الأساس لعقائد الأكياس

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي

الأساس لعقائد الأكياس

المؤلف:

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي


المحقق: محمّد قاسم عبد الله الهاشمي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٠٦

يرجعان إليه أو إلى غيره إن عدم المرجح ، وإن لم يعلما وجب على كل واحد منهما العمل بمقتضى ما رآه لا لأنهما مصيبان معا ، بل لإصابة الحق في حق المصيب ، ولاتقاء التجاري على الله (١) بالإخلال بما يرى وجوبه في حق المخطئ ، كمن يقسم في الليالي والقيلولة لمنكوحه في العدة جهلا ؛ إذ لا خلاف في وجوب القسمة لها ما دام جاهلا ، وفي أنه غير مصيب في حقيقة الأمر.

فصل [في ذكر النسخ والبداء]

والنسخ لغة : بمعنى الإزالة للشيء ، وبمعنى : النقل ، عند أئمتنا عليهم‌السلام ، وبعض المعتزلة (٢).

وقيل : بل حقيقة في الأول ، مجاز في الثاني. وقيل : بل العكس.

وشرعا : بيان انتهاء الحكم الشرعي بطريق شرعي ، واجبة التراخي عن وقت إمكان العمل.

والبداء لغة : الظهور. واصطلاحا : رفع عين الحكم المأمور به مع اتحاد الآمر والمأمور [به] ، والقوة والفعل ، والزمان والمكان لغرض تنبه له.

ولا يجوز البداء على الله تعالى خلافا لبعض الإمامية (٣). لنا : ما مر.

واتفق المسلمون على جواز النسخ عقلا وشرعا.

[قدماء] أئمتنا عليهم‌السلام : لأن لله [تعالى] أن يستأدي شكره ، وهو الامتثال والتعظيم بما شاء من العبادات ، ولكون غيرها مصالح ، وهي تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ، والأزمنة والأمكنة.

وقال غيرهم (١) : بل لأنها مصالح كلها. لنا : ما مر.

__________________

(١) أي : ولأجل تجنب التجرؤ على الله. وفي نخ (ولانتفاء التجاري على الله).

(٢) فهو حقيقة مشتركة في المعنيين معا.

(٣) ذكر النجري عن الشريف المرتضى أنهم يريدون بالبدا الذي يجوزونه النسخ لا البداء الذي يستلزم الغفلة.

١٤١

أكثر اليهود : لا يصح النسخ (٢).

لنا : ما مر ، وقد وقع ، وذلك تحريم نكاح الأخوات بعد أن كان مباحا لأولاد آدم [عليه‌السلام] وهذا لا يمكن اليهود دفعه ، والوقوع فرع الجواز.

وشريعة نبيئنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نسخت ما قبلها من الشرائع إلا بعض ما ورد عن لسانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحو آية القصاص.

وفي شريعته الناسخ والمنسوخ ، خلافا لأبي مسلم الأصفهاني في الكتاب.

لنا (٣) : قوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) أَوْ مِثْلِها (٤).

وقوله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) (٥).

وفي كتب الأصول ذكر قواعده ، وفي غيرها ذكر أعيانها (٦).

__________________

(١) أي : غير قدماء أهل البيت عليهم‌السلام.

(٢) لا عقلا ، ولا سمعا ، وبعضهم جوزه عقلا لا سمعا ، وبعضهم جوزه عقلا وسمعا ، وأنكر كون نبيئنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلا إليهم ، والباعث لهم على ذلك كله إنكار كون دين الإسلام ناسخا لما قبله من الشرائع.

(٣) قال في الشرح : لنا الإجماع على وقوعه ، كنسخ القبلة ، وقوله تعالى : (ما نَنْسَخْ) الخ.

(٤) البقرة : ١٠٦.

(٥) الرعد : ٣٩.

(٦) أي : أعيان مسائل الناسخ والمنسوخ ، إما في كتب مفردة لذلك ، أو داخلة في ضمن غيرها من الكتب ، وفي بعض النسخ (ذكر أعيانهما)

١٤٢

كتاب الإمامة (١)

هي لغة : التقدم ، وشرعا : رئاسة عامة (٢) باستحقاق شرعي لرجل ، لا يكون فوق يده [يد] مخلوق.

بعض أئمتنا عليهم‌السلام ، والبلخي ، وأبو الحسين البصري (٣) : وهي واجبة عقلا (٤) وسمعا.

بعض أئمتنا عليهم‌السلام (٥) ، والجمهور : بل سمعا فقط.

وقيل : لا تجب لما سيأتي لهم إن شاء الله تعالى (٦).

__________________

(١) قال في الشرح : واعلم أن مسألة الإمامة من أكبر مسائل أصول الدين وأعظمها ؛ لأنه يترتب عليها طاعة الله وطاعة الرسول ، والقيام بالشرائع والجهاد والموالاة والمعاداة والحدود وغير ذلك ، فتجب معرفتها على كل مكلف ، واستشهد بالآيات والأحاديث الدالة على وجوبها ، وذكر كلام الأئمة عليهم‌السلام في هذه المسألة فليرجع إليه.

(٢) قوله (عامة) لتخرج الرئاسة الخاصة كرئاسة الجند والسرايا وأمر معين ، وقوله : (باستحقاق شرعي) لتخرج الرئاسة التي تكون بالقهر والغلبة والاختيار من القبيلة لغير من يستحقها.

(٣) والجاحظ وغيرهم.

(٤) لحاجة الناس إلى الإمام لدفع ضرر بعضهم عن بعض ، وحفظ الشريعة ، وإحياء ما اندرس منها ؛ لأن الناس مع كثرتهم واختلاف هممهم ، وقوة دواعيهم إلى العدوان ، وميل أنفسهم إلى الظلم لا يكادون ينزجرون ، ولكف بعضهم شره عن البعض الآخر ، فالعقل يحكم بوجوبها لهذه ولغيرها.

(٥) الإمام المهدي عليه‌السلام.

(٦) أي : لا تجب الإمامة عقلا ولا سمعا ، قال في الشامل : أهل هذا القول أبو بكر الأصم ، وضرار ، وهشام الفوطي ، وبعض المرجئة ، وبعض الحشوية ، والنجدات من الخوارج ، قال : ثم اختلف هؤلاء فزعم الأصم أنه لا يجب نصب الأئمة في كل وقت ، وإنما يجب عند ظهور الظلم والتظالم بين الخلق ؛ ليدفع بنصب الإمام ظلم الناس ، وأما هشام فزعم أن الأمر على عكس ذلك ، وقال : لا يجب نصبه عند ظهور الظلم والتظالم بين الخلق ؛ لأنهم ربما قتلوه فيصير نصبه سببا في الفتنة ، فأما عند عدم الظلمة ، وخلو الزمان عنهم فإنه يجب نصبه لإظهار شعار الإسلام ، وقوة شوكته.

١٤٣

قلنا : التظالم واقع ، ولا يتم دفعه إلا برئيس ، ودفع التظالم واجب عقلا ، فوجب إقامة رئيس لذلك.

ودليلها شرعا قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ) وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١).

ومن السنة ما يأتي إن شاء الله تعالى ، والإجماع.

فصل

ويجب على المسلمين في كل عصر إعانة من يصلح لها إجماعا ؛ لأن ثمرتها وهي حفظ بيضة الإسلام ودفع التظالم ، وإنصاف المظلومين ، وإقامة الحدود ، ونحو ذلك لا يختص وقتا دون وقت.

ولا يخلو الزمان ممن يصلح لها لأخبار صحيحة نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أهل بيتي كالنجوم كلما أفل نجم طلع نجم) (٢).

وقيل : لا يجب (٣) لخلو بعض الأزمنة عن إمام ؛ لأنها لو كانت واجبة لكانت الأمة في ذلك العصر مجمعة على الإخلال بالواجب ، [ولا يجوز أن تجمع الأمة على الإخلال بالواجب] ؛ إذ لا تجتمع على ضلالة.

قلنا : قد ثبت الإجماع على ما ذهبنا إليه ، وإنما خلا بعض الأزمنة لقهر الظلمة من يعين صاحبها الذي هو شرط في وجوبها ، أو لخذلان الأكثر.

__________________

وأما النجدات من الخوارج ، وضرار بن عمرو فلم يوجبوا نصب الإمام في حالة من الحالات ، وروى هذا عنهم أيضا القرشي في المنهاج.

(١) البقرة : ١٢٤.

(٢) انظر تخريجه في المصابيح الساطعة المقدمة.

(٣) أي : لا يجب إعانة من يصلح لها ؛ لأنه لا تجب عندهم الإمامة لا عقلا ولا سمعا كما تقدم ، ولما ذكره أيضا في المتن.

١٤٤

فالمغلوب عن الشرط ، والأقل العازم [على المعاونة] غير مخل ، إذ العزم كاف ، كمن يجبر على ترك الصلاة ، وكالحج لا يجب على أحد حتى يتمكن من شرط وجوبه ، وهو الزاد والراحلة ، وكفاية من يمون حتى يرجع.

والمغلوب والأقل غير متمكن.

فصل [في شروط الإمامة]

وشروط صاحبها البلوغ ، والعقل ، لإجماع على أن لا ولاية للصبي والمجنون.

والذكورة ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) (١).

والحرية ؛ لأن العبد مملوك الرقبة والتصرف.

العترة عليهم‌السلام ، والجمهور : والمنصب ، خلافا للنظام ، ونشوان ، والخوارج ، وبعض الحشوية : مطلقا (٢) ، ولأبي علي إن عدم القرشي.

قلنا : لا دليل على ثبوتها لمن عداه.

العترة عليهم‌السلام وشيعتهم : وهو الوصي والحسنان وذريتهما.

وقيل : منصبها الوصي عليه‌السلام ، وذريته جميعا.

قلنا : لا دليل على ثبوتها لمن عدا من ذكرنا ، وهي مما تعم [بها] البلوى ، فلو كان لظهر ، كدليل الحج ونحوه.

الراوندي : بل العباس وبنوه من بعده.

قلنا : لا دليل [على ما ابتدعت] كما ذكرنا ، وأيضا لم يدّعها العباس ، ولا ولده عبد الله بن العباس ، بل قال العباس للوصي عليه‌السلام : « امدد يدك أبايعك » ومبايعة عبد الله بن العباس للوصي لا تنكر.

__________________

(١) البخاري في المغازي ٤٠٧٣ ، والفتن ٦٥٧٠ ، والترمذي في الفتن ٢١٨٨ ، والنسائي في آداب القضاء ٥٢٩٣.

(٢) أي : سواء وجد القرشي أم لم يوجد ، والعربي والعجمي والزنجي وغيرهم سواء عندهم.

١٤٥

جمهور المعتزلة ، وغيره (١) : بل قريش (٢) ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (الأئمة من قريش) (٣).

قلنا : هذا الحديث غير صحيح ، لقول عمر بن الخطاب : « لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا ما شككت فيه » وسالم المذكور ليس من قريش ، ولم ينكر من حضر من الصحابة على عمر ، فلو كان الحديث صحيحا لأنكروا عليه ، مع أنه آحادي لا يثبت الاحتجاج به في هذه المسألة ؛ لأنها من أصول الدين.

وإن سلم فهو مجمل بيّنه خبر الوصي [عليه‌السلام] : (الأئمة من قريش في هذا البطن من هاشم) (٤) وما يأتي من النصوص إن شاء الله تعالى.

بعض المعتزلة : بل كل العرب (٥).

قلنا : لا دليل ، ولنا قوله تعالى : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) (٦) أي : من لحمته ، وقوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) (٧).

جمهور أئمتنا عليهم‌السلام : والاجتهاد.

بعض متأخري الزيدية ، والغزالي : فإن لم يوجد فالتقليد كاف.

__________________

(١) كالأشعرية.

(٢) م ط (بل كل قرشي).

(٣) أخرجه أحمد في مسنده ، والنسائي في السنن الكبرى.

(٤) النص كما ذكره شارح الأساس رحمه‌الله : (أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ؛ كذبا وبغيا علينا أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستضاء الهدى ، وبنا يستجلى العمى ، إن الأئمة من قريش في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم).

(٥) هذه رواية القرشي ، ولعله أخطأ في النقل ، وفي حاشية قال في شرح الفتح : الذي سمعته ورأيته في كتب الأصول وغيرها ، أن المعتزلة يقولون بجوازها في قريش لا في جميع الناس ، وهذا هو الذي ذكره الإمام الهادي عليه‌السلام.

(٦) هود : ١٧.

(٧) الأنفال : ٧٥. الأحزاب : ٦.

١٤٦

لنا : إجماع الصدر الأول على وجوب الاجتهاد ، ولقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١)

ولا يخلو الزمان من مجتهد لما مر.

الحشوية : لا يشترط العلم رأسا.

لنا : الإجماع ، والآية كما مر.

والورع ـ خلافا للحشوية.

لنا : قوله تعالى : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢).

واجتناب المهن المسترذلة. خلافا للحشوية.

قلنا : اختلت العدالة ، والإجماع على اعتبارها.

والأفضلية. لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من ولى رجلا وهو يعلم أن غيره أفضل منه فقد خان الله في أرضه).

والشجاعة. وحدّها : أن يكون معه من رباطة الجأش ما يتمكن معها من تدبير الحروب عند فشل الجموع ؛ لئلا تتحطم جيوش المسلمين.

والتدبير. والقدرة على القيام بثمرة الإمامة لئلا تنتثر. والسخاء. بوضع الحقوق في مواضعها ؛ لأن ذلك من ثمرة الإمامة ؛ ولأن المنع حيف تسقط به العدالة.

والسلامة من المنفرات. نحو الجذام ، والبرص ليتمكن من مخالطة المسلمين.

وسلامة الحواس والأطراف التي يختل القيام بثمرة الإمامة عند فقدها.

وزاد أبو العباس (٣) والإمامية : العصمة.

__________________

(١) يونس : ٣٥.

(٢) البقرة : ١٢٤.

(٣) أبو العباس : أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، الهاشمي ، الحسني ، السيد الإمام أبو العباس ، قال المنصور بالله

١٤٧

ولا دليل عليها إلا تقدير حصول المعصية لو لم يكن معصوما.

قلنا : ذلك التقدير حاصل في المعصوم ، قال تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (١) قالوا : فإنه امتنع وقوعها من المعصوم بخلاف غيره.

قلنا : ما دام عدلا فلا وقوع ، وإن وقعت منه فكما لو مات المعصوم.

وزاد الإمامية : أن يولد عالما.

وذلك باطل حيث لم يثبت ذلك للأنبياء صلوات الله عليهم ، قال تعالى : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) (٢) ، وقال تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (٣) وقال تعالى حاكيا عن موسى عليه‌السلام : (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) (٤).

فصل

ولا تثبت لأحد إلا بدليل شرعي إجماعا ؛ لترتب كثير من الشرائع عليها ، ولا طريق إلى من يقوم بها إلا الشرع.

__________________

عليه‌السلام : هو الفقيه المناظر ، المحيط بألفاظ العترة أجمع غير منازع ولا مدافع ، قال الفقيه حسام الدين بن حميد الشهيد : قال أبو العباس : دخل الري [وهي طهران] سنة ٣٢٢ ه‍ ، وحدث عن شيخ العلوية أبي زيد عيسى بن محمد العلوي ، وعبد الرحمن بن أبي حامد ، ويحي بن محمد بن الهادي ، وعليه سمع الأحكام والمنتخب ، ومنه اتصل إسناد أهل اليمن والجيل ، وعنه الأخوان جميع كتب الأئمة وشيعتهم وغيرهما ، وله مؤلفات منها : شرح الأحكام ، مسلسل الأحاديث ، وشرح الإبانة ، والمصابيح .. توفي سنة ٣٥٣ ه‍ (انظر تراجم الجنداري شرح الأزهار ١ / ٣).

(١) الزمر : ٦٥.

(٢) الشورى : ٥٢.

(٣) الضحى : ٧.

(٤) الشعراء : ٢٠.

١٤٨

العترة عليهم‌السلام جميعا والشيعة : والإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، ثم الحسن ، ثم الحسين عليهما‌السلام.

سائر الفرق : بل أبو بكر (١) ثم عمر (٢) ثم عثمان (٣).

جمهورهم : ثم علي عليه‌السلام.

العثمانية : لا بل ثم معاوية (لعنه الله).

لنا [قوله تعالى] : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (٤).

بيان الاحتجاج بهذه الآية أن المعنى بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) إلى آخرها علي عليه‌السلام ؛ لوقوع التواتر بذلك من المفسرين وأهل التواريخ ، وإطباق العترة عليهم‌السلام وشيعتهم على ذلك.

__________________

(١) أبو بكر : هو عبد الله بن أبي قحافة ، عثمان بن عامر بن كعب التميمي ، القرشي ، أبو بكر الصديق ، أول الخلفاء ، ولد بمكة ، ونشأ غنيا موسرا ، وعالما بأخبار القبائل وأيامها وأنسابها ، حرم على نفسه الخمر في الجاهلية فلم يشربها ، وأسلم بعد البعثة ، وكان له في عصر النبوة مواقف كثيرة ، فتحت في أيام توليه الشام ، وقسم من العراق ، مدة توليه الخلافة سنتان وثلاثة أشهر ، وتوفي بالمدينة ، وأخباره كثيرة ، وفي سيرته كتب.

(٢) عمر : هو عمر بن الخطاب بن نفيل القرشي العدوي ، أبو حفص الفاروق ، تولى الخلافة بعد أبي بكر ، ولد سنة ٤٠ قبل الهجرة ، أسلم قبل الهجرة بخمس سنين ، وفي أيامه فتح الشام والعراق ، والقدس ، والمدائن ، ومصر ، وهو أول من دون الدواوين في الإسلام ، وأخباره كثيرة في كتب التاريخ وكتب الرجال ، قتله أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة غيلة بخنجره وهو في صلاة الصبح سنة ٢٣ ه‍.

(٣) عثمان : هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية [٤٧ ق ه ٣٥] ولد بمكة ، وأسلم بعد البعثة بقليل ، وشهد أغلب المشاهد ، وصارت إليه الخلافة بعد عمر بن الخطاب سنة ٢٣ ه‍ وافتتحت في أيامه أرمينية والقوقاز ، وخراسان ، وكرمان ، وسجستان ، وإفريقية ، وقبرص ، نقم عليه المسلمون اختصاصه أقاربه من بني أمية بالولايات والأعمال ، وأموال بيت المال ، فجاءته الوفود من الكوفة والبصرة ومصر ، وطلبوا منه عزل أقاربه وإصلاح ما حصل من فساد فامتنع ، ووقعت منه أحداث مثل نفي أبي ذر ، وضرب ابن مسعود ، فحصر في داره بعد أن عمل مروان وسائر بني أمية على تأجيج الثورة عليه ، ثم قتل في داره.

(٤) المائدة : ٥٥.

١٤٩

وورد بلفظ الجمع من باب إطلاق العام على الخاص.

ونظيره قوله تعالى : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ [حَتَّى يَنْفَضُّوا]) (١) الآية ؛ لأن المعني بها عبد الله بن أبي وحده لنقل المفسرين ذلك.

وكلمة (ولي) مشتركة بين معان ، فيجب حملها على جميع معانيها الغير ممتنعة على قاعدة أئمتنا عليهم‌السلام والجمهور (٢) ، وبدليل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) (٣) وهي من الله سبحانه معظم الرحمة ، ومن الملائكة عليهم‌السلام الدعاء والاستغفار.

وتناول لفظ شيء في قوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (٤) الآية ـ كلّما يسمى شيئا على اختلاف الماهيات ، وصحة الاستخدام نحو قول الشاعر :

إذ نزل السماء بأرض قوم

رعيناه وإن كانوا غضابا

أراد بالسماء وهو لفظ واحد : المطر ، والنبات معا ، بدليل قوله : نزل [السماء] ، و [قوله] : رعيناه.

ومن جملة معاني ولي : مالك التصرف.

ومما يدل على إمامته عليه‌السلام [من السنة] قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ألست أولى بكم من أنفسكم لا أمر لكم معي؟) قالوا : بلى يا رسول الله. فقال : (من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله) (٥). وهذا الخبر متواتر مجمع على صحته.

__________________

(١) المنافقون : ٧.

(٢) في أن المشترك يحمل على جميع معانيه إن لم يصرف عن بعضها قرينة.

(٣) الأحزاب : ٥٦.

(٤) النساء : ٥٩.

(٥) أحمد ٩٠٦ ، والترمذي في المناقب ٣٦٤٦ ، وابن ماجه في المقدمة ١١٨.

١٥٠

وبيان الاستدلال به : أن كلمة مولى مشتركة بين معان ، من جملتها مالك التصرف ، فهو مفيد لمعنى الإمامة على قواعد كل مذهب.

أما على قاعدة أئمتنا عليهم‌السلام والجمهور فكما مر.

وأما على قاعدة غيرهم فقد أجمعوا على أن المشترك يحمل على أحد معانيه إن دلت عليه قرينة ، ومعنى الإمامة قد دلت عليه قرينة لفظية [وهي] قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [في أو ـ له] : (ألست أولى بكم من أنفسكم) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا أمر لكم معي) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخره : (وانصر من نصره واخذل من خذله).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي كرم الله وجهه : (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) (١) وهذا الخبر متواتر مجمع على صحته [أيضا].

وبيان الاستدلال به أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أثبت له جميع ما لهارون من موسى إلا النبوة ، ولو علم شيئا لم يكن له لأخرجه.

ومن جملة ما لهارون من موسى الخلافة بدليل قوله تعالى : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٢) فإن قيل : لم يعش هارون بعد موسى ، فلم تثبت له [الخلافة] بعده.

فالجواب ـ والله الموفق ـ أنه لا خلاف أنه لو عاش هارون عليه‌السلام لكانت الخلافة له ؛ ولأنه شريك موسى صلوات الله عليهما في أمره ، لقوله تعالى حاكيا عن موسى : (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (٣) وقيام الشريك بحقه أولى من قيام غيره به.

وما تواتر معنى من الأخبار المصرحة بالإمامة نحو خبر (البساط) (١) وخبر (العمامة) (٢) وغيرهما مما لا يسعه كتابنا هذا من روايات المؤالف والمخالف (٣).

__________________

(١) هذا الحديث من المتواتر كما ذكر المؤلف رحمه‌الله ، وقد رواه أئمة أهل البيت وشيعتهم ، والجم الغفير من أهل السنة ، وانظر المصابيح.

(٢) الأعراف : ١٤٢.

(٣) طه : ٣٢.

١٥١

__________________

(١) هو ما رواه الفقيه حميد الشهيد رحمه‌الله تعالى ، يرفعه إلى أنس بن مالك ، قال : (أهدي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بساط من خندف ، فقال لي : يا أنس ابسطه. فبسطته. ثم قال لي : ادع لي العشرة) وفي رواية (ادع الثلاثة أبا بكر ، وعمر ، وعثمان) فلما دخلوا أمرهم بالجلوس على البساط ، ثم نادى عليا فناجاه طويلا ، ثم رجع علي فجلس على البساط ، ثم قال : يا ريح احملينا. فحملتنا الريح. قال : فإذا البساط يدف بنا دفا. ثم قال : يا ريح ضعينا. ثم قال : أتدرون في أي مكان أنتم؟ قلنا : لا. قال : هذا موضع أصحاب الكهف والرقيم ، قوموا فسلموا على إخوانكم ، قال : فقمنا رجلا رجلا فسلمنا عليهم رجلا رجلا ، فلم يردوا علينا السلام ، فقال علي بن أبي طالب : السلام عليكم معاشر الصديقين والشهداء ، فقالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، قال : فقلت ما بالهم ردوا عليك السلام ، ولم يردوا علينا؟ فقال علي : ما بالكم لا تردون على إخواني السلام؟ فقالوا : إنا معاشر الصديقين والشهداء لا نكلم أحدا بعد الموت إلا نبيا أو وصيا. ثم قال : يا ريح احملينا فحملتنا الريح ، فإذا الريح تدف بنا دفا ، ثم قال : يا ريح ضعينا. فإذا نحن بالحرة ، فقال عليه‌السلام : ندرك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ في آخر ركعة ، فطوينا وأتينا ، فإذا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ في آخر ركعة (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً).

(٢) روى الفقيه حميد الشهيد رحمه‌الله بإسناده عن عبد الله بن أنيس قال : برز يوم الصوح أسد بن غويلم فاتك العرب ، يجيل فرسه ، ويدير رمحه ويقول :

وجرد سعال وزعف مذال

بأيدي رجال كآساد ديس

إلى آخر شعره .. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من قام إلى هذا المشرك فله على الله الجنة والإمامة ، فأحجم الناس فقام علي تهزه العروى ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يا ذا القبقب ما لك؟) قال : ظمآن إلى البراز ، سغب إلى القتال ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (نحن بنو هاشم جود مجد ، لا نجبن ولا نغدر ، أنا وعلي من شجرة واحدة لا يختلف ورقها. أخرج إليه ولك الإمامة من بعدي ، فخرج وضربه في مفرق رأسه ، والناس ينظرون فبلغ سيفه إلى السرج ، وخر نصفين ، وانهزم المشركون ، وآب علي عليه‌السلام يهز سيفه ويقول : [وذكر شعر الإمام علي عليه‌السلام ، وفي آخره] :

قد قال إذ عممني العمامة

أنت أخي ومعدن الكرامة

ومن له من بعدي الإمامة

قال : وراوه الحاكم من كتاب الناصر عليه‌السلام بإسناده عن عبد الله بن أنيس ، قال ، ورواه الحاكم أيضا عن أبي رافع.

(٣) منها : حديث الطائر ، وخبر المؤاخاة ، والأخبار الدالة على عصمته ، والخبر المروي في قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) وقصة براءة ، وقصة فتح خيبر ، وخبر الموازنة ، والأخبار الدالة على أنه سيد

١٥٢

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، وأبو هما خير منهما) أي : في صلاحيته عليه‌السلام للإمامة ، ولذلك لم ينازعاه في تقدمه كرم الله وجهه عليهما ، وهذا المعنى لا يختلف عند أهل اللسان العربي ، وهذا الخبر مجمع على صحته.

العترة [عليهم‌السلام] والشيعة : ولا دليل على إمامة من ذكره المخالف.

البكرية (١) : بل النص الجلي في أبي بكر.

قلنا : لم يظهر [هذا] والإجماع على وجوب ظهور ما تعم به البلوى علما وعملا الحسن البصري (٢) : بل النص الخفي المأخوذ من الإمامة الصغرى.

قلنا : هي بمعزل عن الإمامة الكبرى ، بدليل أنها تصح من المماليك ، وإن سلم ففي الرواية الصحيحة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يأمره ، وإنما أمرته عائشة ، وإن سلم فأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إياه أولا ، وعزله إياه آخرا بيان منه لعدم استحقاقه.

وقيل : بل النص في أبي بكر وعمر معا ، وهو قوله تعالى : (سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ [أَوْ يُسْلِمُونَ]) (٣) إذ الداعي لهم أبو بكر إلى قتال بني حنيفة ، وعمر إلى قتال فارس والروم ، لأن الآية خطاب للمخلفين ، ولم يدعهم النبي صلى

__________________

العرب ، والأخبار الدالة على أنه خلق من نور النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والخبر الذي فيه (علي مني وأنا من علي ، وهو وليكم بعدي) والكثير الكثير ، ولو لم يكن إلا حديث الغدير ، وقد ألفت الكتب في هذا المعنى ، وأوردت الأخبار وصححت ، ولكن الهوى والانحراف هما اللذان يضلان الأمم ، ويغمطان الحق ، ويزينان الباطل.

(١) البكرية : هم أصحاب بكر بن عبد الواحد ، من فرق المجبرة.

(٢) الحسن البصري : الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصري ، أبو سعيد ، مولى أم سلمة ، أحد الأعلام ، كان إمام أهل البصرة ، ومن عظماء التابعين وكبارهم ، اشتهر بعلمه وزهده وتقواه ، وهو من أشهر المحدثين روى عن أمم ، وروى عنه أمم كثيرة.

(٣) الفتح : ١٦. الضمير في (سَتُدْعَوْنَ) للمخلفين ، وزعم صاحب هذا القول أنهم الذين تخلفوا في غزوة تبوك ، وهي آخر غزوة غزاها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه ، وكانت في رجب سنة تسع ، قالوا : والداعي لهم أبو بكر إلى قتال بني حنيفة ، وعمر إلى قتال فارس والروم ، ولم يدعهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا كان الداعي لهم أبو بكر وعمر دل على إمامتهما.

١٥٣

بدليل قوله تعالى : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا) (١) [الآية].

قلنا : بل المراد دعوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين أمر عليهم أسامة بن زيد (٢) ، فتخلفوا عنه ، فهو الداعي لهم ، ولا تنافي [إذ لم يخرجوا معه] والآية لم تمنع إلا من الخروج معه لا من الدعاء ، [هذا] إن سلمنا أن المعني بقوله : (سَتُدْعَوْنَ) هو المعني بقوله ـ : (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) أو من قبل إلى غطفان وهوازن يوم حنين كما هو مذهب بعض المفسرين ؛ لأن قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ) الآية نص في أن المراد بها متخلفو الأعراب فقط ، ولم يمنع قوله تعالى : (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) إلا طائفة يرجع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إليهم ، وهم متخلفو أهل المدينة ؛ لأن رجوعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إلى [أهل] المدينة لا إلى الأعراب.

سلمنا (٣) أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يدع طائفة منهم ، لكنه قد دعا من عدا تلك الطائفة.

سائرهم (٤) : بل الإجماع (٥).

قلنا : دعوى الإجماع باطلة لاشتهار خلاف أمير المؤمنين كرم الله وجهه ، وأهل بيته عليهم‌السلام ، وشيعتهم [رضي الله عنهم] سلفا يعقبهم خلف إلى الآن.

__________________

(١) الأنفال : ٨٣.

(٢) أسامة بن زيد : هو أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي الأمير ، حبّ رسول الله وابن حبه ، يكنى أبا محمد ، وأبا زيد ، مات سنة ٥٤ ه‍ وهو ابن ٧٥ سنة بالمدينة.

(٣) م ط (وإن سلمنا).

(٤) أي : سائر من ذهب إلى إمامة أبي بكر وعمر وعثمان غير من تقدم ذكره.

(٥) قالوا : أما إمامة أبي بكر فأجمعت الأمة على بيعته يوم السقيفة بعد المنازعة ، فآل أمرهم إلى الوفاق ، وأما عمر فلما نص عليه أبو بكر لم ينازعه أحد ، وأما عثمان فلما جعلها عمر شورى بين الستة المعروفين ، ورضيت الأمة بفعله ، ثم تراضى الستة بتفويض عبد الرحمن بن عوف فيمن اختاره فرضي عثمان ، وتابعه البقية فكان إجماعا.

١٥٤

فرع [حكم من تقدم الوصي عليه‌السلام]

واختلف في حكم من تقدم الوصي [عليه‌السلام].

والحق أنهم إن لم يعلموا استحقاقه عليه‌السلام دونهم بعد التحري فلا إثم عليهم وإن أخطئوا ؛ لقوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) (١) ولم يفصل.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) ولم يفصل.

وإن علموا فخطيئتهم كبيرة ؛ للإجماع على أن منع إمام الحق من تناول الواجب ، أو منع الواجب منع بغي عليه ، والإجماع على أن البغي عليه فسق ؛ لأنه اتباع لغير سبيل المؤمنين ، والله تعالى يقول : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (٢).

ولعل توقف من توقف من أئمتنا عليهم‌السلام لعدم حصول العلم بأنهم علموا أو جهلوا [ذلك] ومعارضة إبقائهم على الأصل من الجهل باستحقاقه [عليه‌السلام] بأن الأصل في أعمال المكلفين التي تعلق بالحقوق العمد ، ألا ترى لو أن رجلا قتل رجلا ثم ادعى الخطأ أنه لا يقبل قوله بالإجماع.

وبوجوب (٣) حمل علماء الصحابة على السلامة ، وعدم الإخلال بتعريفهم ؛ إذ مثل ذلك واجب لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (٤) ولنقل تعريفهم إياه نقلا لم يبلغ حد التواتر ، وجب الوقف في حقهم دون علماء الصحابة لحصول

__________________

(١) الأحزاب : ٥.

(٢) النساء : ١١٥.

(٣) في نسخة (ولوجوب).

(٤) البقرة : ١٥٩.

١٥٥

العلم بتلبسهم بالمعصية ، وهو اغتصاب إمامته عليه‌السلام ، ولم يحصل مثل ذلك في حق علماء الصحابة.

فإن قيل : فحاصل الكلام أن أمرهم ملتبس ، والأصل الإيمان فلنتولهم إبقاء [لهم] على الأصل.

قلت ـ وبالله التوفيق ـ : [إن] ذلك معارض بأن الأصل في كل معصية (١) الكبر ، كما هو مذهب عيون العترة عليهم‌السلام (٢) ، لقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) (٣) وقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (٤). وأيضا حصول الالتباس نسخ العلم بإيمانهم في الظاهر ، ولا يصح التولي إلا مع العلم بالإيمان في الظاهر بإجماع العترة عليهم‌السلام.

فإن قيل : قد ثبت عن أهل المذهب وجوب صلاة الجنازة على من شهدت قرينة بإسلامه ، والدعاء له مشروع فيها ، وهو فرع التولي.

قلت ـ [وبالله التوفيق] ـ : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (كل مولود يولد على الفطرة) (٥) يوجب العلم بإيمانه في الظاهر ، ولم يعلم تلبسه بمعصية ، فلم ينسخ العلم بإيمانه [الظاهر شيء] مع أن قياس ما المطلوب فيه العلم على الظني كما هو مذهبكم في الفروع لا يصح إجماعا.

__________________

(١) المراد : المعصية المتعمدة.

(٢) قال في الشرح : قلت : المعصية هي اغتصاب الإمامة ، وهي بغي ، والبغي على الإمام فسق ، ولا حاجة إلى القول بأن الأصل في كل معصية الكبر ؛ لأن هذه معصية إن وقعت عمدا ، فقد دل الشرع على كبرها ، وإن وقعت سهوا وخطأ فلا إثم أصلا لما مر.

(٣) النساء : ١٤.

(٤) الجن : ٢٣.

(٥) البخاري في الجنائز برقم ١٢٧٠ ، ١٢٧١ ، ١٢٩٥ ، ومسلم في القدر ٤٨٠٣ ، والترمذي القدر ٢٠٦٤ ، والنسائي في الجنائز ، وأبو داود في السنن.

١٥٦

[حكم أبي بكر في فدك]

الإمام يحي ، والإمام المهدي عليهما‌السلام : وحكم أبي بكر في فدك صحيح ؛ لأنه حكم باجتهاده.

قلنا : هو المنازع ، وأيما منازع حكم لنفسه فحكمه باطل إجماعا ، ولو لم يخالف اجتهاده (١) قال الشاعر :

ومن يكن القاضي له من خصوم

أضرّ به إقراره وجحوده

وأيضا فإن الإمام عندهما [عليهما‌السلام] علي عليه‌السلام ، وهو لم يرض ولايته فكيف يصح قضاؤه؟!.

وأيضا كانت اليد لفاطمة عليها‌السلام ، لأن في الرواية أنها [عليها‌السلام] أتته تطلب حقها بعد أن رفع عاملها ، فإيجاب البينة عليها خلاف الإجماع.

وأيضا اعتمد على خبره ، وهو (نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما خلفناه صدقة).

مع احتمال أن يكون معناه : أن الصدقة [أي] الزكاة التي لا تحل لبني هاشم غير موروثة ، بل تصرف في مصرفها ، ولفاطمة عليها‌السلام أن تعتمد على خبرها ، وخبر علي ، والحسن ، والحسين عليهم‌السلام ، صح لنا ذلك من رواية الهادي عليه‌السلام [في كتاب تثبيت الإمامة] (٢) وأم أيمن (٣) [أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنحلها] (١) مع أنه نص صريح لا يحتمل التأويل.

__________________

(١) مع العلم أن أمير المؤمنين لم يحكم لنفسه في قضية النصراني ، بل تحاكما إلى شريح ، وكذلك روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه لم يحكم لنفسه بل حاكم إلى علي عليه‌السلام ؛ لأن الله سبحانه أمر المتحاكمين أن يتحاكما إلى غيرهما ؛ لأن الحاكم لنفسه متهم بالميل ، ولو حكم بالحق ، وإذا كانت شهادة الخصم على خصمه غير مقبولة فما ظنك بالحكم.

(٢) ما بين القوسين جعله في الشرح من الشرح لا من المتن.

(٣) أم أيمن : هي الصحابية الجليلة ، وهي أم أسامة بن زيد ، وهي عتيقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد بشرها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنة.

١٥٧

ثم لا يكون الأولى بترجيح دعواه لأنهما متنازعان ، كل يجر إلى نفسه ، مع أن الخبرين لا يكذب أحدهما الآخر ، لأن خبره متضمن عدم استحقاقها الإرث بزعمه ، وخبرها متضمن لعقد عقده لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حياته ، وإذا ثبت الحكم [من أبي بكر] لنفسه بلا مرجح كما تقرر ، فالعقل والشرع يقضيان ببطلانه.

وأيضا [نقول : إن] خبر علي والحسن ، والحسين عليهم‌السلام ، وأم أيمن رضي الله عنها أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنحلها) دليل على ذلك لا [أنه] شهادة يجب تتميمها ، كسائر ما يروى [عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] من الأخبار المثبتة للحقوق ، ولو لم يكن إلا خبره (أن الخليفة أولى بميراث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (٢) وإلا لزم مثل ذلك في كل خبر يثبت حقا لآدمي لم يتواتر [نقله] كحق الشفعة للجار ؛ لأن كل حق يثبت بالسنة لم يثبت لأحد ، معينا كان كفاطمة عليها‌السلام ، أو غير معين إلا بخبر [راو] واحد أو أكثر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أثبته له به لا بالشهادة إجماعا بين الناس ، ولو لم يكن إلا خبر معاذ الذي قبله أبو بكر ، وذلك أنه قدم برقيق من هدايا اليمن ، فهمّ أبو بكر بأخذه عملا بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (هدايا الأمراء غلول) (٣) فقال معاذ : طعمة أطعمنيها

__________________

(١) وقال الإمام الموفق بالله أبو عبد الله الحسن بن إسماعيل الحسني عليه‌السلام في كتاب الإحاطة : وقيل : إنه شهد لفاطمة بالنحلة أبو سعيد الخدري ، وقال : أشهد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطى فاطمة فدكا ، لما أنزل الله (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ).

(٢) قال في الشرح : ولعله أراد عليه‌السلام بهذا الخبر ما رواه أبو بكر : (نحن معاشر الأنبياء لا نورث) إلا أنه عليه‌السلام حكاه بالمعنى ، أو ما رواه ابن بهران في تخريجه عن أبي الطفيل ، قال : جاءت فاطمة إلى أبي بكر تطلب ميراثها من أبيها ، فقال لها : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : (إن الله إذا أطعم نبيه طعمة فهو للذي يقوم من بعده) قال : أخرجه أبو داود.

(٣) في كتب الحديث (العمال) بدل الأمراء ، أخرجه البخاري في الجمعة ٨٧٢ ، ورقم ٦٤٦٤ ، ومسلم في الأمارة ٣٤١٣ ، وأبو داود في الخراج والأمارة والفيء ٢٥٥٧ ، والدارمي في الزكاة ١٦٠٩.

١٥٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فأقره أبو بكر على ذلك ، وأخذت منه العلماء أنه إذا أذن الإمام لعامله في الهدايا حلت له.

وخبر عمر (أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعده إذا جاء مال البحرين بكذا وكذا) فصدّقه أبو بكر ، وحثا له حثية ، فعدها فإذا هي خمسمائة ، وقال : خذ مثلها) (١).

وإذا كان خبر فاطمة عليها‌السلام دليلا كما تقرر ثبت الحق لفاطمة عليها‌السلام بالدليل لا بالشهادة ، ولم يثبت لأبي بكر لا بدليل أنه بقي [موروثا] ولم ينحله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة عليها‌السلام ، حتى كان الأولى به [للخبر الذي رواه] ولا بشهادة [أتى بها وهذا] إن سلمنا صحة خبره أو معناه ، إذ القضاء بما ثبت بالدليل حق ، وبما لم يثبت به باطل عقلا وشرعا. قالا : لم ينقضه الوصي عليه‌السلام.

قلنا : إن سلم فحق له ولبنيه ، إن شاءوا أخذوه ، وإن شاءوا تركوه.

فصل

وإمامة الحسن عليه‌السلام بعد أبيه علي كرم الله وجهه.

وإمامة الحسين بعد أخيه الحسن عليهما‌السلام.

العترة عليهم‌السلام والشيعة : والإمامة بعد الحسين عليه‌السلام في سائر العترة عليهم‌السلام فقط.

سائر الفرق : بل وفي غيرهم على اختلاف الآراء كما مر.

قلنا : لا دليل عليها في غيرهم [كما مر] ولنا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا) (٢) الخبر ، وهو متواتر مجمع على صحته.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى ، ومن قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال) (٣) ، وهذا الخبر أيضا

__________________

(١) في مسند أبي يعلى ٣ / ٤٦٣.

(٢) انظر تخريجه في المصابيح.

(٣) سبق تخريجه.

١٥٩

لا خلاف في صحته [بين علماء آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وشيعتهم ، وأهل التحقيق من غيرهم] (١).

وبيان الاستدلال بهما : أنهما نص في وجوب تقدم العترة عليهم‌السلام في جميع أمور الدين ، ومن جملتها الإمامة [بل هي معظم الدين وأكبره].

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ومن قاتلنا آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال) إشعار آخر بالإمامة.

ولنا : ما تواتر معنى من رواية المؤالف والمخالف من الأخبار المنبئة بالإمامة نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من سمع واعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبه الله على منخريه في قعر جهنم) (٢) والإجماع من طوائف الأمة على صحتها فيهم.

وأما خلاف ابن الراوندي (٣) فلا يعتد به ؛ لأن الإجماع قد سبقه ، ولخروجه من الأمة باشتهار زندقته.

أئمتنا عليهم‌السلام وشيعتهم : وطريقها بعد [علي عليه‌السلام وولديه] الحسنين عليهما‌السلام القيام والدعوة.

الإمامية : بل النص.

قلنا : لا نص فيمن عدا الثلاثة عليهم‌السلام ، وإلا لكان مشهورا ؛ لأنه مما تعم به البلوى علما وعملا ، للإجماع على وجوب اشتهار ما شأنه كذلك كالصلاة.

المعتزلة وغيرهم : بل العقد والاختيار (٤).

قلنا : لم يثبته الشارع (١) لفقد الدليل على ثبوته.

__________________

(١) ما بين القوسين المعكوفين ثابت في م ط ، وهو ثابت في ش خ شرحا لا متنا.

(٢) انظر ينابيع النصيحة المطبوع ص ٤٢٥.

(٣) حيث قال : « إن الإمامة تستحق بالميراث لبني العباس دون غيرهم ».

(٤) في نسخة (بل العقد للإمام والاختيار) وجعلها شرحا في النسخة المعتمدة.

١٦٠