الأساس لعقائد الأكياس

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي

الأساس لعقائد الأكياس

المؤلف:

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي


المحقق: محمّد قاسم عبد الله الهاشمي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٠٦

فصل [في التفضيل]

العترة عليهم‌السلام والشيعة : وأفضل الأمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي كرم الله وجهه في الجنة ، وفاقا للبغدادية فيه وحده. ثم الحسن عليه‌السلام.

ثم الحسين عليه‌السلام. ثم جماعة العترة عليهم‌السلام ، ثم أفراد فضلائهم (٢).

جمهور الفرق (٣) : بل أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي.

بعضهم (٤) : بل أبو بكر ، ثم عمر ، ثم علي ، ثم عثمان.

بعض العثمانية : بل أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم معاوية لعنه الله.

جميعهم : ثم سائر العشرة.

لنا : لو وزن أعمال الوصي عليه‌السلام بأعمال من ذكر ، أو ما ورد فيه بما ورد فيمن ذكروا مما لا ينكره المخالف مع سابقته.

وكذلك الحسنان عليهما‌السلام ، وكذلك ما ورد في العترة عليهم‌السلام بما ورد في غيرهم مما لا ينكره المخالف علم ذلك قطعا.

فصل

وأفضل أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خديجة إجماعا [بين العترة] لسابقتها ومواساتها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. العترة عليهم‌السلام والشيعة : وأفضل النساء كافة فاطمة عليها‌السلام.

[وقال] طوائف من الفرق : بل عائشة أفضل من فاطمة عليها‌السلام.

لنا : ما ورد [فيها] من [نحو] قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (مريم سيدة نساء عالمها ، وأنت سيدة نساء العالمين) وعصمتها.

__________________

(١) م ط (لم يعتبره الشرع).

(٢) م ط (ثم أفراد فضلائهم على غيرهم).

(٣) من المعتزلة ، والمرجئة ، والخوارج ، وغيرهم من سائر الناس.

(٤) وهو أبو الهذيل ، وجعفر بن حرب.

١٦١

باب [الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

ويجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إجماعا ، متى تكاملت شروطهما ، وهي التكليف والقدرة عليهما ، والعلم بكون ما أمر به معروفا ، وما نهى عنه منكرا ؛ لأنه إن لم يعلم ذلك لم يؤمن (١) أن يأمر بالمنكر ، وينهى عن المعروف ، وظن التأثير حيث كان المأمور والمنهي عارفين بأن المأمور به معروف ، والمنهي عنه منكر ، وإلا وجب التعريف ، وإن لم يظن التأثير لأن إبلاغ الشرائع واجب إجماعا.

والأصل في ذلك قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) (٢) الآية ونحوها.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من كتم علما مما ينفع الله به) الخبر (٣).

قلت ـ وبالله التوفيق ـ : ويجب أيضا أمر العارف بالمعروف ، ونهي العارف بالمنكر ، وإن لم يحصل الظن بالتأثير لقوله تعالى : (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (٤) والمعذرة إلى الله تعالى لا تكون عما لا يجب ، وإنما يجب ذلك ريثما يتحول إلى المتمكن من الهجرة إليها ، لما يأتي إنشاء الله تعالى.

وتجويز ما يقع على الآمر والناهي بسببهما ، من نحو تشريد وانتهاب مال له غير مرخص له في الترك ، وفاقا لكثير من العلماء ، لقوله تعالى : (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٥).

__________________

(١) في نسخة (لم يأمن).

(٢) البقرة ١٥٩.

(٣) تمامه (ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار).

(٤) الأعراف : ١٦٤.

(٥) لقمان : ١٧.

١٦٢

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) (١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (اجعل مالك وعرضك دون دينك) (٢) الخبر ، أو كما قال ، وكالجهاد.

وحصول القدرة على التأثير مع ظن الانتقال إلى منكر غيره لا يرخص في الترك ؛ لأن هذا منكر معلوم ، وذلك مجوز مظنون ، وحصول الظن بوقوع شيء من ذلك مع عدم ظن التأثير لا يجوزان لأنهما حينئذ كالإغراء ، ومع ظن التأثير لا يجبان قطعا وفي حسنهما تردد.

فرع

ولا يكونان إلا بقول رفق (٣) ، فإن لم يتما به وجبت المدافعة عن فعل المحظور إلى حد القتل ؛ لإجماع العترة عليهم‌السلام على وجوب إزالة المنكر بأي وجه (٤) ولا يفعل الأشد مع تأثير الأخف.

بعض سادتنا عليهم‌السلام : فإن كان التفكر في القدر الكافي مخلا بالمدافعة بحيث يفعل المحظور في مدة التفكر وجب دفعه بغير روية ، ولو بالأضر ، وهو قوي لعدم حصول الانزجار لولاه.

والحمل على فعل الواجب بالإكراه يختص الإمام غالبا للإجماع على وجوب ذلك على الإمام ، وعدم الدليل في حق من عداه.

__________________

(١) روي بلفظ (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) وقد أخرجه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجه ، وفي مسند أحمد بلفظ (أي الجهاد أفضل فقال : كلمة حق عند سلطان جائر).

(٢) رواه ابن أبي شيبة بلفظ (اجعل مالك جنة دون دينك ، ولا تجعل دينك جنة دون عرضك) ٤ / ٤٤٧ ، برقم ٢١٩٦٣.

(٣) م ط (إلا بقول رقيق).

(٤) م ط (بأي ممكن).

١٦٣

فصل [في ذكر المحتسب]

والمحتسب : هو المنتصب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وشروطه : العقل ، والذكورة ، والتدبير ، والقوة ، وسلامة الأطراف والحواس المحتاج إليها ، وسلامته من المنفرات لما مر في الإمامة ، والعلم ليصح أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر كما مر ، وعدم من يصلح للإمامة في ناحيته [بلا مانع] ، والعدالة المحققة.

ويكفي في انتصابه الصلاحية خلافا لمعتبر الخمسة (١).

ويجب على المسلمين إعانته على ما انتصب لأجله ، وله الإكراه على معاونته لدفع المنكر لوجوب دفعه بأي ممكن بإجماع العترة عليهم‌السلام ، وأخذ المال لدفع الكفار والبغاة لوجوب دفعهم كذلك.

وليس له أخذ الحقوق (٢) كرها ، ولا إقامة الجمع ، ولا الحدود ، ولا نحو ذلك مما يخص الإمام.

ويجوز للمسلمين غزو الكفار إلى ديارهم للسبي والنهب ، وإن عدم الإمام في الناحية للإجماع على إباحتهما.

باب الهجرة

وهي لغة : مأخوذة من الهجر ، نقيض الوصل.

وشرعا : الرحلة من دار تظاهر أهلها بالعصيان ، أو ظهر بغير جوار إلى مكان خفي عنهما (٣). أئمتنا عليهم‌السلام : وهي واجبة بعد الفتح.

وقيل : قد نسخت (٤) لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) م ط (لمعتبري الخمسة).

(٢) أي : الواجبة.

(٣) م ط (بل نسخت).

(٤) النساء : ٩٧.

١٦٤

(لا هجرة بعد الفتح) (١). قلنا : المراد من مكة شرفها الله تعالى ؛ إذ صارت دار إسلام كالمدينة ، لا من ديار الكفر لما سيأتي إنشاء الله تعالى.

جمهور أئمتنا عليهم‌السلام : وتجب من دار الفسق خلافا للإمام يحي عليه‌السلام والفقهاء [الأربعة].

لنا : قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) (٢) ولم يفصل.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا تحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل).

وبيان الاستدلال به : أن التحريم لأجل العلم مع القرب منه بحيث يتمكن أن يرى المعصية ، وإلا لقال : حتى تغير أو تغمض.

ومن حمل على فعل المعصية وجبت عليه الهجرة إجماعا.

أئمتنا عليهم‌السلام : ومنه إعانة سلاطين الجور [بالغارة] (٣) وتسليم المال إليهم قسرا لما مر قال المنصور بالله عليه‌السلام في (المهذب في باب السيرة في أهل الفسق) ما لفظه : « ونحن لا نشك أن الضعفاء [هم] الذين لبّسوهم الحرير ، وركّبوهم الذكور ، وسقوهم الخمور ، فأي عون أعظم من هذا ».

وقال عليه‌السلام في (باب الهجرة) ما لفظه : « لأن أشد المظاهرة وأعظمها تقويتهم بالخراج ، وكونهم مستضعفين فيما بينهم لا يخرجهم عن حكمهم ».

أئمتنا عليهم‌السلام : ولا رخصة في ذلك إلا للمحاط به ، والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ؛ لقوله تعالى : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) (١) الآية.

__________________

(١) البخاري في المناقب برقم ٣٦١١.

(٢) النساء : ٩٧. في الأصل (إلى قوله : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) فأثبتنا ما بين اللفظين

(٣) ما بين القوسين غير موجود في الشرح الصغير المخطوط.

١٦٥

فصل

ويجوز الوقوف في دار العصيان لحبس أو ضعف لما مر ، ولمصلحة عامة ، كوقوف بعوث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الكفار لدعائهم ، ولا بد مع ذلك من إذن الإمام إن كان ما لم يقارن مفسدة من انتشار بدعة ، أو خذلان الإمام ، وإلا صار كالإغراء.

كتاب المنزلة بين المنزلتين (٢)

أئمتنا عليهم‌السلام والجمهور : والمعاصي صغائر وكبائر.

الخوارج ، والأسفرائيني وموافقوهم : بل كبائر فقط.

لنا : قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (٣).

الناصرية ، وظاهر كلام الهادي عليه‌السلام في كتاب (المنزلة بين المنزلتين) حيث قال : « وأصحاب الكبائر المنتهكون للمحارم » ولم يفصل

__________________

(١) النساء : ٩٨.

(٢) كان هذا الأصل من أهم أسباب تسمية أهل الاعتزال بهذا الاسم ، وتذكر الروايات أن الحسن البصري سئل عن مرتكب الكبيرة هل هو مؤمن؟ أم هو كافر؟ فقام واصل وقرر أنه في منزلة بين منزلتين ، أي : بين الإيمان والكفر ، والخلاف مشهور في هذا الموضوع بين الخوارج الذين قالوا بتكفير مرتكب الكبيرة ، وبين مرجئة أهل السنة الذين قالوا : إنه مؤمن ، وقد توسط واصل في قوله بالمنزلة بين المنزلتين ، وقد تبع هذا القول أقوال فقهية اختلفت فيها الأقوال كما اختلف في أصلها.

قال في شرح الأصول الخمسة ص ١٣٨ : واعلم أن هذه المسألة شرعية لا مجال للعقل فيها ؛ لأنها كلام في مقادير الثواب والعقاب ، وهذا لا يعلم عقلا ، وإنما المعلوم عقلا أنه إذا كان الثواب أكثر من العقاب ، فإن العقاب مكفر في جنبه ، وإن كان أقل منه فإنه يكون محبطا في جنب ذلك العقاب .. ثم استطرد في الاستدلال لهذا المذهب إلى أن قال : واعلم أن هذا المذهب مأخوذ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام خاصة ، وعن الصحابة والتابعين عامة ، ولهذا قال أبو حنيفة : لو لا سيرة أمير المؤمنين عليه‌السلام في أهل البغي ما كنا نعرف أحكامهم ، فعلى هذا يجب أن نقول في هذا الباب.

(٣) النساء : ٣١.

١٦٦

وصريح قول المرتضى عليه‌السلام في كتاب (الإيضاح) وقول القاسم بن علي العياني عليه‌السلام في الجزء الثاني من كتاب (التنبيه والدلائل) وبعض البغدادية : كل عمد كبيرة بعض الزيدية ، وهو قول بعض البغدادية ، والطوسي : بل بعض العمد ليس بكبيرة.

لنا : [قوله تعالى] : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (١) ولم يفصل ، وقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) (٢) ولم يفصل ، ولم يغفر الله سبحانه سيئة من غير توبة إلا الخطأ والنسيان والمضطر إليه ، لقوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) (٣) ، وقوله تعالى معلما لعباده مرشدا : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا) (٤) واستثنى تعالى المضطر إليه.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) الخبر ، فعلمنا بذلك أن الكبير ما وقع عمدا من غير اضطرار [إليه].

البصرية : ليس كل عمد كبيرة ، بل ما وجب فيه حد أو نص على كبره ، وغير ذلك محتمل.

قلنا : استحق فاعلها النار قطعا بالنص فلا احتمال.

المهدي عليه‌السلام ، وجمهور البصرية : والصغائر كلها غير متعينة ؛ لأنها بعض العمد إذ تعيينها كالإغراء.

قلنا : بل كلها متعين ؛ لأنها الخطأ [كما مر].

__________________

(١) الجن : ٢٣.

(٢) النساء : ١٤.

(٣) الأحزاب : ٥.

(٤) البقرة ٥٨٢.

١٦٧

فصل [في خطايا الأنبياء]

الهادي والناصر عليهما‌السلام ، وبعض البغدادية : وخطايا الأنبياء عليهم‌السلام لا عمد فيها.

المهدي عليه‌السلام ، والبصرية : بل هي عمد.

لنا : قوله تعالى : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (١) وقوله تعالى : (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) (٢) أي : لن نضيق عليه ، أي : لا نؤاخذه.

قالوا : ما تعمده الأنبياء عليهم‌السلام فصغيرة لكثرة ثوابهم.

قلنا : قال تعالى : (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ) (٣) فليس ما قالوا بصحيح ، وأيضا لا خلاف في وقوع خطايا الأنبياء عليهم‌السلام ، فإن تعمدوها لأجل تعريفهم أنها صغائر فذلك إغراء ، وهو لا يجوز على الله تعالى ، وإن تعمدوها جرأة على الله تعالى من غير مبالاة بصغرها وكبرها ـ وحاشاهم ـ ثم تبينت [لهم] من بعد ، فذلك مؤد إلى التنفير عن قبول ما أتوا به ، وذلك باطل.

فرع

ووقوعها منهم عليهم‌السلام من باب التأويل ، وهو إما لتفريط في التحرز لظنهم أنهم لا يقعون فيها ، ومن ذلك خطيئة آدم عليه‌السلام ، أو لظنهم أنها غير معصية ، ومن ذلك خطيئة يونس عليه‌السلام ، وداود عليه‌السلام.

__________________

(١) طه : ١١٥.

(٢) الأنبياء : ٨٧.

(٣) الإسراء : ٧٥.

١٦٨

فصل والإيمان لغة : التصديق.

أئمتنا عليهم‌السلام ، وجمهور المعتزلة ، والشافعي ، وبعض الخوارج : ودينا ـ الإتيان بالواجبات ، واجتناب المقبحات.

الأشعرية : بل الإيمان : التصديق بالله فقط.

الكرامية : بل الإقرار باللسان.

الجهمية ، والمرّيسي : بل هو المعرفة فقط.

محمد بن شبيب : بل الإقرار بالله تعالى ورسوله ، والمعرفة بذلك (١) ، وما نص عليه ، أو أجمع عليه لا ما استخرج.

الحنفية : بل الإقرار بالله ، والمعرفة بذلك مطلقا (٢).

الغيلانية (٣) : بل الإقرار ، والمعرفة بما جاء عن الله تعالى مجمعا عليه.

النجدات : بل الإقرار بالله تعالى وبكتبه وبرسله ، وترك الفعل المحرم عقلا.

لنا : قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) (٤) ونحوها.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (الإيمان بضعة وسبعون شعبة ، والحياء شعبة من الإيمان ، وأفضلها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) ونحو هذا الخبر.

والإسلام لغة : الانقياد (١).

__________________

(١) والمعرفة بذلك بالجنان.

(٢) أي : سواء كان مما نص عليه ، أو أجمع عليه أولا ، والأعمال كلها خارجة عن الإيمان.

(٣) من مرجئة المعتزلة ، وهم أصحاب غيلان الدمشقي.

(٤) الأنفال : ٢ ـ ٤.

١٦٩

أئمتنا عليهم‌السلام والجمهور : ودينا : مشترك الإيمان ـ وكل على أصله ـ والاعتراف بالله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما عرف من الدين ضرورة ، والإقرار بذلك مع عدم ارتكاب معصية الكفر ، ففاعل الكبيرة غير معصية الكفر مسلم فاسق.

بعض الإمامية : بل الانقياد [فقط] (٢).

لنا : قوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣) و [قوله تعالى] : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (٤) ومعاملة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحو السارق ، من تبقية نكاحه ، ونحو ذلك كمعاملة المسلمين.

فصل

أئمتنا عليهم‌السلام وجمهور المعتزلة ، والشافعي ، وبعض الخوارج : والكبائر محبطات للإيمان فلا يبقى مؤمنا من ارتكب كبيرة خلافا لمن مر (٥). لنا : ما مر.

فصل [في حقيقة الكفر والنفاق والفسق والعصيان والظلم]

والكفر لغة : التغطية ، وفي عرفها : الإخلال بالشكر ، قال الشاعر (٦) :

نبئت عمرا غير شاكر نعمتي

والكفر مخبثة لنفس المنعم

__________________

(١) والامتثال والاستسلام ، قال الله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ).

(٢) أي : الإذعان والقبول والإقرار وإن لم يصحبه عمل ، كما تقدم من رواية النجري عنهم أن الإسلام عندهم هو الإقرار من دون معرفة ، وأنه أعم من الإيمان ، قال في الشرح : ولكن يقال : هذا المعنى لغوي لا شرعي.

(٣) الذاريات : ٣٥ ـ ٣٦.

(٤) آل عمران : ٨٥.

(٥) وهم الفرق المخالفة في حقيقة الإيمان الشرعي.

(٦) هو عنترة بن شداد العبسي. ش خ.

١٧٠

ودينا : عصيان مخرج لمرتكبه من ملة الإسلام.

والنفاق : لغة الرياء. ودينا : إظهار الإسلام وإبطان الكفر.

وعن القاسم عليه‌السلام : بل الرياء فقط ، لقوله تعالى : (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) (١) ولو كانوا كفارا ما قال : هم أقرب إليه ، وهم فيه.

قلنا : المراد أنهم مائلون إليه (٢) لقوله تعالى [فيهم] : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ) كارِهُونَ (٣).

ولتصريحهم بتكذيب الله تعالى فيما حكى الله تعالى عنهم في قوله تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) إِلَّا غُرُوراً (٤).

والفسق لغة : الخروج (٥) ، وفي عرفها : الخروج من الحد في عصيان أهل الشرك وهو الخباثة ، ومنه قيل [للزاني و] للخبيثة : يا فساق.

والعصيان لغة : مخالفة الآمر والناهي ولو خطأ لما مر (٦).

والظلم : إنزال مضرة مجردة عن جلب منفعة أو دفع مضرة فوقها (٧) بالنفس أو بالغير

__________________

(١) آل عمران : ١٦٧.

(٢) لفظ المتن المطبوع (مائلون إليه دون الإيمان) والزيادة ليست موجودة في الشرح المخطوط لا متنا ولا شرحا

(٣) التوبة : ٥٤.

(٤) الأحزاب : ١٢.

(٥) يقال : فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها ، وفسق عن أمر ربه ، أي : خرج ، قال في الشرح : ذكره في الصحاح.

(٦) في ذكر خطايا الأنبياء عليهم‌السلام وغيره من أن الخطأ والنسيان معصية ، ولو كانت مكفرة.

(٧) أي : أعظم منها ليحترز من الفصد والحجامة ونحوهما ، ويزاد (أو استحقاق) ليخرج القصاص ، فإنه ليس بظلم

١٧١

فصل [بم يصير المكلف كافرا]

أئمتنا عليهم‌السلام ، وجمهور المعتزلة : ويصير المكلف كافرا بخصلة واحدة من خصال الكفر ؛ لما يأتي إنشاء الله تعالى.

بعض الخوارج : بل بفعل أي كبيرة (١) لا بترك نحو الصلاة (٢).

بعض الخوارج : بل بارتكاب أي كبيرة (٣).

البصري : يصير بارتكاب أي كبيرة منافقا.

لنا : فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والإجماع من الأمة على إقامة الحدود على نحو السارق ، مع عدم معاملتهم معاملة الكفار.

ابن الحاجب : صاحب الشاذة من القراءة كافر (٤).

قلنا : سمعها خبرا فتوهمها قرآنا ، والله يقول : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) (٥) ، وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان).

ولنا الإجماع على عدم تكفير ابن مسعود ، وهو من أهل القراءة الشاذة.

ومرتكب الكبيرة الغير المخرجة من الملة يسمى فاسقا اتفاقا (٦).

أئمتنا عليهم‌السلام ، وجمهور المعتزلة ، والبصري ، وبعض وبعض الخوارج (١) : ولا يسمى مؤمنا

__________________

(١) أي : كبيرة يحكم العقل بقبحها إذا فعلها عمدا ، ولا صغيرة عندهم.

(٢) أي : لا بترك الواجبات الشرعية ، فلا يصير بتركها كافرا ، وهذا قول النجدات منهم.

(٣) أي : بفعل أي معصية متعمدا ؛ لأنه لا صغيرة عندهم ، وهذا قول الفضيلية والبكرية من الخوارج. وقالت الأزارقة والصفرية من الخوارج : بل ما ورد فيه وعيد ، وهو بناء على أن من المعاصي ما لا وعيد فيه ، هكذا ذكره الإمام المهدي عليه‌السلام عنهم. ش خ.

(٤) أي : كفر جحود ؛ لأنه قد أثبت من القرآن ما ليس منه ، أو نقص منه ما هو منه. ش خ.

(٥) الأحزاب : ٥.

(٦) بين أهل علم الكلام ، وإنما اختلفوا في تسميته منافقا أو كافرا.

١٧٢

خلافا لمن مر [ذكره] (٢) ولبعض الخوارج في تارك الواجب (٣) لا فاعل أي كبيرة (٤) لنا : ما مر (٥).

ابن عباس ، والصادق ، والقاسم ، والهادي ، والناصر (٦) ، وأحمد بن سليمان عليهم‌السلام ، وقد روي أنه إجماع قدماء العترة عليهم‌السلام والشيعة ، ويسمى (٧) كافر نعمة (٨) خلافا للجمهور (٩).

قلنا : هو معناه عرفا ؛ لأن الطاعات شكر [لله] كما مر (١) ، ولقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ) (٢) أي : ومن ترك الحج ، فسمى ترك الحج كفرا.

__________________

(١) وهم من يقول : إن كل عمد من المعاصي كفر مطلقا ، ومن يقول : إن فعل المحرم العقلي كفر فيمن فعل محرما عقليا.

(٢) في فصل الإيمان من أهل الإرجاء الذين تقدم ذكر أقوالهم ؛ بناء على أن الإيمان هو المعرفة والتصديق أو أحدهما ، والأعمال خارجة عنه ، فالفاسق عندهم مؤمن بإيمانه ، وفاسق بفسقه.

(٣) أي : الشرعي ، وهم الذين يقولون : إن فعل المحرم العقلي كفر لا الشرعي ، فمن ترك الواجب الشرعي عندهم فهو مؤمن.

(٤) قال في الشرح : أي : فاعل أي محرم عقلي فإنه لا يسمى مؤمنا ، وهذا هو الذي رواه الإمام المهدي عنهم والنجري ، وظاهر كلام الإمام عليه‌السلام في قوله : (لا فاعل أي كبيرة) على الإطلاق أيضا ، ولم أقف على ذلك لهم ، ولعله عليه‌السلام قد وقف عليه ؛ لأن لهم أقوالا كثيرة ضعيفة باطلة نتجت بالخرص والتوهم ووساوس الشيطان.

(٥) في فصل الإيمان من الحجج الواضحة في معنى الإيمان ، وعدم الفرق بين الواجب العقلي والشرعي ، وبين الترك المحرم ، والفعل المحرم.

(٦) أي : الإمام الناصر الأطروش عليه‌السلام.

(٧) أي : مرتكب الكبيرة عمدا الغير المخرجة من الملة.

(٨) لأن الطاعات شكر لله تعالى.

(٩) من المعتزلة وغيرهم ، فإنهم قالوا : لا يسمى كافر نعمة ؛ لأن الطاعات عندهم ليست بشكر ، والفسق لا ينافي الشكر عندهم.

١٧٣

وقد ثبت النص على إطلاقه على الإخلال بالشكر ، قال تعالى : (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ) (٣) ولأن الفسق الخروج من الحد عرفا ، فإذا جاز إطلاقه على فعل الكبيرة فبالحري ما هو دونه ، وهو الكفر عرفا.

فصل [في التكفير والتفسيق]

ولا إكفار ولا تفسيق إلا بدليل سمعي ؛ لأن تعريف معصيتهما لم يثبت إلا بالسمع إجماعا قطعي ـ لاستلزامهما الذم والمعاداة ، والقطع بتخليد صاحبهما في النار إن لم يتب وجميع ذلك لا يجوز إلا بقاطع إجماعا.

العترة عليهم‌السلام ، وصفوة الشيعة ، وجمهور المعتزلة وغيرهم : ومن شبّه الله بخلقه ، أو نسب عصيان العباد إليه تعالى كفر ؛ لعدم معرفته بالله [تعالى] ولسبه له جل وعلا والإجماع على كفر من جهل بالله تعالى أو سبه.

قديم قولي المؤيد بالله عليه‌السلام ، ومحمد بن شبيب ، والملاحمية [وغيرهم] (٤) : المجبرة عصاة وليسوا بكفار.

لنا : ما مر ، وقوله تعالى : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) (٥) فقد افترت المجبرة على الله الكذب ، حيث نسبت عصيان العباد إليه [تعالى] ، وكذبت هي والمشبهة بالصدق ؛ لأن الله تعالى يقول : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (٦) والمجبرة تقول : بل رضيه.

__________________

(١) في كتاب النبوة.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) النحل : ١١٢.

(٤) ما بين القوسين غير موجود في الشرح ، وهو موجود في المتن المطبوع.

(٥) الزمر : ٣٢.

(٦) الزمر : ٧.

١٧٤

ويقول تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (١) والمجسمة يقولون : بل هو كالأجسام ، فسماهم الله تعالى في آخر الآية (لِلْكافِرِينَ).

والإجماع على أن من رد آية فهو كافر.

وكذلك القول فيمن يقول : إنّ الله تعالى يحل في الكواعب الحسان ، ومن أشبههن من المردان ، عشقا منه لها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وإن أموال الناس والفروج المحرمة حلال ، وليس المراد بالجنة إلا وصل الحبيب ، و [لا] بالنار إلا هجره للآية ، ولردهم أيضا ما علم من الدين ضرورة ، وهو أيضا تكذيب لله ولرسوله.

وكذلك القول فيمن والى كافرا ؛ لقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (٢) أو صوّب عاصيا في عصيانه المتجاري عليه ؛ لرده ما علم من الدين ضرورة ؛ إذ هو تكذيب لما جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو جالسهم حال ارتكابهم فعل الكفر غير مكره لقوله تعالى : (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) (٣).

فرع

بعض أئمتنا عليهم‌السلام : وحكم نحو المجبرة حكم المشركين.

المهدي عليه‌السلام ، وأبو علي ، والقاضي (٤) ، وابن مبشر (٥) : بل حكم المرتدين ؛ لأن إظهارهم الشهادتين إسلام ، واعتقادهم ذلك ردة.

__________________

(١) الشورى : ١١.

(٢) المائدة : ٥١.

(٣) النساء : ١٤٠.

(٤) القاضي : هو القاضي عبد الجبار.

(٥) جعفر بن مبشر ، ورواه النجري عن القاسم ، وأبي طالب ، والجرجاني ، والمنصور بالله عليه‌السلام.

١٧٥

قلنا : إنما يشهدون بألوهية الفاعل للقبائح ، والمشابه للأجسام ، والعاشق للحسان لا بألوهية الله المتعالي عن ذلك ، وإن سلم فكالمنافق الذي لم يشم قلبه رائحة الإسلام يظهر الشهادتين ، وليس له حكم المرتد إجماعا.

أحد قولي أبي هاشم ، وثمامة : بل حكم الذمي (١). قلنا لم نعقد لهم ذمة (٢).

البلخي : بل حكم الفاسق (٣).

قلنا : صح كفرهم فلزم لهم أحكام الكفار ، لعدم الفارق ، ولا دليل على صحة ما ذكروه.

فصل

ومن خالف المؤمنين المقطوع بإيمانهم جملة ، نحو كل الأمة ، أو كل العترة عليهم‌السلام ، فيما مستنده غير الرأي عمدا فهو فاسق ؛ لقوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (٤).

وكذلك من بغى على أئمة الحق للآية والإجماع ، وكذلك من تولى الفساق أو جالسهم في حال عصيانهم غير مكره لنحو ما مر.

__________________

(١) لأنهم مستندون إلى كتاب ونبي كغيرهم من أهل الكتاب.

(٢) م ط (لم يعقد لهم ذمة كأهل الذمة).

(٣) في الدفن في مقابر المسلمين ، والمناكحة والتوارث ، ولهم في الآخرة حكم الكفار في العقاب.

(٤) النساء : ١١٥.

١٧٦

باب التوبة

لا خلاف في وجوبها (١) [فورا] ؛ لأن الإصرار على المعاصي عصيان ، والعاصي مخاطب بترك معصيته في كل وقت.

وتصح مدة العمر ما لم تحضره ملائكة الموت ؛ لقوله تعالى : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) (٢) ونحوها.

وهي : الندم والعزم على ترك العود إلى المعاصي.

مانكديم [هي] : الندم ، والعزم شرط فيها. وهو قريب (٣).

وشرطها (٤) : الإصلاح فيما يتعلق بالآدمي من تسليم النفس والأطراف للقصاص وتسليم الأروش والديون والودائع ، ونحو ذلك ، أو العزم إن لم يتمكن من ذلك حالها وأن يكون الندم لأجل وجه القبح من الإصرار وعصيان الله تعالى ؛ لأنه إذا كان الندم لأجل مشقة الفعل ، أو أمر دنيوي يتعلق به (٥) ، أو بالترك فقط (٦) ، أو للذم والعقاب فقط (٧) أو للمجموع من دون وجه القبح بقي التائب غير نادم من عصيان الله تعالى من الظلم ، وهما بذر القبح الذي ثمرته الذم والعقاب.

وقيل : غير ذلك. وهو صحيح إن تضمن الندم من وجه القبح. لكن هذا القدر كاف لحصول الرجوع من التائب والإقلاع بذلك.

__________________

(١) عقلا وسمعا ، أما عقلا فلأنها دفع ضرر عن النفس ، ودفع الضرر عن النفس واجب عقلا ، وأما سمعا فلورود الآيات الكثيرة.

(٢) الفرقان : ٢٢.

(٣) أي : قريب من الأولى ، أو قريب من القول الأول ؛ إذ لا ثمرة لهذا الخلاف.

(٤) أي : شرط صحتها أمران.

(٥) أي : يتعلق بالفعل من نقصان رزق ، أو حظ ، أو نحو ذلك.

(٦) أي : كان تركه للقبيح ، وفعله للطاعة لأمر دنيوي فقط.

(٧) لفظ المتن المطبوع (أو لأجل الذم والعقاب) وما أثبتناه لفظ الشرح المخطوط.

١٧٧

فصل

وهي مكفرة لكل معصية لقوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) (١) الآية.

ويبدل الله بها مكان السيئات حسنات لقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) (٢) الآية.

وقيل : يعود بالتوبة ما أحبطته المعصية (٣) ، ولا دليل على ذلك (٤).

ولا تتم النجاة بها إلا بعموم التوبة اتفاقا.

وفي إسقاطها لما خص بها من الذنوب خلاف ، الأصح أنه لا يقع (٥) لأن الآيات الواردة لا تدل إلا على العموم فقط ، نحو قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٦) ، ولا دليل على قبول توبة من خص بها بعض ذنوبه إلا قياس معارض بمثله ، فوجب طرحهما ، والرجوع إلى الآيات كما تقدم.

__________________

(١) طه : ٨٢.

(٢) الفرقان : ٧٠.

(٣) من ثواب الحسنات ، وهذا قول أبي القاسم البلخي ، وأبي بكر البخاري من أصحاب أبي هاشم ، وبشر بن المعتمر من البغدادية.

(٤) لأن انحباط الثواب ليس بعقاب ، وقد علمنا بالدليل القاطع بطلان الثواب بالمعصية ، فلا يعود بعد التوبة إلا بدليل ، وفي مسألة عود الحسنات ثلاثة أقوال : الأول : لا تعود مطلقا ، وهو قول الجمهور وأبي هاشم. الثاني : تعود مطلقا ، وهو قول أبي القاسم ومن معه. الثالث : تعود بتجدد الاستحقاق ، وهو قول الإمام المهدي وابن الملاحمي ، قال النجري : وهو الموافق للقواعد والأصول ، وهو اللائق أيضا بالعدل.

(٥) حكى الحاكم هذا القول عن الإمام علي عليه‌السلام ، وزيد بن علي ، وجعفر الصادق ، والقاسم بن إبراهيم عليه‌السلام ، وبشر بن المعتمر ، وجعفر بن مبشر ، وأبي عبد الله البصري ، قال الإمام المهدي عليه‌السلام : وهو قول واصل بن عطاء ، وقاضي القضاة ، وموسى بن جعفر وغيرهم ، وقال أبو علي : إنها تصح التوبة من قبيح مع إصراره على قبيح آخر.

(٦) طه : ٨٢.

١٧٨

ولقوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (١).

والإصرار على بعض المعاصي من الكبائر ، وهو غير مجتنب (٢) ، والآية تدل على عدم المغفرة مع عدم اجتناب الكبائر ، ولقوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٣) والمصر غير متّق.

فصل [في بيان الإحباط وكيفيته]

ومن لم يتب من المعصية الكبيرة الغير مخرجة من الملة وفعل طاعة ـ سقط القضاء إجماعا ، ولم تسقط هي شيئا من عقاب عصيانه ، وفاقا لأبي علي ، والإخشيدية (٤) المهدي عليه‌السلام ، والبهشمية ، وادعى القاضي جعفر الإجماع : بل فعل الطاعة يسقط بقدرها (٥) من عقاب عصيانه لقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (٦).

قلنا : [ذلك عام] مخصص بقوله تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٧) فلو كانت

__________________

(١) النساء : ٣١.

(٢) يحتمل أن يكون المعنى ، والمصر غير مجتنب لجميع الكبائر ؛ لأنه مصر على بعضها. وأن يكون المعنى : والإصرار غير مجتنب ، فالمصر فاعل لكبيرة ، وهي الإصرار ، فليس بمجتنب لجميع الكبائر ، فلا تكفر عنه سيئاته.

(٣) المائدة : ٢٧.

(٤) وهنا فرق بين قول أبي علي والإخشيدية ، فالإخشيدية تقول : تقع الموازنة بين الفعل ، وبين المستحق الذي هو الثواب والعقاب ، فيكون الساقط هو الفعل ، والمسقط هو المستحق فينحبط فعل الطاعة بالعقاب المستحق للمعصية ، ويتكفر فعل المعصية بالثواب المستحق على الطاعة.

وأما أبو علي فيقول : تقع الموازنة بين الفعلين فعل الطاعة وفعل المعصية ، ولا مدخل للمستحقين في إحباط ولا تكفير.

(٥) ش خ (بل فعل طاعته مسقط بقدرها).

(٦) الزلزلة ٧ ـ ٨.

(٧) المائدة : ٢٧.

١٧٩

مسقطة لكانت متقبلة ، وبقوله تعالى : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) (١) والخطاب للمؤمنين فقط ، وبقوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (٢) أي : باطلا ، فلو كان مسقطا لم يكن باطلا.

قالوا (٣) : يفرق في العقل بين من أحسن بعد الإساءة ، وبين من أساء ولم يحسن.

قلنا : يحسن في العقل رد إحسان المسيء الغير المقلع ، ومع الرد لا فرق بينه وبين من لم يحسن لعدم حصول ما يستحق به المكافأة ، وهو قبول الإحسان.

ولا تسقط حسنات الكافر شيئا من عقاب عصيانه اتفاقا ؛ لعدم حصول شرطها وهو الإسلام ، لقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (٤).

فصل [في ذكر التكفير للذنوب]

واكتساب الحسنات من المؤمنين وآلامهم النازلة يكفر الذنوب لقوله تعالى : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (٥) وقوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (٦) ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم) ونحوه (٧) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من وعك ليلة كفر الله عنه ذنوب سنة) ونحو ذلك (٨) مما تواتر معنى كما مر.

__________________

(١) آل عمران : ١٩٥.

(٢) الفرقان : ٢٣.

(٣) أي : من ذهب إلى الموازنة.

(٤) الكهف : ١٠٥.

(٥) هود : ١١٤.

(٦) النساء : ٣١.

(٧) في نسخة (ونحوها).

(٨) في نسخة (ونحوها).

١٨٠