الأساس لعقائد الأكياس

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي

الأساس لعقائد الأكياس

المؤلف:

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي


المحقق: محمّد قاسم عبد الله الهاشمي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٠٦

قلنا : لا واسطة إلا العدم ، وقد مر بطلان كونها معدومة.

الرافضة (١) والجهمية (٢) : بل هي غير الله ، وهي محدثة بعلم محدث.

قلنا : يلزم (٣) الدور (٤) ، وإن سلم عدم لزومه لزم أن يكون الله تعالى محدثا ؛ لحدوث صفته الوجودية ، ونحو ذلك (٥) ، وقد مر بطلان كونه تعالى محدثا ، ونحو ذلك الأشعرية : بل معان [قديمة] قائمة بذاته ، ليست إياه ولا غيره (٦).

قلنا : لا واسطة إلا العدم ، وقد مر وجه بطلان كونها معدومة.

الكرامية (٧) : بل معان قديمة (٨).

قلنا : يلزم آلهة ، ولا إله إلا الله ، لما يأتي إنشاء الله تعالى.

__________________

(١) كهشام بن الحكم ومن وافقه ، قال محقق الأساس : هشام بن الحكم الرافضي من الشيعة المجسمة ، أدرك زمن المأمون الخليفة العباسي المعروف (٢١٨ ه‍) وله أتباع يعرفون بالهشامية ، وانظر ابن النديم الفهرست ١٧٥.

(٢) الجهمية : نسبوا إلى الجهم بن صفوان من المجبرة ، ويقال لهم : مرجئة أهل خراسان ، قال وروي أن جهما كان يكفر أهل التشبيه ، ويظهر القول بخلق القرآن ، ويقول بالجبر. ش ط ١ / ١٣٤.

الجهم : هو أبو محرز الجهم بن صفوان السمرقندي ، قال الذهبي : زرع شرا عظيما ، ومما ينسب إلى الجهم قوله : بنفي الصفات ، بالإضافة إلى قوله بالجبر ، كان يقضي في عسكر الحارث بن سريج الخارج على أمراء خراسان ، فقبض عليه نصر بن سيار وقتله في سنة ١٢٨ ه‍ في آخر عهد بني أمية.

(٣) في الشرح المعتمد أصلا (فيلزم من قولكم هذا) على أنه متن ، والأرجح على أنه شرح ، فلم نثبته.

(٤) فيتوقف حدوثها على حدوث العالم ، وحدوث العالم على صفته تعالى العالمية ، لأنه لا يحدث العلم الذي زعموا إلا عالم ، وإلا لما حدث هذا العلم ، ولزم توقف الشيء على نفسه ، وسبقه في الوجود لنفسه ، وكلاهما محال.

(٥) أي : ويلزم أن يكون عاجزا وجاهلا وغير حي قبل حدوث العلم.

(٦) م ط ، م خ (لا هي الله ولا غيره).

(٧) الكرامية : هم أتباع محمد بن كرام السجزي النيسابوري ، إمام الكرامية ، ولد بسجستان ، وجاور بمكة سنين ، ثم انتقل إلى نيسابور ، ومات بالقدس سنة ٢٥٥ ه‍ ، وقد بقوا في خراسان حتى أوائل القرن السابع الهجري ، وكانوا يقولون : بأن الله تعالى مستقر على العرش ، وأنه جوهر إلى غير ذلك من آرائهم الشاذة.

(٨) أغيار لله ، أعراض حالة في ذاته.

٤١

قالوا : لو كانت هي ذات الله لما وجب تكرير النظر بعد معرفتها ، كما سبق ذكره.

قلنا : ذات الله هي الله ، ولم يعرف الله من لم يكرر النظر ، فتكرير النظر لم يكن بعد معرفة ذات الله حينئذ.

(فصل) والله سميع بصير.

جمهور أئمتنا عليهم‌السلام ، والبغدادية : وهما بمعنى عالم (١).

بعض أئمتنا عليهم‌السلام (٢) وبعض شيعتهم ، والبصرية : بل بمعنى حي لا آفة به.

قلنا : السميع حقيقة لغوية مستعملة لمن يصح أن يدرك المسموع بمعنى محله الصماخ (٣).

والبصير : حقيقة كذلك لمن يصح أن يدرك المبصر بمعنى محله الحدق (٤) والله سبحانه ليس كذلك ، فلم يبق إلا أنهما بمعنى عالم (٥) ، وقد قال تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (٦) والسر : إضمار في القلب غير صوت ، قال الله تعالى : (فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) (٧) قالوا (٨) : بل هما حقيقة كذلك لمن يصح أن يدرك المسموع والمبصرة بالحياة (١).

__________________

(١) وكذلك سامع ، مبصر ، ومدرك.

(٢) كالإمام المهدي أحمد بن يحي المرتضى عليه‌السلام.

(٣) الصماخ : ثقب الأذنين.

(٤) الحدق : العيون الجارحة ، قال في الصحاح : حدقة العين : سوادها الأعظم ، والجمع : حدق ، وحداق.

(٥) قال السيد حميدان عليه‌السلام : مذهب العترة عليهم‌السلام أن الله سبحانه مدرك لجميع المدركات ، درك علم لا كيفية له ، ولا يجوز توهمه ، ولا التفكر فيه. ش ١ / ٣٩٣.

(٦) الزخرف : ٨٠.

(٧) يوسف : ٧٧.

(٨) أي : من خالفنا من المعتزلة.

٤٢

قلنا : الأعمى والأصم حيان ، ولا يدركان المسموع والمبصر.

قالوا : إنما لم يدركا لمانع وهو الآفة.

قلنا : تلك الآفة هي سلب ذلك المعنى وإلا لزم أن لا يدرك المأيوف بغير سلبه كالأرمد ، وإن سلم لزم أن يرى الأعمى ، ويسمع الأصم بأي عضو من جسديهما لوجود الحياة في ذلك العضو ، وسلامته من الآفة.

قالوا : يلزم (٢) شيئان الأول : أن يوجد المعنى ويعدم المدرك ، ويدرك في حال عدمه لوجود المعنى.

والثاني : أن يعدم المعنى ويوجد المدرك ، ولا يدرك لعدم المعنى.

قلنا : لم جعلتم الأول لازما لنا؟ فيلزمكم أن يعدم المدرك ويدرك في حال عدمه لوجود الحياة ، والسلامة من الآفة [إذ لا فرق] ولا نلتزمه لعدم تعلقه بالمدرك في حال عدمه.

و [أما] الثاني فملتزم لا يقدح ، نحو وجود المدرك عند الأعمى والأصم [وعدم إدراكهما] لعدم المعنى ، وأنتم إذ جعلتموه قادحا فيلزمكم أن يدرك لوجوده في حال عدم الحياة [إذ لا فرق] فالجماد عندكم سميع بصير.

قالوا (٣) : [قد] وجدنا الفرق بين العلم والإدراك بالسمع والبصر ، كلو فتح أحدنا عينه وأمامه شيء مرئي ثم غمض (٤) ، وأجلى الأمور ما وجدنا (٥) من النفس (١).

__________________

(١) شاهدا وغائبا ، وذهب إليه الإمام يحي في الشامل ، وزاد أصحاب أبي هاشم ـ بشرط عدم الآفة.

(٢) أي : من القول بأن الإدراك في اللغة بمعنى في العين ، أو في الصماخين ، أو في غيرهما.

(٣) قالوا : لو كان الإدراك في حق الله سبحانه بمعنى العلم لما وجدنا الفرق بين إدراك الشيء والعلم به ، وقد وجدنا الفرق.

(٤) في ش ١ / ٣٩٦ (فلو فتح أحدنا عينه فإنه يراه ، ثم إذا غمض عينه لم يره) مع أنه يعلمه ، فعلمه به حين يغمض عينيه مغاير لإدراكه حين فتح الحدقة ، فثبت الفرق بين العلم والإدراك.

(٥) م ط (ما وجد من النفس).

٤٣

قلنا : إنا لا ننفي إدراكه تعالى للمدركات ، لكن [يدركها] بذاته (٢) كما يأتي إنشاء الله تعالى

وأما قياسكم له تعالى ففاسد ؛ لأنه ليس لله من جارحة عينين يفتحهما ، ثم يغمضهما تعالى الله عن ذلك ، فالفرق بينكم وبينه جلي ؛ إذ لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٣) (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ).

(فرع) والله سامع مبصر

جمهور أئمتنا عليهم‌السلام ، والبغدادية : وهما بمعنى عالم كما مر.

بعض أئمتنا عليهم‌السلام (٤) ، وبعض شيعتهم (٥) ، والبصرية : بل هما صفتان له حين يدرك المسموع والمبصر بالحياة كما مر (٦). لنا : ما مر (٧).

فإن قيل : فبم يدرك المدركات؟.

قلت ـ وبالله التوفيق ـ : يدركها على حقيقتها بذاته تعالى ، لبطلان الأمور [والمعاني] (٨) كما مر ، وهذا معنى قول الأئمة عليهم‌السلام : يدركها بعلمه ؛ لأن علمه ذاته كما تقرر.

__________________

(١) أي : ما وجد من العقل ، وقد وجدنا الفرق بين العلم والإدراك من نفوسنا.

(٢) م خ (لكن يدركها بذاته).

(٣) الشورى : ١١.

(٤) هو الإمام المهدي أحمد بن يحي المرتضى عليه‌السلام.

(٥) كالقرشي والنجري.

(٦) م خ (كما مر لهم).

(٧) م خ (كما مر عليهم).

(٨) ما بين القوسين غير موجود في ش خ متنا ، وهو موجود شرحا ..

٤٤

(فصل) والله تعالى غني

خلافا لبعض أهل الملل الكفرية (١).

قلنا : لم يجبر الله تعالى من عصاه ، ولم يوجد كل الأشياء دفعة مع القدرة على إجبار من عصاه ، وعلى إيجاد كل شيء (٢) دفعة ، وعدم المانع. فدل ذلك على غناه ، وأيضا لا يحتاج إلا ذو شهوة أو نفار ، وهما عرضان لا يكونان إلا في جسم والله تعالى ليس بجسم لما يأتي إنشاء الله تعالى.

فصل [في تنزيهه تعالى عن الشبيه]

العترة عليهم‌السلام ، وصفوة الشيعة ، والمعتزلة ، وغيرهم : والله تعالى لا يشبه شيئا من خلقه هشام بن الحكم ، والجواليقي (٣) ، والحنابلة ، والحشوية (٤) : بل الله تعالى جسم.

__________________

(١) كفنحاص اليهودي ، ومن وافقه من الكفار ، فإنه لما نزل قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قال : ما طلب القرض إلا محتاج.

(٢) م ط ، م خ (كل الأشياء).

(٣) الجواليقي : هو هشام بن سالم الجواليقي ، ينتمي إلى مدرسة داود الأصبهاني التجسيمية. ش ١ / ٤٠٤.

(٤) الحشوية : قال الشرفي في شرح الأساس الكبير ١ / ١٤٣ ـ ١٤٤ : وأما الحشوية فلا مذهب لهم منفردا ، وأجمعوا على الجبر والتشبيه ، وجسموا ، وقالوا بالأعضاء ، وقدم ما بين الدفتين من القرآن ، ويسمون أنفسهم بأنهم أصحاب الحديث ، وأنهم أهل السنة ، وهم بمعزل من ذلك ، وينكرون الخوض والجدل ، ويقولون على التقليد في ظاهر الروايات ، قاله الحاكم ، قال : ومن رجالهم الكرابيسي ، وأحمد بن حنبل ، وداود الأصفهاني.

قال الجنداري : الحشوية فرقة من الظاهرية ، قيل : بفتح الشين ، نسبة إلى حشا الحلقة ؛ لأنهم كانوا يحضرون حلقة الحسن ، فوجد كلامهم رديئا ، فقال : ردوا هؤلاء إلى حشا الحلقة ، وقيل : بسكون الشين ، نسبة إلى الحش ، وهو أنهم يقبلون ما روي من غير بحث.

الكرابيسي : هو أبو علي الحسين بن علي بن يزيد الكرابيسي ، توفي سنة ٢٦٠ ه‍.

أحمد بن حنبل : هو أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني ، الذهلي ، المروزي ، ثم البغدادي ، أبو عبد الله الحافظ إمام أهل الأثر ، ولد سنة ١٦٤ ه‍ ، روى عنه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، وأمم ، قال الإمام المهدي عليه‌السلام في الغايات : وقد روى الشهرستاني عن أحمد أنه لا يقول بالتجسيم خلاف ما قاله عنه

٤٥

قلنا : لو كان تعالى جسما لكان محدثا كسائر الأجسام ؛ لحصول دليل الحدوث فيه مثلها ، وقد مر الدليل على أنه تعالى ليس بمحدث ، وقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)

فرع [والله ليس بذي مكان]

العترة عليهم‌السلام ، وصفوة الشيعة ، والمعتزلة ، وغيرهم : وليس بذي مكان.

المجسمة : بل هو على سرير.

الكلابية (١) : بل [عليه] بلا استقرار (٢). وبعض الكرامية : بجهة فوق.

الصوفية (٣) : بل يحل في الكواعب الحسان ، ومن أشبههن من المردان.

قلنا : الحالّ لا يكون ضرورة إلا جسما أو عرضا ، والله تعالى ليس بجسم ولا عرض ؛ إذ هما محدثان كما مر ، والله تعالى ليس بمحدث

__________________

الحاكم ، وهذا الرواية أصح من رواية الحاكم ، وأقرب إلى الحمل على السلامة ، ونقل صاحب العواصم عن أحمد بن حنبل أنه يكفر من يقول بالتجسيم ، توفي سنة ٢٤١ ه‍ وله سبع وسبعون سنة ، وهو إمام الحنابلة.

داود الأصفهاني : هو داود بن علي بن خلف الأصفهاني الظاهري ، زعيم الظاهرية الذين يرون العمل بظاهر النصوص دون التأويل ، توفي سنة ٢٧٠ ه‍.

(١) الكلابية : هم فرقة من نابتة الحشوية ، أتباع محمد بن عبد الله بن كلاب القطان ، وهو من نابتة الحشوية ، ورئيس الفرقة الكلابية مات بعد سنة ٢٤٠ ه‍ ، وهو أول من عرف عنه القول بقدم كلام الله ، قال محقق شرح الأصول الخمسة : أحد الأئمة المتكلمين ، وإمام أهل السنة في عصره ، جاراه الأشعري في أكثر آرائه ، عده الشهرستاني من الصفاتية ، وقال : إنه من جملة الذين باشروا علم الكلام ، وأيدوا عقائد السلف بحجج كلامية ، ويعده الأستاذ الدكتور مصطفى حلمي ممهدا لمذهب أبي الحسن الأشعري.

(٢) ما بين القوسين غير موجود في ش خ متنا ، وهو موجود شرحا (بل هو عليه) بلا استقرار. والمثبت هنا لفظ المتن المطبوع.

(٣) الصوفية : المراد هنا الحلولية ، الذين يقولون : إنه تعالى يحل في الصورة الحسنة ، عشقا منه لها ، فاتحد تعالى عن ذلك بها وحدة نوعية ، وقد انتحلوا مذاهب بعض النصارى الذين يقولون : إن الله حال في عيسى عليه‌السلام.

٤٦

الصوفية (٢) : بل يحل في الكواعب الحسان ، ومن أشبههن من المردان.

قلنا : الحالّ لا يكون ضرورة إلا جسما أو عرضا ، والله تعالى ليس بجسم ولا عرض ؛ إذ هما محدثان كما مر ، والله تعالى ليس بمحدث كما مر ، ولقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).

[الكلام في العرش والكرسي]

جمهور أئمتنا عليهم‌السلام ، ونشوان (٣) : العرش ـ عبارة عن عز الله [تعالى] وملكه وذلك ثابت لغة ، قال ربيعة بن عبيد :

إن يقتلوك فقد ثللت عروشهم

بعتيبة بن الحارث بن شهاب

وقال زهير :

تداركتما عبسا وقد ثل عرشها

وذبيان قد زلت بأقدامها النعل

وقال رجل من بني كلب :

رأوا عرشي تثلم جانباه

فلما أن تثلم أفردوني

ومعنى قوله : (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) (٤) مجاز ، غير الله سبحانه عن تعظيم الملائكة صلوات الله عليهم له أبلغ تعظيم بقوله تعالى : (حَافِّينَ) حيث

__________________

(١) ما بين القوسين غير موجود في ش خ متنا ، وهو موجود شرحا (بل هو عليه) بلا استقرار. والمثبت هنا لفظ المتن المطبوع.

(٢) الصوفية : المراد هنا الحلولية ، الذين يقولون : إنه تعالى يحل في الصورة الحسنة ، عشقا منه لها ، فاتحد تعالى عن ذلك بها وحدة نوعية ، وقد انتحلوا مذاهب بعض النصارى الذين يقولون : إن الله حال في عيسى عليه‌السلام.

(٣) نشوان : هو نشوان بن سعيد الحميري ، أحد العلماء الكبار ، وهو من أهل العدل والتوحيد ، شاعر ولغوي نحوي مؤرخ ، من مؤلفاته كتاب (شمس العلوم) طبع طبعة أخيرة في ١٢ مجلدا ، توفي سنة ٥٧٢ ه‍.

(٤) الزمر : ٧٥.

٤٧

وقيل : بل عن ملك الله سبحانه ، وقيل : بل قدرته. وقيل : بل تدبيره.

الحشوية : بل العرش سرير ، والكرسي دونه.

قلنا : لا يحتاج إلى ذلك إلا المخلوق لما مر.

المهدي عليه‌السلام وغيره : يجوز أن يكونا قبلتين للملائكة عليهم‌السلام.

قلنا : لا دليل ، ولا وثوق برواية الحشوية.

فرع [في نفي الحلول]

أكثر العقلاء : والله ليس بعض خلقه.

بعض النصارى : بل اتحد بالمسيح فصار إياه.

الصوفية : بل اتحد بالبغايا والمردان فصار إياهم ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

قلنا : ذلك محدث ، والله تعالى ليس بمحدث [لما مر] فصيرورته محدثا محال ، وقال تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (١) الآية.

فرع

والله لا تحله الأعراض ، خلافا لمن قال : حدث اهرمن من فكرة يزدان الردية (٢) ، ولمن قال : يجوز عليه البداء ؛ إذ هو فرع الغفلة.

قلنا : الفكرة والغفلة لا تحل إلا في الأجسام ، وقد ثبت بما بمر أنه تعالى ليس بجسم

[معنى اللوح]

جمهور أئمتنا عليهم‌السلام : واللوح المذكور في القرآن عبارة عن علمه تعالى.

الحشوية : بل هو على حقيقته ، وهو أول مخلوق.

__________________

(١) الجاثية : ٢٣.

(٢) وهم المجوس.

٤٨

قلنا : لا يحتاج إلى الرصد إلا ذو غفلة ، وقد بطل بما ذكرناه آنفا أن يكون الله تعالى كذلك.

وقولكم : إنه أول مخلوق معارض برواية عن بعض أكابر أهل البيت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن أول ما خلق الله فتق الأجواء » واشتهر ذلك عن الوصي صلوات الله عليه ، وهو توقيف ، فإن سلمنا التعادل فالعقل يقضي بعدم صحة حال لا في محل.

المهدي عليه‌السلام : يجوز أن يكون لتعليم الملائكة عليهم‌السلام.

قلنا : لا دليل ، ولا وثوق برواية الحشوية ، وإن سلم فمعارض برواية الهادي (١) عليه‌السلام ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إن الله سبحانه يلقي ما يريد من وحيه إلى الملك الأعلى ثم يلقيه الملك إلى الذي تحته » أو كما قال ، فإن سلم التعادل في العدالة فقولهم : هو أول مخلوق يستلزم الغفلة ؛ إذ لا يحتاج إلى الرصد حتى يحضر الملائكة إلا ذو غفلة ، وذلك يبطله ؛ لأن الله ليس كذلك لما مر.

فرع [في الرؤية]

العترة عليهم‌السلام جميعا ، وصفوة الشيعة ، والمعتزلة وغيرهم (٢) : والله سبحانه لا تدركه الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة ؛ لأن كل محسوس جسم أو عرض فقط ، وكل جسم أو عرض محدث لما مر.

__________________

(١) الهادي : هو الإمام الهادي إلى الحق يحي بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، جوهرة عقد آل محمد ، انتشر فضله في الآفاق ، وله المنة العظمى على أهل اليمن ، ولد عليه‌السلام سنة ٢٤٥ ه‍ خرج إلى اليمن مرتين ، وكان في جهاد طيلة حياته ، له المؤلفات العظيمة التي عم نفعها ، وهو مؤسس المذهب الزيدي الهادوي في اليمن ، وجعلت كتبه وأقواله أصولا يشرحها العلماء ، ويخرجون عليها الأحكام ، توفي عليه‌السلام لعشر بقين من ذي الحجة سنة ٢٩٨ ، ترجمنا له ترجمة كاملة في أوائل كتاب الأحكام الذي قمنا بطبعه ، وله ترجمة في تفسير المصابيح الساطعة الأنوار ، وفي سيرته كتب مشهورة.

(٢) كالإمامية ، والخوارج ، والمرجئة ، وغيرهم.

٤٩

الأشعرية : بل يرى في الآخرة بلا كيف. قلنا : لا يعقل.

الرازي : معناه (١) معرفة ضرورية ، وعلم نفسي بحيث لا يشك فيه.

قلت ـ وبالله التوفيق ـ : فالخلاف حينئذ لفظي.

ضرار (٢) : يرى بحاسة سادسة.

قلنا : لا يعقل ، فإن عنى به ما ذكره الرازي فالخلاف لفظي أيضا.

المجسمة (٣) : كالمرئيات بناء على مذهبهم ، وقد مر إبطاله.

قالوا : قال الله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٤) وفي الحديث : « سترون ربكم يوم القيامة كالقمر ليلة البدر ».

قلنا : معنى قوله تعالى : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) أي : منتظرة رحمته ، كقوله تعالى : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٥) أي : منتظرة ، وقوله تعالى : (انْظُرُونا) نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ (٦) أي : انتظرونا ، وقوله تعالى : (وَقُولُوا انْظُرْنا) (٧) أي : انتظرنا ، وقال الشاعر (٨).

__________________

(١) قوله : (معناه). أي : معنى قولهم : إنه يرى في الآخرة بلا كيف.

(٢) ضرار : هو القاضي المعتزلي ضرار بن عمرو الغطفاني ، هكذا قال الذهبي في ترجمته ، إلا أن المعتزلة ترفضه عضوا في طبقاتها ، ولذلك لم تورده ، ولضرار أقوال بعضها يوافق المعتزلة ، وبعضها يوافق أهل السنة ، من ذلك قوله في نسبه الفعل إلى العباد ، وقوله : بأن الاستطاعة قبل الفعل. ش ١ / ٤٣٥ مات في أواخر المائة الثانية.

(٣) والحشوية والمشبهة.

(٤) القيامة : ٢٢ ـ ٢٣.

(٥) النمل : ٣٥.

(٦) الحديد : ١٣.

(٧) البقرة : ١٠٤.

(٨) الشاعر : هو حسان بن ثابت الأنصاري ، أحد الصحابة الذين كانوا يذبون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإسلام بشعره ، وهو القائل يوم غدير خم :

٥٠

وجوه يوم بدر ناظرات

إلى الرحمن يأتي بالخلاص

والخبر مقدوح فيه ، وإن صح فمعناه : ستعلمون ربكم ، كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ) (١) وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ) (٢) أي : ألم تعلم ، وقول الشاعر (٣) :

رأيت الله إذ سمى نزارا

وأسكنهم ببكة قاطنينا

أي : علمت.

ولنا قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (٤) وقوله تعالى : (لَنْ تَرانِي) (٥) ولم يفصل.

(فرع)

والله تعالى لم يلد ولم يولد.

بعض اليهود : بل ولد عزير.

بعض النصارى : بل ولد عيسى.

بعض اليهود ، وبعض النصارى معا : [بل] هم أبناء الله.

قلنا : الولد يستلزم الحلول ثم الانفصال ، ولا يحل إلا في جسم ، ولا ينفصل إلا عنه ، والله تعالى ليس بجسم ؛ لما مر.

__________________

يناديهم يوم الغدير نبيهم

بخم فأسمع بالرسول مناديا.

ثم تغير عن الإمام علي عليه‌السلام.

(١) الفرقان : ٤٥.

(٢) البقرة : ٢٤٦.

(٣) الشاعر : هو الكميت بن زيد الأسدي ، من قصيدة يهجو فيه اليمانية ، ويفتخر بنزار العدنانية.

(٤) الأنعام : ١٠٣.

(٥) الأعراف : ١٤٣.

٥١

وقال تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وقال تعالى حاكيا ومقررا : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (١) وقال تعالى سبحانه : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) (٢) ، وقال تعالى : (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) (٣) وقد صح بما يأتي إنشاء الله تعالى.

فصل [في استحالة الفناء على الله سبحانه]

والله سبحانه لا يجوز عليه الفناء ؛ لأن الفناء لا يكون إلا بقدرة قادر ؛ إذ لا تأثير لغير القادر كما مر ، والله سبحانه ليس من جنس المقدورات ، فلا تعلق به القدرة لما مر (٤).

بعض العلية : بل لأن ذاته أوجبت وجوده ، والذات ثابتة في الأزل وهو لا يتخلف عنها ، كما مر لهم (٥).

لنا : ما مر عليهم (٦) ، وإن يسلم ما ادعوه لزم وجود سائر الذوات بذلك الإيجاب عندهم ، حيث جعلوها ثابتة في الأزل ؛ إذ هو إيجاب بلا اختيار ، فما [وجود] بعض الذوات به أولى من بعض ، كما مر لنا (٧) ، ولزم عدم فنائها كذلك ، وذلك باطل بما يأتي إنشاء الله تعالى.

__________________

(١) الجن : ٣.

(٢) الأنعام : ١٠١.

(٣) الإسراء : ١١١.

(٤) من أنه سبحانه ليس بجسم ولا عرض ، فاستحال عليه الفناء.

(٥) الذي مر لهم في الصفات والمؤثرات.

(٦) من أنه لا تأثير للعلة ، وأن صفات الله سبحانه هي ذاته ، وأن وجود الموجود هو الموجود لا غيره.

(٧) في فصل المؤثرات.

٥٢

ولزم أيضا أن يكون لله سبحانه تأثيران : تأثير اختيار ، وهو خلقه لمخلوقاته ، وتأثير اضطرار : وهو إيجاب ذاته لصفاته ، ولا يضطر إلا المخلوق.

المقتضية : بل لأن المقتضي أوجب وجوده تعالى ، كما مر لهم (١).

لنا : ما مر [عليهم] (٢) ، وإن سلم لزم أن توجد سائر الذوات (٣) ولا تفنى ، كما مر (٤). ولزم أن يكن الله محتاجا إلى ذلك المقتضي ؛ إذ لولاه لما كان تعالى موجودا ، ولا حيا ، ولا قادرا ، ولا عالما.

فإن قيل : فهل يكفرون كالمجبرة؟

قلت : لا. ؛ لأنهم لم يثبتوا شيئا محققا يكون الله سبحانه مضطرا أو محتاجا إليه تحقيقا لتلاشي ذلك (٥) كما مر ، فلم يجهلوا بالله سبحانه ، ولم يتعمدوا سب الله [وإنما أخطئوا] حيث لم ينتبهوا لذلك اللازم ، ومن لم يتعمد سب الله فلا إثم عليه ، لقوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (٦) ولم يفصل ، وكقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان » (٧) ولم يفصل ، بخلاف

__________________

(١) حيث زعموا أن الصفة الأخص اقتضت صفاته الأربع.

(٢) من أن المقتضي لا تأثير له ولا وجود.

(٣) وجودا أزليا.

(٤) من أن المقتضي ، وهو الصفة الأخص ثابت لكل ذات عندهم ، ومن أن تأثيره تأثير إيجاب لا اختيار.

(٥) أما المقتضية فواضح تلاشي قولهم في المقتضي. وأما من جعل الذات علة في الصفات فإنهم قالوا : إن الصفات أمور زائدة على الذات ، لا تسمى شيئا ولا لا شيء مع إنكارهم أيضا أن تكون ذات الباري علة في الصفات. ش ١ / ٤٤٧.

(٦) الأحزاب : ٥.

(٧) روي نحوه بلفظ (إن الله تجاوز لي عن أمي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) وهذا في سنن البيهقي الكبرى ، وسنن ابن ماجه ، والمعجم الكبير ، والصغير للطبراني ، ومسند الشاميين ، والدار قطني ، وصحيح ابن حبان ، ومستدرك الحاكم ، وشرح معاني الآثار ، وبلفظ (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) في سنن ابن ماجه.

٥٣

المجبرة ، فإنهم جهلوا بالله سبحانه ، حيث أثبتوا له [تعالى] أفعالا قبيحة لا تتلاشى ، فكفروا بذلك ، وسبوا الله سبحانه بنسبتها إليه عمدا ، حيث نبههم علماء العدلية في كل أوان فكفروا أيضا بذلك.

فصل

والله لا إله غيره. خلافا للوثنية والثنوية (١) ، والمجوس (٢) ، وبعض النصارى.

قلنا : من لازم كل كفءين اختلاف مراديهما ، ف (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (٣) و (لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ) وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ (٤) ولرأينا آثار صنع كل واحد ، ولأتتنا رسلهم ، ولم يقع شيء من ذلك ، فهو إما أن يكون لعدم الآلهة إلا الله ، فهو الذي نريد ، أو للاضطرار إلى المصالحة ، أو لقهر الغالب [المغلوب] وأيما كان فهو عجز ، والعجز لا يكون إلا للمخلوقين ؛ إذ هو وهن العدد والآلات ، وليست إلا للمخلوقين ؛ لما ثبت من غناه سبحانه عن كل شيء لما مر ، وذلك مبطل لكونهم آلهة ، ولأن المخلوق ليس بكفء للخالق لكونه مملوكا ، والمملوك لا يشارك المالك في ملكه.

__________________

(١) الثنوية : هم كل من أثبت مع الله إلها غيره ، ويطلق على من قال بإلهين : إله للخير ، وإله للشر ، وهم فرق كثيرة.

(٢) المجوس : هم عبدة النار ، وهم يقولون بألوهية النور والظلمة ، وقيل : إنهم يدعون أن لهم نبيا يسمونه زرادشت.

(٣) الأنبياء : ٢٢.

(٤) المؤمنون : ٩١.

٥٤

فرع

العترة عليهم‌السلام ، والجمهور : ولا قديم غير الله تعالى ، خلافا لمن أثبت معاني (١) قديمة ، وكلاما قديما (٢).

قلنا : يلزم أن يكون للقدماء ماله تعالى من الإلهية لعدم المخصص ، ولعدم الفرق ، وقد بطل أن يكون غيره إلها بما مر.

فصل

ولم يكلف الله عباده العقلاء من معرفة ذاته إلا ما مر ، لتعذر تصوره تعالى ، لما ثبت أنه تعالى ليس بجسم ولا عرض ، والتصور إنما يكون لهما ضرورة ، وتعذر فهم التعبير عن كنهها ؛ لأن التعبير إنما يفهم ضرورة عما يصح أن يدرك بالمشاعر ، وهي الحواس الخمس وما يلحق بها ، وهو الوجدان المدرك به نحو لذة النفس وألمها ، يفهم المخاطب ما كان أدركه بها ، أو يفهم المخاطب مثله (٣) بالتعبير المعروف الدلالة على ذلك المدرك عنده ، ولا يصح أن يدرك بالمشاعر والوجدان إلا [ما كان] جسما أو عرضا ، وقد بطل بما مر أن يكون تعالى جسما أو عرضا ، فثبت تعذر فهم التعبير عن كنه ذاته تعالى.

واعلم أن العلم بأن للمصنوع صانعا لا يستلزم معرفة كنه ذات صانعه ، كالآثار الموجودة في القفار.

__________________

(١) وهم الأشعرية ، والكرامية.

(٢) وهم الأشعرية والحشوية.

(٣) أي : مثل ما أدركه من المدركات ، يفهمه بالقياس على ما أدركه بعينه منها.

٥٥

الإمام يحي عليه‌السلام (١) ، وأبو الحسين البصري ، وحفص الفرد (٢) ، وضرار : وله تعالى ماهية يختص بعلمها.

قلنا : الماهية ما يتصور في الذهن ، وقد امتنع أن يتصوره الخلق حيث لم يتمكنوا إلا من تصور المخلوقات اتفاقا بيننا وبينهم.

وعلم الله تعالى ليس بتصور اتفاقا كذلك ، فإن أرادوا بذلك ذاتا لا يحيط به المخلوق علما فصحيح.

__________________

(١) الإمام يحي : هو الإمام المجاهد يحي بن حمزة بن علي الهاشمي الحسيني الموسوي ، جبل العلم ، وطراز الفضل ، وواحد علماء اليمن ، قال الجنداري في عده لكتب الإمام يحي عليه‌السلام : « كم نصر بانتصاره العلماء ، واعتمد على عمدته الفقهاء ، وشمل بشامله فنون الكلام ، وصان بتحقيقه علماء الإسلام ، وحوى بحاويه دقائق الأصول ، وعبر بمعياره حقائق المعقول ، وأزهر بأزهاره حدائق الكافية ، وحمل بمنهاجه الجمل الوافية ، وحصر بالحاصر ما جمعه في مقدمته طاهر ، ووشح بالمحصل ما أبهمه صاحب المفصل ، وطرز بالطراز علم الإعجاز ، وسهل بالإيجاز إلى علم البيان المجاز ، وأيد بالمعالم الدينية مذاهب الفئة العدلية ، وأوضح بالنهاية طرق الهداية ، ووزن بالقسطاس أقدار العلماء من الناس ، وأغنى بالاقتصار طالب النحو عن الإكثار ، وصفى بالتصفية من الموانع المردية قلوبا كانت قاسية ، ونور بأنواره المضيئة طرق الأربعين السيلقية ، وكشف بسفره الوضي دقائق كلام الوصي ، وأزاح بعقد اللآلي ما زخرفه في حل السماع الغزالي ، وقطع بالقاطع للتمويه ما يرد على الحكمة والتنزيه ..

مولده عليه‌السلام بمدينة (حوث) في صفر سنة ٦٦٧ ه‍ وقام ودعا سنة ٧٢٩ ه‍ وتوفي بحصن هران سنة ٧٤٩ ه‍ ، ثم نقل إلى الجامع بمدينة ذمار ، من مشايخه محمد بن عبد الله بن خليفة مصنف الجوهرة ، وغيره ، وأخذ عنه أحمد بن سليمان الأوزري محدث اليمن ، والفقيه حسن النحوي أسمع عليه الانتصار كاملا ، وهو في ثمانية عشر مجلدا ، وقد اختصره الإمام المهدي أحمد بن يحي المرتضى عليه‌السلام في كتابه البحر الزخار ، وهو الآن قيد التحقيق والطبع إنشاء الله تعالى.

(٢) حفص الفرد : هو حفص بن الفرد المصري ، البصري ، ويكنى بأبي عمرو ، عاش في النصف الأول من المائة الثانية ، وبعض كتب الأصول تذكره باسم حفص القرد ، كما في المحيط بالتكليف للقاضي عبد الجبار ، وقد نقل عنه ما يمكن أن يكون وجه تلقيبه بهذا اللقب ، كان في بداية أمره معتزليا ، إلا أنه ترك الاعتزال إلى الجبر ، لحفص الفرد مناظرات مع أبي الهذيل ، وكتب الرد على النصارى.

٥٦

أبو هاشم ـ مقسما ـ : إنه ما يعلم الله سبحانه من ذاته إلا مثل ما يعلم هو.

قلنا : قال تعالى : (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (١) والله سبحانه قد أحاط بكل شيء علما ، بمعنى : لا يغيب عن علمه لا كإحاطة الأسوار.

فصل

أئمتنا عليهم‌السلام ، وبعض المعتزلة (٢) : وكون الله عالما بما سيكون ، وقادرا على ما سيكون لا يحتاج إلى ثبوت ذات ذلك المعدوم والمقدور في الأزل.

بعض صفوة الشيعة ، وبعض المعتزلة (٣) : بل يجب ثبوتها ليصح تعلق العلم والقدرة بها ؛ إذ لو لم تكن ثابتة لم يكن تعالى عالما ولا قادرا.

__________________

(١) طه : ١١٠.

(٢) كالشيخ أبي الهذيل ، وأبي الحسين البصري ، ومحمود بن الملاحمي ، وأبي القاسم بن شبيب التهامي ، هؤلاء قالوا : العدم نفي محض ، فلا ذوات ثابتة في حال العدم.

أبو الهذيل : هو محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول أبو الهذيل العلاف ، شيخ البصرة ، من كبار المعتزلة ، سمعي بالعلاف ؛ لأن داره بالبصرة كانت عند سوق العلف ، ولد سنة ١٣١ ه‍ أخذ الكلام عن عثمان الطويل ، وعثمان بن واصل ، وروى الحديث عن محمد بن طلحة ، وأخذ عنه الكلام أبو يعقوب الشحام ، وليس بذاك في الرواية ، قال ابن خلكان : له مجالس ومناظرات ، وهو من موالي عبد القيس ، حسن الجدل ، قوي الحجة ، كثير الاستعمال للأدلة الإلزامية ، قال الحاكم : أسلم على يده سبعة آلاف نفس ، توفي بسامراء سنة ٢٣٥ ه‍ على الأصح ، وقيل : غير ذلك

(٣) كالشيخ أبي هاشم ، وأبي عبد الله البصري ، وقاضي القضاة ، وغيرهم.

أبو عبد الله البصري : هو الحسين بن علي البصري ، أخذ الاعتزال عن أبي هاشم الجبائي ، وهو من الطبقة العاشرة من المعتزلة ، قال الجنداري : الشيخ أبو عبد الله ، المرشد ، المتكلم ، من المعتزلة البهشمية ، ومن المفضلين لعلي عليه‌السلام ، وله كتاب في تفضيل أمير المؤمنين على غيره ، أخذ عنه العلم قاضي القضاة ، والسيد أبو طالب ، وأبو عبد الله الداعي ، وكان زاهدا متقدما على أقرانه ، وله مؤلفات كثيرة ، توفي سنة ٣٦٧ ه‍ قاضي القضاة : قال الجنداري : « عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار .. الأسترآبادي المعتزلي ، أبو الحسن ، قاضي القضاة ، إذا أطلق القاضي في كتب العدلية ، فهو هذا ، وفي كتب الأشاعرة هو الباقلاني ، حدث عن

٥٧

قلنا : يستلزم الحاجة ، وقد مر بطلانها ، فيلزم بطلان ما يستلزمها ، ولا فرق أيضا بين الثبوت والوجود في العربية ، [فلو كان] لفظ ثابت يطلق عليها في الأزل حقيقة كما زعموا لكان لفظ موجود كذلك ، ولكانت لا أول لوجودها ، وبطلان ذلك متفق عليه.

وأيضا علم الله تعالى متعلق بصفة ما سيكون الوجودية ، فلو كان يوجب الثبوت [لزم أن يكون ما سيكون موجودا في الأزل لثبوت صفة الوجودية] (١) لصحة تعلق العلم بها كالذات ، لعدم الفرق ، وذلك معلوم البطلان عند الجميع.

الإمام الحسن بن علي بن داود عليه‌السلام (٢) : ليس مرادهم بثبوتها إلا تصورها.

قلت ـ وبالله التوفيق ـ وفيه نظر (٣) ؛ لأن علم الله تعالى ليس بتصور.

__________________

أبي الحسن القطان ، والزبير بن عبد الواحد ، وآخرين ، وأخذ علم الكلام عن أبي عبد الله البصري ، وحدث عنه عبد السلام القزويني ، والإمام الموفق بالله الجرجاني ، وأخذ عنه علم الكلام الإمام المؤيد بالله ، وأبو عبد الله الحاكم ، والصاحب بن عباد وآخرون ، وقال في تاريخ قزوين : وله أمالي كبيرة سمع منها بعضها في الري ، وبعضها بقزوين سنة ٤٠٩ ه‍ صنف الكثير في التفسير والكلام وغيرهما ..

قال الإمام المهدي عليه‌السلام : انتهت مؤلفاته إلى أربع مائة ألف وعشرون ألفا ، وقال ابن كثير : من أجل مصنفاته كتاب دلائل النبوة ، أبان فيه عن علم وبصيرة ، وقد طال عمره ، وارتحل الناس إليه من الأقطار واستفادوا منه ، قال الحاكم الجشمي : ليس عندي عبارة بقدر محله من العلم ، توفي بالري سنة ٤١٥ ه‍ ، قال أحمد بن سعد الدين : حضر جنازته كثير من الأئمة.

(١) ما بين القوسين غير ثابت في ش خ ، وهو ثابت في م ط ، م خ ، واللفظ محتاج إليه ليستقيم المعنى.

(٢) الإمام الحسن بن علي بن داود : هو الإمام الأسير ، والوجه المنير ، والعلم الغزير ، الحسن بن علي بن داود بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن المؤيد بن جبريل ، قام بأمر الإمامة سنة ٩٨٦ ه‍ وهو الذي أسره الترك سنة ٩٩٣ ه‍ ومكث في اليمن سنة ، ثم وجهوه وأولاد المطهر بن الإمام يحي شرف الدين إلى الآستانة ، عاصمة الخلافة العثمانية ، فمات هناك في الأسر سنة ست وعشرين وألف ، ونحن أسرة بيت الهاشمي الساكنون برحبان صعدة من أولاده عليه‌السلام.

(٣) لأن ذلك خلاف ظواهر أقوالهم في تفسير ثبوت الذوات في العدم.

٥٨

باب [الاسم والصفة]

الاسم : كلمة تدل وحدها على معنى غير مقترن بزمان وضعا (١) وهو غير المسمى الكرامية ، ومتأخروا الحنفية : بل الاسم هو نفس المسمى (٢).

قلنا : إذا لكان الأمر كما قال الشاعر :

لو كان من قال نارا أحرقت

لما تفوه باسم النار مخلوق

والصفة : لفظها مشترك عبارة عن ثبوت الذات على شيء ، نحو ثبوت الحيوان على حياته (٣) وعبارة عن شيء هو الذات ، نحو قدرة الله (٤).

وعبارة عن اسم لذات وضع باعتبار تعظيم (٥) نحو قولنا : « أحد » نريد به الله تعالى : فإنه عبارة عن ذاته تعالى باعتبار كونه المتفرد بما لا يكون من الأوصاف الجليلة إلا له تعالى.

وعن اسم لذات (٦) باعتبار معنى غير أسماء الزمان والمكان والآلة (١) نحو قولنا : قائم نريد به إنسانا ، فإنه اسم له باعتبار معنى وهو القيام.

__________________

(١) هذا الحد الذي ذكره الإمام إنما هو في اصطلاح أهل النحو ، وأما في أصل اللغة ، فالاسم : ما صح إطلاقه على ذات سواء كان مسماه اسما نحويا كزيد ، أو فعلا نحويا كضرب ، أو حرفا ك (في) حرف جر.

(٢) قال النجري رحمه‌الله : وإنما قالوا ذلك لأن أسماء الله عندهم قديمة ، فأوجب ذلك أن تكون هي نفس المسمى ، وإلا لزم تعدد القدماء وهو محال.

النجري : هو عبد الله بن محمد بن أبي القاسم النجري ، توفي سنة ٨٧٧ ه‍ أحد علماء الزيدية المتكلمين ، اهتم كثيرا بشرح كتب الإمام المهدي عليه‌السلام ، ومن كتبه شافي العليل في شرح آيات الأحكام.

(٣) هذا حد الصفة في اصطلاح المتكلمين لا الصفة اللغوية.

(٤) وهذا إنما علم بالعقل ؛ لأن العقل قد حكم بأن الله قادر وعالم وحي ، لا بمعنى ، ولا بآلة.

(٥) وهذا باعتبار اللغة اسم متضمن للصفة.

(٦) هذا هو المصطلح عليه عند علماء العربية ؛ لأن الصفة في أصل اللغة هي المعنى الحاصل في زيد لا قائم.

٥٩

وبمعنى الوصف (٢) ، وهو عبارة عن قول الواصف : « زيد كريم » مثلا ، علم ذلك بالاستقراء (٣).

المهدي عليه‌السلام : ليست إلا بمعنى الوصف [فقط] (٤).

قلنا : يلزم منه أن تكون صفاته تعالى نحو كونه قادرا عبارة عن قول الواصف ، وذلك بين البطلان.

وقال عليه‌السلام (٥) : لو كانت الصفة اسما لذات (٦) باعتبار معنى لزم أن يكون من قام [قد فعل بنفسه] (٧) صفة ؛ لأنه باعتبار معنى وهو القيام.

قلنا : ليس باسم.

وقال عليه‌السلام : الاسم والصفة عبارة عن قول الواصف فقط.

قلنا : يلزم أن لا يفهم إلا مجرد قوله فقط لا معناهما ، وهو الذات وما يلازمها ، وذلك خلاف المعلوم ضرورة.

الأمورية : ما هو اسم لذات باعتبار معنى المماثلة ، أو المغايرة أو نحو ذلك (١) ، فحكم [وليس بصفة].

__________________

(١) قال : غير أسماء الزمان الخ ليخرج نحو مضرب ومقتل ومحلب لموضع الضرب والقتل والحلب ، فإنها أسماء لذوات باعتبار معنى.

(٢) هذا هو المعنى الخامس : إن زيد كريم يسمى وصفا ، وصفة بحسب وضع اللغة.

(٣) في الأصل المخطوط (علم ذلك بالاستقراء وهو البليغ) وليست هذه الزيادة موجودة في الشرح المطبوع.

(٤) حيث قال : مدلول الاسم والصفة في أصل اللغة هو اللفظ ، لأنهما عبارة عن قول الواصف ولفظه ، قال النجري : إلا أن الصفة عبارة عن جملة اللفظ ، والاسم عن جزئه فقط ، فقولك : (زيد كريم) صفة لزيد ، وكريم : اسم له لغويان ... الخ ١ / ٥٠٥.

(٥) أي : الإمام المهدي عليه‌السلام.

(٦) قال في الشرح : قلت : ولفظ الإمام المهدي : ولو أفادت الصفة المعنى الذي زعمه المخالف في الموصوف ... ولم يقل : إن الصفة اسم الذات.

(٧) ما بين القوسين تصحيح في الشرح المخطوط.

٦٠