مقامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها في الكتاب والسنّة

السيد محمد علي الحلو

مقامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها في الكتاب والسنّة

المؤلف:

السيد محمد علي الحلو


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٢

عليها‌السلام في صلب الأحداث، وتأجيله مطالبتَه لعليّ بالبيعة مادامت فاطمة عليها‌السلام إلى جنبه.

قال عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟ فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه (١).

والذي نريد التأكيد عليه: أنّ حجّية فاطمة عليها‌السلام كان لها الأثر الكبير في إثبات حق عليّ عليه‌السلام والذي يعني من خلال ذلك إثبات إمامته التي هي فرع النبوّة وكمال الدعوة، ولما كان الحال كذلك فإنّ دعوة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ورسالته توقّفت على موقف فاطمة عليها‌السلام ودفاعها بما تملكه من حجّية إلهية بقاءً ودواماً.

وهذا الموقف الحاسم للأحداث من قبل فاطمة عليها‌السلام كان بياناً لتعيين مَن يستحقّ الحاكميّة الشرعيّة، وكشفاً لمحاولات تزييف الحقائق؛ إذ بموقفها هذا حُفظ للإسلام وجهه الناصع، واحتفظ التاريخ بوقائع هذه الأحداث.

وكيف كان، فإنّ لموقفها عليها‌السلام دوراً في فضح المخالفات الشرعية والقانونية من أجل التوصل إلى طموحات شخصية، وبالمقابل كان ذلك تعريفاً لحقوق أهل البيت عليهم‌السلام المغتصبة؛ إذ بعد هذا الموقف

__________________

(١) المصدر السابق/ ١٦.

١٤١

الفاطمي أمكن تعميم أحكامه على أيّ وجود حاكمي يخرج عن نطاق شرعية أهل البيت عليهم‌السلام مما يعني أنّ موقف الزهراء عليها‌السلام كان خزيناً من الشرعية الإلهية يستخدمه أهل البيت عليهم‌السلام ضدّ أعدائهم.

فوَقفتُها هذه بمثابة وثيقة تكشف خروقات أيّ نظام حاكم مستقبلاً حتّي صار موقفها راسماً لمسار شرعية الخلافة وفاصلاً بينها وبين أيّ نظام مدّعيّ.

ولذا عمد بعض المؤرّخين إلى تشويش وقائع الأحداث وإلغاء المواقف الفاطمية الفاصلة، بل جَرَّ بعضهم إلى إنكار بعض هذه المواقف الفاطمية لكيلا يرضخ لمعطياته ولوازمه الشرعية التي تقضي بإلغاء شرعية حكومة الشيخين، وما ذلك إلّا لإقرارهم بحجّية فاطمة عليها‌السلام ومقامها الإلهي، فكيف تثبت بعد تعريتها لمواقف القوم حجّة شرعية أو قانونية مدّعاة؟

وبعبارة أخرى: إنّ موقفها من الغاصبين للخلافة واحتجاج عليّ عليه‌السلام بها في مواجهتهم يدلل على مدى حجّيتها ومقامها في نفوس المسلمين وفي دين الإسلام، حيث لم ينفع فيهم ما قد سمعوه من أقوال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وقرأوه من آيات الكتاب وماشاهدوه من معاجز عليّ في الحروب، فبقيت محاجّتهم بها عليها‌السلام مما يدلل على تسليم المسلمين بأنها حجّة في

١٤٢

الشرع.

ومن ثم دأب الأول والثاني وكثيرٍ من الصحابة على ثنيها عن السخط عليهم وعن تبريها منهم وعن مقاطعتها لهم، وألَحُّوا في استرضائها ولم يفلحوا، ومن ثَمّ دأب علماء العامّة على إنكار مواجهتها لأهل السقيفة ومقاطعتها لهم مما يدلل على تسليمهم لحجّية فعلها في الدين، فإنّهم يخشون من سلب الشرعية عن خصومها.

١٤٣
١٤٤

المقام التاسع:

إشتراكها مع أهل البيت عليهم‌السلام

في الآيات النازلة فهيم

١٤٥
١٤٦

اشتركت السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام مع أهل البيت عليهم‌السلام بما نزل فيهم من آيات، وكان ذلك إشتراكَ حجّية وشمولَ منزلة ولزومَ طاعة لولايتها عليها‌السلام فضلاً عما ورد من أحاديث نبوية تشير إلى منزلة أهل البيت عليهم‌السلام وتؤكّد في الوقت نفسه حجّيتَهم، وكان لفاطمة عليها‌السلام إشتراكُها مع أهل البيت عليهم‌السلام كذلك.

واستعراض موجز لبعض ما نزل من آيات في أهل البيت عليهم‌السلام يمكن أن يكون أحد الشواهد على حجّيتها عليها‌السلام.

منها: قوله تعالى (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرً‌ا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْ‌بَىٰ).(١)

وقوله تعالى (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ‌ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِ‌يَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ).(٢)

وقوله تعالى (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ‌ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَ‌بِّهِ سَبِيلًا).(٣)

__________________

(١) الشورى/ ٢٣.

(٢) سبأ/ ٤٧.

(٣) الفرقان/ ٥٧.

١٤٧

روى السيوطي في إحياء الْمَيْتِ بفضائل أهل البيت عليهم‌السلام:

«قالوا يا رسول الله، من قرابتك؟ هؤلاء الذين وجبت علينا مودّتهم؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله: عليّ وفاطمة وولداهما»(١).

والمتمعّن في هذه الآيات وغيرها ليجد لسان المودّة هي ولايتهم عليهم‌السلام. فالحثّ على مودّتهم هو أجر الرسالة بمجموعها، فالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لرسالته مع جميع أتعابه، لم يسألهم مالاً ولاضياعاً بل سألهم التمسّك بمودّتهم وحبّهم.

وإذا كان الأجر يعني التساوي بين متبادلين ـ إذ لا يصحّ أن يكون أحد البدلين أقلّ من الآخر، لئلّا يتحقق غبن لا يرتضيه العقلاء ـ فكذلك أجر ما طلبه صلى‌الله‌عليه‌وآله منهم قُبالة دعوته هذه وهي مودّة أهل بيته عليهم‌السلام فلا يصحّ أن تكون مودّتهم أقلّ من رسالته لئلا يكون غبناً وتفريطاً لحقّ رسالته وهو ما لا يرتضيه أحد يخشى الله ورسوله واليوم الآخر، وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ مودّتهم عليهم‌السلام عِدل الدين وثمرة الرسالة.

وببيان آخر: إنّ الرسالة مما قد اشتملت على التوحيد والتصديق بالنبوّة والمعاد وبقية الحقائق الحقّة وأركان الدين، ولا يتصور أن يكون شيئاً عِدلاً

__________________

(١) إحياء الميت بفضائل أهل البيت عليهم‌السلام/ ٨، الحديث الثاني (والكتاب قد احتوى على ستين حديثاً في فضائل أهل البيت عليهم‌السلام).

١٤٨

لها إلّا أن يكون على درجة من الخطورة والمنزلة بحيث لا يُقبل الإيمان بتلك العقائد والعمل بتلك الأركان إلّا به. فلا يمكن أن يكون ذلك حكماً فرعياً من ذيول بعض فروع الدين، ويكون شرطاً في أعظم أصول الدين، بل الشرطية والعِدلية تقتضي بالبداهة كون منزلة هذا الأمر من الأمور الإعتقادية بل من أصولها، بمقتضى التناسب بين الشرط والمشروط، وبين العِدل وعِدلهِ الآخر.

ومن ثَمّ سوف لا يكون المراد من المودّة ـ والتي تختلف لغة عن المحبّة بزيادة شدّة الوطأة ـ إلّا فعلاً من الأفعال القلبية الإعتقادية وهي الولاية والتولّي من تلك الجماعة المرادة من «القربى».

ومقتضى ذلك أيضاً أن لا تكون تلك المجموعة أو الثُلّة إلّا معصومة مطهَّرة؛ إذ لا يعقل أن تكون المودّة والتولّي والإعتقاد بشخص أو جماعة مخالطين للذنوب أو الجهل هي من أصول الدين، وعِدل للتوحيد والعقائد الحقّة.

ومن ثَمّ جعلت هذه المودّة هي السبيل إلى اللّه والمسلك إلى رضوانه، وجُعلت في آية ثالثة فائدتها راجعة إلى المكلّفين أنفسهم، أي: أنّ هذا الأجر ليس من سنخ أجور النشأة الدنياوية والإنتفاعات المادية، بل ثمرته هو الإهتداء والرشاد بتولّي ذوي القربى، كما هو مفاد حديث الثقلين «ما أن

١٤٩

تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبدا».

وما أشدّ مطابقة آية المودّة مع حديث الثقلين، بل إنّ الآية المزبورة هي من متون حديث الثقلين وسنده القرآني، فما قد ورد في جميع الأنبياء من قولهم (قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ‌ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِ‌يَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ)، لا يغاير ما أمر اللّه تعالى به نبيّ الإسلام من طلب الأجر؛ إذ إنّ هذا الأجر ليس عوضاً ماليّاً، وإنّما هو إكمال للدين وإتمام للنعمة على المسلمين ورِضَى الربّ بذلك، ولا يتمّ الرضا إلّا باستيفاء الأجر العائد نفعه للمسلمين لا له صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأهل بيته المعصومين عليهم‌السلام.

وهذا المفاد قد ورد بعينه في الآيات النازلة في الحثّ على ولاية أميرالمؤمنين عليه‌السلام، حيث جعل عدم تبليغ ولايته مساوٍ لعدم تبليغ الرسالة، ممّا يقتضي أنّ ولايته هي عِدل الدين وثمرة الرسالة وتمام نعمة الإيمان ورضَى الربّ بالإسلام ديناً فبدونها لم يرتضِ تعالى توحيد العباد به ولا تصديقهم بنبيّه وباليوم الآخر مالم يوالوا وليَّه، كما لا يكمل توحيد الناس وإقرارهم بالبعثة والمعاد إلّا بولاية وليّه تعالى، كما لا تتمّ لهم نعمة الإيمان لهم إلّا بذلك.

فليتدبر الناظر وِفاقَ هذه الآيات بعضها بعضاً مع حديث الثقلين ليتجلّى له وحدة المضمون كما في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّ‌سُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن

١٥٠

رَّ‌بِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِ‌سَالَتَهُ)(١) فلما بلّغ في عليّ ولايته وإمامته نزل قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَ‌ضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)(٢) وهو تصريح بأنّ ولاية عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام تعني كمال الدين وتمام الإيمان وعِدل الرسالة.

كما أنّ المودّة تُعطي مفهوم الولاية أيضاً، فلا ولاية دون مودّة؛ فإنّ مفهومي الولاية والمودّة تعنيان تمام الدين كلّه، وبتلك الدرجة وجبت ولايتهم ومودّتهم وقدّمنا أنّ آيات المودّة كانت تشترك فيها فاطمة عليها‌السلام مع أهل البيت الذين نزلت فيهم والتي هي أسبق في صدق العنوان، وبما أنّ مودّتها واجبة فإنّ ولايتها واجبة للتقريب المتقدّم بين مفهومي المودّة والولاية.

وبذلك تثبت وجوب ولاية فاطمة عليها‌السلام ومودّتها لنفس الغرض. وبمقتضى أنها عليها‌السلام من العترة ـ كما في آية التطهير والمودّة وغيرهما ـ فهي من الثقل الثاني وعدل القرآن الكريم الواجب علي الأُمة التمسّك به. فالتمسّك بها شرط الهداية والأمان من الغواية والضلالة.

ولا يخفى أنّ مقتضى حديث الثقلين عصمة العترة وحجّيتهم وإحاطتهم

__________________

(١) المائدة/ ٦٧.

(٢) المائدة/ ٣.

١٥١

بالكتاب كلّه، وأنّهم القيّمون على تفسير كتاب الله وبيان دلالاته، كما أنّهم شاهدون على أعمال العباد وداخلون في قوله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَ‌ى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَ‌سُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)(١) لما تقدّم من أنّها من عباد الله كما في سورة الدَّهر الذين لهم مقام الأشراف على الأبرار، فهم المقرّبون الذين يشهدون كتاب الأبرار في علّيين كما في سورة المطففين.

كما أنها الوسيلة والسبيل إلى الله تعالى لقوله تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرً‌ا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْ‌بَىٰ) وقوله تعالى (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ‌ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَ‌بِّهِ سَبِيلًا) فهي الوسيلة والسبيل إلى الله والمسلك إلى رضوانه.

كما أنها المصطفاة لوراثة كتاب الله كما في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَ‌ثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَ‌اتِ) (٢) حيث أنّ المورِّث المصطفى لكتاب الله هو السابق بالخيرات لما تقدّم من أنّ المطهَّر هو الذي يمسّ الكتاب كما في سورة الواقعة.

ومن ثم هي عليها‌السلام من الذين أوتوا العلم الذين في صدورهم الكتاب آيات بيّنات كما في قوله تعالى (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ‌ الَّذِينَ

__________________

(١) التوبة/ ١٠٥.

(٢) فاطر/ ٣٢.

١٥٢

أُوتُوا الْعِلْمَ) (١) وهي كلمات الله التامّات وأسماؤه الحسنى التي إليها الإشارة في قوله تعالى: (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّ‌بِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) (٢) وقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَ‌اهِيمَ رَ‌بُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ)(٣) وقوله تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَ‌بِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٤) وقوله تعالى في ابراهيم: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْ‌جِعُونَ)(٥) إذ هي من الأنوار الخمسة التي تعلّم آدم أسمائها، وبمعرفتها تأهّل آدم لمقام خلافة الله في أرضه والتي أشير إليها باسم الإشارة العاقل في سورة البقرة، وضمير الجمع العاقل كما في قوله تعالى: (ثُمَّ عَرَ‌ضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ)(٦) وبهذا التنبيه والإشارة يتفطن اللبيب إلى اشتراكها عليها‌السلام مع أهل البيت بل سائر ما ثبت لهم من منازل ومراتب ومقامات قرآنية.

__________________

(١) العنكبوت/ ٤٩.

(٢) البقرة/ ٣٧.

(٣) البقرة/ ١٢٤.

(٤) الأنعام/ ١١٥.

(٥) الزخرف/ ٢٨.

(٦) البقرة/ ٣١.

١٥٣
١٥٤

المقام العاشر:

ولايتها سلام الله عليها في الأمور العامّة

١٥٥
١٥٦

إنّ لسيّدتنا فاطمة عليها‌السلام ولايةً شاملةً ومالكية التصرّف في كلّ الأرض بمقتضى آية الأنفال والفيء والخمس؛ وذلك لدخولها في عنوان ذوي القربى، بل هي أول من يصدق عليها هذا العنوان، فلم يكن أحد أولى بالنبيّ منها عليها‌السلام، فتدخل في ذوي القربى اللازم مودّتُهم أي: ولايتُهم التي تعني ولايتها عليها‌السلام أيضاً.

وتلك الولاية عامّة شاملة لكون إدارة الأموال العامّة تحت نظرها، مع أنّها عليها‌السلام ليست بإمام تستقلّ في تلك الولاية، بل بالمشاركة مع النبيّ والإمام بنحو طولي وقد تواترتْ روايات الفريقين على أنّ قوله تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْ‌بَىٰ حَقَّهُ)(١) نُزلَ فيها عليها‌السلام.

كما أنّ دخولَها عليها‌السلام وأسبقيةَ رتبتها في عنوان «ذوي القربى» مقتضي لكونها وارثة روحية لمقامات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كما هي وارثة بدنية له صلى‌الله‌عليه‌وآله، أي: تكويناً وتشريعاً، والأول بلحاظ الكمالات المعنويّة

__________________

(١) الإسراء/ ٢٦.

١٥٧

والمقامات الملكوتية، والثاني بلحاظ المناصب والشؤون الإعتبارية إلّا ما خصّصه الدليل كالإمامة.

وقد وردت الإشارة إلى هذه الوراثة في زيارة الحسين عليه‌السلام يوم عرفة ما نصّه: «السلام عليك يا وارث فاطمة الزهراء»(١) وفي زيارة مطلقة له عليه‌السلام كذلك، (٢) كما ورد في زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ما نصّه: «السلام عليك يا وارث فاطمة الزهراء»(٣) مما يدلل على وقوعها في سلسلة الوراثة اللدنية النورية للمعصومين الأربعة عشر عليهم‌السلام ومجمل مقاماتهم.

* * *

ففي المقام جهات:

الجهة الاولي: ولايتها في الأموال العامّة

إنّ إدارة الأموال العامّة هو من منصب ذوي القربى، ويدلّ عليه قوله

__________________

(١) مصباح الزائر لابن طاووس/ ٣٤٨ * المزار للشيخ المفيد/ ٨٦ * الشهيد في مزاره/ ١٧٠ * وابن المشهدي في مزاره/ ٦٦٧ * وابن طاووس في الإقبال/ ٣٣٢ * والمجلسي في البحار ١٠١/٣٦٥.

(٢) كامل الزيارات لابن قولويه/ ٣٧٦ * والبحار ١٠١/٦٣ * مصباح الزائر لابن طاووس/ ١٣٤ * وكذلك في مزار التهذيب للشيخ الطوسي.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢/٦٠٤ * كامل الزيارات لابن قولويه/ ٥١٨.

١٥٨

تعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَ‌سُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِ‌كَابٍ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يُسَلِّطُ رُ‌سُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‌ مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَ‌سُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَ‌ىٰ فَلِلَّـهِ وَلِلرَّ‌سُولِ وَلِذِي الْقُرْ‌بَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ)(١).

وكذا قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّـهِ وَالرَّ‌سُولِ فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)(٢).

وقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّ‌سُولِ وَلِذِي الْقُرْ‌بَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّـهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْ‌قَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‌)(٣).

ومن المقرّر والمحرّر في محله كون الأنفال هي الفيء بعينه، وقد جُعلت ولايته وملكية التصرف فيه لله وللرسول ولذي القربى. والأنفال والفيء ـ كما هو محرر في الفقه ـ عموم المنابع والثروات الطبيعية في بلاد المسلمين، وهي كلّ أرض جلى عنها أهلها أو سلّموها طوعاً بغير قتال أو كانت خربة بادَ أهلها وكلّ مالم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ورؤوس الجبال وبطون

__________________

(١) الحشر/ ٦ ـ ٧.

(٢) الأنفال/ ١.

(٣) الأنفال/ ٤١.

١٥٩

الأودية والآجام والموات التي لا أرباب لها والمعادن وصفايا الملك وقطائعهم وما يصطفى من الغنيمة في الحرب، وميراث مَن لا وارث له، والغنائم في القتال بغير إذن الإمام.

وكذا الحال في ضريبة الخمس سواء في ذلك: غنائم الحرب أو مطلق ما يغنمه الإنسان في كسبه من أرباح التجارات والصناعات وغيرها.

وكذلك ما يستخرج من معادن وكنوز وما يستخرج بالغوص، والمال المختلط بالحرام لأجل تطهيره وأرض الذمي إذا اشتراها من مسلم.

وقد جبى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخمس من المسلمين من أرباح مكاسبهم كما دلّت على ذلك مصادر الفريقين. (١) وضريبة الخمس من أكبر

__________________

(١) كما هو الحال في أخذه من قبيلة عبد قيس، حيث قال لهم صلى‌الله‌عليه‌وآله «وتعطوا الخمس من المغنم» صحيح البخاري ١/٢٢ ـ ٣٢ ـ ١٣٩ و ٢/ ١٣١ و ٤/ ٢٠٥ و ٥/٢١٣، و ٩/ ١١٢ * وكذلك صحيح مسلم/ ٣٥ ـ ٣٦ * سنن النسائي، الرقم المسلس للحديث ٥٠٤٦ (كتاب الإيمان وشرائعه، الباب (٢٥): باب أداء الخمس، الحديث ١) * مسند أحمد ١/ ٢٢٨، ٣٦١، و ٣/ ٣١٨، و ٥/ ٣٦ * سنن أبي داود ٣/ ٣٣٠، و ٤/ ٢١٩ * سنن الترمذي، باب الإيمان * الأموال لأبي عبيدة/ ٢٠ * فتح الباري ١/ ١٢٠ * كنز العمال ١/ ١٩ ـ ٢٠، الحديث ٦ * الصحيح من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله للسيد جعفر مرتضى العاملي ٣/ ٣٨٠.

وكذا أخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من بني زهير العكليين من مضر في سنة الوفود (٩ هـ) كما في الطبقات قال: وأفرّوا في الخمس في غنائمهم. الطبقات الكبرى لابن سعد ١/ ٢٧٩ * كنز العمال ٢/ ٢٧١ * سنن أبي داود في كتاب الخراج ٢/ ٥٥ * سنن البيهقي ٦/ ٣٠٣، ٧/ ٥٨، =

١٦٠