بين ذلك ، وبين ما هو اسم لذات باعتبار معنى غيرها إلا أسماء الزمان والمكان والآلة كما مر ، والملجئ لهم إلى ذلك وصفهم الأمور الزائدة على الذات بزعمهم بأنها غير ، نحو العالمية غير القادرية ، أو مثل ، نحو العالمية زائدة على الذات مثل القادرية ، ومنعهم وصفها بأنها قديمة أو محدثة.

قلنا : الفرق تحكم إذ لا مانع من دعوى أن سائر ما توصف به الصفات أحكام مثلها

تمهيد [في الحقيقة والمجاز]

اعلم أن من أقسام الاسم الحقيقة والمجاز.

فالحقيقة لغة : الراية ، ونفس الشيء.

واصطلاحا : اللفظ المستعمل فيما وضع له في اصطلاح به التخاطب.

وتنقسم إلى لغوية (٢) كأسد للسبع ، وعرفية (٣) عامة ، وهي التي لا يتعين ناقلها كقارورة ، وخاصة ، وهي التي يتعين ناقلها كالكلام لهذا الفن ، وشرعية (٤) كالصلاة ، وهي (٥) ممكنة عقلا.

واختلف في وقوعها ، فقال أئمتنا عليهم‌السلام ، والجمهور : وهي واقعة بالنقل عن معانيها اللغوية إلى معان مخترعة شرعية كالصلاة.

قلت ـ وبالله التوفيق ـ : وتصح بغير نقل كرحمان على ما سيأتي إنشاء الله تعالى الباقلاني (١) وبعض المرجئة : لم تقع.

__________________

(١) أي : نحو المماثلة والمغايرة ، وهو ما يعقل بين غير وما يجري مجرى الغير.

(٢) أي : حقيقة في أصل لغة العرب.

(٣) وهي ما نقل عما وضع له في أصل اللغة إلى معنى آخر بالعرف ، وهي عامة وخاصة ، كما في المتن.

(٤) وهي ما نقله الشارع من معناه اللغوي إلى معنى شرعي ، وهي نوعان : فما نقله منها إلى أصول الذين فحقيقة دينية ، وما نقله إلى أصول الشريعة فحقيقة شرعية.

(٥) أي : الشرعية.

٦١

قلنا : الصلاة لغة : الدعاء ، وقد صارت للعبادة المخصوصة.

قالوا : إنما صارت كذلك بعرف أهل الشرع ، لا بنقل الشارع ؛ لأنه إنما أطلق عليها مجازا فقط ، فهي حينئذ عرفية خاصة لا شرعية.

قلنا : أطلقه عليها وخصها به ، ولم يعهد لها اسم قبله خاص (٢) وذلك حقيقة وضع الحقائق لا التجوز وإلا لكان كلما وضع من الأسماء لمعنى عند ابتداء الوضع مجازا ولا قائل به ومن جزئياتها (٣) الدينية : وهي ما نقله الشارع إلى أصول الدين نحو (مؤمن).

الشيرازي (٤) وابن الحاجب (٥) لم تقع (٦).

__________________

(١) أبو بكر الباقلاني ، والقشيري قالوا : إن لفظ الصلاة باق على معناه اللغوي.

أبو بكر الباقلاني : توفي سنة ٤٠٣ ه‍ وهو أحد كبار مشايخ الأشعرية.

القشيري : هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن ، صوفي معروف ، وله الرسالة التي عرفت باسمه ، وقد جمع القشيري ما بين الحقيقة اللغوية والشرعية ، وله بالإضافة إلى الرسالة مؤلفات أخرى منها عبارات الصوفية ، وكتاب المعراج ، والتحبير في علم التذكير ، توفي القشيري سنة ٤٦٥ ه‍. ش ١ / ٥١٢.

(٢) أي : لم يعهد لها عند أهل الشرع.

(٣) أي : ومن أفراد مسميات الحقيقة الشرعية الحقيقة الدينية.

(٤) الشيرازي : هو أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروزآبادي الشيرازي ، إمام الشافعية في عصره ، وهو عالم متكلم ، له العديد من المصنفات ، أهمها في الفروع ، وكانت كتبه مرجعا يعمل بها أهل السنة باليمن ، منها كتاباه المهذب والتنبيه ، توفي سنة ٤٧٦ ه‍ ش ١ / ٥١٤.

(٥) لفظ الشرح (وابن الحاجب ، والجويني).

ابن الحاجب هو : جمال الدين ، عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس ، وسمي ابن الحاجب لأن أباه كان حاجبا لأحد الأمراء ، ولد ابن الحاجب بصعيد مصر سنة ٥٧٠ ه‍ ودرس علوم القرآن والعربية بالقاهرة ، ونبغ في هذه الأخيرة ، وخاصة في علم النحو ، وله في ذلك الكافية ، والشافية ، بالإضافة إلى ذلك اشتغل أيضا بعلمي الأصول والفروع ، ومن مؤلفاته في هذا الأخير كتاب منتهى السئول شرحه الإيجي العضد ، توفي ابن الحاجب سنة ٦٤٦ ه‍ بالإسكندرية. ش ١ / ١٦٥.

(٦) أي : الدينية ، بل هي باقية على أصل وضعها اللغوي ، ولذلك حكموا بأن المؤمن هو المصدق ، وأنه من أهل الجنة

٦٢

قلنا : المؤمن لغة : هو المصدق ، وقد صار اسما لمن أتى بالواجبات ، واجتنب المقبحات ، بدليل قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) (١).

قالا : قال الله تعالى : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) وَيَعْمَلْ صالِحاً (٢) وحق العطف المغايرة.

قلنا : [هو في هذه] الآية حقيقة لغوية ، واستعمال الناقل القول المنقول في معناه الأول لا يدل على عدم نقله ذلك القول لمعنى آخر ، كناقل طلحة لرجل ، فبطلت دعوى نفيها لعدم ما يدل عليه ، وثبتت بما مر.

والمجاز لغة : العبور والطريق.

واصطلاحا (٣) اللفظ المستعمل في غير ما وضع له في اصطلاح به التخاطب ، على وجه يصح (٤) ويزاد على مذهب غير القاسم عليه‌السلام (٥) والشافعي (٦) مع قرينة عدم إرادته (١).

__________________

(١) الأنفال : ٢ ـ ٤.

(٢) التغابن : ٩ ، الطلاق : ١١.

(٣) أي : في اصطلاح أهل علم المعاني والبيان.

(٤) ليخرج الغلط.

(٥) أي : الإمام القاسم بن إبراهيم عليه‌السلام فقد ذهب الإمام القاسم والشافعي ومن تابعهما إلى جواز إرادة المعنى الموضوع له في اللغة مع إرادة المعنى المجازي أيضا ، قال في الفصول : القاسمية ، والشافعي ، ويصح إن يراد باللفظ حقيقته ومجازه كاللمس إذ لا مانع منه عقلي ولا لغوي خلافا لأبي حنيفة ، وأبي هاشم ، وأبي عبد الله البصري.

(٦) الشافعي هو : محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشي المطلبي الشافعي ، أبو عبد الله ، شهرته معروفة ، وعلومه موصوفة ، وقد صنف فيه الزمخشري كتابا وغيره ، قال أبو عبيد : ما رأيت رجلا قط أكمل من الشافعي ، أفتى وهو ابن خمس عشرة سنة ، قالوا : وهو أول من صنف في أصول الفقه واستنبطه ، وأما تشيعه فظاهر ، وهو أحد دعاة الإمام يحي بن عبد الله ، وامتحن بسبب ذلك ، وله أشعار تدل على

٦٣

وهو واقع (٢) خلافا لأبي علي الفارسي (٣) والأسفرائيني (٤) وغيرهما (مطلقا) (٥).

لنا قوله (٦)

: وإذا المنية أنشبت أظفارها

ألفيت كل تميمة لا تنفع

وما يأتي إنشاء الله تعالى.

وللإمامية في الكتاب العزيز.

لنا : قوله تعالى : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (٧).

وللظاهرية (٨) فيه ، وفي السنة.

لنا ما مر ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أنا مدينة العلم وعلي بابها) (٩).

وتأويلهم (١٠) [لجميع ذلك] بأنها حقائق خلاف المعلوم من لغة العرب فلتتبع (١).

__________________

تشيعه ، ولد في اليوم الذي توفي فيه أبو حنيفة ، وتوفي بمصر آخر يوم من رجب سنة ٢٠٤ ه‍ ودفن بالقرافة الصغرى.

(١) لتخرج الكناية ؛ لأنها مستعملة في غير ما وضعت له ، مع جواز إرادة ما وضعت له كطويل النجاد.

(٢) قال ابن جني : هو الأغلب في اللغة ، وأشعار العرب وكلامها مشحون به.

(٣) أبو علي الفارسي : هو العلامة النحوي الشهير الحسن بن أحمد بن عبد الغفار ، من مؤلفاته في النحو كتاب الإيضاح ، توفي أبو علي سنة ٣٧٧ ه‍.

(٤) الأسفرائيني : هو أبو إسحاق ، ويقال : أبو الحسن ، وهو من معتزلة الطبقة التاسعة ، أحد شيوخ العسكر والرؤساء بها.

(٥) أي : أنهم انكروا المجاز في القرآن وغيره ، وحملوا المجازات الواردة على الحقيقة.

(٦) أي : قول الهذلي في قصيدة يرثي بها بنيه العشرة بعد أن شربوا من ماء قذفت فيه حية سمها فماتوا.

(٧) الإسراء : ٢٤.

(٨) الظاهرية : أصحاب داود الأصفهاني الظاهري ، فقالوا : لم يقع المجاز فيهما ، وشبهتهم أن المجاز أخو الكذب ، وهو لا يجوز على الله سبحانه ، وإنما يعدل إليه لضيق المقام ، ولا يضيق على الله سبحانه.

(٩) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٣٧ برقم ٤٦٣٧ ، وص ١٣٨ برقم ٤٦٣٩ ، ٤٦٣٨ ، والمعجم الكبير ١١ / ٦٥.

(١٠) أي : الفارسي ، والأسفراييني ، والإمامية ، والظاهرية ومن تبعهم.

٦٤

ولا بد من علاقة بين المدلول الحقيقي والمجازي ، فإن كانت غير المشابهة بينهما ، فالمرسل (٢) وإلا فالاستعارة (٣).

فإن ذكر المشبه به نحو رأيت أسدا يرمي فالتحقيقية (٤).

وإن ذكر المشبه نحو قولنا : على كرم الله وجهه يفترس الأقران. فالمكني عنها (٥) وهي تستلزم الاستعارة التخييلية (٦) نحو : يفترس الأقران. ولفظ (يفترس) استعارة تبعية (٧).

وقد حصرت العلاقة بالاستقراء في تسعة عشر نوعا ، وبيانها : هي بالمشابهة إما بالشكل (٨) أو بالاشتراك في الجنس ، أو في صفة ظاهرة ، فنقول : (إنسان) لصورة كالإنسان ، وثوب زيد. للمشارك له في جنسه ، وأسد للرجل الشجاع.

أو تسمية الشيء (٩) باسم ما يؤول إليه ، كالخمر للعصير.

أو باسم ما كان عليه كالعبد للعتيق.

أو باسم محله ، نحو : سال الوادي. أو العكس : نحو (فَفِي رَحْمَتِ اللهِ) (١).

__________________

(١) هكذا في الأصل ، ويمكن أن يكون اللفظ (خلاف المعلوم من لغة العرب يعرف هذا بالتتبع) فلينظر اللفظ.

(٢) أي : فالمجاز المرسل نحو : اليد بمعنى النعمة.

(٣) أي : وإن كانت العلاقة المشابهة فهو الاستعارة ، نحو : أسد للرجل الشجاع.

(٤) سميت تحقيقية ؛ لتحقق معناها حسا وعقلا.

(٥) سميت مكنية : لعدم التصريح بها وعدم تحقيق معناها.

(٦) سميت تخييلية ؛ لأنه لا تحقق لمعناها حسا ولا عقلا ، بل هو صورة وهمية ، وإنما استلزمت الاستعارة بالكناية الاستعارة التخييلية ؛ لأن التخييلية قرينة المكني عنها.

(٧) وهو الاستعارة في الأفعال ، وذكر في الشرح أن الاستعارة في الحروف تسمى تبعية ، وإنما سميت تبعية ؛ لأن الاستعارة في الأفعال تابعة للاستعارة في المصادر.

(٨) م ط ، خ (وهي إما المشابهة في الشكل)

(٩) هذا وما بعده ما كانت العلاقة فيه غير المشابهة.

٦٥

أو باسم سببه نحو : صليت الظهر أو العكس نحو : (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) (٢).

أو تسمية الخاص باسم العام نحو : (جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) (٣) أي : أطرافها ونحو : اتفق الناس على صحة خبر الغدير ، أي : العلماء.

أو تسمية الكل باسم البعض ، كالعين للربيئة.

أو تسمية المقيد باسم المطلق نحو قول الشاعر (٤) :

ويا ليت كل اثنين بينهما هوى

من الناس قبل اليوم يلتقيان

أي : قبل يوم القيامة.

أو العكس : كقول شريح (٥) : أصبحت ونصف الناس علي غضبان ، أي :

المحكوم عليهم أو حذف المضاف (٦) نحو (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (٧) أو المضاف إليه ، نحو قوله تعالى : (وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ) (٨).

__________________

(١) آل عمران : ١٠٧.

(٢) أي : هو من تسمية السبب باسم مسببه.

(٣) نوح : ٧.

(٤) ذكر في المتن المطبوع أن البيت لعروة بن حزام العذري ، وذكر محقق شرح الأساس أن البيت لجميل بثينة ، وذكر أنه لم يقف عليه في ديوانه ، قال في الشرح : وقبل هذا البيت :

فيا ليتنا نحيا جميعا وليتنا

إذا نحن متنا ضمنا كفنان

(٥) شريح : هو شريح بن الحارث بن قيس الكندي القاضي ، من كبار التابعين ، استقضاه عمر على الكوفة ، فأقام قاضيا خمسا وسبعين سنة إلا ثلاث سنين مدة ولاية الحجاج ، وكان أعلم الناس بالقضاء ، وقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : « اذهب فإنك من أفضل الناس » توفي شريح رحمه‌الله سنة ٨٧ ه‍ ، وهو ابن مائة سنة.

(٦) ويسمى مجاز النقض.

(٧) يوسف : ٨٢.

(٨) الفرقان : ٣٩.

٦٦

أو تسمية الشيء باسم آلته نحو : (وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (١).

أو باسم بدله (٢) : نحو : أكل الدم. أي : الدية.

أو باسم ضده ، نحو قولك لبخيل : فيك سماحة حاتم.

أو القلب نحو : عرضت الناقة على الحوض.

أو المشاكلة في القول تحقيقا ، نحو قول الشاعر (٣).

قالوا اقترح شيئا نجد لك

قلت اطبخوا لي جبة وقميصا

أو تقديرا نحو قوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ) (٤) أي : تطهير الله [لنا] بالإيمان ، عبر عنه تعالى بكلمة : (صِبْغَةَ) لتشاكل صبغة المقدرة ، المدلول عليها بأول الكلام ، لما كان في النصارى وهو يزعمون أن من انغمس في ماء أصغر ، وصبغ نفسه [به] فقد تطهر.

أو الزيادة في القول ، نحو قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٥) على أحد وجهي معناه (٦)

__________________

(١) الشعراء : ٨٤.

(٢) لفظ ش (باسم المبدل عنه).

(٣) البيت لأبي الرقعمق ، أحمد بن محمد الأنطاكي المتوفى سنة ٣٩٩ ه‍ ، ذكره ثعلب في مجالسه.

(٤) البقرة : ١٣٨.

(٥) الشورى : ١١.

(٦) وهو حيث كان لفظ الكاف زائدا ؛ لأن المعنى ليس مثله سبحانه وتعالى شيء.

والوجه الثاني : ذكره في الكشاف ، وهو أن يكون لفظ الكاف غير زائد ، والمعنى ليس مثل مثله شيء على طريق الكناية ، كما في قولهم : مثلك لا يبخل ، قال صاحب المطول في معنى هذا : ويحتمل أن تكون غير زائدة بل تكون نفيا للمثل بطريق الكناية التي هي أبلغ ؛ لأن الله تعالى موجود ، فإذا نفي مثل مثله لزم نفي مثله ضرورة أنه لو كان له مثل لكان هو ، أعني الله تعالى مثل مثله ، فلم يصح نفي مثل مثله ، كما تقول : ليس لأخي زيد أخ ، أي : ليس لزيد أخ نفيا للملزوم بنفي لازمه.

٦٧

وقد زيد غير ذلك ، وهي داخلة فيما ذكرت إلا إطلاق المعرف على المنكر نحو : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) (١) أي : بابا من أبوابها (٢).

والصحيح أنه من أقسام المعرف باللام حقيقة (٣) ويسميه نجم الدين (٤) بالتعريف اللفظي.

إذا عرفت ذلك امتنع أن يجرى لله من المجاز ما يستلزم علاقته التشبيه.

وأما نحو قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٥) فعلاقته الزيادة في القول ، لا من تسمية العام باسم الخاص (٦).

وأما قوله تعالى : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (٧) وقوله تعالى : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) (٨) وقوله تعالى : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) (٩) وقوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) (١٠) فالعلاقة المشاكلة في القول ، عبر عن قدرته تعالى في

__________________

(١) سورة البقرة : ٥٨. الأعراف : ١٦١.

(٢) وهذا حيث كان للقرية أبواب كثيرة ، أما إذا لم يكن لها إلا باب واحد ، فإن الألف واللام تكون للعهد الخارجي.

(٣) لا مجازا ؛ لأنه تجري عليه أحكام المعارف من وقوعه مبتدأ وخبرا ، وذي حال ، ووصفا للمعرفة ، وموصوفا بها ، وإنما كان هذا من أقسام الحقيقة وإن كان في المعنى كالنكرة لما بينهما من تفاوت ، وهو أن النكرة معناها بعض غير معين من جملة الحقيقة ، وهذا معناه نفس الحقيقة.

(٤) نجم الدين : هو محمد بن الحسن الأسترآبادي ، وهو إمام النحو نجم الدين شارح كتاب الكافية لابن الحاجب ، والشافية توفي سنة ٦٨٦ ه‍.

(٥) القصص : ٨٨.

(٦) قال في الشرح : أي : لا من تسمية الكل باسم الجزء.

(٧) ص : ٧٥.

(٨) المائدة : ٦٤.

(٩) القمر : ١٤.

(١٠) المائدة : ١١٦.

٦٨

الأولى بقوله : (بِيَدَيَ) لتشاكل كلمة اليد المقدرة ، الخاطرة بذهن المخاطب عند سماعه لقوله تعالى : (خَلَقْتُ) لما كان المخاطب لم يشاهد مزاولة صنع إلا باليدين ونظيره (صِبْغَةَ اللهِ) كما مر.

وعبر عزوجل عن نعمته في الثانية بكلمة اليدين لتشاكل كلمة اليد فيما حكاه الله تعالى عن اليهود حيث قالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا) (١) ونظيره : (قلت اطبخوا لي جبة وقميصا) (٢).

وقوله تعالى : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) كالأول ، عبر عن حفظه تعالى للسفينة بقوله : (بِأَعْيُنِنا) مشاكلة لكلمة العين المقدرة الخاطرة بذهن السامع لما كان لا يتم حفظ مثلها لأحد في الشاهد إلا بمتابعة إبصارها بالعين.

وقوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) كالثاني.

وقوله تعالى حاكيا : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (٣) من المجاز أيضا (٤) لأن الجنب هنا عبارة عن الطاعة ، والعلاقة تسمية الحال باسم محله ، والمحل غير الله تعالى ؛ لأن ذلك تعبير عن الطاعة بكلمة الجنب ، الذي هو الجهة الحاصلة تلك الطاعة منها ؛ لأن الجنب يطلق على الجهة ، قال الشاعر (٥) :

__________________

(١) المائدة : ٦٤.

(٢) م خ زيادة (في البيت).

(٣) الزمر : ٥٦.

(٤) ش خ (من المجاز أيضا وكلاهما لا يجوزان).

(٥) الشاعر : هو النابغة الذبياني ، يصف قرن ثور الوحش ، خارجا من جنب صفحة كلب الصيد حين أرسله على الثور فنطحه ، كأنه أي : القرن (خارجا من جنب صفحته) أي : من جنب الكلب ، والصفحة : الجنب ، أي : من جهة صفحة الكلب (سفود شرب نسوه عند مقتاد) السفود بالتشديد وفتح السين : الحديدة التي يشوى بها اللحم ، والشرب : بفتح الشين الجماعة من الناس يجتمعون على الشراب ، وهو جمع شارب ، مثل صاحب وصحب ، والمقتاد : التنور ، والموضع الذي يشوى فيه اللحم.

٦٩

كأنه خارجا من جنب

سفود شرب نسوه عند مقتاد

[أي : من جهة صفحته] وأضيف إلى اسم الله تعالى ؛ لأنه صار عبارة عن طاعته تعالى و (رحمن ، ورحيم) : حقيقتان دينيتان لا لغويتان ؛ لأنهما لو كانا مجازا لافتقرا إلى القرينة ، وهما لا يفتقران ، بل لا يجري لفظ (رحمن) مطلقا ، و (رحيم) غير مضاف إلا له تعالى ، ولو كانتا لغويتين لاستلزما التشبيه (١) وقد مر إبطاله.

و (رحيم) منقول ، و (رحمن) غير منقول ؛ إذ لم يطلق على غيره لغة البتة ، وقولهم رحمن اليمامة ، كقول الصوفية : (الله) للمرأة الحسناء ، تعالى الله [الرحمن] عن ذلك علوا كبيرا

وأما رحمة الله تعالى فمجاز ؛ لأن العلاقة المشابهة بين فعله تعالى ، وفعل ذي الحنو والشفقة من خلقه ، وجميع ذلك لا يكون إلا سماعا اتفاقا (٢).

فصل [فيما يجوز إطلاقه على الله من الأسماء وما لا يجوز]

ولا يجوز لله تعالى من الأسماء (٣) إلا ما تضمن مدحا له جل وعلا إجماعا لقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها) (٤).

الجمهور (٥) ولا يفتقر شيء إلى السمع إلا المجاز.

__________________

(١) المانع الثاني من مكونهما صفتان لغويتان : أنه لا بد للصفة من أصل تشتق هي منه ، وأصله الذي اشتقتا منه هو الرحمة ، وقد ثبت أن الرحمة في حقه تعالى مجاز ، وهي الأصل فيثبت في الفرع مثله ، وقد ثبت أنهما غير مجازيتين.

(٢) بين أكثر العلماء ، فلا يجوز إطلاق شيء من المجاز على الله سبحانه وتعالى إلا بإذن سمعي ، وقد جوز بعضهم إطلاق المجاز على الله إذا قيد بما يرفع الإبهام ، وإن لم يرد به سمع.

(٣) قال النجري : وهذا الخلاف إنما هو في الأسماء ، وأما وصفه بصيغ الأفعال نحو يخلق ويرزق ، وهو خلق وزرق فلا يمنع منه أحد. ش ١ / ٥٤٣.

(٤) الأعراف : ١٨.

(٥) من أهل الكلام.

٧٠

قلت : [وبالله التوفيق] : وما سمى به تعالى نفسه من الحقائق الدينية (١).

المرتضى عليه‌السلام (٢) والبلخي (٣) وجمهور الأشعرية : بل والحقيقة (٤).

قلنا : إذا لامتنع وصفه تعالى بما يحق له ممن عرفه ولم تبلغه الرسل (٥) ولا مانع عقلا القاسم ، وظاهر كلام الهادي عليهما‌السلام : وشيء لا يجري على الله تعالى اسما إلا مع قيد لا كالأشياء ؛ ليفيد المدح.

المهدي عليه‌السلام ، وأبو هاشم : يجوز بلا قيد مطلقا (٦) إذ يفيد كونه تعالى معلوما.

قلنا : العلم يفيد كون مسماه معلوما ، وليس بمدح كإبليس ـ لعنه الله ـ وإن سلم (٧) إذ لم يفد كونه تعالى معلوما إلا مع قيد لا كالأشياء ؛ لأنه لا يعرفه إلا من لم يشبهه.

أبو علي ، وأبو عبد الله البصري (٨) : بل سمعا فقط ؛ إذ هو كاللقب.

__________________

(١) فإنه مفتقر إلى الأذن السمعي ، وكذا من ذهب إلى أنها مجاز.

(٢) المرتضى : هو الإمام محمد بن يحي الهادي بن الحسين بن القاسم الرسي عليهم‌السلام ، الإمام المرتضى المسمى جبريل أهل الأرض ، ولد سنة ٢٧٨ ه‍ وأخذ عن والده مؤلفاته وغيرها ، وكان عالما بالفقه وأصول الدين ، وـ له من المؤلفات في الفقه كتاب الإيضاح والنوازل وغيرهما ، وله في علم الكلام مؤلفات ، وكان زاهدا ورعا ، قام بأمر الإمامة بعد أبيه ، ثم تنحى عنها لأخيه الإمام الناصر ، ومدة انتصابه ستة أشهر ، بعد اعتزاله أغلق على نفسه الباب ، واشتغل بالعلم والعبادة حتى توفي في شهر المحرم سنة ٣١٠ ه‍ رحمه‌الله.

(٣) وأكثر أصحابه البغدادية.

(٤) وهو قول معتزلة بغداد وأكثر المجبرة ، وهؤلاء هم الذين يقولون : إن أسماء الله توقيفية.

(٥) وهذا بناء على أنه يجوز انفراد التكليف العقلي عن السمعي ، وذكر في الشرح أنه بعيد ، ونسبه إلى الإمام قولا وسماعا ، لقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً).

(٦) أي : عقلا وسمعا.

(٧) أي : وإن سلم لكم أن كون الاسم دالا على أن مسماه معلوم يكفي في جواز إطلاقه على الله سبحانه ، فلا نسلم لكم أن لفظ شيء إذا أطلق على الله سبحانه أفاد أن الله سبحانه معلوم.

(٨) أبو عبد الله البصري : هو أبو عبد الله الحسين بن علي البصري من الطبقة العاشرة من طبقات المعتزلة ، حكى عنه القاضي في طبقاته أنه كان شخصية عجيبة ، بخلاف عادة الشيوخ والمدرسين ، إذ كان ينفر عنه

٧١

قلنا : يمتنع لأنه لا يفيد كونه تعالى معلوما من غير قيد ، ولا تضمن مدحا ، وليس بعلم فلم يفد ، والحكيم لا يخاطب إلا بالمفيد.

وقوله تعالى : (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١) عام للأشياء المتشابهة ، وللشيء الذي ليس كالأشياء (٢).

فرع

والجلالة : اسم لله تعالى بإزاء مدح ، وليست بعلم.

النحاة : بل هي علم (٣).

قلنا : العلم يوضع لتمييز ذات عن جنسها ، والله تعالى لا جنس له لما مر (٤).

قالوا : أصل الله : إله. بمعنى مألوه ، أي : معبود ، واللام بدل من الهمزة (٥) فهي من الأعلام الغالبة ، كان عاما في كل معبود (٦) ثم اختص بالمعبود حقا ، كالصعق ، كان عاما لكل من أصابته الصاعقة ، ثم اختص برجل (٧).

__________________

المتفقهة لصعوبة ما يورده من مسائل فيخرجون دون أن يعرفوا ما يقول ، وكان نظيفا يعتني بنفسه ، وإن كان في غالب وقته معوزا لا يجد ما يقتات به ؛ لأنه صرف نفسه للتحصيل. ش ١ / ٣٦٧. وهو من المفضلين للإمام علي عليه‌السلام ، أخذ عنه علم الكلام قاضي القضاة ، والسيد أبو طالب ، وأبو عبد الله الداعي ، وكان زاهدا متقدما على أقرانه ، توفي سنة ٣٦٧ ه

(١) البقرة : ١٧٦. النور : ٣٥. النور : ٦٤. الحجرات : ١٦. التغابن : ١١.

(٢) فهو في المعنى مقيد.

(٣) كسائر الأعلام الغالبة.

(٤) في ش ط (كما مر).

(٥) أي : من همزة إله ، أتي بها لرفع الشياع الواقع بين الإله المعبود حقا ، وبين ما سموه آلهة باطلا بغير حق ، فحذف منه الهمزة ، وأدخل اللام لرفع الشياع ، وأدغمت لام التعريف في اللام التي بعدها ، ولزمت كالعوض من الهمزة المحذوفة ، ومن ثم تقطع الهمزة في النداء. ش ط.

(٦) ش ط (لأنه كان عاما).

(٧) اللفظ في ش ط (ثم اختص بشخص).

٧٢

قلنا : [دعوى أن] ابتداء جعلها للباري تعالى سبحانه اسما وقت الشرك به قريب من دعوى علم الغيب ، بل الأظهر أنها اسم لله تعالى قبل ذلك.

وواحد ، وأحد : اسمان له تعالى بإزاء مدح ؛ إذ هما بمعنى المتفرد بصفات الإلهية ، ولا يجوز أن يكونا له بمعنى أول العدد ، لعدم تضمنه المدح.

فصل [في بيان الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل]

وصفات الذات (١) نحو : قادر.

المرتضى عليه‌السلام : وصفات الفعل : ما يصح إثباتها ونفيها ، نحو خالق لخلقه تعالى ، غير خالق للمعاصي.

واختلف في مسألتين : الأولى : ـ مالك ، ورب.

المهدي عليه‌السلام وغيره : وهما صفة ذاتية ؛ إذ هما بمعنى قادر (٢).

البلخي (٣) بل هما صفة فعل لأن المالك (٤) لا يكون إلا بعد وجود المملوك. والرب : من التربية ولا يكون إلا بعد وجود المربى.

والحق أنهما صفات ذات لا بمعنى قادر ؛ إذ لا يدلان على معنى قادر مطابقة بل التزاما كعالم (١) ، ولا قائل بأن عالما بمعنى قادر.

__________________

وهو : خويلد بن نفيل ، احتملته الريح ، وهبت به فمات ، فغلب عليه اسم الصعق.

(١) صفات الذات : هي الصفات الجارية على الذات لا باعتبار أمر يفعله كالقادرية والعالمية ، وصفات الفعل : هي الصفات الجارية على الذات باعتبار أمر يفعله نحو : الصادقية ، وما يصح إثباتها ونفيها كما ذكر الإمام عليه‌السلام.

(٢) قالوا : وإنما كان مالك بمعنى قادر ؛ لأن المالك في اللغة هو من يملك التصرف التام من غير عجز ولا منع ، وهذا هو معنى القادر

(٣) وهو قول المرتضى عليه‌السلام.

(٤) أي : صفة مالك ، ولفظ م ط (لأن الملك).

٧٣

وليستا بصفتي فعل لثبوتهما لغة لمن لا يفعل ما وضعا له من حيث (٢) يقال : فلان رب هذه الدار وإن لم يصنعها ، أو يزد فيها [أو ينقص]. وفلان مالك ما خلف أبوه وإن لم يحدث فعلا ، فهما [صفتا ذات له تعالى] (٣) باعتبار كون المملوك له فقط ، وهما حقيقتان قبل وجود المملوك [قطعا] لا مجاز ؛ لما سيأتي إنشاء الله تعالى.

والثانية : حليم ، وغفور.

أبو علي (٤) : وهما من صفات الفعل ، أي : فاعل للعصاة ضد الانتقام ، من إسبال النعم والتمهيل ، وقبول توبة التائب.

أبو هاشم : بل صفة نفي ، أي : تارك الانتقام.

قلت : وهو الحق ؛ لأنه معناه لغة.

فرع

والله خالق ما سيكون حقيقة ، وفاقا لبعض أهل العربية ، وأبي هاشم ، فلا يفتقر إلى السمع.

الجمهور (٥) : بل مجاز ؛ لعدم حصول معنى (٦) المشتق منه ، وهو الخلق ولافتقاره

__________________

(١) في هذا التمثيل نظر ؛ لأن عالما لا يدل على قادر مطابقة ولا التزاما ، كما مر للإمام عليه‌السلام أن العالم من أدرك الأشياء إدراك تمييز ، وإن لم يقدر على فعل محكم فتأمل ، والأولى المثيل بقادر فإنه يدل على الحي التزاما ، والله أعلم.

(٢) م ط (ما وضعا لأجله حيث يقال).

(٣) لفظ ش ط ، م خ (فهما صفتان باعتبار كون المملوك له).

(٤) بعد الاتفاق بين أبي علي ، وابنه أبي هاشم أن الله لا يوصف بأنه حليم وغفور فيما لم يزل ، وإنما يوصف بعد خلق العالم ، بل بعد وقوع العصيان ، ولكن اختلفا هل هي راجعة إلى الإثبات أو إلى النفي.

(٥) من علماء الكلام ، وعلماء العربية.

(٦) م ط (لعدم حصول معناه المشتق منه).

٧٤

إلى القرينة (١). قلنا : الاشتقاق لا يفتقر إلى حصول معنى المشتق منه ؛ إذ ليس بمؤثر فيه ، بل للواضع أن يشتق من اسم ما سيحصل له ، مثل تسميته له ولا مانع ، وقد حصل حيث يطلق على المشتق له قبل حصول معنى المشتق منه ، وحاله وبعده على سواء ، ونصب القرينة لا بد منها لكل واحد من الثلاثة ، عرف ذلك بالاستقراء ، وليس ذلك إلا للاشتراك فقط ، ففي دعوى الحقيقة في البعض (٢) دون البعض (٣) تحكم.

وأيضا لا مانع من أن يقال : إنه خالق ما سيكون قبل ورود السمع ، فلو كان مجازا لامتنع.

فصل

ويختص الله تعالى من الأسماء بالجلالة وبرحمن مطلقا ، وبرحيم غير مضاف ، ورب كذلك.

البلخي : يجوز أن يطلق رب على غيره تعالى غير مضاف ؛ إذ هو من التربية ، كما مر له.

قلنا : لا يحمله السامع على غير الله تعالى فامتنع ، وبذي الجلال ، وذي الكبرياء ، وبديع السموات ونحوها.

أئمتنا عليهم‌السلام : وبثابت في الأزل ، لا بقديم ، خلافا لقوم في الطرفين (٤).

__________________

(١) إذ لو أطلق لفظ خالق لم يفهم منه إلا حصول مضمونه وقت التكلم ، أو في الماضي.

(٢) وهو الحال ، أو الحال والماضي.

(٣) وهو المستقبل.

(٤) أما الطرف الأول فقال : من أثبت الذوات في العدم لا يختص الله سبحانه بالثبوت في الأزل ، وفرقوا بين الثبوت والوجود.

وأما الطرف الثاني فقال أبو علي : لا يجوز إطلاق لفظ قديم إلا على الله ؛ إذ معناه : هو الموجود في الأزل ، وكل موجود سوى الله تعالى فهو محدث ، وجعل قوله تعالى : (كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) من قبيل التوسع والتجوز ، وخالفه ابنه أبو هاشم.

٧٥

قلنا : لم تثبت الأشياء غيره تعالى في الأزل [لما مر] (١) وقوله تعالى : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (٢) وثبوت نحو « رسم قديم » بين الأمة بلا تناكر (٣).

كتاب العدل

هو لغة : الإنصاف. واصطلاحا : ما قال الوصي كرم الله وجهه : والعدل (٤) ألا تتهمه

فصل

الحسن : ما لا عقاب عليه ، والقبيح : ضده (٥).

أئمتنا عليهم‌السلام ، وموافقوهم (٦) : ولا يقبح الفعل إلا لوقوعه على وجه من الظلم ونحوه ؛ إذ الأصل في مطلق الأفعال الإباحة.

البغدادية (٧) وبعض الإمامية والفقهاء (١) : بل لعينه ؛ لأن الأصل في مطلقها (٢) الحظر.

__________________

(١) من الدلالة على حدوث العالم ، وأنه لا فرق بين الثبوت والوجود في اللغة ، وهذا في الطرف الأول ، وأما الطرف الثاني فالرد عليه بقوله : (وقوله تعالى).

(٢) يس : ٣٩.

(٣) م ط ، ش ط (بلا نكير).

(٤) معنى قولنا (إن الله عدل) : انه منزه عن صفات النقص في أفعاله ، وهو أنه لا يفعل القبيح ولا يرضاه ، ولا يحبه ولا يريده ، ولا يجبر العبد عليه ، ولا يكلف أحدا فوق طاقته ، ولا يمنع المكلف الاستطاعة ، ولا يجور ، ولا يظلم أحدا ، ولا يكذب ، ولا يخلف الوعد ولا الوعيد ، فمن اعتقد أن الله سبحانه على هذه الصفة فهو من أهل العدل ، ولهذا سميت العدلية بهذا الاسم ، ومعنى (عدل في المخلوق) أنه لا يفعل القبيح ، ولا يخل بالواجب ، وأفعاله كلها حسنة.

(٥) في م خ (والقبيح عكسه).

(٦) من الزيدية والبصرية من المعتزلة.

(٧) وهو أبو القاسم البلخي ومن وافقه.

٧٦

قلنا : لا تذم العقلاء من تناول شربة من الماء (٣) ولا تصوب من عاقبه قبل معرفة إباحة الشرع.

الأشعرية ، وبعض الشافعية (٤) : بل للنهي إذ لا يعلم حسن الفعل ولا قبحه.

لنا : ذم العقلاء الظالم والكذاب ، وتصويبهم من عاقبهما ، وعدم ذينك في من تناول شربة من ماء غير محاز.

الإخشيدية (٥) : بل للإرادة.

قلنا : العقل يقضي باستقباح الإضرار ، ولو صدر من غير مريد ضرورة.

بعض المجبرة : بل لأن الفاعل مربوب.

قلت : يلزم أن يفعل الله نحو الكذب ؛ لأنه تعالى غير مربوب ، فلا وثوق بخبره ، وذلك كفر شرعا لرده ما علم من الدين ضرورة.

أئمتنا عليهم‌السلام ، وموافقوهم (٦) : ويحسن الفعل إذا عري من وجه القبح.

بعض البغدادية ، وموافقوهم (٧) والمجبرة : بل لإباحة الشرع في حق العبد.

الأشعرية : ويحسن لانتفاء النهي في حق الله تعالى.

بعض المجبرة : بل لكونه تعالى ربا في حقه تعالى (٨).

__________________

(١) أهل المذاهب الأربعة ، وهذه رواية صاحب الفصول.

(٢) أي : مطلق الأفعال ، وهي الأفعال التي لم يحكم العقل فيها بجهة حسن ولا قبح.

(٣) أي : ماء غير محاز.

(٤) والكرامية ، والكلابية من المجبرة.

(٥) الإخشيدية : هم أتباع أبي بكر بن أحمد الإخشيد ، وهو من الطبقة التاسعة من طبقات المعتزلة ، وكان من زهاد المعتزلة ، توفي سنة ٣٢٦ ه‍ بالبصرة. ش ٢ / ١٧.

(٦) كأبي عبد الله البصري ، وغيره.

(٧) اللفظ في ش ٢ / ١٩ : (بعض البغدادية وموافقوهم) من سائر الفرق.

(٨) وأما في حق العبد فلإباحة الشرع.

٧٧

المجبرة جميعا : ويفعل الله تعالى عن ذلك نحو الكذب (١) لعدم النهي عند الأشعرية ، وقيل : لكونه ربا عند غيرهم (٢).

قلنا : لا يفعل [الله] ذلك ؛ لكونه (٣) صفة نقص ، تعالى الله عنها ، ويلزم أن لا يوثق بخبره تعالى ، وذلك تكذيب لله تعالى حيث يقول : (لا رَيْبَ فِيهِ) وقوله تعالى : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (٤).

(فصل) [في حكم أفعال العباد]

العترة عليهم‌السلام ، وصفوة الشيعة ، والمعتزلة ، والقطعية (٥) : وللعبد فعل يحدثه على حسب إرادته.

المجبرة جميعا (٦) : لا فعل له.

الصوفية ، والجهمية (١) : يخلقه الله فيه.

__________________

(١) ولا يقبح منه.

(٢) أي : غير الأشعرية ، وهم القائلون بأن الفعل يقبح من العبد لكونه مربوبا.

(٣) م ط (إذ هو صفة نقص).

(٤) فصلت : ٤٢.

(٥) القطعية : فرقة من الإمامية ، وهم الذين يقطعون بموت موسى بن جعفر ، ويقولون : إن الأئمة اثنا عشر إماما ، وأنهم بعد الحسين من ولده.

(٦) قال في الشرح ٢ / ٢٨ : قيل : وكان ابتداء هذا القول من معاوية بن أبي سفيان لعنه الله ، حيث قال : « إنما أنا فعل من أفعال الله » وفي رواية خازن من خزان الله ، أعطي ما أعطى الله ، وأمنع ما منع الله ، فقال أبو الدرداء : كذبت يا معاوية ، بل تعطي من حرمه الله ، وتمنع من أعطاه الله ، وقيل : إن القائل ذلك أبو ذر ، وصدقه أبو الدرداء ، وقال معاوية : ما أظهرني الله عليكم إلا وهو يريد ذلك. وقال لأهل الشام : الله أمرني عليكم. وقال : لو كره الله ما نحن فيه لغيره ، وقال لما قتل عمار : إنما قتله من جاء به ، فقال له عبد الله بن عمرو بن العاص : فإذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي قتل حمزة ، ثم ظهر الجبر في سلطان بني أمية ، ولهذا قال المنصور بالله عليه‌السلام في الشافي : « الجبر أموي إلا الشاذ النادر ، كالناقص والأشج ، والعدل هاشمي إلا الشاذ النادر كالمتوكل ».

٧٨

النجارية (٢) ، والكلابية (٣) والأشعرية (٤) والضرارية (٥) وحفص الفرد : بل الله يخلقه كذلك (٦) وللعبد منه كسب.

قلنا : حصوله منا بحسب دواعينا وإرادتنا ـ معلوم ضرورة ، عكس نحو الطول والقصر ، وقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (٧) ونحوها ، ويلزم أن تجعلوا الله تبارك وتعالى علوا كبيرا ـ كافرا لفعله الكفر ، كاذبا لفعله الكذب ، ونحو ذلك ، والكافر والكاذب أبرياء من ذلك ـ لعنوا بما قالوا ـ ويلزم من إفكهم ذلك بطلان الأوامر والنواهي ، وإرسال الرسل ؛ لأنه لا فعل للمأمور ، والكل كفر.

قالوا : قال تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٨).

قلنا : معناه خلقكم والحجارة التي تعملونها أصناما لكم ، بدليل أول الكلام ، وهو قوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) (٩).

__________________

(١) الجهمية : أصحاب جهم بن صفوان قالوا : أن لا فعل للعبد ، ولكن الفعل خلقه الله فيه ، فالعبد عندهم كالشجرة التي تتحرك بتحريك الله تعالى وإرادته ، ولا فعل للعبد البتة ، ونسبته إليه كنسبة الطول والقصر ، والسواد والبياض.

قال الذهبي : جهم بن صفوان ، أبو محرز السمرقندي ، الضال المبتدع ، رأس الجهمية والجبرية هالك ، في زمان صفات التابعين ، وما سمعته يروي شيئا ، ولكنه زرع شرا عظيما ، وقال في التذكرة : وإن جهما دعا الناس إلى تعطيل الرب ، وخلق القرآن بخراسان ، وظهر في مقابلته مقاتل بن سليمان المفسر ، وبالغ في إثبات الصفات حتى جسم.

(٢) النجارية : بناحية الري منسوبون الحسين بن محمد النجار.

(٣) الكلابية : منسوبون إلى عبد الله بن سعيد بن كلاب.

(٤) الأشعرية : منسوبون إلى عمرو بن أبي بشر الأشعري ، وقيل : علي بن أبي بشر.

(٥) الضرارية : أصحاب ضرار بن عمرو.

(٦) أي : في العبد ، فهو فعله تعالى.

(٧) فصلت : ٤٠ ، في استدلال الإمام عليه‌السلام بهذه الآية اختيار لمعنى التهديد في الآية لمن قال بهذه المقالة.

(٨) الصافات : ٩٦.

(٩) الصافات : ٩٥.

٧٩

الجاحظ (١) : لا فعل للعبد إلا الإرادة ، وما عداها متولد بطبع المحل.

النظام (٢) : ما خرج عن محل القدرة ففعل الله تعالى جعله طبعا للمحل.

ثمامة : ما ذكره النظام حدث لا محدث له.

قلنا : لو كان كذلك ما جاز القصاص رأسا ، ولا العقاب إلا على مجرد الفعل ، الذي هو الإرادة ، أو المبتدأ فقط (٣) ، وإن سلم لزم استواء عقاب من قتل زيدا ، وعقاب من أراد قتل عمرو ، وحينئذ يجب الاقتصاص منهما ، وكذلك من قتل بالمتولد ، ومن فعل فعلا غير متولد ولم يقتل به ، وذلك باطل.

ابن الولهان : فعل المعصية ليس من العبد بل من الشيطان يدخل في العبد فيغلبه على جوارحه ، ويتصرف فيها (٤).

__________________

(١) الجاحظ : هو عمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالولاء ، الليثي ، أبو عثمان ، الشهير بالجاحظ ، من أئمة الأدب العربي ، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة ، من أهل البصرة مولدا ووفاة ، تعلم بها وببغداد ، فنبه في علوم الأدب واللغة ، وأحاط بمعارف عصره ، فلم يترك موضوعا إلا وكتب فيه ، تقرب من الخلفاء والوزراء إلى أن ولي المتوكل العباسي ، وتنكر للمعتزلة فتوارى الجاحظ ، وعاد إلى البصرة ، ولازم منزله الذي أصبح مثوى الأدب ، ومحط رحاله ، وفلج في آخر عمره ، ومات والكتاب على صدره ، قتلته مجلدات وقعت عليه ، كتبه كثيرة وشهيرة ، وموجودة بأرقى الطبعات.

(٢) النظام : هو إبراهيم بن سيار النظام ، البصري ، المعتزلي ، أبو إسحاق ، يقال : هو مولى ، قال الإمام المهدي عليه‌السلام في شرح الملل والنحل قيل : إنه كان لا يكتب ولا يقرأ ، وقد حفظ التوراة والإنجيل ، والزبور مع تفسيرها ، قال الجاحظ : ما رأيت أحدا أعلم بالفقه والكلام من النظام ، وهو من الطبقة السادسة من المعتزلة. انتهى

وسمي نظاما ؛ لأنه كان ينظم الكلام ، وقيل : كان ينظم الخرز ، توفي سنة بضع وعشرين ومائتين.

وهو يقول : إن ما وقع في محل القدرة فهو فعل العبد ، وما خرج عن محل القدرة ففعل الله تعالى.

(٣) عند النظام ، وصالح قبة ، وثمامة

(٤) ي ، ش (ويتصرف فيها).

٨٠