رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٢

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٤

(فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧) سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠) قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(١٥١)

قوله تعالى : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) قال ابن عباس : يريد : المشركين (١).

وقال مجاهد : اليهود (٢).

(فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) فغير بدع ولا بعيد أن لا يعاجلكم بالعقوبة

__________________

(١) زاد المسير (٣ / ١٤٤).

(٢) أخرجه الطبري (٨ / ٧٧) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٤١٢) ، ومجاهد (ص : ٢٢٦). وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٧٩) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

٤١

لسعة رحمته ، ولكنه أجّلكم إلى الوقت المقدر لعذابكم والانتقام منكم ، (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).

قوله تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) هذا إخبار من الله تعالى لنبيّه بما سيقوله المشركون ، فلما قالوه ، قال : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) [النحل : ٣٥].

والمعنى : سيقول المشركون من عبّاد الأصنام وغيرهم (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) يريدون : البحائر والسوائب.

قال الزجاج (١) : زعم سيبويه أن العطف بالظاهر على المضمر المرفوع في الفعل قبيح ، يستقبح : قمت وزيد ، فإن جاءت «لا» حسن الكلام فقلت : ما قمت ولا زيد.

والمعنى : لو شاء لحال بيننا وبين ذلك ، ولكنه رضي منا ما نحن عليه من عبادة الأصنام وتحريم الحرث والأنعام. وهذه مجادلة فاسدة ؛ لأن لخصمهم أن يقابل ما اعتلوا به من الشبه بمثله ، ولا يلزم من ذلك كونه على الحق عندكم.

ثم إن الله أكذبهم فيما نسبوه إليه من الرضى بما هم عليه فقال : (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) قال ابن عباس : قالوا لرسلهم مثل ما قال هؤلاء لك ، ولو أن الله أكذبهم في نسبتهم المشيئة إليه لقال : (كَذلِكَ كَذَّبَ) بالتخفيف (٢).

(قُلْ) لهم يا محمد على وجه التهكم بهم ، (هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) جاءكم به رسول أو نزل عليكم به كتاب ، (فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ) فيما أنتم عليه من الدين

__________________

(١) معاني الزجاج (٢ / ٣٠٢).

(٢) الطبري (٨ / ٧٩) ، وزاد المسير (٣ / ١٤٥).

٤٢

إلا الباطل ، (إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) أي : تكذبون.

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) حيث أنزل الكتب وبعث الرسل ، وأوضح الدلائل ، لأنكم أيها المحتجون لصحة شركهم وباطلهم والمعتقدون رضى الله بما هم عليه ، حيث لم يقهرهم على تركه ، بل أرخى لهم أعنّة تماديهم في ميادين غيّهم.

(فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) قال جويرية بن أسماء (١) : سمعت علي بن زيد تلا هذه الآية : (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) فنادى بأعلى صوته : انقطع والله هاهنا كلام القدرية (٢).

قوله تعالى : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا). «هلمّ» (٣) كلمة يستوي في الدعاء بها الواحد والاثنان والجماعة ، والمذكر والمؤنث. هذه لغة أهل الحجاز ، وبها جاء القرآن.

وأما بنو تميم وأهل نجد فإنهم يقولون للواحد : هلمّ ، وللاثنين : هلمّا ، وللجماعة : هلمّوا ، وللأنثى : هلمّي ، وللثنتين : هلمّا ، وللنسوة : هلممن.

والمعنى : هاتوا شهداءكم. والمراد بهذا : تبكيتهم وإظهار انقطاع حجتهم.

(الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) يعني : ما ذكر من الحرث والأنعام مما

__________________

(١) جويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي ، بضم المعجمة وفتح الموحدة ، البصري ، صدوق ، مات سنة ثلاث وسبعين. (التقريب : ١٤٣).

(٢) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٨٠) وعزاه لأبي الشيخ عن علي بن زيد.

والقدرية : قوم ينسبون إلى التكذيب بما قدر الله من الأشياء.

(٣) هلم : هو اسم فعل لا ينصرف عند أهل الحجاز ، وفعل يؤنث ويجمع عند بني تميم. انظر : المفصل للزمخشري (ص : ١٩٣) ، واللباب للعكبري (٢ / ٨٩) ، والتبيان (١ / ٢٦٤) ، والدر المصون (٢ / ٢١٢).

٤٣

حرمه المشركون.

(فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي : لا توافقهم ولا تصدقهم ، (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) فحرّموا الحلال وحلّلوا الحرام ، (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) سبق تفسيره.

: (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) سبق الكلام على «تعالوا» في آل عمران (١).

وقوله : (ما حَرَّمَ) منصوب بفعل التلاوة ، تقديره : اتلوا الذي حرّمه ربكم عليكم (٢).

ثم فسّره فقال : (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) ، و «لا» للنهي ، ويجوز أن تكون : «أن» هي الناصبة للفعل ، و «لا» زائدة ، والجملة في موضع نصب على البدل من «ما حرّم» ، أو في موضع رفع ، على معنى : هو (أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ).

وقيل : تم الكلام عند قوله : (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) ثم قال : (عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) ، كما قال : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) [المائدة : ١٠٥] فيكون إغراء (٣).

وقال الزمخشري (٤) : «أن» في «أن لا تشركوا» مفسّرة ، و «لا» للنهي.

فإن قلت : هلّا قلت هي التي تنصب الفعل ، وجعلت «أن لا تشركوا» بدلا

__________________

(١) عند تفسير قوله تعالى : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا ...) [الآية : ٦١].

(٢) ويجوز أن تكون «ما» مصدرية ، أي : حرم ربكم أن تشركوا ، و" لا" زائدة (انظر : التبيان ١ / ٢٦٥ ، والدر المصون ٢ / ٢١٣).

(٣) انظر : التبيان (١ / ٢٦٥) ، والدر المصون (٢ / ٢١٣).

(٤) الكشاف (٢ / ٧٥).

٤٤

من «ما حرّم»؟

قلت : وجب أن تكون (أَلَّا تُشْرِكُوا) ، (وَلا تَقْرَبُوا) ، (وَلا تَقْتُلُوا) ، «ولا تتبعوا السّبل» نواهي لانعطاف الأوامر عليها ، وهي قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ؛ لأن التقدير : وأحسنوا بالوالدين إحسانا ، «وأوفوا» ، (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) ، (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا).

فإن قلت : فما تصنع بقوله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) فيمن قرأ بالفتح ، وإنما يستقيم عطفه عل ى «أن لا تشركوا» إذا جعلت «أن» هي الناصبة للفعل ، حتى يكون المعنى : أتل عليكم نفي الإشراك والتوحيد ، وأتل عليكم أن هذا صراطي مستقيما؟

قلت : أجعل قوله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) علّة للاتباع بتقدير اللام ؛ كقوله : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) [الجن : ١٨] بمعنى : ولأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه. والدليل عليه القراءة بالكسر ، كأنه قيل : واتبعوا صراطي لأنه مستقيم ، [أو : واتبعوا صراطي إنه مستقيم](١).

فإن قلت : إذا جعلت «أن» مفسرة لفعل التلاوة وهو معلق ب (ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) وجب أن يكون ما بعده منهيا عنه محرما كله ؛ كالشرك ، وما بعده مما دخل عليه حرف النهي ، فما تصنع بالأوامر؟

قلت : لما وردت هذه الأوامر مع النواهي وتقدمهن جميعا فعل التحريم واشتركن في الدخول تحت حكمه ، علم أن التحريم راجع إلى أضدادها ، وهي

__________________

(١) ما بين المعكوفين زيادة من الكشاف (٢ / ٧٥).

٤٥

الإساءة إلى الوالدين ، وبخس الكيل والميزان ، وترك العدل في القول ، ونكث عهد الله عزوجل. هذا تمام كلامه (١).

قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) قال ابن عباس : يريد : مخافة الفقر (٢).

يقال : أملق الرّجل فهو مملق ؛ إذا افتقر (٣).

والمراد : نهيهم عما كانوا عليه من دفن البنات أحياء خشية النفقة عليهن.

ثم ضمن الله تعالى الرزق للجميع فقال : (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ).

(وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) سبق تفسيره في قوله : (وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ) [الأنعام : ١٢٠].

(وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) وهو أن يكفر بعد إيمانه ، أو يزني بعد إحصانه ، أو يقتل نفسا مؤمنة معصومة (٤).

ويروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «كان فيما أعطى الله موسى في الألواح : ولا تقتل النفس التي حرمت إلا بالحق فتضيق عليك الأرض برحبها ، والسماء بأقطارها ،

__________________

(١) أي : الزمخشري في الكشاف.

(٢) أخرجه الطبري (٨ / ٨٢) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٤١٤). وانظر : تفسير ابن عباس (ص : ٢١٩).

وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٨٣) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.

(٣) انظر : اللسان ، مادة : (ملق).

(٤) أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنّي رسول الله إلّا بإحدى ثلاث : الثّيّب الزّاني ، والنّفس بالنّفس ، والتّارك لدينه المفارق للجماعة» (البخاري ٦ / ٢٥٢١ ح ٦٤٨٤ ، ومسلم ٣ / ١٣٠٢ ح ١٦٧٦).

٤٦

وتبوء بسخطي والنار» (١).

(ذلِكُمْ) يعني : ما ذكر في هذه الآية ، (وَصَّاكُمْ) أي : أمركم به ، (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢) وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(١٥٣)

قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ).

أي : بالخصلة التي هي أحسن ، وهي القيام بتثميره ، وحسن تدبيره ، وعدم تبذيره.

وقال ابن عباس : يريد : إن كنت له وصيا فأصلحت ماله أكلت بالمعروف إن احتجت إليه ، وإن كنت غنيا عنه فعفّ عن أكله (٢).

(حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) وهو استحكام قوة الشباب ، والمراد به : أن يبلغ ويؤنس منه الرشد ، وهو الصلاح في المال والدين ، وقد ذكرناه في سورة النساء (٣).

__________________

(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٣ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٥١) وعزاه لابن مردويه وأبي نعيم في الحلية وابن لال في مكارم الأخلاق عن جابر بن عبد الله.

(٢) الوسيط (٢ / ٣٣٧) ، وزاد المسير (٣ / ١٤٩).

(٣) عند تفسير قوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ ...) [النساء : ٦].

٤٧

قال أبو عبيدة (١) : الأشدّ : لا واحد له.

وقال الفراء (٢) : واحده : «شدّ» في القياس ، ولم نسمع لها بواحد.

وقال ابن قتيبة (٣) : لا واحد له ، فإن أكرهوا على ذلك قالوا : شد بمنزلة «ضبّ وأضبّ».

وقيل : واحد الأشد : شدّ ، بفتح الشين وضمها (٤).

قال بعض البصريين : واحد الأشد : «شدة» ، كنعمة وأنعم (٥).

فإن قيل : لم خصّ مال اليتيم بالذكر مع أن جميع الأموال لا يجوز قربانها إلا بالتي هي أحسن؟

قلت : خصه بالذّكر ؛ لضعفه عن الانتصار لنفسه ، وزيادة الطمع فيه لصغره.

قوله تعالى : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) أتموها بالعدل والتسوية من غير بخس ولا شطط ، على حسب اجتهاد المكلف في تحري العدل.

(لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي : ما يسعها وتقدر عليه ، (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا) أي : إذا تكلمتم أو شهدتم فاعدلوا ، (وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) أي : ولو كان المقول له أو عليه في شهادة أو غيرها ذا قرابتك.

(وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) هو مثل قوله : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة : ١] ، وقد سبق

__________________

(١) مجاز القرآن (٢ / ٩٩).

(٢) لم أقف عليه في معاني الفراء. وانظر : زاد المسير (٣ / ١٤٩) ، واللسان ، مادة : (شدد).

(٣) انظر قول ابن قتيبة في : زاد المسير (٣ / ١٤٩).

(٤) انظر : زاد المسير (٣ / ١٤٩).

(٥) انظر : زاد المسير (٣ / ١٤٩).

٤٨

تفسيره. (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

(وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) اتفقوا على تشديد النون في «أنّ» إلا ابن عامر ، فإنه خففها من الثقيلة ، تقديره : وأنه ، فحذف ضمير الشأن ، وكسر حمزة والكسائي الهمزة على الاستئناف ، وفتحها الباقون (١).

قال الفراء (٢) : إن شئت جعلت «أنّ» مفتوحة بوقوع «أتل» عليها ، وإن شئت جعلتها خفضا على معنى : ذلكم وصاكم به وأنّ هذا صراطي مستقيما.

وسيبويه يقول (٣) : التقدير : ولأنّ هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ؛ كقوله : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) [المؤمنون : ٥٢] والمشار إليه : القرآن ودين الإسلام.

(فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) وهي : الضلالات والبدع.

أخبرنا أبو علي بن عبد الله بن الفرج في كتابه ، أخبرنا أبو القاسم هبة الله الشيباني ، أخبرنا أبو علي الحسن بن علي الواعظ ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان ، أخبرنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد قال : حدثني أبي ، حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا أبو بكر ، [عن](٤) عاصم ، عن أبي وائل ، عن عبد الله رضي الله عنه قال : «خطّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطّا بيده ثمّ قال : هذا سبيل الله مستقيما ، ثمّ خطّ عن يمينه وشماله ثمّ قال : هذه السّبل ، ليس منها سبيل إلّا وعليه شيطان يدعو إليه ، ثمّ

__________________

(١) الحجة للفارسي (٢ / ٢٢٧) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٢٧٧) ، والكشف (١ / ٤٥٧) ، والنشر (٢ / ٢٦٦) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٢٠) ، والسبعة في القراءات (ص : ٢٧٣).

(٢) معاني الفراء (١ / ٣٦٤).

(٣) انظر : الكتاب (٢ / ١٢٦ ـ ١٢٧).

(٤) في الأصل : بن. والمثبت من مسند أحمد.

٤٩

قرأ : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ)(١).

وأخرج الترمذي من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : «من سرّه أن ينظر إلى الصّحيفة الّتي عليها خاتم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فليقرأ هؤلاء الآيات : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ..). إلى قوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(٢).

وقال ابن عباس : هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شيء من جميع الكتب (٣).

(ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (١٥٤) وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ (١٥٦) أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ (١٥٧) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)(١٥٨)

__________________

(١) أخرجه أحمد (١ / ٤٦٥ ح ٤٤٣٧).

(٢) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٦٤ ح ٣٠٧٠) وقال : هذا حديث حسن غريب.

(٣) الوسيط (٢ / ٣٣٩).

٥٠

قوله تعالى : (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) إن قيل : على أي شيء عطف قوله : «ثم آتينا»؟

قلت : قال الزجاج (١) : على معنى التلاوة (٢) ، التقدير : قل تعالوا أتل ما حرّم ربكم عليكم ثم أتل عليكم ما آتاه الله موسى.

وقال الزمخشري (٣) : عطفه على «وصاكم».

فإن قلت : كيف [صحّ](٤) عطفه عليه ب «ثم» وإيتاء موسى الكتاب قبل التوصية بدهر طويل؟

قلت : هذه التوصية قديمة ، لم تزل [توصاها](٥) كلّ أمة على لسان نبيها ، كما قال ابن عباس : [محكمات](٦) لم ينسخهن شيء من جميع الكتب ، كأنه قيل : ذلكم وصاكم به يا بني آدم قديما وحديثا.

ثم أعظم من ذلك أنّا آتينا موسى الكتاب [وأنزلنا هذا الكتاب](٧) المبارك.

وقيل : هو معطوف على ما تقدم قبل شطر السورة من قوله : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) [الأنعام : ٨٤].

وقال غيره : تقديره : ثم كنا قد آتينا موسى الكتاب ، ومثله قول الشاعر :

__________________

(١) معاني الزجاج (٢ / ٣٠٦).

(٢) أي : الانتقال من كلام لآخر بقطع النظر عن الزمن.

(٣) الكشاف (٢ / ٧٦ ـ ٧٧).

(٤) زيادة من الكشاف (٢ / ٧٦).

(٥) في الأصل : توصاتها. والتصويب من الكشاف ، الموضع السابق.

(٦) زيادة من الكشاف ، الموضع السابق.

(٧) ما بين المعكوفين زيادة من الكشاف ، الموضع السابق.

٥١

قل لمن ساد ثمّ ساد أبوه

ثم قد ساد قبل ذلك جدّه (١)

قوله تعالى : (تَماماً) مفعول له (٢) ، المعنى : آتيناه الكتاب لأجل التمام على الذي أحسنه من كتب الله وشرائع دينه ، وعلوم أنبيائه.

وقيل : تماما للنعمة والكرامة على ما أحسن في طاعتي وتبليغ رسالتي ، فتكون الذي بمعنى «ما».

وقيل : المعنى : آتيناه الكتاب تاما جملة واحدة لم نفرق إنزاله ، كالقرآن مضافا إلى الذي أحسنه من العلم وزيادة عليه.

فعلى هذه [الأقوال](٣) المشار إليه : موسى صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقيل : المعنى : تماما للنعمة والكرامة على من كان محسنا صالحا ، يريد : جنس المحسنين ، وهو اختيار أبي عبيدة وكثير من المحققين (٤).

ويؤيده قراءة عبد الله بن مسعود : «على الذي أحسنوا» (٥).

__________________

(١) البيت لأبي نواس في مدح العباس بن عبيد الله. انظر البيت في : تفسير ابن كثير (١ / ٦٨) ، وشرح النووي على مسلم (٢ / ٧٨). و (ثم) هنا لعطف الخبر بعد الخبر لا للترتيب.

(٢) التبيان (١ / ٢٦٦) ، والدر المصون (٢ / ٢٢٠).

قال العكبري : قوله تعالى : (تماما) مفعول له ، أو مصدر ، أي : أتممناه إتماما ، ويجوز أن يكون في موضع الحال من الكتاب ، (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) يقرأ بفتح النون على أنه فعل ماض ، وفي فاعله وجهان : أحدهما : ضمير اسم الله والهاء محذوفة ، أي : على الذي أحسنه الله ، أي : أحسن إليه وهو موسى ، والثاني : هو ضمير موسى ؛ لأنه أحسن في فعله ، ويقرأ بضم النون على أنه اسم ، والمبتدأ محذوف ، وهو العائد على الذي ، أي : على الذي هو أحسن ، وهو ضعيف. اه.

(٣) في الأصل : إلا قول.

(٤) انظر : الماوردي (٢ / ١٨٩) ، وزاد المسير (٣ / ١٥٣).

(٥) انظر : مختصر ابن خالويه (ص : ٤١) ، وإعراب القراءات الشواذ للعكبري (ص : ٥٢٢).

٥٢

وقال ابن زيد : تماما على إحسان الله على أنبيائه (١).

وفيه تعسف.

وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو رزين والحسن ويحيى بن يعمر (٢) : «أحسن» بالرفع (٣) ، على معنى : هو أحسن ، فحذف المبتدأ.

وقرأ ابن عمرو وأبو المتوكل : «أحسن» بضم الهمزة وكسر السين (٤).

(وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) تبيانا لكل شيء يحتاج إليه من شرائع الدين.

قوله تعالى : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) يعني : القرآن ، ووصفه بالبركة لما يأتي من قبله من الخير الكثير ، (فَاتَّبِعُوهُ) اعملوا بما فيه ، (وَاتَّقُوا) مخالفته ، (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) وهم اليهود والنصارى.

قال مقاتل (٥) : كان كفار مكة يقولون : قاتل الله اليهود والنصارى كيف كذبوا

__________________

(١) أخرجه الطبري (٨ / ٩١) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٤٢٣). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٨٦) وعزاه لابن أبي حاتم.

(٢) يحيى بن يعمر العدواني ، أبو سليمان البصري ، قاضي مرو. كان من فصحاء أهل زمانه ، وأكثرهم علما باللغة. روى عن ابن عباس وابن عمر وعائشة وأبا هريرة وغيرهم. أخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي. قيل : هو أول من نقط المصحف. مات سنة تسع وثمانين (تهذيب التهذيب ١١ / ٢٦٦).

(٣) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٣ / ١٥٤) ، والدر المصون (٣ / ٢٢١).

(٤) انظر هذه القراءة في : زاد المسير ، الموضع السابق.

(٥) تفسير مقاتل (١ / ٣٧٩).

٥٣

أنبيائهم ، فو الله لو جاءنا نذير وكتاب لكنا أهدى منهم ، فنزلت هذه الآية.

و «أن» في محل النصب.

قال الكسائي والفراء (١) : معناه : اتقوا أن تقولوا.

والذي عليه حذاق النحاة من البصريين وغيرهم : أنه مفعول لأجله ، تقديره : أنزلناه كراهة أن تقولوا يا أهل مكة : إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا (٢).

(وَإِنْ كُنَّا) هي «إن» المخففة من الثقيلة ، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية ، والأصل : وإنه كنا (عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) على أن الهاء ضمير الشأن.

والمعنى : كنا عن قراءتهم غافلين لا نعلم ما هي إذا سمعناها أو نظرنا فيها ؛ لأن لغتنا تنافيها.

(أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) أرشد إلى الصواب وأدرى بمواقع الكلام وفصل الخطاب ؛ لحدة أذهاننا ، [ونقاوة](٣) أفهامنا.

(فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يخاطبكم بلسانكم العربي ، (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) وهو القرآن.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها) أي : فمن أشد ظلما ممن جحد بالقرآن ومعجزات محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأعرض عنها بعد أن عرفها.

وقيل : صدف الناس عنها ، فهو أبلغ ؛ لأنه صدف بنفسه وصدف الناس عنها.

ثم توعدهم فقال : (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا

__________________

(١) معاني الفراء (١ / ٣٦٦).

(٢) انظر : زاد المسير (٣ / ١٤٥) ، ومعاني الزجاج (٢ / ٣٠٧).

(٣) في الأصل : وتقاية.

٥٤

يَصْدِفُونَ).

قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ) أي : هل ينتظرون.

(إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) وقرأ حمزة والكسائي : «يأتيهم الملائكة» بالياء ، هنا وفي النحل (١) ؛ لتذكير معنى الملائكة (٢).

قال مقاتل (٣) : هو ملك الموت وحده.

وقال غيره : ملك الموت وأعوانه يأتيهم لقبض أرواحهم.

(أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) قال الثعلبي (٤) : يأتي ربك بلا كيف لفصل القضاء بين خلقه في موقف القيامة.

وقال الحسن والضحاك : يأتي أمره (٥).

قوله تعالى : (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) قال عامة المفسرين : يعني : طلوع الشمس من مغربها (٦).

__________________

(١) عند الآية رقم : ٣٣.

(٢) الحجة للفارسي (٢ / ٢٢٨) ، والحجة لا بن زنجلة (ص : ٢٧٧) ، والكشف (١ / ٤٥٨) ، والنشر (٢ / ٢٦٦) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٢٠) ، والسبعة في القراءات (ص : ٢٧٣ ـ ٢٧٤).

(٣) تفسير مقاتل (١ / ٣٨٠).

(٤) الثعلبي (٤ / ٢٠٧).

(٥) زاد المسير (٣ / ١٥٦).

(٦) أخرجه الطبري (٨ / ٩٦) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٤٢٧) ، ومجاهد (ص : ٢٢٨). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٣ / ١٥٧) ، والسيوطي في الدر المنثور (٣ / ٣٨٩).

فائدة : قال ابن الجوزي في زاد المسير (٣ / ١٥٧) : إن الحكمة في طلوع الشمس من مغربها : أن الملحدة والمنجمين زعموا أن ذلك لا يكون ، فيريهم الله قدرته ويطلعها من المغرب كما أطلعها من المشرق ؛ ولتحقق عجز نمرود حين قال له إبراهيم : (فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ) [البقرة : ٢٥٨].

٥٥

وقد أخرج الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله : (أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) ، قال : طلوع الشمس من مغربها» (١).

وروى مسروق عن ابن مسعود قال : طلوع الشمس والقمر من مغربهما (٢).

قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها).

أخبرنا الشيخان أبو القاسم أحمد بن عبد الله بن عبد الصمد العطار ، وأبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة البغداديان قالا : أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى ابن شعيب السجزي ، أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي ، أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي ، أخبرنا محمد بن يوسف الفربري ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا عمارة ، حدثنا أبوزرعة ، حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا رآها الناس آمن من عليها ، فذلك حين (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) (٣).

وأخرجه مسلم عن أبي بكر ، عن ابن فضيل ، عن عمارة.

ويقع لنا عاليا من طريق المسند ، فإن الإمام أحمد رحمه‌الله ، يرويه عن محمد بن فضيل ، عن عمارة.

__________________

(١) أخرجه الترمذي (٥ / ٢٦٤ ح ٣٠٧١) وقال : هذا حديث حسن غريب ، ورواه بعضهم ولم يرفعه.

(٢) أخرجه الطبري (٨ / ٩٦) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٤٢٧) ، والطبراني في الكبير (٩ / ٢٠٩ ح ٩٠١٩). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٨٩) وعزاه لسعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبي الشيخ والطبراني عن ابن مسعود.

(٣) أخرجه البخاري (٤ / ١٦٩٧ ح ٤٣٥٩) ، ومسلم (١ / ١٣٧ ح ١٥٧) ، وأحمد (٢ / ٢٣١ ح ٧١٦١).

٥٦

وبه قال : حدثنا البخاري ، حدثني إسحاق ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، وذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها ، ثم قرأ الآية» (١).

وأخبرنا الشريف أبو الفتوح محمد بن محمد البكري التيمي (٢) برباطه بدمشق ، حدثنا أبو الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري (٣) ، حدثنا أبو عبد الله إسماعيل بن عبد الله القلانسي ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل (٤) ، أخبرنا محمد بن عبد الله الصفار ، حدثنا أحمد بن أبي نعيم الفضل بن دكين ، حدثنا عبد الله بن موسى ، عن أبي سعيد البقال ، عن عبد الله بن أبي أوفى

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٦٩٧ ح ٤٣٦٠).

(٢) محمد بن محمد بن محمد بن عمرو القرشي التيمي البكري النيسابوري الصوفي ، ولد سنة ثماني عشرة وخمسمائة ، وحدث ببغداد وبمكة ومصر ودمشق ، وجاور مدة. توفي في حادي عشر جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة (سير أعلام النبلاء (٢٢ / ٨٩ ـ ٩٠).

(٣) هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن ، أبو الأسعد القشيري النيسابوري ، خطيب نيسابور ، كان صاحب فضل ومعرفة بعلوم القوم ، ولد في جمادى الأولى سنة ستين وأربعمائة ، روى الكثير ، وذاع صيته وارتحلوا إليه ، وحدث عنه خلق كثير ، وأملى مجالس كثيرة ، وظهر به صمم في آخر حياته ، توفي في ثالث عشر شوال سنة ست وأربعين وخمسمائة ، وله ست وثمانون سنة (سير أعلام النبلاء ٢٠ / ١٨٠ ـ ١٨٢ ، ولسان الميزان ٦ / ١٨٧).

(٤) محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفي النيسابوري ، من أهل نيسابور ، ثقة ، كان والده مثريا ، وكان ينفق ، فكان لا يحدث حتى يحضر محمد هذا ، وإن غاب عن سماع جزأ أعاده له ، فأكثر عنه جدا ، مات في ذي الحجة سنة إحدى وعشرين وأربعمائة عن نيف وتسعين سنة (سير أعلام النبلاء ١٧ / ٣٥٠ ، والتقييد ص : ١١٠).

٥٧

قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يأتي على الناس ليلة قياس ثلاث ليال من لياليكم هذه ، لا يعرفها إلا المتهجدون ، يقوم المتهجد فيقرأ أجزاءه ، ثم ينام ، ثم يقوم فيقرأ أجزاءه ، ثم ينام ، فإذا كان ذلك فزعوا إلى المساجد ، فبينا هم كذلك إذا طلعت الشمس من مغربها» (١).

وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي ذر قال : «كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على حمار وعليه برذعة أو قطيفة (٢) ، قال : وذلك عند غروب الشمس ، فقال لي : يا أبا ذر ؛ هل تدري أين تغيب هذه الشمس؟ قلت الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تغرب في عين حامئة تنطلق حتى تخر لربها عزوجل ساجدة تحت العرش ، فإذا حان خروجها أذن الله لها فتخرج فتطلع ، فإذا أراد الله أن يطلعها من حيث تغرب حبسها ، فتقول : يا رب إن مسيري بعيد ، فيقول لها : اطلعي من حيث غبت ، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها» (٣).

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ودابة الأرض» (٤).

وفيه من حديث عبد الله بن عمرو : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أول الآيات

__________________

(١) ذكره ابن كثير في تفسيره (٢ / ١٩٥) وقال : هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وليس هو في شيء من الكتاب الستة (وانظر : فتح الباري ١١ / ٣٥٥).

(٢) البرذعة : الحلس الذي يلقى تحت الرحل (اللسان ، مائدة : برذع).

والقطيفة : كساء له خمل (اللسان ، مائدة : قطف).

(٣) أخرجه أحمد (٥ / ١٦٥ ح ٢١٤٩٧).

(٤) أخرجه البخاري (١ / ١٣٨ ح ١٥٨).

٥٨

خروجا : طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضحى. قال عبد الله بن عمرو : ويمكث الناس بعد طلوعها ، فأيتهما خرجت قبل فالأخرى منها قريب» (١).

وقال عبد الله بن عمرو : يمكث الناس بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة (٢).

قوله تعالى : (لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) صفة لقوله : «نفسا» (٣).

وقوله : (أَوْ كَسَبَتْ) عطف على «آمنت» (٤) ، وإنما لم ينفعها الإيمان ؛ لأنها اضطرت إليه عند رؤية الآية الخارقة ، وسقط معنى التكليف والإيمان الاختياري.

(قُلِ انْتَظِرُوا) ما توعدكم الله به في هذه الآية وغيرها ، (إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ذلك لكم.

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) (١٥٩)

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ) فارقوا (دِينَهُمْ) قرأ عليّ عليه‌السلام وحمزة والكسائي : «فارقوا» بزيادة ألف. وقرأ باقي القرّاء السّبعة : «فرّقوا» بتشديد الرّاء من غير

__________________

(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٦٠ ح ٢٩٤١).

(٢) أخرجه ابن أبي شيبة (٧ / ٥٠٦). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٣٩١) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٣) انظر : التبيان (١ / ٢٦٦) ، والدر المصون (٢ / ٢٢٤).

(٤) انظر : الدر المصون (٢ / ٢٢٤).

٥٩

ألف (١).

وفي المشار إليهم ثلاثة أقوال :

أحدها : أنهم أهل الضلالة من هذه الأمة. قاله أبو هريرة (٢).

فعلى هذا ؛ معنى «فارقوا دينهم» : باينوه وتركوه جانبا واتبعوا أهواءهم.

ومعنى (فَرَّقُوا دِينَهُمْ) : آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه ؛ كالمعتزلة (٣) والرافضة (٤) ، فإنهم آمنوا بكثير مما جاءهم به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكفروا بكثير منه ، فإنهم لا يؤمنون بكثير من أحوال الآخرة ، كعذاب القبر ، وإخراج المؤمنين من النار بالشفاعة ، والنظر إلى وجه الله تعالى في الجنة.

ويجوز أن يكون معنى : (فَرَّقُوا دِينَهُمْ) : صاروا أشياعا وفرقا.

القول الثاني : إنهم أهل الكتاب. قاله ابن عباس والضحاك وقتادة ومجاهد (٥).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٢ / ٢٢٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٢٧٨) ، والكشف (١ / ٤٥٨) ، والنشر (٢ / ٢١٦) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٢٠) ، والسبعة في القراءات (ص : ٢٧٤).

(٢) أخرجه الطبري (٨ / ١٠٥) ، والطبراني في الأوسط (١ / ٢٠٧). وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٠٢) وعزاه للحكيم الترمذي وابن جرير والطبراني والشيرازي في الألقاب وابن مردويه.

(٣) المعتزلة : هم القائلون بأن العباد خالقوا أعمالهم ، وبنفي الرؤية ، وبوجوب الثواب والعقاب ، وهم عشرون فرقة (تحفة الأحوذي ٧ / ٣٣٤).

(٤) الرافضة : فرقة من فرق الشيعة ، سميت بذلك ؛ لأنها رفضت رأي زيد بن علي بن الحسين في صحة خلافة أبي بكر وعمر ، وانشقوا عليه (انظر : ضحى الإسلام ٣ / ١٣٦).

(٥) أخرجه الطبري (٨ / ١٠٥) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٤٢٩). وأخرجه النحاس في ناسخه (ص : ٤٤٢) عن ابن عباس. وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٤٠١ ، ٤٠٣) وعزاه للنحاس في ناسخه عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن قتادة ، وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم. ومن طريق آخر عن مجاهد ، وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر. ومن طريق آخر عن ـ

٦٠