الأساس لعقائد الأكياس

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي

الأساس لعقائد الأكياس

المؤلف:

المنصور بالله القاسم بن محمّد بن علي


المحقق: محمّد قاسم عبد الله الهاشمي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مكتبة التراث الإسلامي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٠٦

ولا يسقط من ثواب الحسنات بقدر ما أسقطت من الذنوب ، ولا يسقط من ثواب التوبة بقدر المعصية خلافا للمهدي عليه‌السلام وغيره (١).

لنا : ثبوت ثواب الحسنات [بالأدلة] وفقد الدليل على سقوط شيء منه ، ولو سقط بها ذنب (٢).

__________________

(١) وهم البهشمية ومن وافقهم ، ورواية الإمام عنهم تخالف رواية النجري أن أبا هاشم يوافق أبا علي في التوبة أنها تسقط العقاب بنفسها لا بالموازنة ، فينظر في ذلك.

(٢) فلا يلزم منه نقصان ثوابها ؛ لأنه لم يثبت على ذلك دليل لا من عقل ولا شرع. ش خ

١٨١

كتاب الوعد والوعيد

الوعد : إخبار من الله بالثواب ، والوعيد : إخبار منه بالعقاب (١).

فصل

العترة عليهم‌السلام ، وصفوة الشيعة ، والمعتزلة ، وغيرهم : وهما مستحقان عقلا وسمعا

المجبرة : بل سمعا فقط.

لنا تصويب العقلاء من طلب المكافأة على فعل الإحسان ، ومن عاقب المسيء على الإساءة.

العدلية : ولا يجوز خلف الوعد على الله تعالى.

المجبرة : بل يجوز خلفه عليه تعالى.

قلنا : خلف الوعد مع القدرة على الوفاء ، وعدم المانع منه توأم الكذب ، وكلاهما صفة نقص يتعالى الله عنها.

وأيضا تجويز ذلك ارتياب في قوله تعالى : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) (٢) الآية ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٣) وهو كفر ؛ لتكذيب الله تعالى في قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) (٤).

ويحسن العفو عن العاصي ـ ولا يجب ـ إن علم ارتداعه كالتائب اتفاقا (٥).

__________________

(١) هذه هي الحقيقة الشرعية.

(٢) ق : ٢٩.

(٣) آل عمران : ٩ ، الرعد ٣١.

(٤) البقرة : ٢.

(٥) بين أهل العدل ، وإن اختلفوا هل يجب قبول توبة التائب أم لا ، وليس ذلك من خلف الوعيد في شيء ؛ لأن التائب خارج عن الوعيد اتفاقا.

١٨٢

ولا يحسن العفو عنه إن علم عدم ارتداعه وفاقا للبلخي ، وبشر بن المعتمر (١) وخلافا للبصرية.

قلنا : يصير العفو كالإغراء ، وهو قبيح عقلا.

أئمتنا عليهم‌السلام ، وجمهور المعتزلة : ولا يجوز على الله تعالى خلف الوعيد مطلقا (٢)

وعن مقاتل بن سليمان ، وبعض أهل خراسان : بل وعيد الله مقطوع بتخلفه مطلقا (٣).

[بعض] المرجئة : بل مقطوع بتخلفه في حق أهل الكبائر من أهل الصلاة فقط (٤).

بعض المرجئة : يجوز في حق أهل الصلاة فقط.

لنا : قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها) (٥) الآية ونحوها (٦) ولم يفصل.

وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٧).

__________________

(١) وأصحابهما من البغداديين.

(٢) أي : لا في حق أهل الصلاة ولا في حق غيرهم.

(٣) أي : في حق أهل الصلاة وغيرهم ، وهذه رواية السيد مانكديم عنهم.

(٤) وهؤلاء ليسوا بمرجئة على الحقيقة ، وقالت الجهمية : بل ينقطع العقاب في حق الفاسق دون الكافر فيدوم عقابه ، قال الإمام المهدي عليه‌السلام : وهو قول الرازي وغيره من الأشعرية.

(٥) النساء : ١٤. وفي م ط (الآية ونحوها من الآيات العامة) وهو غير موجود في الشرح المخطوط لا شرحا ولا متنا.

(٦) نحو هذه الآية ورد في سورة الأحزاب : ٣٦ ، وفي سورة الجن : ٢٣.

(٧) الأنفال : ١٥ ـ ١٦. في الأصل : إلى قوله : (وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ) فأثبتنا الآية كاملة.

١٨٣

وقوله تعالى : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) (١) ، ونحوهما من الآيات الخاصة في عصاة أهل الصلاة ، وقد قال الله تعالى : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) (٢).

قالوا : قال الله تعالى : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (٣) وقال تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) (٤) وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٥) [الآية] ونحوها.

قلنا : آيات الوعيد لا إجمال فيها ، وهذه الآيات ونحوها مجملة ، فيجب حملها على نحو قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) (٦) وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (٧) وقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) (٨) ونحوهما من صرائح الآيات.

قالوا : القرآن مملوء من نحو قوله تعالى : (وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (٩).

__________________

(١) النساء : ١٢٣.

(٢) ق : ٣٩.

(٣) الزمر : ٥٣.

(٤) الرعد : ٦.

(٥) النساء : ٤٨ ، النساء : ١١٦.

(٦) طه : ٨٢.

(٧) التحريم : ٨.

(٨) النساء : ١١٠.

(٩) يوسف : ٦٤ ، يوسف : ٩٢.

١٨٤

قلنا : مجملات فيجب حملها على قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (١) ، وقوله تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) (٢) ونحوهما من صرائح القرآن.

قالوا : يحسن في العقل العفو عن المسيء.

قلنا : لا يحسن حيث علم عدم إقلاعه ، ألا ترى لو أن سلطانا إذا عرف من عبده الفاحشة مع حريمه ، وهو يعلم أنه لا يرتدع إن عفا عنه ، بل يعود إلى الفاحشة فإن العفو عنه لا يحسن في العقل ، وهم لم يقلعوا عن الإصرار ؛ لأن توبتهم لم تكن لأجل وجه القبح ، بل لما وقعوا فيه من العقاب ، ولقوله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (٣).

فصل [في ذكر شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم]

أئمتنا عليهم‌السلام ، وجمهور المعتزلة : وشفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل الجنة من أمته يرقيهم الله [تعالى] بها من درجة إلى أعلى منها ، ومن نعيم إلى أسنى منه ، و [أما] من أدخله الله النار فهو خالد فيها أبدا.

بعض المرجئة : بل شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل الكبائر من أمته ، فيخرجهم الله بها من النار إلى الجنة.

لنا : قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها

__________________

(١) التوبة : ٧١.

(٢) الأعراف : ١٥٦.

(٣) الأنعام : ٢٨.

١٨٥

خالِدُونَ) (١) ولم يفصل. وقوله تعالى : (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (٢) ، وقوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) (٣) أي : يجاب ، كقوله تعالى : (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (٤) أي : لا تجب ، فلو كانت لهم لكانوا غير مخلدين فيها ، وذلك خلاف لصريح آيات الوعيد بالتخليد ، ولكان الشفيع لهم عاصما ووليا ونصيرا ، وذلك خلاف لصرائح هذه الآيات.

قالوا : ورد الاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) (٥).

قلنا : المعنى هم خالدون في النار مدة القيامة إلا مدة وقوفهم في المحشر للقطع بالوقوف فيه للحساب ، كما في حق أهل الجنة في قوله تعالى : ([وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ] إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (٦) إذ لا خلاف أن المراد بالاستثناء قبل دخول الجنة ، والفرق تحكم.

ولصريح قوله تعالى : (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (٧) وقوله تعالى : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٨).

قالوا : وردت أحاديث بأنها لأهل الكبائر.

__________________

(١) يونس : ٢٧.

(٢) النساء : ١٢٣.

(٣) غافر : ١٨.

(٤) الإنسان : ٢٤.

(٥) هود : ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٦) هود : ١٠٨.

(٧) البقرة : ١٦٧.

(٨) الزخرف : ٧٧.

١٨٦

قلنا : يجب طرحها لإجماع الصحابة على رفض معارض القرآن مما روي من الأخبار ، ولقدح في متحمليها (١) ، ولمعارضتها الصحيح من الأخبار نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي لعنهما الله على لسان سبعين نبيا) (٢) الخبر وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا يدخل الجنة قتات) (٣) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا يدخل الجنة صاحب مكس ، ولا مدمن خمر ، ولا مؤمن بسحر ، ولا قاطع رحم ، ولا منان) (٤) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ولا يدخل الجنة بخيل) إلى غير ذلك (٥).

__________________

(١) روى الذهبي في الميزان ما لفظه : صديق بن سعيد الصوناخي ، عن محمد بن نصر المروزي ، عن يحي بن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعا (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) قال الذهبي : هذا لم يروه هؤلاء قط ، لكن رواه عن صديق من يجهل حاله أحمد بن عبد الله الدنيى فما أدري من أين وضعه ، قال في الشرح : انتهى بلفظه.

(٢) وفي الاعتصام « وأخرج الطبراني عن أبي أمامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي إمام ظالم غشوم وكل غال مارق).

وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أنس ، والطبراني في الأوسط عن واثلة ، وعن جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : (صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة المرجئة والقدرية).

وفي الجامع الصغير للسيوطي : « وأخرج أحمد عن عثمان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : (من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم تنله مودتي).

(٣) البخاري في الأدب رقم ٥٥٩٦ ، والترمذي في البر والصلة رقم ١٩٤٩ ، وأبو داود في الأدب ٤٢٢٨.

(٤) قوله : (صاحب مكس) أخرجه أبو داود ، وأحمد. وقوله : (مدمن خمر ومنان ، وعاق) أخرجه أحمد ، والدارمي ، وقوله : (مؤمن بسحر ، وقاطع رحم) أخرجه أحمد وابن ماجه.

(٥) من الأخبار المصرحة بنفي الشفاعة ، نحو ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : (لا يدخل الجنة سيئ الملكة).

وأخرج أحمد ، والبخاري ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة).

١٨٧

فصل [في ذكر عذاب القبر]

أئمتنا عليهم‌السلام ، والجمهور : وعذاب القبر ثابت خلافا لقديم قولي أحمد بن سليمان عليه‌السلام (١) والموسوي (٢) ويحي بن كامل (٣).

لنا : أخبار صحيحة (٤).

ويجوز دخول الملكين القبر للسؤال ، خلافا للبسيّ وضرار (٥).

لنا : الأخبار ولا مانع.

فصل [في ذكر الصور]

الهادي عليه‌السلام : والصور : المراد به كل الصّور (٦).

قلت : وله نظائر ، النقب (٧) : جمع النقبة من الجرب ، قال الشاعر (١) :

__________________

(١) فإنه نفاه في (حقائق المعرفة) وأثبته في (الحكمة الدرية) قال في الحقائق : « والخلاف في إحيائه في القبر وإماتته ميتة ثانية ، فأما عذاب القبر للعاصين فنقول به ، ونصدق به ، وقد ورد في ذلك أخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يأت في وقته أثر ـ والله أعلم. ويحسب أنه عند بعثه ، والله أعلم. والمعول عليه عندنا أنه يعذب عند بعثه ونشره ، قال عليه‌السلام : ولو ندما ».

(٢) الموسوي : هو أبو القاسم علي بن الحسين ...

قيل : وهو قول الناصر الأطروش ، وابني الهادي ، ورواه الإمام المطهر عن الهادي عليه‌السلام.

(٣) أي : وهو قول يحي بن كامل من المجبرة ، وغيرهم كبشر المريسي وغيره من البغدادية ، وأبي القاسم البستي ، وضرار بن عمرو.

(٤) نحو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النار) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد مر بقبرين : (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) أي : عندهما (كان أحدهما يمشي بالنميمة ، والآخر لا يستتر من البول) وغير ذلك.

(٥) البستي من الزيدية ، وضرار بن عمرو من المجبرة ، وهو بناء على نفي عذاب القبر.

(٦) أي : أنه جمع ، والمراد جميع صور الأموات ، ومثل كلام الإمام الهادي عليه‌السلام حكاية الإمام المهدي عن قتادة وأبي عبيدة.

(٧) النقب : الموضع المحتفر في جلد البعير ونحوه من الجرب.

١٨٨

يضع الهنى (٢) مواضع النقب.

والصوف : جمع صوفة ، والعطب : جمع عطبة ، والقطن : جمع قطنة ، والبسر : جمع بسرة. وعلى الجملة أن محققي علماء العربية أجمعوا على أن ذلك قياس فيما عدا صنعة البشر من نحو برمة (٣). وقيل : بل الصور مجاز (٤).

الحشوية وغيرهم : بل قرن قد التقمه إسرافيل عليه‌السلام.

قلنا : لا دليل عليه من القرآن ، ولا ثقة بأخبار الحشوية حيث لم يروه غيرهم.

قيل : لو كان الصور لجميع الصور لما صح إفراد الضمير في قوله تعالى : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (٥).

قلنا : ذلك جائز في العربية إجماعا ، في نحو هذا الجمع خاصة ، يقال : الصوف نفشته.

والناقور : مجاز ، شبه الله تعالى دعاهم إلى المحشر بالنقر في الناقور ، وهو آلة نحو الطبل ينقر فيها لاجتماع القوم ، وعند نهوض الجيش.

وقيل : بل هو القرن. لنا : ما مر.

__________________

(١) الشاعر : هو دريد بن الصمة ، وقبله :

ما إن رأيت ولا سمعت به

كاليوم هاني أينق جرب

متبذلا تبدو محاسنه

يضع الهنا مواضع النقب

(٢) الهنى : هو القطران الذي تطلى به الإبل من الجرب.

(٣) فإنه ليس بقياس جمعه على فعل بضم الفاء وسكون العين ، والذي حكاه نجم الدين في شرحه عن الفراء : أن كل ماله واحد من تركيبه سواء كان له اسم الجمع كباقر وركب ، أو اسم الجنس كتمر وبسر فهو جمع ، وإلا فلا ، فنحو : إبل عنده مفرد ، وأما اسم الجنس الذي لا واحد له من لفظه فليس بجمع اتفاقا.

(٤) فهو مجاز عن صوت يحدثه الله تعالى لإفزاع الخلائق وإماتتهم وإحيائهم ، ذكره الإمام أحمد بن سليمان عليه‌السلام. قال في الشرح : قلت : وما ذهب إليه الإمام أحمد بن سليمان محتمل ، ويحتمل أنه الصوت الذي ذكره الله في القرآن غير الصور المذكور.

(٥) الزمر : ٦٨.

١٨٩

باب [في ذكر القيامة]

والقيامة اسم لوقت البعث والنشور والحساب والجزاء.

ووجه حسنه حصول العلم البت (١) للمكلفين بالله تعالى ، وأن الصائر إليهم جزاء لكشف الغطاء بالآيات الموجبة للقطع بذلك منذ الممات حتى الحشر.

قال الله سبحانه : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (٢) فتتم حينئذ غبطة المطيعين ، [وتعظم] حسرة المصرين ، ولذلك لم يعجل الله كل الجزاء في الدنيا (٣) لعدم تمامه بعدم القطع بكونه جزاء للمكلفين ، ولتنغيصه بانقطاعه في حق غيرهم ؛ إذ لا بد من الفناء والإعادة لذلك (٤) كما مر.

الزمخشري : يجوز تعجيل كل العقاب (٥).

قلنا : لم يعرف أنه جزاء فلم يتم ، وأيضا لا دليل.

فصل [في ذكر البعث]

ويبعث الله كل من نفخ فيه الروح قطعا.

أبو هاشم : لا قطع (١).

__________________

(١) العلم البت : أي : العلم القاطع الذي لا يعتريه شك.

(٢) فصلت : ٥٣.

(٣) وأما بعضه فيجوز إيصال شيء من الثواب في الدنيا لا يعتد بنقصانه في الآخرة ، وكذلك تعجيل العقاب الذي لا يؤثر في تخفيف العقاب.

(٤) أي : ليقع القطع بالجزاء.

(٥) قال في الشرح : قلت : وقد تقدم ذكر كلام الإمام عليه‌السلام في بعض معاصي المؤمنين المتعمدة أنه يجوز تعجيل عقابها في الدنيا ، وهو قريب من قول الزمخشري ، وهو متأخر عن وضع الأساس ؛ لأنه جواب لمن سأله عن بعض معاني الأساس. وهو قول الناصر عليه‌السلام كما سبق ذكره ، والدليل عليه كما تقدم في الآلام من الأخبار الكثيرة أنها تحط الذنوب ، وغير ذلك.

١٩٠

لنا : قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (٢).

ويعاد أجزاء الحي كاملا.

وقيل : ما يصح أن يكون الحي حيا معها.

قلنا : يلزم أن يكون بلا يدين ولا رجلين ؛ لأنه يصح أن يكون حيا من دونها ، وقد ثبت أن الله تعالى يقول : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ) (٣) الآية.

أبو علي ، والبلخي : بل جميع الأجزاء (٤).

قلنا : لا دليل على الفضلات.

فصل [في ذكر الحساب والميزان والصراط والجنة]

والحساب يحصل به تعجيل مسرة للسعيد بنشر الحسنات ، وتعجيل عقوبة بالحسرة والندامة للشقي بكشف السيئات ، مع إظهار عدل الله تعالى والتناصف.

جمهور أئمتنا عليهم‌السلام : والميزان ـ المراد به الحق من إقامة العدل والإنصاف.

المهدي وغيره (٥) : بل هو على حقيقته.

قلنا : وزن الأعمال مستحيل ؛ إذ هي أعراض ، ووزن غيرها إما جور أو لا طائل تحته (٦) ، وأيما كان فلا يجوز على الله تعالى.

__________________

(١) لأنه يجوز أن يكون البعض لا يستحق البعث فلا يبعث ، وهو من لم يكن له ثواب ؛ لأنه يجوز عنده توفير العوض في الدنيا.

(٢) الأنعام : ٣٨.

(٣) النور : ٢٤.

(٤) أي : جميع الأجزاء التي كان الإنسان عليها وقت الطاعة أو المعصية ، ولو فضلة كاليد الزائدة.

(٥) من المتأخرين ، وهو قول جمهور المعتزلة.

(٦) حيث وزنت الصحائف المكتوب فيها ، أو ابن آدم نفسه.

١٩١

ولنا قوله : (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ) (١) وهذا نص صريح أنه الحق ، وقوله تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) (٢) وهذا نص صريح أن الموازين هي القسط والقسط : هو العدل ، وكالميزان الذي أنزله الله تعالى في الدنيا حيث قال : (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) (٣).

قالوا : روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال في صفة الميزان : « دون العمود ، وكما بين المشرق والمغرب ، وكفة الميزان كأطباق الدنيا ».

قلنا : لا وثوق برواية من روى هذا عنه ، وإن سلم فذكره للعمود والكفة ترشيح كقول الشاعر (٤) [يصف رجلا شجاعا] : « له لبد أظفاره لم تقلم »

فيوافق حينئذ ما ذكرناه من الأدلة.

والصراط في الدنيا : هو دين الله الذي جاء به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إجماعا.

المهدي عليه‌السلام ، وغيره (٥) : وفي الآخرة هو جسر على جهنم.

لنا : قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٦) خطابا لأهل الدنيا.

وقال تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) (٧) وقوله تعالى : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) (٨) وقوله تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ

__________________

(١) الأعراف : ٨.

(٢) الأنبياء : ٤٧.

(٣) الحديد : ٢٥.

(٤) الشاعر : هو زهير بن أبي سلمى ، وصدره (لدى أسد شاكي السلاح مقذف).

(٥) من الأئمة عليهم‌السلام وغيرهم.

(٦) الأنعام : ١٥٣.

(٧) الأنعام : ١٦١.

(٨) الطور : ١٣.

١٩٢

كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً) (١) إلى قوله [تعالى] : (قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها) (٢) نص [صريح] في أنهم لا يمشون (٣) على جسر فوقها.

وأيضا ما قالوا يستلزم تكليف المؤمنين في الآخرة ، والإجماع على أن لا تكليف فيها. قيل : ويلزمنا التكليف بالوقوف في المحشر كالوقوف بعرفة ، والمرور إلى الجنة كالمرور في الحج قلنا : لا سواء ؛ لأن الوقوف في المحشر لا مشقة فيه على المؤمنين ؛ لأنه تعجيل جزاء للمكلفين ، وكذلك مرورهم إلى الجنة لسرورهم وشوقهم إليها بخلاف المرور على جسر جهنم فهو مشقة لا أعظم منها ؛ لأنكم تزعمون أن الأنبياء والمرسلين يقولون : سلّم سلّم ؛ خوفا من أن يقعوا فيها ، وذلك أعظم تكليف.

قالوا : قال تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٤) وليس ورودها إلا المرور على الجسر قلنا : بل ورودها حضورها فقط ؛ لأن الورود في اللغة بمعنى الحضور ـ كقوله تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) (٥) أي : حضر ـ من غير خوف ولا حزن على المؤمنين لقوله تعالى : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (٦) وقوله تعالى : (وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) (٧).

قالوا : قد روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : (يمد الصراط فيكون أول من يمر به أنا وأمتي

__________________

(١) الزمر : ٧١.

(٢) الزمر : ٧٢.

(٣) في النسخة المطبوعة (لم يمشوا).

(٤) مريم : ٧١.

(٥) القصص : ٢٣.

(٦) فصلت : ٣٠.

(٧) النمل : ٨٩.

١٩٣

والملائكة بجنبيه أكثرهم يقول : سلّم سلّم) (١) الخبر.

قلنا : لا ثقة براويه ، وإن سلم فمعارض بأقوى منه ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي كرم الله وجهه في الجنة : (يا علي إن المؤمنين إذا خرجوا من قبورهم استقبلوا بنوق عليها رحائل الذهب يستوون عليها فتطير بهم إلى باب الجنة) الخبر بطوله.

وما روى ابن البيّع بإسناده إلى النعمان بن سعد ، قال : كنا جلوسا عند علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقرأ قوله تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) (٢) قال : « لا والله ما على أرجلهم يحشرون ولا يساقون ، ولكنهم يؤتون بنوق من نوق الجنة لم تنظر الخلائق إلى مثلها ، أرحالها الذهب ، وأزمتها الزبرجد فيقعدون عليها حتى يقرعوا باب الجنة) (٣) ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ـ يعني البخاري ومسلما.

وروى البخاري ، ومسلم ، والنسائي عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : (يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين ، فاثنان على بعير ، وثلاثة على بعير ، وأربعة على بعير ، وعشرة على بعير) (٤) الخبر ، ونحوه.

فإن سلم التعادل وجب طرحها ، والرجوع إلى ما قدمناه من الأدلة.

وإنطاق الجوارح حقيقة ، وقيل : مجاز.

قلنا : لا مانع ؛ لقدرة الله سبحانه على ذلك ، كتسبيح الحصى في كفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١)

__________________

(١) هذا الحديث مروي في كتب السنة ، الطبراني ، والترمذي ، والحاكم ، وغيرها ، وكلهم عن المغيرة بن شعبة ، وكفى هذا الحديث سقوطا أن راويه المغيرة بن شعبة عدو الله ورسوله.

(٢) مريم : ٨٥.

(٣) أخرجه الحاكم في المستدرك ، وأحمد بن حنبل في مسنده باختلاف يسير.

(٤) تمامه عند ابن حبان (وتحشر بقيتهم النار ، تقيل معهم حيثما قالوا ، وتبيت معهم حيثما باتوا ، وتصبح معهم حيث أصبحوا ، وتمسي معهم حيث أمسوا) وقد أخرج هذا الحديث البخاري ، ومسلم ، وفي السنن الكبرى ، وفي مسند أبي داود.

١٩٤

الهادي (٢) عليه‌السلام ، وأبو هاشم ، وغيرهما : والجنة والنار لم يخلقا قطعا ، لقوله تعالى : (أُكُلُها دائِمٌ) (٣) ولا بد من فناء كل شيء ، كما مر.

أبو علي ، وأبو الحسين : بل خلقنا قطعا ؛ لقوله تعالى : (أُعِدَّتْ) (٤).

قلنا : في علمه تعالى.

قالوا : قال تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) (٥).

قلنا : تلك جنة تأوي إليها أرواح الأنبياء صلوات الله عليهم ، والشهداء في بقية أيام الدنيا ، لا جنة الخلد التي وعد المتقون جمعا بين الأدلة.

المرتضى والمهدي عليهما‌السلام : لا قطع بأيهما.

قلت : وهو الحق ؛ لاحتمال أن يكون أكلها دائم في القيامة لا في أيام الدنيا.

الهادي عليه‌السلام : وجنة آدم عليه‌السلام كانت في الأرض لقوله تعالى : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (٦) ولا دليل على اطلاعه إلى السماء.

وقال غيره : بل هي في السماء لقوله تعالى : (قالَ اهْبِطا) (٧).

قلنا : كقوله تعالى : (اهْبِطُوا مِصْراً) (٨).

__________________

(١) رواه الأصبهاني في كتاب دلائل النبوة ، عن أبي ذر رضي الله عنه.

(٢) انظر المصابيح الساطعة في تفسير قوله تعالى (عندها جنة المأوى) سورة النجم. فقد ورد فيه عن الإمام الهادي عليه‌السلام ما يخالف هذا.

(٣) الرعد : ٣٥.

(٤) البقرة : ٢٤ ، آل عمران : ١٣٢ ، آل عمران : ١٣٣ ، الحديد : ٢١.

(٥) النجم : ١٣ ـ ١٥.

(٦) البقرة : ٣٠.

(٧) طه : ١٢٣.

(٨) البقرة : ٦١.

١٩٥

خاتمة [في افتراق الأمة وبيان الفرقة الناجية]

اعلم أن الأمة قد تفرقت إلى مذاهب شتى ، وليس كلها بمصيب لما مر ، ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلها هالكة إلا فرقة واحدة) (١) وهذا الخبر متلقى بالقبول ، ولم يمت صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا وقد بلّغ عن الله تعالى بيان الفرقة الناجية ؛ لقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٢) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ما تركت شيئا يقربكم إلى الجنة إلا دللتكم عليه) (٣) الخبر ـ بآية المودة ، وآية التطهير ، وآية المباهلة وغيرها من الآيات الدالة على أنها هي العترة الطاهرة ومن تابعها ، وبما ورد في المعصومين (٤) خاصة ، مما لا ينكره المؤالف والمخالف.

ومما ورد فيهم وفي سائر العترة عليهم‌السلام عامة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) (٥) وهذا الخبر متواتر مجمع على صحته.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى ، ومن قاتلها آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال لعنه الله) (٦) وهذا الخبر

__________________

(١) أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، وأحمد ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي ، وأبي يعلى ، والطبراني ، وغيرهم كثير. وفيه رسائل منفردة.

(٢) المائدة : ٣.

(٣) في مصنف ابن أبي شيبة ٧ / ٧٩ ، عن ابن مسعود بلفظ (أيها الناس إنه ليس من شيء يقربكم إلى الجنة).

(٤) في نسخة (الأربعة المعصومين).

(٥) هذا الحديث من أشهر الأحاديث وأكثرها تواترا ، وقد رواه أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وشيعتهم ، وذكره الطبراني في المعجم الكبير برقم ٢٦٧٨ ، وأبو يعلى برقم ١٠٢١ ، فضائل الصحابة ١٣٨٣ ، والمعجم الصغير ٣٦٣ ، والمستدرك ٤٧١١ ، ومسند ابن حنبل ٢١٦٩٧ ، وسنن الترمذي ٣٧٨٨.

(٦) ذكره في مسند الشهاب ، والطبراني في المعجم الكبير رقم ٢٦٣٦ ، ولفظ (ومن قاتلنا) الحاكم في المستدرك ، والطبراني في المعجم الكبير ، والصغير ، وأحمد في فضائل الصحابة.

١٩٦

مجمع على صحته أيضا عند علماء آل الرسول صلوات الله عليهم وشيعتهم ، وأهل التحقيق من غيرهم.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (ولا تخالفوهم فتضلوا) إلى غيرهما ، من زهاء ألف حديث من رواية المؤالف والمخالف.

وفي أعيان أئمتهم عليهم‌السلام بعد الأربعة ، في زين العابدين عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : (إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين) (١) ونحوه.

وفي زيد بن علي (٢) عليه‌السلام ، عن صنوه (٣) محمد [بن علي] الباقر (٤) عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال للحسين [عليه‌السلام] : (يا حسين يخرج من صلبك رجل يقال له

__________________

(١) انظر الينابيع ص ٤١٣.

(٢) زيد بن علي : هو الإمام الأعظم الشهيد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، أبو الحسين ، العلوي ، الهاشمي ، من أعلم الناس وأخطبهم وأفصحهم ، وهو حليف القرآن ، مولده بالمدينة سنة ٧٥ ه‍ على الصحيح ، ونشأ بها ، وأقام بالكوفة ، ورضع العلم من بيت النبوة على يد والده ، وأخيه الإمام الباقر ، وثار على الظلم ، ورفع الراية التي سقطت في كربلاء ، وبايعه أهل الكوفة ، وأربعون ألفا على الدعوة إلى الكتاب والسنة ، وجهاد الظالمين ، ونصرة المستضعفين ، وإعطاء المحرومين ، والعدل في قسم الفيء ، ورد المظالم ، ونصرة أهل البيت ، وخاض معركته في الكوفة حتى استشهد عليه‌السلام ، وحمل رأسه ونصب على باب دمشق ، ونبش جسده الشريف ، وصلب بالكوفة فترة طويلة ، له الكثير من المؤلفات منها : تفسير غريب القرآن مطبوع ، ومجموعه الفقهي الشهير المعروف ب (مسند الإمام زيد) وكثير من الرسائل طبع منها الأغلب ، وإلى هذا الإمام العظيم تنسب الزيدية ، وفي سيرته كتب عدة منها : أخبار الإمام زيد لإبراهيم بن محمد الثقفي المتوفى سنة ٢٨٣ ه‍ ومثله للجلودي ، ومثله لابن بابويه القمي ، وأبو زهرة ، والعلامة إبراهيم الوزير وغيرهم ، وأخباره وآثاره كثيرة ، وحاليا هناك دراسة شاملة لحياة الإمام زيد للأخ محمد يحي سالم عزان تحت الطبع ، وقد صدر له أيضا (الإمام زيد شعلة في ليل الاستبداد) استشهد سنة ١٢٢ ه‍.

(٣) الصنو : المراد به الأخ في عرف أهل اليمن ، والصنو هو الشبيه والمثيل ، ومنه قوله تعالى (صنوان).

(٤) محمد بن علي الباقر : هو الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، من عظماء الإسلام ، لقب بالباقر لغزارة علمه ، ولد في المدينة سنة ٧٥ ه‍ توفي سنة ١١٤ ه‍ وقيل : ١١٧ ه

١٩٧

زيد ، يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس يوم القيامة ، غرّا محجلين) (١) وفي رواية أخرى مثله ، وزاد (يدخلون الجنة بغير حساب) ونحوه.

وفي علي بن موسى الرضا عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : (ستلقى بضعة مني بأرض خراسان لا يزورها مؤمن إلا أوجب الله له الجنة ، وحرم جسده على النار) (٢) ونحوه وفي محمد بن عبد الله (٣) النفس الزكية عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : (إن النفس الزكية يقتل فيسيل دمه إلى أحجار الزيت ، لقاتله ثلث عذاب أهل جهنم) (٤)

وفي الحسين بن علي (٥) صاحب فخ عليه‌السلام ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه انتهى إلى فخ ، فصلى بأصحابه صلاة الجنازة ، ثم قال : (يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة تنزل عليهم الملائكة بأكفان وحنوط من الجنة تسبق أرواحهم أجسادهم [إلى الجنة]) (٦) الخبر ، ونحوه

__________________

(١) ينابيع النصيحة ص ٤١٣ ، عن الإمام الصادق عليهم‌السلام بإسناده إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وفيه زيادة (يدخلون الجنة) بعد قوله : (غرا محجلين).

(٢) انظر الينابيع ص ٤١٦.

(٣) هو الإمام محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، أحد رواد الثورة ضد الظلم ، كان غزير العلم ، واسع المعرفة ، وفيه شجاعة وحزم وسخاء ، ولد بالمدينة سنة ٩٣ ه‍ وكان من الدعاة إلى تجاوز الخلافات بين المسلمين ، ولهذا عند ما ادعى الإمامة بايعه الكثير من سائر الاتجاهات الفكرية ، واستشهد سنة ١٤٥ ه

(٤) رواه الأمير الحسين بن بدر الدين في الينابيع ص ٤١٤ ، وبلفظ (عذاب أهل النار).

(٥) الحسين بن علي الفخي : هو الإمام الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام ، أبو عبد الله ، المعروف بالفخي ـ نسبة إلى موضع بمكة يسمى الزاهر وهو الموضع الذي قتل فيه ـ أحد أئمة الإسلام ، كان فاضلا شجاعا سخيا ، بويع بالإمامة أيام موسى الملقب بالهادي العباسي ، واستولى على المدينة ، وقصد مكة فوجه إليه العباسيون الجيوش ، فقاتل حتى استشهد ، وهو محرم سنة ١٦٩ ه‍ في الموضع المعروف الآن بحدائق الزاهر ، وقبر هناك.

(٦) وروى مثله المولى العلامة مجد المؤيدي في كتابه التحف شرح الزلف قال : ومر جعفر الصادق من فخ وصلى فيه وقال : يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة ، وما في الأصل هو على رواية الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه‌السلام ، وعزاها إلى أبي الفرج.

١٩٨

وفي القاسم [بن إبراهيم] الرسي عليه‌السلام عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : (يا فاطمة إن منك هاديا ومهديا ومستلب الرباعيتين لو كان بعدي نبي لكان إياه).

وفي الهادي إلى الحق يحي بن الحسين عليه‌السلام ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه أشار بيده إلى اليمن وقال (سيخرج رجل من ولدي في هذه الجهة اسمه يحي الهادي ، يحي الله به الدين) (١) ونحوه

وفي الناصر للحق الحسن بن علي بن الحسن [بن علي] بن عمر [بن علي] الأشرف الأطروش (٢) عليه‌السلام ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : (يا علي يكون من ولدك رجل يعرف بزيد المظلوم ، يأتي يوم القيامة مع أصحابه على نجب من نور يعبرون على رءوس الخلائق كالبرق اللامع يقدمهم زيد ، وفي أعقابهم رجل يدعى بناصر الحق ، حتى يقفوا على باب الجنة فتستقبلهم الحور العين ، وتجذب بأعنة نجبهم إلى أبواب قصورهم) إلى غير ذلك.

ومن أراد استقصاء ذلك فعليه بالبسائط نحو كتاب (ينابيع النصيحة في العقائد الصحيحة) للأمير الحسين (٣) عليه‌السلام.

__________________

(١) روى الأمير الحسين في الينابيع هذه الرواية بنفسها ، وعضدها برواية أخرى عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : إذا قتل أهل مصر كبيرهم ، وظهر اليماني باليمن ، فإنه تملأ الأرض عدلا ، فقتل أهل مصر كبيرهم سنة قام الهادي إلى الحق عليه‌السلام.

(٢) هو الإمام الناصر للحق الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، الملقب بالأطروش ، والناصر الكبير ، والناصر للحق ، أحد أئمة الزيدية ، وعظماء الإسلام ، كان عالما مجتهدا زاهدا ورعا ، شجاعا ، أديبا ، عظيم القدر ، ولد سنة ٢٣٠ ه‍ ، ونشأ في طلب العلم ، وقرأ من الكتب السماوية بضعة عشر كتابا ، وقام في أرض الديلم سنة ٢٨٤ ه‍ يدعو إلى الله عشرين سنة ، ودخل طبرستان سنة ٣٠١ ه‍ وأسلم على يديه ألف ألف ما بين رجل وامرأة ، توفي بآمل في ٢٥ شعبان سنة ٣٠٤ ه‍ عن ٧٤ سنة ، قال الطبري : لم ير الناس مثل عدل الأطروش ، وحسن سيرته ، وإقامته للحق ، له مؤلفات كثيرة.

(٣) الأمير الحسين : هو الأمير الحسين بن بدر الدين ، أحد كبار علماء الزيدية ، وأخو الإمام الحسن بن بدر الدين ، كان كثير العلم ، واسع المعرفة ، له مؤلفات كثيرة في الحديث ، والفقه ، وأصول الدين منها : كتاب شفاء الأوام في الحديث والفقه ، توفي سنة ٦٦٣ ه‍ تقريبا.

١٩٩

المعتزلة : بل هي الفرقة الناجية ؛ لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (أبرها وأتقاها الفئة المعتزلة).

قلنا : إن صح فالمراد به العترة المعتزلة عن الباطل ، بشهادة الله ورسوله لهم بذلك لما مر المجبرة : بل هي الناجية لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (عليكم بالسواد الأعظم) (١).

قلنا : المراد بالأعظم عند الله سبحانه ، وليس كذلك إلا الذين شهد الله بإيمانهم ، وحكم بنجاتهم من عترة خاتم النبيين.

ختم الله لنا بمرضاته ، ونجانا برحمته. آمين آمين.

قال في الأصل وهو الشرح الذي اعتمدناه أصلا لهذا.

وافق الفراغ من نساخته بعد أذان العصر يوم السبت سلخ شهر جمادى الأخرى سنة إحدى وستين بعد الألف من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم

__________________

(١) هذا الحديث انفرد به ابن ماجه.

٢٠٠