الأساس لعقائد الأكياس

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي

الأساس لعقائد الأكياس

المؤلف:

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي


المحقق: محمّد قاسم عبد الله الهاشمي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٠٦

أئمتنا عليهم‌السلام : وكرامات الصالحين من نحو إنزال الغيث وإشفاء المريض ، وتعجيل عقوبة بعض الظالمين الحاصلة بسبب دعائهم ـ ليست بمعجزات لعدم حصول شرط المعجز فيها ، وإنما هي إجابة من الله تعالى لدعائهم ؛ لأن الله تعالى قد تكفل لهم بالإجابة ، ولعل مراد [الإمام] المهدي عليه‌السلام بما مر هذه الكرامات.

فإن ادعاه كاذب كفى تخلفه. وقيل : بل يجب حصول النقيض إذا كان ادعى إلى تكذيبه. البهشمية : لا يجوز ؛ لأن تخلف مراده كاف.

قلنا : لا يجب لعدم دليل الوجوب مع حصول الكفاية بالتخلف ، ولا منع لأنه حسن.

(فصل) [في ذكر نبوة نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعجزاته]

ومعجزات نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرة.

أئمتنا عليه‌السلام ، والبغدادية : وقد تواتر منها مع القرآن كثير نحو حنين الجذع.

أبو علي ، وأبو هاشم : لم يتواتر منها إلا القرآن ، وإلا لشاركنا الكفار في العلم به قلنا : عدم علمهم لا يقدح في التواتر ، كمن لا يعلم صنعاء وقد تواترت لكثير.

أئمتنا عليهم‌السلام ، والبصرية (١) : وانشقاق القمر قد وجد ، وهي معجزة ، خلافا للبلخي ، والخياط (٢).

__________________

(١) وهو قول أكثر المفسرين ، كابن عباس ، وابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عمرو بن العاص ، وأنس ، وجبير بن مطعم ، وحذيفة ، ومجاهد ، وإبراهيم وغيرهم ، وذكره في الكشاف ، وفي البخاري بإسناده إلى ابن مسعود ، وأنس.

(٢) الخياط : هو أبو الحسين ، عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط ، من أعيان المعتزلة ، ذكره الإمام المهدي عليه‌السلام ، وجعله من الطبقة الثامنة ، قال الإمام المهدي : هو أستاذ أبو القاسم البلخي ، وعبد الله بن أحمد ، وكان أبو علي الجبائي يفضل البلخي على أستاذه أبي الحسين ، قال القاضي : كان الخياط عالما فاضلا من أصحاب جعفر بن مبشر ، وله كتب كثيرة في النقض على ابن الراوندي ، وكان فقيها محدثا متكلما ، قال محقق كتابه الانتصار في الرد على ابن الراوندي بعد تحقيق الأقوال : فالحاصل أن الخياط عاش في النصف الثاني من القرن الثالث ، وتوفي بعد سنة ٣٠٠ ه‍ بقليل.

١٢١

لنا : قوله تعالى : (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (١) والظاهر المضي ، وأخبار كثير منها : (حتى رأى عبد الله بن مسعود جبل حراء من بين فلقتيه).

أئمتنا عليهم‌السلام ، والجمهور : وإعجاز القرآن في بلاغته الخارقة للعادة.

وقيل : للإخبار بالغيب. وقيل : كون قارئه لا يكل ، وسامعه لا يمل.

وقيل : سلامته من التناقض والاختلاف.

وقيل : أمر يحس به ولا يدرك (٢).

وقيل صرفه عن معارضته (٣).

قلنا : تحدى الله به فصحاء العرب فعجزوا عن معارضة ما لا إخبار بغيب فيه من السور ، وليس ذلك إلا لبلاغته ، والإخبار بالغيب معجزة أخرى ، والأمور المذكورة في سائر الأقوال إنما كانت كذلك لأجل بلاغته أيضا.

فصل

ونبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول صادق لشهادة المعجزات على صدقه ، ولبشارة الرسل المتقدمة صلوات الله عليهم به ، وأتى بشريعة مبتدأة ، وتقرير بعض الشرائع السالفة (٤) التي نص عليها ، وعمل بها [نحو الحج ، وآية القصاص].

__________________

وروي المنع عن عطاء ، والحسن.

(١) القمر : ١.

(٢) بوصف ولا تعبير ، وكأنه يريد حلاوته واستماعه.

(٣) وهو قول إبراهيم النظام ، وأبي إسحاق النصيبيني من المعتزل ، واختاره الشريف المرتضى. قال الإمام يحي بن حمزة عليه‌السلام في الشامل : فإن عند هؤلاء أن الله تعالى ما أنزل القرآن ليكون حجة على النبوة ، بل هو كسائر الكتب المنزلة لبيان الأحكام من التحليل والتحريم ، والعرب إنما لم يعارضوه ليس لكونه معجزا في نفسه ، وإنما صرفهم الله تعالى عن معارضته مع إمكانها وصحتها منهم ، وسلبهم العلم بها ، قال : وهذا محصول مذاهب أهل الصرفة.

(٤) في نسخة (السابقة).

١٢٢

وقيل : أتى بشريعة إبراهيم عليه‌السلام.

وقيل : أتى بشريعة موسى عليه‌السلام.

قلنا : لم يرجع إلى الكتب السالفة (١) إجماعا.

باب [في بيان الشريعة وأدلتها]

والشريعة : هي الأحكام الخمسة وأدلتها ، وهي الكتاب والسنة إجماعا.

أئمتنا عليهم‌السلام ، والجمهور : والقياس. خلافا للإمامية ، وغيرهم (٢).

لنا : قوله تعالى : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (٣) وقوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) (٤) أي : مردود إلى الله.

قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « الرد إلى الله هو [الرد] إلى كتابه ، والرد إلى رسوله [هو] الرد إلى سنته الجامعة غير المفرقة.

والرد إلى الله وإلى رسوله بغير ذلك غير ممكن ضرورة ، ولا يمكن الرد إلى الكتاب والسنة عند فقد النص منهما إلا بالقياس ، وذلك معلوم لمن عقل [والله أعلم].

وإجماع الصحابة علي عليه‌السلام وغيره.

أئمتنا عليهم‌السلام ، ومن وافقهم : فإن فقد الدليل من الثلاثة رجع في تلك الحادثة إلى قضية العقل ، من تقبيح الفعل (٥) أو تحسينه ، لعلمنا أن الله تعالى لم ينقل حكم العقل في تلك الحادثة (١) ، وإلا لورد كغيره [ويسمى استصحاب الحال].

__________________

(١) في نسخة (السابقة).

(٢) كبشر بن المعتمر ، والظاهرية ، والخوارج ، والنظام ، والجاحظ ، وجعفر بن حرب ، وجعفر بن بشر ، والإسكافي

(٣) النساء : ٥٩.

(٤) الشورى : ١٠.

(٥) في الشرح المخطوط (الفعل) وفي الأصل المخطوط (العقل).

١٢٣

المجبرة ، وبعض الحنفية : لا يصح ذلك (٢). قلنا : لا مانع.

قالوا : قال تعالى : (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (٣).

قلنا : عدم نقل حكم العقل ليس بتفريط ، بل جاء القرآن بتقريره ، قال تعالى : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٤).

(فصل)

والكتاب : هو القرآن ، وهو المتواتر تلاوته.

وخالف كثير في كون البسملة في أوائل السور قرآنا.

وخالف أبيّ بن كعب (٥) في إثبات الحمد في المصحف.

وابن مسعود (٦) : في إثبات المعوذتين فيه [أيضا] لا في كونهن قرآنا.

__________________

(١) في المتن المطبوع ، والمخطوط (القضية).

(٢) لأنه لا حكم للعقل عندهم.

(٣) الأنعام : ٣٨.

(٤) الشمس : ٨.

(٥) أبي بن كعب : هو أبي بن كعب بن قيس بن عبيدة بن معاوية بن عمرو بن مالك بن نجار الأنصاري الخزرجي ، أبو المنذر ، سيد القراء ، ويكنى أبا الطفيل أيضا ، من فضلاء الصحابة وعلمائهم ، وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقرأ عليه القرآن ، رواه المرشد بالله ، اختلف في سنة موته اختلافا كثيرا ، قيل : سنة تسع عشرة ، وقيل : سنة ٢٢ ه‍ وقيل : غير ذلك.

(٦) ابن مسعود : هو عبد الله بن مسعود بن غافلة ـ بالغين والفاء المعجمتين ـ الهذلي نسبا ، الزهري خلفا ، الكوفي موئلا ، كان من السابقين ، وكان سادسا أو سابعا في الإسلام ، وهاجر قديما هو وأمه ، وشهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولازمه ملازمة خدمة ، وكان قصيرا نحيفا ، في قامة يساوي الجالس ، وكان من جبال العلم ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (من أراد أن يقرأ القرآن غضا طريا فليقرأه على ابن أم عبد) وكانت كنيته ، وسئل عنه علي عليه‌السلام فقال : « قرأ القرآن ووقف عنده ، وأحل حلاله ، وحرم حرامه ». وهو الذي زرع الفقه وتلقاه علقمة ، ثم إبراهيم ، ثم أبو حنيفة. مات رضي الله عنه سنة ٣٢ ه‍ أو سنة ٣٣ ه‍ وهو ابن بضع وستين سنة ، ودفن بالبقيع.

١٢٤

والأصح ثبوت البسملة قرآنا ، وثبوت الثلاث في المصحف لوقوع التواتر بذلك ، ومعتمد أئمتنا عليهم‌السلام قراءة أهل المدينة (١).

الهادي عليه‌السلام : ولم يتواتر غيرها (٢). الجمهور : بل السبع (٣).

أكثرهم (٤) : أصولا ، وهو جوهر اللفظ ، وفرشا : وهو هيئاته ، نحو المد والإمالة.

القرشي وابن الحاجب : لم يتواتر الفرش.

بعضهم : بل العشر (٥).

والحرف الثابت في إحدى القراءتين دون الأخرى عند الجمهور ، ك (مالِكِ) وملك حرف متواتر ، أتي به توسعة ، ولا يسمى على انفراده قرآنا ، والمجتزي بالأخرى لم يترك قرآنا ، كالمجتزي بإحدى خصال الكفارة.

الزمخشري ، ونجم الدين ، وغيرهما (٦) : بل المختلف فيه بين السبعة وغيرهم ليس بمتواتر

__________________

(١) وهي قراءة نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ، مولى جعونة بن شعوب الليثي ، حليف حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، اصله من أصفهان ، ويكنى أبا رويم ، وتوفي بالمدينة سنة تسع وستين ومائة ، ذكره صاحب التيسير. (شرح الأساس مخطوط).

(٢) وذكر هذا أيضا المرتضى لدين الله محمد بن يحي عليه‌السلام في الإيضاح.

(٣) وهي قراءة نافع ، وأبي عمرو ، والكسائي ، وحمزة ، وابن عامر ، وابن كثير ، وعاصم.

(٤) أي : قال أكثر الجمهور : تواترت القراءات السبع أصولا وفرشا.

قال الزركشي على ما حكاه عنه صاحب الإتقان : والتحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة ، وأما تواترها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ففيه نظر.

(٥) السبع المتقدمة ، وقراءة أبي يعقوب الحضرمي ، وأبي معشر الطبري ، وأبي خلف الجمحي ، ذكر هذا في المنهاج ، وقيل : قراءة أبي يعقوب الحضرمي ، وأبي جعفر المخزومي ، وخلف بن هشام البزار البغدادي.

(٦) كالإمام الحقيني ، والإمام يحي عليهما‌السلام ، ولا فرق عند هؤلاء بين المختلف فيه بين السبعة ، ومن عداهم في أن ذلك أحادي ، وليس المتواتر عندهم إلا ما اتفقوا عليه.

١٢٥

الجزري (١) عن الجمهور : القراءة ما صح سندها ، ووافقت المصاحف العثمانية لفظا أو تقديرا ، بأن يحتملها الرسم ، ووافقت اللغة العربية ولو بوجه وإن لم تواتر ، والشاذة ما وراء ذلك.

قلنا : ما لم يتواتر يجوز أن راويه سمعه خبرا فتوهمه قرآنا ، وذلك تشكيك في كونه قرآنا ، والله تعالى يقول : (لا رَيْبَ فِيهِ) فلا بد من التواتر.

وأنزل على سبعة أحرف تخفيفا (٢). الجمهور : والمراد بالأحرف سبع لغات عربية (٣).

وقيل : بل المراد معاني الأحكام (٤). وقيل : ليس المراد العدد ، بل السعة والتيسير والظاهر الأول ؛ لأن اللغة العربية تسمى حرفا [في اللغة].

__________________

والإمام الحقيني : قال المولى العلامة مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي حفظه الله في كتابه التحف ط ٢ ص ١٤٣ : والإمام الهادي الحقيني أبو الحسن علي بن جعفر بن الحسن بن عبد الله بن علي بن الحسن بن علي بن أحمد الحقيني ، بن علي بن الحسين الأصغر بن علي سيد العابدين .. أجمع علماء زمانه أن سبع علمه يكفي للإمامة ، وكان متشددا على الملاحدة الباطنية ، وغدر به حشيشي ـ يقال للباطنية : الحشاشون ، فمعنى حشيشي أي : واحد من الباطنية وسموا حشاشين لأنهم كانوا يجعلون شخصا يدمن على الحشيش ثم يمنعونه عنه حتى ينفذ لهم ما يريدون ـ فقتله يوم الاثنين من شهر رجب سنة ٤٩٠ ه‍ وهبت ريح بعد سنة من وفاته ، فكشفت عن قبره فرأوه على عادته لم يتغير حتى شعر لحيته ، وله وصية تذهل منها العقول رضوان الله وسلامه عليه.

(١) الجزري : هو الشيخ محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجزري الشافعي ، ولد بدمشق سن ٧٥١ ه‍ ـ أخذ القراءات على عدة من المشايخ ، ورحل إلى مصر ، وجمع القراءات للاثني عشر ، وللسبعة ، وللأربعة عشر ، لقب بإمام المقرءين ، توفي سنة ٨٣٣ ه‍ ـ بشيراز ، ودفن بدار القرآن التي أنشأها.

(٢) أي : لأجل التخفيف والتيسير.

(٣) أي أنزل على لغة سبع قبائل من العرب.

(٤) أي : الأحكام الشرعية ، حلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، ومثل ، وإنشاء ، وخبر. وقيل : ناسخ ، ومنسوخ ، وعام ، وخاص ، ومجمل ، ومبين ، ومفسر. وقيل : ليس المراد العدد حقيقة ، بل المراد بها السعة

١٢٦

فصل

وهو خطاب للموجودين اتفاقا.

والمختار وفاقا للحنابلة : وخطاب لمن أدرك بعدهم أيضا ؛ لأن السابق مأمور بإبلاغه اللاحق ، كما أن النبي (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مأمور بإبلاغه الموجود ، ولقوله تعالى ملقنا لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٢).

الجمهور : بل لزم من بعدهم بدليل آخر [وهو إما] الإجماع أو القياس.

لنا : ما مر ، ولا مانع منه.

(فصل) [في بيان المحكم والمتشابه]

والمحكم : ما لا يحتمل أكثر من معنى (٣) أو يدل على معان امتنع قصر دلالته على بعضها دون بعض (٤) ، نحو (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ) (٥) ويسمى النص.

أو يكون أحد معانيه أظهر لسبقه إلى الفهم ، ولم يخالف نصا ولا إجماعا ، ولا يثبت ما قضى العقل ببطلانه ، ويسمى الظاهر. والمتشابه : ما عداهما.

أئمتنا عليهم‌السلام ، والمعتزلة ، وبعض الأشعرية : ويعلم تأويله الراسخون في العلم ، بأن يحملوه على معناه الموافق للمحكم (٦).

__________________

والتيسير ، فكأنه قال : أنزل موسعا ميسرا ، وهذا على عادة العرب في التعبير عن الكثرة والسعة بالسبعة ، والسبعين ، والسبعمائة.

(١) في المتن المطبوع : (كما أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

(٢) الأنعام : ١٩.

(٣) وقيل : ما وضح معناه ، وقيل : ما كان إلى معرفته سبيل ، وقيل : ما علم المراد بظاهره بدليل عقلي أو نقلي.

(٤) فإنه يحمل على المعاني كلها.

(٥) لقمان : ١٧.

(٦) الحكمة في إنزال المتشابه هو : الزيادة في التكليف للزيادة في الثواب ، بسبب مشقة الفحص والتأمل ، وإتعاب النفس ، وإيثار الهدى على الهوى ، وفيه تمييز الراسخ في الإيمان من المتزلزل فيه.

١٢٧

قلنا : خوطبنا به والحكيم لا يخاطب بما لا يفهم ، وأيضا الواو في قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (١) ظاهرة في العطف ، وإن سلم عدم ظهوره كذلك فمتشابه ؛ لاحتماله الحال والاستئناف والعطف (٢) ، فيلزمهم ألا يحتجوا بها لكونهم لا يعلمون تأويلها.

قالوا : ورد الوقف على الجلالة.

قلنا : الوقف لا يمنع العطف بدليل صحة الوقف على أوساط الآي إجماعا ، وإنما يمنع دليل الإضراب عن الكلام السابق ، واستئناف ما بعده ، وهو معدوم هنا.

القاسم بن إبراهيم ، والهادي ، والمرتضى ، والحسين بن القاسم العياني (٣) : وفواتح السور نحو (الم) مما استأثر الله بعلم معانيها.

القاسم عليه‌السلام (٤) : ويجوز أن يطلع الله [سبحانه] بعض أوليائه على معانيها.

قلت : بل الأظهر أنها على معانيها الوضعية (١) أقسم الله تعالى بها كإقسامه بالنجم والسماء ، ونحوهما ، بدليل صحة العطف على كثير منها بمقسم به نحو (ق

__________________

(١) آل عمران : ٧.

(٢) م ط (مع العطف) ،

(٣) والإمام أحمد بن سليمان.

الحسين بن القاسم : هو الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم بن علي العياني عليهم‌السلام ، مولده سن ٣٧٦ ه‍ ـ ، ودعا بعد وفاة أبيه ، وكان من كبار علماء الآل ، وله آثار جمة ، وانتفع بعلومه الأمة ، بلغ في العلوم مبلغا تحتار منه الأفكار ، وتنبهر منه الأبصار ، على صغر سنه ، فلم يكن عمره يوم قيامه عليه‌السلام إلا سبع عشرة سنة ، وقد روي عنه أشياء خارجة عن سنن أهل البيت عليهم‌السلام ، رواها الإمام أحمد بن سليمان في حقائق المعرفة ، وقد نزهه عنها ، وفند كل من قال بها ، وكذلك الإمام عبد الله بن حمزة عليه‌السلام ، فقد أثنى عليه ، وعقائده ـ كما نص عليه في كتاب الرحمة وغيره ـ مثل عقائد أئمة الزيدية من العدل والتوحيد ، وتبرأ إلى الله من كل ما نسب إليه خلاف ذلك ، وله المصنفات الكثيرة النافعة ، قبره خارج (ريدة) على يمين النازل من جبل الغولة ، يبعد عن الإسفلت بأقل من كيلومتر واحد.

(٤) وكذا الإمام الهادي عليه‌السلام.

١٢٨

وَالْقُرْآنِ) ، وجواباتها إما مذكورة أو مقدرة لدلالة سياق الكلام عليها ، وذلك جائز إجماعا ؛ لثبوت هذه القاعدة لغة.

(فصل) وهو كلام الله تعالى اتفاقا

أئمتنا عليهم‌السلام ، والجمهور : وهذا هو المسموع.

الأشعرية : بل معنى في نفس المتكلم.

المطرفية : [بل] في نفس الملك (٢) وهذا (٣) عبارة عنه (٤).

لنا : قوله تعالى : (فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (٥) والمعنى ليس بمسموع.

قالوا : ذلك مجاز. قلنا : خلاف المجمع عليه من أهل اللسان [العربي] ولعدم الاحتياج إلى نصب القرينة عند إطلاقه على المسموع ، ولو سلم لزم أن يجعلوا للتفاسير ماله من الأحكام ؛ إذ هي عبارة عنه ، ولا قائل بذلك.

العدلية [جميعا] وغيرهم : وهو محدث.

الأشعرية ، والحشوية : بل قديم.

الحشوية : وهو هذا المتلو.

قلنا : يلزم الثاني مع الله سبحانه كما مر ، فإن سلم فما جعل أحد القديمين كلاما والآخر متكلما بأولى من العكس.

وأيضا هو مرتب منظوم ، وما تقدم غيره (١) دل على حدوث ما بعده ، وقد قال تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) (٢) الآية .. ونحوها.

__________________

(١) من كونها أسماء حروف الهجاء.

(٢) الملك : هو الملك الأعلى المسمى ميخائيل ، وليس بحرف ولا صوت.

(٣) م ط (قالوا : وهذا عبارة عنه).

(٤) أي : عن الذي في نفس المتكلم والملك.

(٥) التوبة : ٦.

١٢٩

(فصل) [الثاني من الأدلة السنة]

والسنة لغة : الطريقة والعادة. ودينا : الملة. وعرفا (٣) : نقل خبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمره ونهيه ، والإخبار عن فعله وتقريره.

وفي عرف الفقهاء : ما لازمه الرسول من النفل.

والمبحوث عنه هنا هو الأول من الأخيرين (٤).

فمن عاصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفاه ما تلقاه منه من غير مئونة ، ومن كان نازحا عنه أو تراخت به الأيام عن إدراك زمنه لزم على الكفاية البحث في صحة ما روي عنه لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ألا وإنه سيكذب علي) (٥) الخبر.

ولا خلاف في صحة المتواتر ، وهو ما نقله جماعة يحيل العقل تواطؤهم على الكذب ، ثم كذلك إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أئمتنا عليهم‌السلام : والمعتبر في العدد ما حصل به العلم.

واشترط غيرهم عددا محصورا على خلافات بينهم.

قلنا : حصول العلم ثمرته فاعتبرناها دون العدد لعدم الفائدة.

أئمتنا عليهم‌السلام : ولا يحصل العلم بالأربعة خاليا عن السبب (٦).

__________________

(١) م ط (وما تقدم على غيره).

(٢) الأنبياء : ٢.

(٣) أي : في عرف أهل الشرع.

(٤) وهو نقل خبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره ونهيه .. الخ ، وأما معرفة كيفية دلالته وما يشترط فيه فموضعه كتب أصول الفقه.

(٥) هو في خطبة الوداع (أيها الناس إني امرؤ مقبوض ، وقد نعيت إلي نفسي ، ألا وإنه سيكذب علي كما كذب على الأنبياء من قبلي ، فما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله ، فما وافق كتاب الله فهو مني وأنا قلته ، وما خالفه فليس مني ولم أقله).

(٦) ويحصل بالخمسة عند الجمهور ، وتوقف الباقلاني فيها.

١٣٠

الظاهرية : بل يحصل العلم بخبر الواحد مطلقا (١).

النظام : إن قارنه سبب. وقيل : بأربعة (٢).

قلنا : يجوز الكذب على الواحد والأربعة.

أئمتنا عليهم‌السلام : ولا يشترط العدالة (٣).

أبو الهذيل وعباد : بل لا بد من العصمة.

الإمامية : يكفي معصوم واحد (٤).

لنا : حصول العلم بالبلدان والملوك بخبر من ليس كذلك ، وقد يحصل العلم بخبر بعضهم عن نفسه وعنهم ، ولو كان واحدا بحضرتهم ، بشرط عدم الحامل لهم على السكوت للعادة القاضية بإنكاره ، ولو كان كذبا.

وبخبرهم أو بعضهم كذلك عن أمور شتى مؤداها لمعنى واحد ، وذلك كوقائع الوصي عليه‌السلام الدالة على شجاعته ، ويسمى الأول ضروريا (٥) في الأصح (٦) ، والثاني استدلاليا (٧) ، والثالث : معنويا (١) ، وهو مفيد للعلم خلافا للسمنية (٢).

__________________

وأما حصوله بالأربع مع السبب فقد ذكر الإمام في الجواب المختار أنه يفيد العلم ، وليس بمواتر ، قال : وهو قول المؤيد بالله ، والمنصور بالله ، وفي رواية الإمام يحي ، والإمام محمد بن المطهر ، والسيد محمد بن جعفر عليهم‌السلام ، ثم قال : وقال الإمام المهدي عليه‌السلام وغيره : إنه يفيد العلم إذا وقع بحضرة خلق كثير لا حامل لهم على السكوت لو علموا كذبه.

(١) أي : سواء قارنه سبب يصدقه أم لا.

(٢) م ط (بالأربعة) أي : مطلقا ، وتردد في ذلك الباقلاني.

(٣) أي : في عدد التواتر ، بل يصح من الفساق والكفار أيضا.

(٤) وهو الإمام ، بناء على مذهبهم في عصمة الإمام ، وكونهم يرجعون إليه في كل الأحكام.

(٥) وهو ما نقله جماعة عن جماعة ، عن جماعة.

(٦) وهو قول أكثر المعتزلة ، وحكاه ابن الحاجب عن الجمهور ، وعند البغدادية هو استدلالي ؛ لأنه يقف على نظر واستدلال.

(٧) وهو ما أخبر به بعضهم بحضرة الخلق الكثير.

١٣١

قلنا : العلم بحصول العلم به ضروري ، وكل عدد حصل العلم بخبره لا يجب اطراده في الأصح.

وما نقله واحد وتلقته الأمة بالقبول فلا خلاف في صحته كخبر السفينة (٣).

أئمتنا عليهم‌السلام ، والجمهور : ويفيد العلم لعصمة جماعة الأمة.

وما تلقته العترة عليهم‌السلام بالقبول فصحيح يفيد العلم عند العترة عليهم‌السلام والشيعة وأبي علي ، وأبي عبد الله البصري ؛ لعصمة جماعتهم بشهادة آية التطهير (٤) ، وآية المودة (٥) ، وخبري السفينة (٦) [و (إني تارك فيكم)] (٧) وغيرها مما لا خلاف في صحته وما نقل آحاديا (٨) له تفاصيل فيها خلافات في كتب الأصول ، أصحها قول من يوجب العرض على الكتاب (٩) ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فما روي عني فاعرضوه على كتاب الله) (١٠) الخبر وهذا الخبر تلقاه الأصوليون بالقبول واحتجوا به (١١).

وللوصي كرم الله وجهه في أحوال الرواة تفصيل يجب معرفته (١).

__________________

(١) وهو خبر الجماعة عن جماعة ، أو خبر بعضهم عن نفسه وعنهم عن أمور متفرقة مؤداها واحد.

(٢) وهو فرقة من عبدة الأوثان ، وكذلك السوفسطائية.

(٣) وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح) رواه أبو ذر ، وابن عباس.

(٤) الأحزاب : ٣٣.

(٥) الشورى : ٢٣.

(٦) انظر تخريجه في المصابيح الجزء الأول المقدمة.

(٧) انظر تخريجه في المصابيح الجزء الأول المقدمة.

(٨) ش خ (وما نقل الآحاد).

(٩) وهو قول القاسم ، والهادي ، والمرتضى ، والقاسم بن علي العياني عليهم‌السلام ، وغيرهم.

(١٠) لفظ الحديث عند الطبراني عن ثوبان : (اعرضوا حديثي على الكتاب ، فما وافقه فهو مني وأنا قلته) المعجم الكبير برقم ١٤٢٩.

(١١) عبارة الشرح الصغير المخطوط (تلقاه الأصوليون بالقبول واحتجوا به) كما اثبتناه ، وعبارة المتن المخطوط (متواتر مجمع على صحته).

١٣٢

فرع

ولا يجوز على الأنبياء صلوات الله عليهم السهو فيما أمروا بتبليغه ؛ لعصمة لهم من الله تعالى ؛ لأن من شأن الحكيم حراسة خطابه من الغلط مع العلم والقدرة على ذلك

(فصل) [والدليل الثالث القياس]

والقياس لغة : التقدير. واصطلاحا : تحصيل مثل حكم الأصل أو ضده (٢) في الفرع لاشتراكهما في علة باعثة على حكم الأصل ، أو لافتراقهما فيها ، وله أقسام تفصيلها في كتب الأصول.

وأركانه أربعة : الأصل ، وحكمه ، والفرع ، والعلة ، ولها حقائق وشروط (٣) وترجيحات.

وللعلة طرق (٤) وخواص (٥) وأقسام (٦) وتفصيلها في كتب الأصول.

__________________

(١) وهو قوله عليه‌السلام في بعض خطب النهج : (وإنّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس : رجل منافق .. الخ كلامه عليه‌السلام (انظر النهج ...)

(٢) ش خ (أو نقيضه).

(٣) فمن شروط الأصل : كونه غير منسوخ ، وأن يكون غير معدول به عن سنن القياس ، كالقسامة والشفعة ، وأن لا يكون مصادما لنص أو إجماع ، أو غير ذلك.

ومن شروط الفرع : أن تعمه علة الأصل ، وتفيد مثل حكم الأصل ، وأن لا يخالف الأصل تخفيفا أو تغليظا ، وقيل : لا يشترط ذلك ، ونحو ذلك.

ومن شروط الحكم : كونه شرعيا لا لغويا ، وأن يكون باقيا فلا يقاس على أصل منسوخ ، وأن يكون ثابتا بغير القياس ، وغير ذلك.

ومن شروط العلة : أن لا تصادم النص أو الإجماع ، وأن لا تخالفه [أي الحكم] تغليظا أو تخفيفا ، وأن تطرد على خلاف في ذلك.

(٤) كالنص على العلة ، أو تنبيه النص ، والإجماع ، وحجة الإجماع.

(٥) ككونها عقلية ، أو حكما شرعيا وغير ذلك.

(٦) ككونها مؤثر ، ومناسبة ، وشبهية.

١٣٣

وثمرته : إثبات مثل حكم الأصل في الفرع أو ضده.

فصل

وأصول الشرائع أدلة الأحكام (١) ، وما علم من الدين ضرورة من تلك الأحكام نحو الصلاة ، وسميت أصولا لانهدام إسلام من أنكرها ، وما يترتب على إسلامه من الشرائع ، وذلك عام إلا القياس (٢) ؛ لأنه لم يعلم من الدين ضرورة ، أو لأجل حصول الشرائع بها ، وذلك خاص بالأدلة.

فصل

والحق في أصول الدين وأصول الشرائع وأصول الفقه ، والقطعي من الفروع ـ واحد اتفاقا ، إلا عن عبد الله بن الحسن العنبري ، وداود الأصبهاني (٣).

لنا : الإجماع على تخطئة الملاحدة وكفرهم ، وما يأتي إن شاء الله تعالى.

ثم اختلف الناس في حكم المخطئ بعد قبول الإسلام ، فذهب كثير إلى أنه آثم مطلقا (٤) ، كافر إن خالف ما علم من الدين ضرورة مطلقا.

وذهب الجاحظ وأبو مضر ، والرازي : أنه معفو عن المخالف الغير المعاند مطلقا (٥)

__________________

(١) قال في الشرح : والإجماع ، والاجتهاد.

(٢) فإنه خارج عن التعليل المذكور مع كونه من أصول الشرائع ، ولا ينهدم إسلام من أنكره ؛ لما ذكر من العلة.

(٣) قال في الشرح : فإنهما قالا : كل مجتهد مصيب فيها ، وهكذا رواية الفصول عنهما ، فالملحد والمجبر والعدلي والموحد عندهما سواء ، ولعل في الرواية عنهما وهم ، ولعلهما إنما أرادا أن الظن يكفي فيها ، وقد ذكر ذلك الإمام يحي عليه‌السلام وغيره ، فيكون قولهما كقول الجاحظ.

(٤) أي : أطلقوا ولم يخصوا معاندا من غيره ، ولعله بناء منهم على أن المخالف في ذلك كالمعاند.

(٥) أي : أطلقوا ولم يفصلوا بين المخالف لما علم من الدين ضرورة ، وبين المخالف في غيره.

١٣٤

والحق أن المخطئ إن عاند فهو آثم ، كافر إن خالف ما علم من الدين ضرورة ؛ لأنه تكذيب لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وإن لم يعاند ، وكان خطؤه مؤديا إلى الجهل بالله سبحانه ، أو إنكار رسله في جميع ما بلغوا عن الله سبحانه أو بعضه فهو آثم كافر أيضا ؛ لأن المجسم يعبد غير الله تعالى ، ويعتقد أن التأثير لذلك [الغير] كالوثنية والمنجمة ، والطبائعية ، ولا خلاف في كفرهم مع نظرهم.

والمتأول للشرائع بالسقوط نحو الباطنية مكذب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما جاء به ، فهو كمن كذبه ، ولا خلاف في كفره [مع نظره].

ومن أخطأ في غير ذلك بعد التحري فمعفو عنه لقوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) (١) ولم يفصل ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان) ولم يفصل ، وللإجماع على أن من نكح امرأة في العدة جهلا غير آثم مع أنه قد خالف ما علم من الدين ضرورة.

فصل [في بيان الحق في الظني من الفروع]

جمهور أئمتنا عليهم‌السلام ، وجمهور غيرهم : وكذلك الحق في الظني من الفروع واحد أيضا (٢).

أبو عبد الله الداعي (١) ، والمؤيد بالله (٢) ، وأبو طالب (٣) ، والمنصور بالله (٤) ، وأحمد بن الحسين (٥) ، والمهدي عليهم‌السلام ، وأبو علي ، وأبو هاشم ، وأبو عبد الله البصري ، وأبو الهذيل ، وقاضي القضاة وغيرهم : بل كل مجتهد فيه مصيب (٦).

__________________

(١) الأحزاب : ٥.

(٢) ومعناه : أن لله سبحانه فيها حكما معينا ، فمن أصابه فهو المصيب ، ومن أخطأه هو المخطئ ، قال في الفصول : وهو قول الناصر في رواية ، وأبي العباس ، وقديم قولي المؤيد بالله عليه‌السلام.

١٣٥

__________________

(١) أبو عبد الله الداعي : هو الإمام المهدي محمد بن الإمام الداعي إلى الله الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن بن القاسم بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. الإمام المهدي ، أبو عبد الله الداعي ، الإمام البارع في العلوم منطوقها والمفهوم ، قال المنصور بالله عليه‌السلام : مؤلفاته كثيرة أصولا وفروعا ، وهو من المجمع على إمامتهم ، بويع له بالإمامة بهوسم ، ثم كاتبه أهل الديلم فوصل إليهم سنة ٣٥٣ ه‍ ـ ثم قصد هو سم فاستولى عليه بعد محاصرة كثيرة ، وأسر مرارا ، وهو الذي أظهر بأن كل مجتهد مصيب ، بعد أن كانت القاسمية تخطئ الناصرية ، والعكس ، فرجعوا إلى قوله بعد مناظرات كثيرة ، ولم يزل مجاهدا ناعشا للإسلام حتى قبضة الله بهو سم مسموما سنة ستين وثلاثمائة ، وقيل : سنة ٣٦١ ه‍ وقيل : سنة ٣٥٩ ه‍ ، ومن مشايخه في الفقه أبو الحسن الكرخي ، وفي علم الكلام أبو عبد الله البصري ، ومشهده بهوسم مشهور مزور.

(٢) أخيرا.

(٣) أبو طالب : هو الإمام يحي بن الحسين بن محمد بن هارون البطحاني الهاشمي الحسيني ، الإمام أبو طالب ، الناطق بالحق ، أخو المؤيد بالله ، كانا شمس العترة ، وقمري الأسرة ، ولأبي طالب من المصنفات : المجزي في أصول الفقه كاسمه مجلدان ، وكتاب جامع الأدلة في أصول الفقه أيضا ، وفي الكلام (كتاب الدعامة) في الإمامة ، وقد طبع بعنوان نصرة مذاهب الزيدية ، وقد نسبه محققه الدكتور ناجي حسن إلى الصاحب بن عباد ، وهو خطأ وقع فيه المحقق ، لأن السائل فيه للإمام أبي طالب هو الصاحب ، فتوهم أن الكتاب له. وكتاب (مبادئ الأدلة) ، وفي الفقه (التحرير) وشرحه ، وهو اثنا عشر مجلدا ، (والتذكرة) وكتاب (الإفادة في تاريخ الأئمة السادة) وغيرها كالأمالي ونحوها. مولده عليه‌السلام حوالي سنة ٣٤١ ه‍ وبويع له بعد موت أخيه سنة ٤١١ ه‍ وتوفي سنة ٤٢٤ ه‍ عن نيف وثمانين سنة ، وقد غلط الجنداري في تاريخ مولده فجعله سنة ٤٠٣ ه‍ وكذلك في تاريخ قيامه. (انظر مقدمة شرح الأزهار ١ / ٤١) قبره مشهور مزور ، وله تخريجات على مذهب الإمام الهادي عليه‌السلام.

(٤) المنصور بالله : هو الإمام عبد الله بن حمزة بن سليمان بن علي بن حمزة بن أبي هاشم الحسني القاسمي ، الإمام المنصور بالله ، أبو محمد ، مولده بعيشان لإحدى عشرة بقيت من ربيع الأول سنة ٥٦١ ه‍ ، وهو أحد أعلام الزيدية وأئمتهم ، وله المؤلفات الكثيرة النافعة ، منها : الشافي ، والمهذب ، وحديقة الحكمة ، وصفوة الاختيار ، وكتاب العقد الثمين في تبيين أحكام الأئمة الهادين ، وكتاب التفسير ، وكتاب الجوهرة الشفافة ، والرسالة الكافية ، والرسالة الهادية ، والدرة اليتيمة ، والأجوبة الكافية ، وكتاب عقد الفواطم ، وله من الفصاحة الرائعة المقام الرفيع الأعلى ، كان قيامه عليه‌السلام سنة ٥٩٤ ه‍ توفي عليه‌السلام محصورا بكوكبان سنة ٦١٤ ه‍ ودفن بها ، ثم نقل إلى بكر ، ثم إلى ظفار ، عمره ٥٢ سنة وثمانية أشهر ، واثنتان

١٣٦

لنا (١) (٢) قوله تعالى : (فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) (٣) الآية ، وقوله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (٤) ، وقوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) (٥) ، وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (٦) ، ولم تفصل هذه الآيات.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا يختلف عالمان ، ولا يقتتل مسلمان) ولم يفصل ، ولم يثبت جوازه (٧) في كل شرائع الأنبياء عليهم‌السلام ، بدليل قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ

__________________

وعشرون ليلة ، ومشهده بظفار ، والطريق إليه وعرة ، وعليه قبة ومسجد عظيم ، حاولت إحدى الباحثات الألمانيات صيانته ، وصيانة ما فيه من التراث الإسلامي فصفحت القبة بالحديد ، وحاولت الحفاظ على شيء لم يحاوله أبناء هذا الإمام وأنصاره في هذا الزمن الردي.

(١) والإمام يحي بن حمزة عليه‌السلام.

أحمد بن الحسين : هو الإمام المهدي أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن عبد الله بن أحمد بن أبي البركات إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن محمد بن القاسم بن إبراهيم عليهم‌السلام ، كان كثير الشبه بجده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلقا وخلقا ، كان من المجتهدين الأعلام ، دعا إلى الله سنة ست وأربعين وستمائة ، وبايعه الناس رغبة ورهبة ، ثم نكث بيعته أولاد الإمام المنصور بالله ، وابن وهاس ، والشيخ أحمد الرصاص ، وقتلوه في شهر صفر سنة ٦٥٦ ه‍ ومشهده بذيبين مشهور مزور ، وهو الذي يلقب بأبي طير ، وفي عصره انقرضت الدولة العباسية.

(٢) ومعنى ذلك : أنه ليس لله تعالى فيه حكم معين قبل الاجتهاد ، بل كلها حق ، قال في الفصول : ثم اختلفوا فعند متأخري أئمتنا عليهم‌السلام والجمهور أنه لا أشبه فيها عند الله ، وإنما مراده تابع نظر كل مجتهد ، وقال بعض الحنفية والشافعية : بل الأشبه منها عند الله هو مراده منها ، ولقبوه بالأصوب والصواب والأشبه.

(٣) الأنبياء : ٧٩.

(٤) آل عمران : ١٠٣.

(٥) آل عمران : ١٠٥.

(٦) الأنعام : ١٥٩.

(٧) أي : الاختلاف

١٣٧

ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (١) ولم يفصل.

وقوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢).

بيان الاستدلال بهذه الآية : أن (النبيين) عام لكل نبئ ، ونبيئنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيدهم ، والكتاب في قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) عام بدليل أن الكتب مع الأنبياء كثيرة ، ونظيره قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) بدليل صحة الاستثناء ، والقرآن واسطة عقدها الثمين.

وقوله تعالى : (لِيَحْكُمَ) [الضمير] ـ عائد إلى الكتاب المفيد للعموم ، أي : لتحكم تلك الكتب بين الناس فيما اختلفوا فيه من الأحكام التي عرفت بالكتب ، بدليل قوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) أي : المختلف فيه من بعد ما جاءتهم البينات من نصوص تلك الكتب وأماراتها الدالة على أعيان الأحكام ، فقال تعالى : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) لما كان الحق مع بعضهم فبغي عليهم بالمخالفة والشقاق لهم بعد ما عرف أن الحق بأيديهم ؛ إما بما ذكرنا من النصوص والأمارات ، وإما بالنص على أن ذلك البعض هو الموفق لإصابة الحق ، نحو قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وإني تارك فيكم) الخبر ، حيث نور الله قلوبهم لما أطاعوه ؛ لقوله تعالى : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ

__________________

(١) الشورى : ١٣.

(٢) البقرة : ٢١٣.

(٣) الأحزاب : ٣٣.

١٣٨

فُرْقاناً) (١) كما مر ، وذلك معنى قوله تعالى : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ).

قالوا : قال تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ) (٢).

قلنا : معنى (فَبِإِذْنِ اللهِ) فبإباحته ، وذلك حكم واحد.

قالوا : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران ، وإن حكم فأخطأ فله أجر) (٣). قلنا : ذلك حجة لنا ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (فأخطأ) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (فله أجر) جزاء على البحث ؛ لأنه عبادة ، لا على العمل بخلافه.

قالوا : اختلفت الصحابة من غير نكير. قلنا (٤) : إنكار الوصي [عليه‌السلام] لكثير من القضايا لا خلاف فيه ، ونقل إنكاره جملة ، وكذلك عن كثير من الصحابة.

قالوا : لا مانع من أن الله [تعالى] يخاطب بمجمل ، ويريد من كلّ ما فهمه.

قلنا : قام الدليل على منعه كما مر.

فرع

واختلف المخطئة (٥).

بشر المرّيسي (١) ، وابن عليّة ، والأصم : فالمخالف مخطئ آثم مطلقا (٢).

__________________

(١) الأنفال : ٢٩.

(٢) الحشر : ٥.

(٣) النسائي في السنن الكبرى برقم ٥٩١٨ ، وأبو داود برقم ٣٥٧٤ ، وابن ماجه برقم ٢٣١٤ ، والبيهقي في السنن الكبرى برقم ٢٠١٥٣ ، والدار قطني ، وابن حبان ، وأبو يعلى ، وأحمد.

(٤) قال في الشرح : قلنا : اختلافهم لا يدل على جواز الاختلاف ، ولا أن الحق مع كل واحد ؛ لأنهم قد اختلفوا فيما الحق فيه مع واحد ، ثم نقول : إنكار الوصي .. الخ.

(٥) المخطئة : هم الذين ذهبوا إلى أن الحق في المسائل الظنية واحد.

١٣٩

بعض أصحاب الشافعي : بل هو مخطئ معذور مطلقا.

وقال بعض أصحاب الشافعي : بل مصيب مخالف للأشبه مطلقا.

جمهور أئمتنا عليه‌السلام (٣) : بل من خالف مجتهدي العترة عمدا ، وأخذ عن غيرهم ، أو سلك في الأصول غير طريقهم عمدا أيضا لتفرع كثير من الخلافات عليه ـ فهو آثم ، واجتهاده حظر (٤) ؛ لآية التطهير ، وخبري السفينة ، و (إني تارك فيكم) و (لا تخالفوهم فتضلوا) ونحو ذلك.

ومن أخطأ أو سها بعد البحث والتحري فمعذور ، لقوله تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) (٥) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان).

بحث

يقال : لو أن مجتهدين من العترة عليهم‌السلام اختلفا في شيء فرأى أحدهما تحريمه ، والآخر وجوبه ، إن قلت : يلزم كل واحد منهما القيام بما رآه واجبا عليه من الفعل أو الترك صوّبتهما ، وإن قلت بخلاف ذلك فما يلزم كل واحد منهما؟.

فالجواب ـ والله الموفق ـ : أنهما إن علما جميعا اختلافهما ، أو أحدهما ـ وجب عليهما أو على العالم منهما إعادة النظر في دليلهما ؛ إذ لا بد من راجح

__________________

(١) بشر المرّيسي : هو بشر بن غياث بن أبي كريمة المريسي المعتزلي ، الفقيه المتكلم ، أبو عبد الله ، الحنفي ، قال ابن خلكان : أخذ الفقه عن أبي يوسف ، وهو ممن قال : بخلق القرآن ، وهو مرج ـ أي : يقول بالإرجاء ـ وإليه تنسب الطائفة المرجئة ، وكان مناظرا للشافعي ، ويلحن ؛ لأنه كان لا يعرف النحو ، قال المسعودي : توفي سنة ٢١٩ ه‍ وفي القاموس : مرّيسة بالتشديد ، كسكّينة ، منها : بشر بن غياث المتكلم.

(٢) أي : لم يشترطوا شرطا ، بل أطلقوا ، قالوا : لأن عليه دليلا قاطعا.

(٣) قول الأئمة هو الحق : وهو أنه لا إثم على المخطئ الجاهل بعد التحري ، بل من خالف مجتهدي العترة عمدا .. الخ ذكر هذا في الشرح.

(٤) أي : محرم عليه ؛ لأنه يؤدي إلى مخالفة أهل البيت عليهم‌السلام.

(٥) الأحزاب : ٥.

١٤٠