تفسير النسفي - ج ٢

عبدالله بن أحمد النسفي

تفسير النسفي - ج ٢

المؤلف:

عبدالله بن أحمد النسفي


المحقق: الشيخ مروان محمّد الشعار
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٣

(وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) (٤٥)

فقيل : قلب فلان هواء إذا كان جبانا لا قوة في قلبه ولا جراءة ، وقيل : جوف لا عقول لهم.

٤٤ ـ (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) أي يوم القيامة ، ويوم مفعول ثان لأنذر لا ظرف إذ الإنذار لا يكون في ذلك اليوم (فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي الكفار (رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) أي ردّنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى أمد وحدّ من الزمان قريب نتدارك ما فرّطنا فيه من إجابة دعوتك واتباع رسلك ، فيقال لهم (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) أي حلفتم في الدنيا أنكم إذا متم لا تزالون عن تلك الحالة ولا تنتقلون إلى دار أخرى ، يعني كفرتم بالبعث كقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) (١) وما لكم جواب القسم ، وإنما جاء بلفظ الخطاب لقوله أقسمتم ، ولو حكى لفظ المقسمين لقيل ما لنا من زوال ، أو أريد باليوم يوم هلاكهم بالعذاب العاجل ، أو يوم موتهم معذّبين لشدة (٢) السكرات ولقاء الملائكة بلا بشرى ، فإنهم يسألون يومئذ أن يؤخرهم ربّهم إلى أجل قريب.

يقال سكن الدار وسكن فيها ، ومنه :

٤٥ ـ (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بالكفر لأنّ السّكنى من السكون وهو اللبث ، والأصل تعديته بفي نحو قرّ في الدار وأقام فيها ، ولكنه لما نقل إلى سكون خاص تصرّف به فقيل سكن الدار كما قيل تبوأها ، ويجوز أن يكون سكنوا من السكون أي قرّوا فيها واطمأنوا طيّبي النفوس سائرين سيرة من قبلهم في الظلم والفساد لا يحدّثونها بما لقي الأولون من أيام الله وكيف كان عاقبة ظلمهم فيعتبروا ويرتدعوا (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ) بالأخبار والمشاهدة ، وفاعل تبين مضمر دلّ عليه الكلام ، أي تبين لكم حالهم و (كَيْفَ) ليس بفاعل لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما

__________________

(١) النحل ، ١٦ / ٣٨.

(٢) في (ز) بشدة.

٣٨١

(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٤٨)

قبله ، وإنما نصب كيف بقوله (فَعَلْنا بِهِمْ) أي أهلكناهم وانتقمنا منهم (وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ) أي صفات ما فعلوا وما فعل بهم ، وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة لكلّ ظالم.

٤٦ ـ (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) أي مكرهم العظيم الذي استفرغوا فيه جهدهم ، وهو ما فعلوه من تأييد الكفر وبطلان الإسلام (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) وهو مضاف إلى الفاعل كالأول ، والمعنى ومكتوب عند الله مكرهم فهو مجازيهم عليه بمكر هو أعظم منه ، أو إلى المفعول أي عند الله مكرهم الذي يمكرهم به ، وهو عذابهم الذي يأتيهم من حيث لا يشعرون (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) بكسر اللام الأولى ونصب الثانية ، والتقدير وإن وقع مكرهم لزوال أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعبّر عن النبي عليه‌السلام بالجبال لعظم شأنه ، وكان تامة ، وإن نافية واللام مؤكدة لها كقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ) (١) والمعنى ومحال أن تزول الجبال بمكرهم ، على أنّ الجبال مثل لآيات الله وشرائعه لأنها بمنزلة الجبال الراسية ثباتا وتمكنا ، دليله قراءة ابن مسعود وما كان مكرهم ، وبفتح اللام الأولى ورفع الثانية عليّ ، أي وإن كان مكرهم من الشدة بحيث تزول منه الجبال وتنقطع عن أمكانها ، فإن مخففة من إنّ واللام مؤكدة.

٤٧ ـ (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) يعني قوله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا) (٢) (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) (٣) مخلف مفعول ثان لتحسبنّ ، وأضاف مخلف إلى وعده وهو المفعول الثاني له والأول رسله ، والتقدير مخلف رسله وعده ، وإنما قدّم المفعول الثاني على الأول ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلا كقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٤) ثم قال رسله ليؤذن أنه إذا لم يخلف وعده أحدا فكيف يخلفه رسله الذين هم خيرته وصفوته (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ) غالب لا يماكر (ذُو انتِقامٍ) لأوليائه من أعدائه.

٤٨ ـ وانتصاب (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) على الظرف للانتقام ، أو على إضمار اذكر ، والمعنى يوم تبدّل هذه الأرض التي تعرفونها أرضا أخرى غير

__________________

(١) الأنفال ، ٨ / ٣٣.

(٢) غافر ، ٤٠ / ٥١.

(٣) المجادلة ، ٥٨ / ٢١.

(٤) آل عمران ، ٣ / ٩. الرعد ، ١٣ / ٣١.

٣٨٢

(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) (٥٠)

هذه المعروفة وتبدّل السماوات غير السماوات ، وإنما حذف لدلالة ما قبله عليه ، والتبديل التغيير ، وقد يكون في الذوات كقولك بدلت الدراهم دنانير ، وفي الأوصاف كقولك بدلت الحلقة خاتما إذا أذبتها وسويتها خاتما فنقلتها من شكل إلى شكل ، واختلف في تبديل الأرض والسماوات فقيل تبدّل أوصافها ، وتسير عن الأرض جبالها ، وتفجر بحارها ، وتسوى ، فلا ترى فيها عوجا ولا أمتا ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هي تلك الأرض وإنما تغيّر. وتبدّل السماء بانتثار كواكبها ، وكسوف شمسها ، وخسوف قمرها ، وانشقاقها وكونها أبوابا ، وقيل تخلق بدلها أرض وسماوات أخر. وعن ابن مسعود رضي الله عنه : يحشر الناس على أرض بيضاء لم يخطئ عليها أحد خطيئة (١) ، وعن علي رضي الله عنه : تبدل أرضا من فضة وسماوات من ذهب (٢) (وَبَرَزُوا) وخرجوا من قبورهم (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) هو كقوله : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٣) لأنّ الملك إذا كان لواحد غلّاب لا يغالب فلا مستغاث لأحد إلى غيره كان الأمر في غاية الشدة.

٤٩ ـ (وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) الكافرين (يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة (مُقَرَّنِينَ) قرن بعضهم مع بعض ، أو مع الشياطين ، أو قرنت أيديهم إلى أرجلهم مغلّلين (فِي الْأَصْفادِ) متعلق بمقرّنين أي يقرنون في الأصفاد ، أو غير متعلق به والمعنى مقرّنين مصفّدين ، والأصفاد القيود أو الأغلال.

٥٠ ـ (سَرابِيلُهُمْ) قمصهم (مِنْ قَطِرانٍ) هو ما يتحلّب من شجر يسمى الأبهل ، فيطبخ ، فيهنأ به الإبل الجربى ، فيحرق الجرب بحدته وحره ، ومن شأنه أن يسرع فيه اشتعال النار ، وهو أسود اللون منتن الريح ، فيطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل ليجتمع عليهم لذع القطران وحرقته ، وإسراع النار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الريح ، على أنّ التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين ، وكلّ ما وعده الله أو أوعد به في الآخرة فبيّنه وبيّن ما نشاهد من جنسه ما لا يقادر قدره وكأنه ما عندنا منه إلّا الأسامي والمسميات ثمة ، نعوذ بالله من سخطه

__________________

(١) الطبري من طرق عدة وألفاظ متقاربة.

(٢) الطبري عن علي : الأرض من فضة والجنة من ذهب.

(٣) غافر ، ٤٠ / ١٦.

٣٨٣

(لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (٥٢)

وعذابه ، من «قطر آن» زيد عن يعقوب نحاس مذاب بلغ حرّه إناه (وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ) تعلوها باشتعالها ، وخصّ الوجه لأنه أعزّ موضع في ظاهر البدن كالقلب في باطنه ولذا قال : (تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) (١).

٥١ ـ (لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أي يفعل بالمجرمين ما يفعل ليجزي كلّ نفس مجرمة ما كسبت ، أو كلّ نفس من مجرمة أو مطيعة ، لأنه إذا عاقب المجرمين لإجرامهم علم أنه يثيب المؤمنين بطاعتهم (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) يحاسب جميع العباد في أسرع من لمح البصر.

٥٢ ـ (هذا) أي ما وصفه في قوله (وَلا تَحْسَبَنَ) إلى قوله (سَرِيعُ الْحِسابِ بَلاغٌ لِلنَّاسِ) كفاية في التذكير والموعظة (وَلِيُنْذَرُوا بِهِ) بهذا البلاغ ، وهو معطوف على محذوف أي لينصحوا ولينذروا (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به دعتهم المخافة إلى النظر حتى يتوصلوا إلى التوحيد لأنّ الخشية أم الخير كلّه (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) ذوو العقول.

__________________

(١) الهمزة : ١٠٤ / ٧.

٣٨٤

سورة الحجر

وهي تسع وتسعون آية مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) (٢)

١ ـ (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) تلك إشارة إلى ما تضمنته السورة من الآيات ، والكتاب والقرآن المبين السورة ، وتنكير القرآن للتفخيم ، والمعنى تلك آيات الكتاب الكامل في كونه كتابا وآي قرآن مبين ، كأنه قيل الكتاب الجامع للكمال وللغرابة في البيان.

٢ ـ (رُبَما) بالتخفيف مدني وعاصم وبالتشديد غيرهما ، وما هي الكافة لأنها حرف يجرّ ما بعده ويختصّ بالاسم النكرة ، فإذا كفّت وقع بعدها الفعل الماضي والاسم ، وإنما جاز (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) لأنّ المترقب في إخبار الله تعالى بمنزلة الماضي المقطوع به في تحقّقه ، فكأنه قيل ربما ودّ ، وودادتهم (١) تكون عند النزع أو يوم القيامة إذا عاينوا حالهم وحال المسلمين ، أو إذا رأوا المسلمين يخرجون من النار فيتمنى الكافر لو كان مسلما ، كذا روي عن ابن عباس رضي الله عنهما (لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) حكاية ودادتهم ، وإنما جيء بها على لفظ الغيبة لأنهم مخبر عنهم ، كقولك حلف بالله ليفعلنّ ، ولو قيل حلف بالله لأفعلنّ ولو كنّا مسلمين لكان حسنا ، وإنما قلّل بربّ لأنّ أهوال القيامة تشغلهم عن التمني ، فإذا أفاقوا من سكرات العذاب ودّوا لو كانوا مسلمين ، وقول من قال إنّ ربّ يعني بها الكثرة (٢) سهو لأنه ضدّ ما يعرفه

__________________

(١) في (ز) ووداتهم.

(٢) في (ظ) الكثير. تفسير النسفي ج ٢ / م ٢٥

٣٨٥

(ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ (٤) ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥) وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) (٦)

أهل اللغة لأنها وضعت للتقليل.

٣ ـ (ذَرْهُمْ) أمر إهانة ، أي اقطع طمعك من ارعوائهم ودعهم عن النهي عما هم عليه والصّدّ عنه بالتذكرة والنصيحة وخلّهم (يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا) بدنياهم (وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ) ويشغلهم أملهم وأمانيّهم عن الإيمان (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) سوء صنيعهم ، وفيه تنبيه على أنّ إيثار التلذذ والتنعّم وما يؤدي إليه طول الأمل ليس من أخلاق المؤمنين.

٤ ـ (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) ولها كتاب جملة واقعة صفة لقرية ، والقياس أن لا يتوسط الواو بينهما كما في (وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) (١) وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف إذ الصفة ملتصقة بالموصوف بلا واو فجيء بالواو تأكيدا لذلك ، والوجه أن تكون هذه الجملة حالا لقرية لكونها في حكم الموصوفة كأنه قيل وما أهلكنا قرية من القرى لا وصفا ، وقوله كتاب معلوم أي مكتوب معلوم ، وهو أجلها الذي كتب في اللوح المحفوظ وبيّن ، ألا ترى إلى قوله :

٥ ـ (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) في موضع كتابها (وَما يَسْتَأْخِرُونَ) عنه (٢) ، وحذف لأنه معلوم ، وأنثّ الأمّة أولا ثم ذكّرها آخرا حملا على اللفظ والمعنى.

٦ ـ (وَقالُوا) أي الكفار (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) أي القرآن (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) يعنون محمدا عليه‌السلام ، وكان هذا النداء منهم على وجه الاستهزاء كما قال فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٣) كيف يقرون بنزول الذكر عليه وينسبونه إلى الجنون ، والتعكيس في كلامهم للاستهزاء والتهكم سائغ ، ومنه : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٤) (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (٥) والمعنى إنك لتقول قول المجانين حيث تدّعي أنّ الله نزّل عليك الذكر.

__________________

(١) الشعراء ، ٢٦ / ٢٠٨.

(٢) في (ز) أي عنه.

(٣) الشعراء ، ٢٦ / ٢٧.

(٤) آل عمران ، ٣ / ٢١. والتوبة ، ٩ / ٣٤. والانشقاق ، ٨٤ / ٢٤.

(٥) هود ، ١١ / ٨٧.

٣٨٦

(لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (١١)

٧ ـ (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) لو ركبت مع لا ، وما لامتناع الشيء لوجود غيره أو للتحضيض ، وهل ركبت مع لا للتحضيض فحسب ، والمعنى هلّا تأتينا بالملائكة يشهدون بصدقك ، أو هلّا تأتينا بالملائكة للعقاب على تكذيبنا لك إن كنت صادقا.

٨ ـ (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) كوفي غير أبي بكر ، تنزّل الملائكة أبو بكر ، تنزّل الملائكة أي تتنزل غيرهم (إِلَّا بِالْحَقِ) إلا تنزيلا ملتبسا بالحكمة (وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) إذا جواب لهم وجزاء الشرط مقدر تقديره ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين إذا وما أخّر عذابهم.

٩ ـ (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) القرآن (١) (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وهو ردّ لإنكارهم واستهزائهم في قولهم يا أيها الذي نزّل عليه الذكر ، ولذلك قال إنا نحن ، فأكد عليهم أنه هو المنزّل على القطع ، وأنه هو الذي نزّله محفوظا من الشياطين ، وهو حافظه في كلّ وقت من الزيادة والنقصان والتحريف والتبديل ، بخلاف الكتب المتقدمة فإنه لم يتولّ حفظها ، وإنما استحفظها الربانيين والأحبار ، فاختلفوا فيما بينهم بغيا ، فوقع التحريف ، ولم يكل القرآن إلى غير حفظه ، وقد جعل قوله وإنا له لحافظون دليلا على أنه منزّل من عنده آية ، إذ لو كان من قول البشر ، أو غير آية لتطرّق عليه الزيادة والنقصان كما يتطرّق على كلّ كلام سواه ، أو الضمير في له لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كقوله : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ) (٢).

١٠ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) أي ولقد أرسلنا من قبلك رسلا في الفرق الأولين ، والشيعة : الفرقة إذا اتفقوا على مذهب وطريقة.

١١ ـ (وَما يَأْتِيهِمْ) حكاية حال ماضية لأنّ ما لا تدخل على المضارع إلا وهو في معنى الحال ، ولا على ماض إلا وهو قريب من الحال (مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) يعزي نبيّهعليه‌السلام.

__________________

(١) في (ز) للقرآن.

(٢) المائدة ، ٥ / ٦٧.

٣٨٧

(كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥) وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ) (١٨)

١٢ ـ (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) أي كما سلكنا الكفر أو الاستهزاء في شيع الأولين نسلكه أي الكفر أو الاستهزاء في قلوب المجرمين من أمتك ، من اختار ذلك ، يقال سلكت الخيط في الإبرة وأسلكته إذا أدخلته فيها ، وهو حجة على المعتزلة في الأصلح وخلق الأفعال.

١٣ ـ (لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) بالله أو بالذكر وهو حال (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) مضت طريقتهم التي سنها الله في إهلاكهم حين كذّبوا رسله ، وهو وعيد لأهل مكة على تكذيبهم.

١٤ ـ (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ) ولو أظهرنا لهم أوضح آية وهو فتح باب من السماء (فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ) يصعدون.

١٥ ـ (لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) حيّرت أو حبست من الإبصار من السّكر أو من السّكر ، سكرت مكي أي حبست كما يحبس النهر من الجري ، والمعنى أنّ هؤلاء المشركين بلغ من غلوّهم في العناد أن لو فتح لهم باب من أبواب السماء ويسّر لهم معراج يصعدون فيه إليها ورأوا من العيان ما رأوا لقالوا هو شيء نتخايله لا حقيقة له ولقالوا (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) قد سحرنا محمد بذلك ، أو الضمير للملائكة ، أي لو أريناهم الملائكة يصعدون في السماء عيانا لقالوا ذلك ، وذكر الظّلول ليجعل عروجهم بالنهار ليكونوا مستوضحين لما يرون ، وقال إنما ليدلّ على أنهم يبتّون القول بأن ذلك ليس إلا تسكيرا للأبصار.

١٦ ـ (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ) خلقنا فيها (بُرُوجاً) نجوما ، أو قصورا فيها الحرس ، أو منازل للنجوم (وَزَيَّنَّاها) أي السماء (لِلنَّاظِرِينَ).

١٧ ـ (وَحَفِظْناها) أي السماء (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) ملعون أو مرميّ بالنجوم.

١٨ ـ (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) أي المسموع ، ومن في محل النصب على الاستثناء (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ) نجم ينقضّ فيعود (مُبِينٌ) ظاهر للمبصرين ، قيل كانوا لا

٣٨٨

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) (٢٢)

يحجبون عن السماوات كلّها ، فلما ولد عيسى عليه‌السلام منعوا من ثلاث سماوات ، فلما ولد محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم منعوا من السماوات كلّها.

١٩ ـ (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) بسطناها من تحت الكعبة ، والجمهور على أنه تعالى مدّها على وجه الماء (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) في الأرض جبالا ثوابت (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) وزن بميزان الحكمة وقدّر بمقدار تقتضيه لا تصلح فيه زيادة ولا نقصان ، أو له وزن وقدر في أبواب المنفعة والنعمة ، أو ما يوزن كالزعفران والذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها ، وخصّ ما يوزن لانتهاء الكيل إلى الوزن.

٢٠ ـ (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها) في الأرض (مَعايِشَ) ما يعاش به من المطاعم ، جمع معيشة ، وهي بياء صريحة بخلاف الخبائث ونحوها فإن تصريح الياء فيها خطأ (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) من في محل النصب بالعطف على معايش أو على محلّ لكم ، كأنه قيل وجعلنا لكم فيها معايش وجعلنا لكم من لستم له برازقين ، أو جعلنا لكم فيها معايش ولمن لستم له برازقين ، وأراد بهم العيال والمماليك والخدم الذين يظنون أنهم يرزقونهم ويخطئون فإنّ الله هو الرزاق يرزقهم وإياهم ، ويدخل فيه الأنعام والدواب ونحو ذلك ، ولا يجوز أن يكون محلّ من جرا بالعطف على الضمير المجرور في لكم ، لأنه لا يعطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجارّ.

٢١ ـ (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) ذكر الخزائن تمثيل ، والمعنى وما من شيء ينتفع به العباد إلّا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه والإنعام به ، وما نعطيه إلا بمقدار معلوم ، فضرب الخزائن مثلا لاقتداره على كلّ مقدور.

٢٢ ـ (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) جمع لاقحة ، أي وأرسلنا الرياح حوامل بالسحاب لأنها تحمل السحاب في جوفها كأنها لاقحة بها ، من لقحت الناقة حملت وضدّها العقيم. الريح حمزة (فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ) فجعلناه لكم سقيا (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) نفى عنهم ما أثبته لنفسه في قوله : وإن من شيء إلّا عندنا خزائنه ، كأنه قال نحن الخازنون للماء ، على معنى نحن القادرون على خلقه في

٣٨٩

(وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) (٢٩)

السماء وإنزاله منها ، وما أنتم عليه بقادرين دلالة عظيمة على قدرته وعجزهم.

٢٣ ـ (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) أي نحيي بالإيجاد ونميت بالإفناء ، أو نميت عند انقضاء الآجال ونحيي لجزاء الأعمال على التقديم والتأخير إذ الواو للجمع المطلق (وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) الباقون بعد هلاك الخلق كلّهم ، وقيل للباقي وارث استعارة من وارث الميت ، لأنه يبقى بعد فنائه.

٢٤ ـ (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) من تقدّم ولادة وموتا ، ومن تأخر ، أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد ، أو من تقدّم في الإسلام ، أو في الطاعة ، أو في صفّ الجماعة ، أو في صفّ الحرب ومن تأخر.

٢٥ ـ (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ) أي هو وحده يقدر على حشرهم ويحيط بحصرهم (إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) باهر الحكمة واسع العلم.

٢٦ ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) أي آدم (مِنْ صَلْصالٍ) طين يابس غير مطبوخ (مِنْ حَمَإٍ) صفة لصلصال ، أي خلقه من صلصال كائن من حمإ ، أي طين أسود متغير (مَسْنُونٍ) مصور وفي الأول كان ترابا فعجن بالماء فصار طينا ، فمكث فصار حمأ ، فخلص فصار سلالة ، فصوّر ويبس فصار صلصالا فلا تناقض.

٢٧ ـ (وَالْجَانَ) أبا الجنّ كآدم للناس ، أو هو إبليس وهو منصوب بفعل مضمر يفسره (خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ) من قبل آدم (مِنْ نارِ السَّمُومِ) من نار الحرّ الشديد النافذ في المسام ، قيل هذه السموم جزء من سبعين جزء من سموم النار التي خلق الله منها الجانّ.

٢٨ ـ (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ) واذكر وقت قوله (لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ).

٢٩ ـ (فَإِذا سَوَّيْتُهُ) أتممت خلقته وهيأتها لنفخ الروح فيها (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) وجعلت فيه الروح وأحييته ، وليس ثمة نفخ وإنما هو تمثيل والإضافة للتخصيص (فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) هو أمر من وقع يقع ، أي اسقطوا على الأرض ، يعني

٣٩٠

(فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١) قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣٢) قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٣٣) قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (٣٤) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) (٣٥)

اسجدوا له ، ودخل الفاء لأنه جواب إذا ، وهو دليل على أنه يجوز تقدم الأمر عن وقت الفعل.

٣٠ ـ (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) فالملائكة جمع عام محتمل للتخصيص ، فقطع باب التخصيص بقوله كلّهم ، وذكر الكلّ احتمل تأويل التفرّق فقطعه بقوله أجمعون.

٣١ ـ (إِلَّا إِبْلِيسَ) ظاهر الإستثناء يدلّ على أنه كان من الملائكة لأنّ المستثنى يكون من جنس المستثنى منه ، وعن الحسن أنّ الاستثناء منقطع ولم يكن هو من الملائكة ، قلنا غير المأمور لا يصير بالترك ملعونا ، وقال في «الكشّاف» كان بينهم مأمورا معهم بالسجود فغلب اسم الملائكة ثم استثني بعد التغليب كقولك رأيتهم إلا هندا (أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) امتنع أن يكون معهم ، وأبى استئناف على تقدير قول قائل يقول هلّا سجد؟ فقيل : أبى ذلك واستكبر عنه ، وقيل معناه ولكن إبليس أبى.

٣٢ ـ (قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) حرف الجر مع أن محذوف تقديره ما لك في أن لا تكون مع الساجدين ، أي أيّ غرض لك في إبائك السجود.

٣٣ ـ (قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ) اللام لتأكيد النفي ، أي لا يصح مني أن أسجد (لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ).

٣٤ ـ (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) من السماء ، أو من الجنة ، أو من جملة الملائكة (فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) مطرود من رحمة الله ، ومعناه ملعون لأنّ اللعنة هو الطرد من الرحمة والإبعاد منها.

٣٥ ـ (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) ضرب يوم الدين حدا للعنة ، لأنه (١) أبعد غاية يضربها الناس في كلامهم ، والمراد به إنك مذموم مدعوّ عليك باللعنة في السماوات والأرض إلى يوم الدين من غير أن تعذب ، فإذا جاء ذلك اليوم عذّبت بما ينسى اللعن معه.

__________________

(١) عند كلمة لأنه ينتهي النقص في (أ).

٣٩١

(قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٣٦) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) (٤٢)

٣٦ ـ (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي) فأخرني (إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

٣٧ ـ ٣٨ ـ (قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) يوم الدين ، ويوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم في معنى واحد ، ولكن خولف بين العبارات سلوكا بالكلام طريقة البلاغة ، وقيل إنما سأل الإنظار إلى اليوم الذي فيه يبعثون لئلا يموت ، لأنه لا يموت يوم البعث أحد فلم يجب إلى ذلك وأنظر إلى آخر أيام التكليف.

٣٩ ـ (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي) الباء للقسم ، وما مصدرية ، وجواب القسم (لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ) والمعنى أقسم بإغوائك إياي لأزيّننّ لهم المعاصي ، ونحو قوله بما أغويتني لأزينن لهم (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ) (١) في أنه إقسام إلّا أنّ أحدهما إقسام بصفة الذات والثاني بصفة الفعل ، وقد فرق الفقهاء بينهما ، فقال العراقيون : الحلف بصفة الذات كالقدرة والعظمة والعزة يمين ، والحلف بصفة الفعل كالرحمة والسخط ليس بيمين ، والأصح أنّ الأيمان مبنية على العرف ، فما تعارف الناس الحلف به يكون يمينا وما لا فلا ، والآية حجة على المعتزلة في خلق الأفعال. وحملهم على التسبيب عدول عن الظاهر (فِي الْأَرْضِ) في الدنيا التي هي دار الغرور ، وأراد إني أقدر على الاحتيال لآدم والتزيين له الأكل من الشجرة وهو في السماء ، فأنا على التزيين لأولاده في الأرض أقدر (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ).

٤٠ ـ (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وبكسر اللام بصري ومكي وشامي ، استثنى المخلصين لأنه علم أنّ كيده لا يعمل فيهم ولا يقبلونه منه.

٤١ ـ ٤٢ ـ (قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ* إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) أي هذا طريق حقّ عليّ أن أراعيه ، وهو أن لا يكون لك سلطان على عبادي إلّا من اختار اتّباعك منهم لغوايته ، وقيل معنى عليّ إليّ. عليّ يعقوب ، من علو الشرف والفضل.

__________________

(١) ص ، ٣٨ / ٨٢.

٣٩٢

(وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٤٤) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) (٤٨)

٤٣ ـ (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) الضمير للغاوين.

٤٤ ـ (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ) من أتباع إبليس (جُزْءٌ مَقْسُومٌ) نصيب معلوم مفرز ، قيل أبواب النار أطباقها وأدراكها ، فأعلاها للموحدين يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون ، والثاني لليهود ، والثالث للنصارى ، والرابع للصابئين ، والخامس للمجوس ، والسادس للمشركين ، والسابع للمنافقين.

٤٥ ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (١) وبضم العين مدني وبصري وحفص. المتقيّ على الإطلاق من يتقي ما يجب اتقاؤه مما نهي عنه ، وقال في «الشرح» إن دخل أهل الكبائر في قوله لها سبعة أبواب لكلّ باب منهم جزء مقسوم فالمراد بالمتقين الذين اتقوا الكبائر وإلا فالمراد به الذين اتّقوا الشرك.

٤٦ ـ (ادْخُلُوها) أي يقال لهم ادخلوها (بِسَلامٍ) حال ، أي سالمين ، أو مسلّما عليكم ، تسلّم عليكم الملائكة (آمِنِينَ) من الخروج منها ، والآفات فيها ، وهو حال أخرى.

٤٧ ـ (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ) هو الحقد الكامن في القلب ، أي إن كان لأحدهم غلّ في الدنيا على آخر نزع الله ذلك في الجنة من قلوبهم وطيّب نفوسهم ، وعن علي رضي الله عنه : أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير منهم (٢) ، وقيل معناه طهّر الله قلوبهم من أن يتحاسدوا على الدرجات في الجنة ، ونزع منها كلّ غلّ وألقى فيها التوادّ (٣) والتحابب (إِخْواناً) حال (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) كذلك قيل تدور بهم الأسرّة حيثما داروا فيكونون في جميع أحوالهم متقابلين يرى بعضهم بعضا.

٤٨ ـ (لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ) في الجنة تعب (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) فتمام النعمة بالخلود.

ولما أتمّ ذكر الوعد والوعيد أتبعه :

__________________

(١) في مصحف النسفي «وعيون».

(٢) أخرجه الطبري من طرق عدة.

(٣) في (ز) التوادد.

٣٩٣

(نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ (٥٠) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) (٥٤)

٤٩ ـ ٥٠ ـ (نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ) تقريرا لما ذكر وتمكينا له في النفوس ، قال عليه‌السلام : (لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورّع عن حرام ، ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه في العبادة ولما أقدم على ذنب) (١).

٥١ ـ وعطف (وَنَبِّئْهُمْ) وأخبر أمتك. عطفه على نبّئ عبادي ليتخذوا ما أحلّ من العذاب بقوم لوط عبرة يعتبرون بها سخط الله وانتقامه من المجرمين ويتحققوا عنده أنّ عذابه هو العذاب الأليم (عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) أي أضيافه وهو جبريل عليه‌السلام مع أحد عشر ملكا ، والضيف يجيء واحدا وجمعا لأنه مصدر ضافه.

٥٢ ـ (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً) أي نسلم عليك سلاما ، أو سلمنا سلاما (قالَ) أي إبراهيم (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) خائفون ، لامتناعهم من الأكل ، أو لدخولهم بغير إذن وبغير وقت.

٥٣ ـ (قالُوا لا تَوْجَلْ) لا تخف (إِنَّا نُبَشِّرُكَ) استئناف في معنى التعليل للنهي عن الوجل ، أي إنك مبشر آمن فلا توجل. وبالتخفيف وفتح النون حمزة (بِغُلامٍ عَلِيمٍ) هو إسحاق لقوله في سورة هود : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) (٢).

٥٤ ـ (قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) أي أبشرتموني مع مسّ الكبر بأن يولد لي ، أي أنّ الولادة أمر مستنكر عادة مع الكبر (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) هي ما الاستفهامية دخلها معنى التعجب ، كأنه قيل فبأي أعجوبة تبشرون ، وبكسر النون والتشديد مكي ، والأصل تبشرونني فأدغم نون الجمع في نون العماد ، ثم حذفت الياء وبقيت الكسرة دليلا عليها ، تبشرون بالتخفيف نافع ، والأصل تبشرونني فحذفت الياء اجتزاء بالكسرة ، وحذف نون الجمع لاجتماع النونين ، والباقون بفتح النون وحذف المفعول ، والنون نون الجمع.

__________________

(١) أخرجه الطبري بلفظه عن قتادة وليس فيه : (في العبادة ولما أقدم على ذنب).

(٢) هود ، ١١ / ٧١.

٣٩٤

(قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (٥٥) قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (٥٦) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (٦٠)

٥٥ ـ (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) باليقين الذي لا لبس فيه (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ) من الآيسين من ذلك.

٥٦ ـ (قالَ) أي (١) إبراهيم (وَمَنْ يَقْنَطُ) وبكسر النون بصري وعليّ (مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) إلا المخطئون طريق الصواب ، أو إلا الكافرون كقوله : (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٢) أي لم أستنكر ذلك قنوطا من رحمته ولكن استبعادا له في العادة التي أجراها.

٥٧ ـ (قالَ فَما خَطْبُكُمْ) فما شأنكم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ).

٥٨ ـ (قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) أي قوم لوط.

٥٩ ـ (إِلَّا آلَ لُوطٍ) يريد أهله المؤمنين ، والاستثناء منقطع لأنّ القوم موصوفون بالإجرام والمستثنى ليس كذلك ، أو متصل فيكون استثناء من الضمير في مجرمين ، كأنه قيل إلى قوم قد أجرموا كلّهم إلا آل لوط وحدهم ، والمعنى يختلف باختلاف الاستثناءين ، لأن آل لوط مخرجون في المنقطع من حكم الإرسال ، يعني أنهم أرسلوا إلى القوم المجرمين خاصة ولم يرسلوا إلى آل لوط أصلا ، ومعنى إرسالهم إلى القوم المجرمين كإرسال السهم إلى المرمى ، في أنه في معنى التعذيب والإهلاك ، كأنه قيل إنا أهلكنا قوما مجرمين ولكن آل لوط أنجيناهم ، وأما في المتصل فهم داخلون في حكم الإرسال ، يعني أنّ الملائكة أرسلوا إليهم جميعا ليهلكوا هؤلاء وينجوا هؤلاء ، وإذا انقطع الاستثناء جرى (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) مجرى خبر لكنّ في الاتصال بآل لوط ، لأنّ المعنى لكنّ آل لوط منجون ، وإذا اتصل كان كلاما مستأنفا ، كأن إبراهيم عليه‌السلام قال لهم : فما حال آل لوط؟ فقالوا : إنا لمنجّوهم.

٦٠ ـ (إِلَّا امْرَأَتَهُ) مستثنى من الضمير المجرور في لمنجّوهم وليس باستثناء من الاستثناء ، لأنّ الاستثناء من الاستثناء إنما يكون فيما اتحد الحكم فيه بأن يقول أهلكناهم إلا آل لوط إلا امرأته ، وهنا قد اختلف الحكمان ، لأن إلّا آل لوط متعلق

__________________

(١) ليست في (ظ) و (ز).

(٢) يوسف ، ١٢ / ٨٧.

٣٩٥

(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (٦٦)

بأرسلنا ، أو بمجرمين ، وإلّا امرأته متعلق بمنجّوهم فكيف يكون استثناء من استثناء. لمنجوهم بالتخفيف حمزة وعليّ (قَدَّرْنا) وبالتخفيف أبو بكر (إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) الباقين في العذاب ، قيل لو لم تكن اللام في خبرها لوجب فتح إنّ ، لأنّه مع اسمه وخبره مفعول قدّرنا ، ولكنه كقوله : (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) (١) وإنما أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم ولم يقولوا قدّر الله لقربهم ، كما يقول خاصة الملك أمرنا بكذا والآمر هو الملك.

٦١ ـ ٦٢ ـ (فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ* قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي لا أعرفكم ، أي ليس عليكم زيّ السفر ، ولا أنتم من أهل الحضر ، فأخاف أن تطرقوني بشرّ.

٦٣ ـ (قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي ما جئناك بما تنكرنا لأجله بل جئناك بما فيه سرورك وتشفّيك من عدوّك (٢) ، وهو العذاب الذي كنت تتوعّدهم بنزوله فيمترون فيه ، أي يشكّون ويكذّبونك.

٦٤ ـ (وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) باليقين من عذابهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) في الإخبار بنزوله بهم.

٦٥ ـ (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) في آخر الليل ، أو بعد ما يمضي شيء صالح من الليل (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) وسر خلفهم لتكون مطلعا عليهم وعلى أحوالهم (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقّوا لهم ، أو جعل النهي عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التواني والتوقف ، لأن من يلتفت لا بدّ له في ذلك من أدنى وقفة (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) حيث أمركم الله بالمضيّ إليه وهو الشام أو مصر.

٦٦ ـ (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) عدّي قضينا بإلى ، لأنه ضمّن معنى أوحينا ،

__________________

(١) الصافات ، ٣٧ / ١٥٨.

(٢) في (ز) أعدائك.

٣٩٦

(وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ (٦٩) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠) قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٧٢)

كأنه قيل وأوحينا إليه مقضيا مبتوتا ، وفسر ذلك الأمر بقوله (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ) وفي إبهامه وتفسيره تفخيم للأمر ، ودابرهم آخرهم ، أي يستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد (مُصْبِحِينَ) وقت دخولهم في الصبح ، وهو حال من هؤلاء.

٦٧ ـ (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) سدوم التي ضرب بقاضيها المثل في الجور (يَسْتَبْشِرُونَ) بالملائكة طمعا منهم في ركوب الفاحشة.

٦٨ ـ (قالَ) لوط (إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) بفضيحة ضيفي ، لأنّ من أسيء إلى ضيفه فقد أسيء إليه (١).

٦٩ ـ (وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ) أي ولا تذلون (٢) بإذلال ضيفي ، من الخزي وهو الهوان. وبالياء فيهما يعقوب.

٧٠ ـ (قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) عن أن تجير منهم أحدا أو تدفع عنهم ، فإنهم كانوا يتعرضون لكلّ أحد ، وكان عليه‌السلام يقوم بالنهي عن المنكر والحجز بينهم وبين المتعرّض له ، فأوعدوه وقالوا : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) (٣) أو عن ضيافة الغرباء.

٧١ ـ (قالَ هؤُلاءِ بَناتِي) فانكحوهنّ ، وكان نكاح المؤمنات من الكفار جائزا ، ولا تتعرضوا لهم (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحلّ الله دون ما حرّم ، فقالت الملائكة للوط عليه‌السلام :

٧٢ ـ (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) أي في غوايتهم التي أذهبت عقولهم وتمييزهم بين الخطإ الذي هم عليه وبين الصواب الذي تشير به عليهم من ترك البنين إلى البنات (يَعْمَهُونَ) يتحيّرون فكيف يقبلون قولك ويصغون إلى نصيحتك ، أو الخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو قسم بحياته ، وما أقسم بحياة أحد قط تعظيما له ، والعمر والعمر واحد ، وهو البقاء إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح إيثارا للأخفّ لكثرة دور الحلف على

__________________

(١) في (ز) من أساء إلى ضيفي فقد أساء إليّ.

(٢) في (ز) تذلوني.

(٣) الشعراء ، ٢٦ / ١٦٧.

٣٩٧

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (٧٨) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) (٨٠)

ألسنتهم ولذا حذفوا الخبر وتقديره لعمرك قسمي.

٧٣ ـ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) صيحة جبريل عليه‌السلام (مُشْرِقِينَ) داخلين في الشروق وهو بزوغ الشمس.

٧٤ ـ (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) رفعها جبريل عليه‌السلام إلى السماء ثم قلبها ، والضمير لقرى قوم لوط (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ).

٧٥ ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) للمتفرّسين المتأملين كأنهم يعرفون باطن الشيء بسمة ظاهرة.

٧٦ ـ (وَإِنَّها) وإنّ هذه القرى ، يعني آثارها (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) ثابت يسلكه الناس لم يندرس بعد ، وهم يبصرون تلك الآثار ، وهو تنبيه لقريش كقوله : (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ* وَبِاللَّيْلِ) (١).

٧٧ ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) لأنهم المنتفعون بذلك.

٧٨ ـ (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) وإنّ الأمر والشأن كان أصحاب الأيكة ، أي الغيضة (لَظالِمِينَ) لكافرين ، وهو قوم شعيب عليه‌السلام.

٧٩ ـ (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) فأهلكناهم لما كذّبوا شعيبا (وَإِنَّهُما) يعني قرى قوم لوط والأيكة (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) لبطريق واضح ، والإمام اسم ما يؤتم به فسمّي به الطريق ومطمر البنّاء (٢) لأنهما مما يؤتم به.

٨٠ ـ (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ) هم ثمود والحجر واديهم ، وهو بين المدينة والشام ، المرسلين يعني بتكذيبهم صالحا ، لأنّ كل رسول كان يدعو إلى الإيمان بالرسل جميعا ، فمن كذّب واحدا منهم فكأنما كذبهم جميعا ، أو أراد صالحا

__________________

(١) الصافات ، ٣٧ / ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٢) مطمر البنّاء : خيط للبنّاء يقدّر به (القاموس ٢ / ٧٦).

٣٩٨

(وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) (٨٧)

ومن معه من المؤمنين ، كما قيل الخبيبون في ابن الزبير (١) وأصحابه.

٨١ ـ (وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) أي أعرضوا عنها ولم يؤمنوا بها.

٨٢ ـ (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) أي ينقبون في الجبال بيوتا ، أو يبنون من الحجارة (آمِنِينَ) لوثاقة البيوت واستحكامها من أن تنهدم ، ومن نقب اللصوص والأعداء ، أو آمنين من عذاب الله يحسبون أنّ الجبال تحميهم منه.

٨٣ ـ (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) العذاب (مُصْبِحِينَ) في اليوم الرابع وقت الصبح.

٨٤ ـ (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) من بناء البيوت الوثيقة واقتناء الأموال النفيسة.

٨٥ ـ (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) إلا خلقا ملتبسا بالحقّ لا باطلا وعبثا ، أو بسبب العدل والانصاف يوم الجزاء على الأعمال (وَإِنَّ السَّاعَةَ) أي القيامة لتوقعها كلّ ساعة (لَآتِيَةٌ) وإنّ الله ينتقم لك فيها من أعدائك ، ويجازيك وإياهم (٢) على حسناتك وسيئاتهم ، فإنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلّا لذلك (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) فاعرض عنهم إعراضا جميلا بحلم وإغضاء ، قيل هو منسوخ بآية السيف ، وإن أريد به المخالفة فلا يكون منسوخا.

٨٦ ـ (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ) الذي خلقك وخلقهم (الْعَلِيمُ) بحالك وحالهم ، فلا يخفى عليه ما يجري بينكم ، وهو يحكم بينكم.

٨٧ ـ (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً) أي سبع آيات ، وهي الفاتحة ، أو سبع سور ، وهي الطوال ، واختلف في السابعة ، فقيل الأنفال وبراءة لأنهما في حكم سورة بدليل عدم

__________________

(١) ابن الزبير : هو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي ، أبو بكر ، فارس قريش في زمنه ، وأول مولود في المدينة بعد الهجرة. بويع له بالخلافة سنة ٦٤ ه‍ عقيب موت يزيد بن معاوية. حكم تسع سنوات. قتل في مكة عام ٧٣ ه‍ (الأعلام ٤ / ٨٧).

(٢) ليس في (أ) وإياهم.

٣٩٩

(لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) (٨٩)

التسمية بينهما ، وقيل سورة يونس ، أو أسباع القرآن (مِنَ الْمَثانِي) هي من التثنية ، وهي التكرير ، لأن الفاتحة مما يتكرر في الصلاة ، أو من الثناء لاشتمالها على ما هو ثناء على الله ، والواحدة مثنّاة أو مثنّية صفة للآية ، وأما السور أو الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد ، ولما فيها من الثناء كأنها تثني على الله ، وإذا جعلت السبع مثاني فمن للتبيين ، وإذا جعلت القرآن مثاني فمن للتبعيض (وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) هذا ليس بعطف الشيء على نفسه ، لأنه إذا أريد بالسبع الفاتحة أو الطوال فما وراءهنّ ينطلق عليه اسم القرآن لأنه اسم يقع على البعض كما يقع على الكلّ دليله قوله : (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) (١) يعني سورة يوسف ، وإذا أريد به الأسباع فالمعنى ولقد آتيناك ما يقال له السبع المثاني والقرآن العظيم ، أي الجامع لهذين النعتين ، وهو التثنية ، أو الثناء والعظم ، ثم قال لرسوله :

٨٨ ـ (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي لا تطمح ببصرك طموح راغب فيه متمن له (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ) أصنافا من الكفار كاليهود والنصارى والمجوس ، يعني قد أوتيت النعمة العظمى التي كلّ نعمة وإن عظمت فهي إليها حقيرة وهي القرآن العظيم ، فعليك أن تستغني به ولا تمدّن عينيك إلى متاع الدنيا ، وفي الحديث : (ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن) (٢) وحديث أبي بكر : (من أوتي القرآن فرأى أنّ أحدا أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغّر عظيما وعظّم صغيرا) (٣) (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) أي لا تتمنّ أموالهم ولا تحزن عليهم أنهم لم يؤمنوا فيتقوى بمكانهم الإسلام والمسلمون (وَاخْفِضْجَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) وتواضع لمن معك من فقراء المؤمنين وطب نفسا عن إيمان الأغنياء.

٨٩ ـ (وَقُلْ) لهم (إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) أنذركم ببيان وبرهان أنّ عذاب الله نازل بكم.

__________________

(١) يوسف ، ١٢ / ٣.

(٢) البخاري عن أبي هريرة والبيهقي في السنن ـ كتاب الشهادات.

(٣) قال ابن حجر : لم أجده عن أبي بكر أخرجه ابن عدي في ترجمة حمزة النصيبي عن ابن مسعود رفعه ، وأخرجه إسحاق والطبري من حديث عبد الله بن عمر ، وفي كنز العمال ١ / ٢٣١٧ جميعهم بألفاظ متقاربة.

٤٠٠