رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٢

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٢

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٤٤

قال الزمخشري (١) : وهذا تفسير فيه تعسف ، وما أحسب الرواية فيه عن الحسن صحيحة ، وما يلائم علمه بكلام العرب وفصاحته.

قال ابن عباس : المعنى : إذ يريكهم الله يا محمد في منامك قليلا لتحتقرهم فتجترئ عليهم (٢).

(وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ) لجبنتم وتأخرتم عن حربهم ، (وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) أي : ولاختلفت آراؤكم وتفرقت كلمتكم ، (وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ) من الفشل والتنازع ، (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).

قال ابن عباس : علم ما في صدوركم من الحب لله (٣).

وقيل : علم ما فيها من الجرأة والجبن ، والصبر والجزع.

قوله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ) الضميران مفعولان ، و (قَلِيلاً) نصب على الحال (٤).

والمعنى : إذ يبصركم أيها المؤمنون إياهم قليلا تصديقا لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتحقيقا لرؤياه ، ولتزدادوا جرأة عليهم.

قال ابن مسعود : لقد قلّلوا في أعيننا ، حتى قلت لرجل إلى جانبي : أتراهم

__________________

(١) الكشاف (٢ / ٢١٣).

(٢) انظر : الطبري (١٠ / ١٣) ، والوسيط (٢ / ٤٦٣) ، وزاد المسير (٣ / ٣٦٤).

(٣) الوسيط (٢ / ٤٦٣).

(٤) انظر : الدر المصون (٣ / ٤٢٤).

٤٤١

سبعين؟ فقال : أراهم مائة ، حتى أخذنا رجلا منهم قلنا : كم كنتم؟ قال : كنا ألفا (١).

(وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) لئلا يحجموا عنكم فلا تظفروا فيهم بالمقصود.

قال الكلبي : استقل المؤمنون بالمشركين والمشركون المؤمنين ليجترئ بعضهم على بعض (٢).

وقد حررت القول في هذا المعنى في سورة آل عمران عند قوله : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) [آل عمران : ١٣].

(لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) سبق تفسيره.

قال ابن عباس في قوله : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي : بعد هذا مصيركم إليّ ، فأكرم أوليائي وأعاقب أعدائي (٣).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(٤٦)

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) أي : جماعة كافرة. وترك وصفهم بالكفر لانحصار القتال إذ ذاك لهم.

__________________

(١) أخرجه ابن أبي شيبة (٧ / ٣٦٠) ، والطبري (١٠ / ١٣) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٧١٠). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٧٤) وعزاه لابن أبي شيبة وابن جرير وأبي الشيخ وابن مردويه.

(٢) الوسيط (٢ / ٤٦٣).

(٣) انظر : الوسيط (٢ / ٤٦٣).

٤٤٢

والمعنى : فاثبتوا لقتالهم.

(وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً) في ذلك الموطن ، بالدعاء والثناء والاستنصار على الأعداء ، فإن الله ذاكر من ذكره ، وناصر من نصره.

(لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تفوزون بمقصودكم ورضا معبودكم.

ثم حذّرهم من اختلاف الآراء فقال : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا) قوله : " فتفشلوا" نصب بإضمار" أن" ، ويجوز أن يكون داخلا في جملة النهي ، فيكون مجزوما (١). ويؤيده ما قرأته على شيخنا أبي البقاء عبد الله بن الحسين اللغوي : " ويذهب" بالياء وسكون الباء (٢). ويؤيد الأول قراءة الباقين.

ومعنى قوله : (وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) : دولتكم. قاله أبو عبيدة (٣).

قال الزمخشري (٤) : شبّهت في نفوذ أمرها وتمشيته (٥) بالريح وهبوبها. يقال : هبّت رياح فلان ؛ إذا دالت له الدولة ونفذ أمره (٦).

وقيل : لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله (٧).

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٨) ، والدر المصون (٣ / ٤٢٥).

(٢) انظر : زاد المسير (٣ / ٣٦٥).

(٣) مجاز القرآن (١ / ٢٤٧). وهو قول الأخفش أيضا. انظر : الوسيط (٢ / ٤٦٤) ، وزاد المسير (٣ / ٣٦٥).

(٤) الكشاف (٢ / ٢١٥).

(٥) في الكشاف : وتمشيه.

(٦) انظر : اللسان ، مادة : (روح).

(٧) وهو قول قتادة وابن زيد. أخرجه ابن أبي حاتم (٥ / ١٧١٢). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٧٦) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

٤٤٣

وصح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «نصرت بالصّبا ، وأهلكت عاد بالدّبور» (١).

قلت : وإلى قول أبي عبيدة تؤول أقوال المفسرين ؛ من أن الريح : الصولة أو الحدّة أو الشدة أو النصر.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٤٩)

قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) يعني : النفير ، (بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ).

قال الزجاج (٢) : البطر : الطغيان في النعمة وترك شكرها ، والرياء : إظهار الجميل ليرى مع إبطان القبيح.

__________________

(١) أخرجه البخاري (١ / ٣٥٠ ح ٩٨٨) ، ومسلم (٢ / ٦١٧ ح ٩٠٠).

والدّبور : هي الريح التي تقابل الصبا والقبول ، وهي ريح تهبّ من نحو المغرب ، والصبا تقابلها من نحو المشرق (اللسان ، مادة : دبر).

(٢) معاني الزجاج (٤ / ١٥٠).

٤٤٤

قال قتادة : هؤلاء أهل مكة خرجوا ولهم بغي وفخر ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم إن قريشا أقبلت بفخرها وخيلائها لتحادك ورسولك». فنهى الله المؤمنين أن يكونوا مثلهم ، وأمرهم بإخلاص النية والحسبة في نصرة الدين (١).

وقد ذكرنا فيما مضى : أن أبا سفيان أرسل إليهم يؤذنهم بسلامة العير ، فقال أبو جهل : لا نرجع حتى نقدم بدرا فنشرب الخمور ، وننحر الجزور ، ونطعم الطعام ، ونقيم القيان (٢) والمعازف ، فتسمع بنا العرب فتهابنا (٣) ، فانعكس عليهم الأمر ، فنحروا أنفسهم بدل الجزور ، وشربوا المنايا عوضا عن الخمور ، وناحت عليهم النوائح مكان القيان والمعازف.

قوله تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) أي : واذكر إذ زين لهم الشيطان أعمالهم التي عملوها في معاداتك وإبطال ما جئت به ، (وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ) وذلك أنهم لما أجمعوا المسير خافوا بني كنانة ، فتبدّا لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك ـ وكان من أشراف بني كنانة ـ فقال : لا غالب لكم اليوم من الناس ، (وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) أي : حافظ ومجير من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه ، فخرجوا سراعا ، (فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ) التقى الجمعان ؛ المسلمون والمشركون (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) أي : رجع القهقرى وذلك أن إبليس رأى جبريل عليه

__________________

(١) أخرجه الطبري (١٠ / ١٧) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٧١٣). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٧٧) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٢) وهنّ الإماء المغنيات (انظر : اللسان ، مادة : قين).

(٣) أخرجه الطبري (١٠ / ١٧) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٧١٤). وانظر : الماوردي (٢ / ٣٢٤) ، وزاد المسير (٣ / ٣٦٦).

٤٤٥

السّلام ومعه الملائكة ، وكان إبليس آخذا بيد الحارث بن هشام على صورة سراقة ، فلما رأى الملائكة نكص على عقبية ، فقال له الحارث : أفرارا من غير قتال؟ فقال : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) ، فانهزم وانهزم المشركون ، فقال الناس : هزمهم سراقة. فلما بلغ ذلك سراقة قال : والله ما شعرت بمسيركم حتى تلقّتني هزيمتكم.

وقيل : إن قول الشيطان كان بطريق الوسوسة ، وأن نكوصه مجاز عن بطلان كيده.

والأول هو التفسير الصحيح.

(إِنِّي أَخافُ اللهَ) قال قتادة : صدق عدو الله في قوله : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ)" ، [ذكر لنا](١) أنه رأى جبريل ومعه الملائكة ، فعلم أنه لا يد له بالملائكة ، وكذب عدو الله في قوله : (إِنِّي أَخافُ اللهَ) والله ما به مخافة الله ، ولكنه علم أنه لا قوة له بهم (٢).

وقال عطاء : المعنى : إني أخاف الله أن يهلكني (٣).

قال ابن الأنباري (٤) : لما رأى نزول الملائكة خاف أن تكون القيامة ، فيكون انتهاء إنظاره ، فيقع به العذاب.

__________________

(١) في الأصل : ذكرنا. والتصويب من زاد المسير (٣ / ٣٦٧).

(٢) أخرجه الطبري (١٠ / ١٩) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٧١٦). وانظر : الوسيط (٢ / ٤٦٥ ـ ٤٦٦) ، وزاد المسير (٣ / ٣٦٧). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٧٩) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٤٦٦) ، وزاد المسير (٣ / ٣٦٧).

(٤) انظر : زاد المسير (٣ / ٣٦٧).

٤٤٦

(وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) من تمام الحكاية عن إبليس. وجائز أن يكون ابتداء كلام من الله تعالى.

أخرج مالك في الموطأ من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه يوم عرفة ، وما ذاك إلا لما رأى من تنزل الرحمة وتجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام ، إلا ما كان من يوم بدر. فقيل : ما رأى من يوم بدر؟ قال : رأى جبريل يزع الملائكة» (١). هذا حديث مرسل.

قوله تعالى : (إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) قال ابن عباس : هم قوم من أهل المدينة من الأوس والخزرج (٢).

(وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي : شك ، وهم ناس من أهل مكة أسلموا ولم يهاجروا ، فأخرجهم المشركون يوم بدر كرها ، فلما رأوا قلة المسلمين ارتابوا في الدين وقالوا : (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ).

وعدّهم مقاتل فقال (٣) : [هم](٤) قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس (٥) بن

__________________

(١) أخرجه مالك (١ / ٤٢٢ ح ٩٤٤).

ويزع الملائكة : أي يرتّبهم ويسوّيهم ويصفّهم للحرب (اللسان ، مادة : وزع).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٤٦٦) ، وزاد المسير (٣ / ٣٦٧).

(٣) تفسير مقاتل (٢ / ٢٢) ، وليس فيه الحارث بن زمعة والعاص بن منبه ، بل ذكر عمرو بن أمية بن سفيان بن أمية.

(٤) في الأصل : لهم. والتصويب من تفسير مقاتل ، الموضع السابق.

(٥) كذا في الأصل وزاد المسير. وفي تفسير مقاتل : قيس بن الفاكه.

٤٤٧

الفاكه بن المغيرة ، والوليد بن الوليد (١) بن المغيرة ، والحارث بن زمعة ، وعلي (٢) بن أمية بن خلف ، والعاص بن منبه بن الحجاج ، والوليد بن عتبة بن ربيعة.

وروي عن ابن عباس والحسن أن الذين قالوا : (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ) : هم المشركون (٣).

وفي قوله عقيب ذلك جوابا لقولهم : (غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) إيذان بحسن نيات المسلمين في ذلك الموطن ، وثقتهم بالاعتماد عليه في ذلك اليوم ، وأن توكلهم على الله كان السبب الأقوى في استعلائهم على أعدائهم.

وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «من سرّه أن يكون أقوى الناس ، فليتوكل على الله» (٤).

(وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ

__________________

(١) في الأصل زيادة : والوليد. انظر : تفسير مقاتل (٢ / ٢٢) ، وزاد المسير (٣ / ٣٦٨).

(٢) كذا في الأصل وزاد المسير. وفي تفسير مقاتل : والعلاء.

(٣) انظر : تفسير ابن عباس (ص : ٢٥٥) ، وزاد المسير (٣ / ٣٦٨).

(٤) أخرجه الحارث في مسنده (٢ / ٩٦٧ ح ١٠٧٠) ، والبيهقي في الزهد الكبير (٢ / ٣٦٤ ح ٩٨٦).

وذكره الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (١ / ١٩٠) ، والجرجاني في الكامل (٧ / ١٠٦).

٤٤٨

يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ)(٥٤)

قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى) أي : لو شاهدت ؛ لأن" لو" تردّ الفعل المضارع إلى معنى الماضي ، كما تردّ" إن" الماضي إلى معنى الاستقبال.

(إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ) قرأ ابن عامر : " تتوفى" بتاءين ، لتأنيث لفظ الملائكة ، وقرأ الباقون بالياء والتاء (١) ؛ لأن التأنيث غير حقيقي ، وللفصل بين الفعل والفاعل.

والمراد بالملائكة : ملك الموت وأعوانه ، في قول مقاتل (٢).

وملائكة العذاب ، في قول أبي سليمان الدمشقي (٣).

وحكى الماوردي (٤) : أنهم الملائكة الذين نزلوا لنصر المسلمين يوم بدر.

والمراد بالتوفي على القول الأول : قبض أرواحهم.

وعلى القول الثاني : الاستيفاء والقبض ، كما تقول : توفيت حقي واستوفيته ؛ إذا قبضته (٥).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٢ / ٣٠٧) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣١١) ، والكشف (١ / ٤٩٣) ، والنشر (٢ / ٢٧٧) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٣٨) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٠٧).

(٢) تفسير مقاتل (٢ / ٢٣).

(٣) زاد المسير (٣ / ٣٦٨).

(٤) تفسير الماوردي (٢ / ٣٢٦).

(٥) انظر : اللسان (مادة : وفى).

٤٤٩

وعلى القول الثالث : قبض الأرواح أيضا ، لكنه إضافة الشيء إلى نفسه.

وقوله : (يَضْرِبُونَ) حال من" الملائكة" (١).

فإن قلنا : هم ملك الموت وأعوانه ؛ فقد ورد في الأثر : أنهم يضربون الكافر عند الموت بسياط من نار (٢).

وإن قلنا : ملائكة العذاب ، فقد ورد أنهم يضربون وجوههم حين يتلقونهم يوم القيامة ، وأدبارهم حين يسوقونهم إلى النار (٣).

وإن قلنا : هم ملائكة النصر ، فالمعنى : يضربون وجوه بعضهم يوم بدر وأدبار بعضهم (٤).

وقيل : يضربون وجوههم إذا أقبلوا للقتال ، وأدبارهم إذا انهزموا (٥).

وقال ابن جريج : يضربون ما أقبل منهم وأدبر ، يريد أجسادهم كلها (٦).

قال الحسن : قال رجل : يا رسول الله إني رأيت ظهر أبي جهل مثل الشراك. قال : ذلك ضرب الملائكة (٧).

(وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) عطف على" يضربون" ، على إرادة القول ، أي : ويقولون ذوقوا عذاب.

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٨) ، والدر المصون (٣ / ٤٢٧).

(٢) ذكره ابن الجوزي في : زاد المسير (٣ / ٣٦٩).

(٣) انظر : زاد المسير (٣ / ٣٦٩).

(٤) الماوردي (٢ / ٣٢٦) ، وزاد المسير (٣ / ٣٦٩).

(٥) زاد المسير (٣ / ٣٦٨).

(٦) انظر : زاد المسير (٣ / ٣٦٩).

(٧) أخرجه الطبري (١٠ / ٢٢).

٤٥٠

وقال الحسن : هذا يوم القيامة ، يقول لهم خزنة جهنم : ذوقوا عذاب الحريق (١).

وقيل : كان مع الملائكة الذين نزلوا للنصر مقامع (٢) من حديد ، كلما ضربوا التهبت في الجراحات ، فذلك قوله : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ)(٣).

وجواب" لو" محذوف ، تقديره : لو ترى يا محمد ذلك لرأيت منظرا فظيعا هائلا (٤).

(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) جائز أن يكون من تمام الحكاية عن كلام الملائكة لهم ، وجائز أن يكون من كلام الله تعالى.

والمعنى : ذلك العذاب بما قدمت أيديكم ، الآية سبق تفسيرها في أواخر آل عمران (٥) ، والتي بعدها سبق تفسيرها في أوائل آل عمران (٦).

قوله تعالى : (ذلِكَ) إشارة إلى الذي حلّ بالكفار من الانتقام والأخذ ، (بِأَنَّ اللهَ) أي : بسبب أن الله (لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ) فيحوّلهم مما يحبون إلى ما يكرهون (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) فينتقلون من الحال الجميلة إلى الحال القبيحة ، أو من الحال المرضية إلى الحال المسخوطة.

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٣ / ٣٦٩) من قول مقاتل.

(٢) المقامع : سياط من حديد رؤوسها معوجّة (اللسان ، مادة : قمع).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٤٦٦).

(٤) انظر : الدر المصون (٣ / ٤٢٧).

(٥) الآية رقم : (١٨٢).

(٦) الآية رقم : (١١).

٤٥١

قال مقاتل (١) : هم أهل مكة أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ، ثم بعث فيهم محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلم يعرفوا المنعم عليهم ، فغيّر الله ما بهم [من النّعم](٢).

قال السدي : كذبوا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنقله إلى الأنصار (٣).

فإن قيل : ليت شعري من أين للقبط أو لمشركي مكة حال جميلة أو مرضية فغيروها؟

قلت : لعمري إنهم ما زالوا على حال سيئة مسخوطة ، لكن ببعثة الرسول إليهم تبين لهم بطلان ما كانوا عليه ، ووضح لهم صحة ما يدعوهم إليه ، ولأجل ذلك وجب عليهم اتباعه ، وهذه حالة جميلة ونعمة جليلة ، فلما غيروها بملازمة ما كانوا عليه من الضلالة ومعاندة صاحب الرسالة ، غيّر الله ما بهم ، ونقلهم من النعم إلى النقم.

وقال الزمخشري (٤) : كما تغير الحال المرضية إلى المسخوطة ، تغير الحال المسخوطة إلى أسخط منها ، وأولئك كانوا قبل بعثة الرسل إليهم كفرة عبدة أصنام ، فلما بعث إليهم بالآيات البينات فكذبوه وعادوه وتحزّبوا عليه ، ساعين في إراقة دمه ، غيّروا حالهم إلى أسوأ مما كانت ، فغيّر الله ما أنعم به عليهم من الإمهال وعاجلهم بالعذاب.

__________________

(١) تفسير مقاتل (٢ / ٢٣).

(٢) زيادة من تفسير مقاتل ، الموضع السابق.

(٣) أخرجه الطبري (١٠ / ٢٤) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٧١٨). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٨١) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ.

(٤) الكشاف (٢ / ٢١٨).

٤٥٢

قوله تعالى : (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) يعني : الأمم المكذبة ، (وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ) يعني : قتلى قريش وآل فرعون والذين من قبلهم.

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)(٥٧)

وما بعده سبق تفسيره إلى قوله : (الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ) وهو بدل من قوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا) وهو بدل البعض من الكل (١).

والمعنى : الذين عاهدت من الذين كفروا ، ف" من" على هذا للتبعيض (٢).

(ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) قال ابن عباس وغيره : هم بنو قريظة ، [عاهدوا](٣) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن لا يحاربوه ولا يعينوا عليه ، فنقضوا العهد ، وأعانوا مشركي مكة بالسلاح ، ثم قالوا : نسينا وأخطأنا ، ثم عاهدوه الثانية فنكثوا ومالؤوا الكفار يوم الخندق (٤) ، ومنهم كعب بن الأشرف الذي كان يحرض أهل مكة ويبكي قتلى بدر (٥).

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٨) ، والدر المصون (٣ / ٤٢٨).

(٢) انظر : الدر المصون (٣ / ٤٢٨).

(٣) في الأصل : عاهد.

(٤) أخرج نحوه الطبري (١٠ / ٢٥) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٧١٩) ، ومجاهد (ص : ٢٦٦). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٣ / ٣٧٢).

(٥) قال أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٥٠٣) : قال البغوي : من روى أنه كعب بن الأشرف أخطأ ووهم ، بل يحتمل أنه كعب بن أسد فإنه كان سيد قريظة.

٤٥٣

(وَهُمْ لا يَتَّقُونَ) نقض العهد ، ولا يخشون ما في ذلك من العار وعذاب النار.

(فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ) تصادفنهم وتظفرنّ بهم في الحرب ، وقد سبق في (فَإِمَّا) في أوائل البقرة (١).

(فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) أي : فرّق بما تفعل بهم من التنكيل والعقوبة جمع من [وراءهم](٢) من أعدائك وناقضي عهدك (٣) حتى لا يجسروا عليك.

وقرأ ابن مسعود : " فشرّذ" بالذال المعجمة (٤). قيل : هما بمعنى واحد.

وقال الزمخشري (٥) : كأنه مقلوب" شذر" ، من قولهم : شذر مذر.

(وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ)(٥٨)

قال المفسرون : الخوف هاهنا بمعنى : العلم (٦) ، ويحتمل أن يجرى الخوف على أصله.

__________________

(١) الآية : ٣٨.

(٢) في الأصل : وائهم.

(٣) في هامش الأصل : عهودك.

(٤) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٣٨).

(٥) الكشاف (٢ / ٢١٩).

(٦) زاد المسير (٣ / ٣٧٣).

٤٥٤

المعنى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ) بينك وبينهم عهد (خِيانَةً) تبد لك أمارتها وتظهر آياتها ، (فَانْبِذْ) أي : فاطرح إليهم العهد ناقضا له ، (عَلى سَواءٍ) والجار والمجرور في محل الحال (١).

والمعنى : على عدل واستواء واتفاق منك ومنهم في العلم [بالنقض](٢) ، فلا تأخذهم غرة من غير أن تشعرهم بالنقض ، فإن ذلك خيانة يأباها منصب الرسالة ، وغدر لا يليق بسياسة الإيالة.

(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) بنقض العهد وغيره من أنواع الخيانات.

قال ابن مسعود : كلّ الخلال يطوف عليها المؤمن ، إلا الخيانة والكذب (٣).

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان» (٤).

(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ)(٦٠)

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٩) ، والدر المصون (٣ / ٤٢٩).

(٢) في الأصل : باتقض.

(٣) أخرج نحوه البيهقي في سننه (١٠ / ١٩٧) ، والبيهقي في الشعب (٤ / ٢٠٧) ، وابن أبي شيبة (٥ / ٢٣٦) كلهم عن سعد بن أبي وقاص.

(٤) أخرجه البخاري (١ / ٢١ ح ٣٣) ، ومسلم (١ / ٧٨ ح ٥٩).

٤٥٥

قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَ) وقرأ ابن عامر وحمزة : " يحسبن" بالياء ، لما اكتنف ذلك من ألفاظ الغيبة ، فيكون المفعول الأول محذوفا تقديره : لا يحسبن الكافرون أنفسهم سبقوا.

أو يكون المعنى : لا تحسبن محمد والسامع أن (الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا).

أو يكون التقدير : أن سبقوا ، فحذف" أن" كما في قوله : (وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً) [الروم : ٢٤] فتسدّ" أن" مسدّ [المفعولين](١) ؛ كقوله : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) [العنكبوت : ٢].

وقيل : التقدير : لا يحسبنهم الذين كفروا سبقوا ، فحذف الضمير لكونه مفهوما.

وقيل : وقع الفعل على (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) على أنّ" لا" صلة ، و" سبقوا" في محل الحال (٢) ، يعني : سابقين أي : [مفلتين](٣) هاربين.

وقرأ الباقون : " تحسبن" بالتاء (٤) ، على الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) مفعولا" حسب" ، وهو الوجه الظاهر النير الذي لا تعسف فيه ولا تمحل. وحيث جاء هذا الحرف في القرآن : تحسبن ، وتحسبهم ،

__________________

(١) في الأصل : المفعولين.

(٢) انظر : الدر المصون (٣ / ٤٢٩).

(٣) في الأصل : مفلتتن. انظر : البحر المحيط (٤ / ٥٠٥).

(٤) الحجة للفارسي (٢ / ٣٠٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣١٢) ، والكشف (١ / ٤٩٣) ، والنشر (٢ / ٢٧٧) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٣٨) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٠٧).

٤٥٦

وتحسب ، ويحسبون ، وما جاء منه على صيغة الاستقبال ، قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين ، والباقون بكسرها (١).

قال شيخنا أبو البقاء عبد الله بن الحسين اللغوي رحمه‌الله : فعل مثل علم ، فمستقبله يفعل ، بفتح العين ، إلا أربعة أحرف : حسب يحسب ، ويئس ييئس ، وبئس يبئس ، والفتح في كلها جائز.

ومعنى (سَبَقُوا) : فاتوا.

ثم استأنف فقال : (إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ) وفتح ابن عامر الهمزة على إضمار اللام وحذفها (٢) ، أي : لأنهم لا يعجزون.

وقرأ ابن محيصن : " يعجزون" بكسر النون (٣).

قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) قال السدي وابن قتيبة (٤) : هو كل ما يتقوى به من سلاح وكراع (٥).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٢ / ٣٠٥) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٣٨) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٠٧).

(٢) الحجة للفارسي (٢ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣١٢) ، والكشف (١ / ٤٩٤) ، والنشر (٢ / ٢٧٧) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٣٨) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٠٨).

(٣) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٣٨).

(٤) تفسير غريب القرآن (ص : ١٨٠). وانظر : زاد المسير (٣ / ٣٧٥).

(٥) أخرجه الطبري (١٠ / ٣٠).

والكراع : اسم يجمع الخيل (اللسان ، مادة : كرع).

٤٥٧

وفي صحيح مسلم من حديث عقبة بن الحارث بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على المنبر يقول : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) ، ألا إن القوة الرمي" ثلاثا"» (١).

واعلم أن هذا ليس على وجه حصر القوة في الرمي ، إنما هو إعلام بما في الرمي من شدة النكاية في الحرب وحث على تعاطيه ، ولهذا قال عليه‌السلام : «ارموا واركبوا ، وأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا» (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنة ، ومن رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر» (٣).

قوله تعالى : (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) أي : ما يربط منها في سبيل الله ، ويجوز أن يكون جمع ربيط ؛ كفصيل [وفصال](٤).

وقرئ" ومن ربط" بضم الراء والباء (٥) ، وسكون الباء أيضا (٦) ، جمع رباط.

فإن قيل : الخيل من جملة القوة ، فلم خصّت بالذّكر؟

قلت : للمعنى الذي ذكرته في الرمي ، ألا ترى إلى قول الشاعر :

__________________

(١) أخرجه مسلم (٣ / ١٥٢٢ ح ١٩١٧).

(٢) أخرجه الترمذي (٤ / ١٧٤ ح ١٦٣٧).

(٣) أخرجه الحاكم (٢ / ١٣٢ ح ٢٥٦٠).

(٤) في الأصل : وفصائل. انظر : البحر المحيط (٤ / ٥٠٧).

(٥) وهي قراءة الحسن وعمرو بن دينار وأبي حيوة. انظر : إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٣٨) ، والبحر المحيط (٤ / ٥٠٧).

(٦) وهي قراءة الحسن وأبي حيوة أيضا. انظر : البحر المحيط (٤ / ٥٠٧) ، والدر المصون (٣ / ٤٣٢).

٤٥٨

وأعددت للحرب أوزارها

رماحا طوالا وخيلا ذكورا (١)

وسئل ابن سيرين عن رجل أوصى بثلث ماله في الحصون ، فقال : يشترى به الخيل ويغزى عليها. فقيل له : إنما أوصى في الحصون؟ فقال : ألم تسمع قول الشاعر :

 ..........

أنّ الحصون الخيل لا مدر القرى (٢)

قوله تعالى : (تُرْهِبُونَ بِهِ) وقرأت لأبي عمرو من رواية عبد الوارث عنه ، وليعقوب من رواية [رويس](٣) عنه : " ترهّبون" بتشديد الهاء وفتح الراء (٤). والمعنى : تخيفون به.

(عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) يعني : أهل مكة وكفار العرب.

(وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ) روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنهم كفرة الجن (٥) ، فيكون الضمير في قوله : " ترهبون به" عائدا [على](٦) " رباط الخيل".

__________________

(١) البيت للأعشى. انظر : ديوانه (ص : ٧١) ، ومشاهد الإنصاف (١ / ٢٥١) ، وتهذيب اللغة (١٣ / ٢٤٤) ، والقرطبي (١٦ / ٢٢٩) ، والبحر المحيط (٨ / ٧٥) ، والدر المصون (٦ / ١٤٧).

(٢) عجز بيت للجعفي ، وصدره : (ولقد علمت على توقّي الرّدى). انظر : اللسان ، مادة : (حصن) ، وروح المعاني (١٠ / ٢٥).

(٣) في الأصل : ريس. انظر : زاد المسير (٣ / ٣٧٥).

(٤) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٣٨).

(٥) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (٥ / ١٦٤٦). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٩٧) وعزاه لأبي الشيخ. وقد رجح هذا القول الطبري في تفسيره (١٠ / ٣٢).

(٦) زيادة على الأصل.

٤٥٩

وجاء في الحديث : «إن الشيطان لا يخبل أحدا في داره فرس عتيق» (١).

ويروى : أن صهيل الخيل يطرد الجن (٢).

وقال مجاهد ومقاتل (٣) : يعني : قريظة (٤).

وقال السدي : هم فارس (٥).

وقال الحسن وابن زيد : هم المنافقون لا تعلمونهم (٦) ، لأنهم معكم يقولون :

" لا إله إلا الله" (٧).

__________________

(١) أخرجه الحارث في مسنده (٢ / ٦٧٦) ، وأبو الشيخ في العظمة (٥ / ١٦٤٦). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٩٧) وعزاه لسعد والحارث بن أبي أسامة وأبي يعلى وغيرهم.

(٢) انظر : الطبري (١٠ / ٣٢).

(٣) تفسير مقاتل (٢ / ٢٥).

(٤) أخرجه الطبري (١٠ / ٣١) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٧٢٣). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٩٧) وعزاه للفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.

(٥) أخرجه الطبري (١٠ / ٣١) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٧٢٤). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٩٨) وعزاه لابن أبي حاتم.

(٦) قال الطبري (١٠ / ٣٢) : فإن قال قائل : فإن المؤمنين كانوا لا يعلمون ما عليه المنافقون ؛ فما تنكر أن يكون عني بذلك المنافقون؟

قيل : إن المنافقين لم يكن تروعهم خيل المسلمين ولا سلاحهم ، وإنما كان يروعهم أن يظهر المسلمون على سرائرهم التي كانوا يستسرون من الكفر ، وإنما أمر المؤمنون بإعداد القوة لإرهاب العدو ، فأما من لم يرهبه ذلك فغير داخل في معنى من أمر بإعداد ذلك له المؤمنون وقيل : " لا تعلمونهم" ، فاكتفى للعلم بمنصوب واحد في هذا الموضع ؛ لأنه أريد : لا تعرفونهم.

(٧) أخرجه الطبري (١٠ / ٣٢) ، وابن أبي حاتم (٥ / ١٧٢٤). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٤ / ٩٧) وعزاه لابن أبي حاتم عن ابن زيد.

٤٦٠