مقامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها في الكتاب والسنّة

السيد محمد علي الحلو

مقامات فاطمة الزهراء سلام الله عليها في الكتاب والسنّة

المؤلف:

السيد محمد علي الحلو


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٣٢

فقال له المهدي: يا أبا الحسن، حُدَّها لي. فقال: حَدٌّ منها جبل أحد، وحَدٌّ منها عريش مصر، وحَدٌّ منها سيف البحر، وحَدٌّ منها دومة الجندل. فقال له: كلّ هذا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين هذا كلّه، إنّ هذا كلَّه مما لم يوجف على أهله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بخيل ولا ركاب.

فقال: كثيرٌ وأنظر فيه»(١).

وفي البحار الأنوار عن المناقب: أنّ هارون الرشيد كان يقول لموسى بن جعفر: خذ فدكاً حتّى أردّها إليك، فيأبي حتّى ألحّ عليه، فقال عليه‌السلام «لا آخذها إلّا بحدودها. قال: وما حدودها؟

قال: إنْ حَدَّدْتُها لم ترّدها. قال: بحقّ جدّك إلّا فعلتُ؟

قال: أما الحدّ الأول فَعَدَنْ، فتغيّر وجهُ الرشيد وقال: أيهاً.

قال: والحدّ الثاني سمرقند، فاربّد وجهه.

قال: والحدّ الثالث إفريقية، فاسودّ وجهُه. وقال: هيه.

قال: والرابع سيف البحر مما يلي الجزر وارمينية.

قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، فتحوّل إلى مجلسي.

قال موسى: قد أعلمتك أنني إنْ حَدَّدْتُها لم تردّها.

__________________

(١) الكافي ١/ ٥٤٣ (كتاب الحجة، أبواب التاريخ، الباب ١٣٠: باب الفيء والأنفاي وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه، الحديث ٥) * التهذيب ٤/ ١٤٨، الرقم المسلسل للحديث ٤١٤ (كتاب الزكاة، الباب ٣٩: باب الزيادات، الحديث ٣٦).

١٨١

فعند ذلك عزم على قتله»(١).

وفي هذه الرواية دلالة واضحة على اتحاد الحقّ في قوله تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْ‌بَىٰ حَقَّهُ) والحقّ في الفيء والأنفال الذي لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، كما أنّ فيه تصريحاً بأنّ أوّل مصاديق ذوي القربى هي فاطمة عليها‌السلام، كما أنّ في الرواية تصريحاً بأن حقّها عليها‌السلام يمتدّ بامتداد الأنفال وسِعَتِها، فالبلاد التي لم تفتح بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا بأذنه فهي من الأنفال وبالتالي تكون متعلّقة بحقّ الصدّيقة عليها‌السلام، ومِنْ بعدها للأئمة من ذرّيتها.

ومن ثم فلا يقتصر حقّها في ملكية التصرّف في الأموال العامّة، بل إنّ ولايتها تشمل التدبير في مطلق الأمور العامّة في الوقت الذي كانت الولاية بيد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ومِن بعده للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بلا تعارض بين هذه الولايات، أي بنحو الطولية، كما هو الحال بين ولاية الله تعالى وولاية الرسول وولاية الإمام المعصوم وسيأتي بيان ذلك في الجهة اللاحقة.

وبعبارة أخرى: ما ورد من «أنّ الأرض كلَّها للإمام» يراد به هو كون

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٨/ ١٤٤، الحديث ٢٠ (أبواب تاريخ الإمام موسى بن جعفر، الباب ٤٠: باب مناظراته مع خلفاء الجور.)

١٨٢

الأنفال له بمعنى أنّ له ملكية التصرّف وولاية التصرف فيها، وهذه الملكية في حين أنها ليست على حذو الملكية الفردية الخاصة بل بمعنى ولايته على الأرض وتدبير أمورها، هي ملكية أيضاً بالمعنى الإصطلاحي كذلك؛ إذ لا معنى للملك إلّا السلطنة على التصرّفات.

فيتبيّن من ذلك أنّ الملكية للفيء والأنفال والأرض ليست ملكية مالية محضة بل هي علاوة على ذلك ولاية تصرّف وتدبير وحيث أنّ الصدّيقة عليها‌السلام ممن له الحقّ في الأنفال والفيء فهي ذات ولاية في الأمور العامّة وملكيةُ تصرّف وتدبير فيها، وإنْ لم تكن ولايتها مستقلةً كالإمامة.

ومن ثم فسّر الإمام الكاظم عليه‌السلام حقّ الصدّيقة في فدك ـ الذي ورثه هو عليه‌السلام عن جدّته الصدّيقة عليها‌السلام ـ بالولاية العامّة على بلاد المسلمين، لا كما يقال من معنى الرواية بأنه عليه‌السلام كنّى عن حقّه في الإمامة والولاية بحقّ الصدّيقة في خصوص فدك.

بل الأصل في تعبيره عليه‌السلام أنّ حقّ فدك استحقَّتْه عليها‌السلام باستحقاقها في الأنفال والفيء الذي هو الولاية في الأمور العامّة لا أنّه يستلزمه، وتَفْصَحُ آية الفيء عن ذلك حيث تعلّل اختصاص ذوي القربى بالفيء والأنفال بأنه موجب للعدالة المالية والإقتصادية بين المسلمين.

ومن البيّن أنّ تلك العدالة لا تتحقق إلّا لمن يملك زمام الأمور العامّة،

١٨٣

فهذا الإختصاص في حين أنه ملكية ـ بتمام ما للملكية من معنى ـ فهو أيضاً ولاية للأمور العامّة لما تقدّم من أنّ الملكية ليست إلّا السلطنة على التصرفات.

نظير هذه الرواية ما ورد في بحار الأنوار من أخبار الخلفاء وتعاطيهم في فدك.

الثانية: ما رواه المفضّل عن الصادق عليه‌السلام قوله:

«لما ولي أبو بكر بن أبي قحافة قال له عمر: إنّ الناس عبيد هذه الدنيا لا يريدون غيرها، فامنع عن عليّ وأهل بيته الخمس والفيء، وفدكاً، فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوا علياً وأقبلوا إليك رغبةً في الدنيا وايثاراً ومحاباة عليها، ففعل أبو بكر ذلك وصرف عنهم جميع ذلك.

فلما قام ـ أبو بكر بن أبي قحافة ـ مناديه: مَن كان له عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دَيْن أو عِدَة فليأتني حتّى أقضيه، وأنجز لجابر بن عبدالله ولجرير بن عبدالله البجلي.

قال: قال عليّ عليه‌السلام لفاطمة عليها‌السلام: صيري إلى أبي بكر وذكّريه فدكاً، فصارت فاطمة إليه وذكرتْ له فدكاً مع الخمس والفيء.

فقال: هاتي بيّنة يا بنت رسول الله.

فقالت: أما فدك، فإنّ الله عزّوجلّ أنزل على نبيّه قرآناً يأمر فيه بأن يؤتيني وولدي حقّي، قال الله تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْ‌بَىٰ حَقَّهُ) فكنت أنا وولدي أقربَ

١٨٤

الخلائق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فَنَحَلَني وولدي فدكاً.

فلمّا تلا عليه جبرئيلُ عليه‌السلام (وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله: ما حقّ المسكين وابنِ السبيل؟ فأنزل الله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّ‌سُولِ وَلِذِي الْقُرْ‌بَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ).

فقسم الخمس على خمسة أقسام، فقال (مَّا أَفَاءَ اللَّـهُ عَلَىٰ رَ‌سُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَ‌ىٰ فَلِلَّـهِ وَلِلرَّ‌سُولِ وَلِذِي الْقُرْ‌بَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ) فما لله فهو لرسوله، وما لرسول الله فهو لذي القربى، ونحن ذو القربى، قال الله تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرً‌ا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْ‌بَىٰ).

فنظر أبو بكر بن أبي قحافة إلى عمر بن الخطاب وقال: ما تقول؟ فقال عمر: ومَن اليتامى والمساكين وأبناء السبيل؟

فقالت فاطمة عليها‌السلام: اليتامى الذين يأتمون بالله وبرسوله وبذي القربى والمساكين الذين أُسكنوا معهم في الدنيا والآخرة، وابن السبيل الذي يسلك مسلكهم.

قال عمر: فإذَنْ الخمس والفيء كلّه لكم ولمواليكم وأشياعكم؟

فقالت فاطمة عليها‌السلام: أما فدك، فأوجبها الله لي ولولدي دون موالينا وشيعتنا؛ وأما الخمس، فقسّمه الله لنا ولموالينا وأشياعنا كما يقرأ في كتاب الله.

١٨٥

قال عمر: فما لسائر المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان؟

قالت فاطمة: إنْ كانوا موالينا ومن أشياعنا فلهم الصدقات التي قسّمها الله وأوجبها في كتابه، فقال الله عزّوجلّ: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَ‌اءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّ‌قَابِ). (١)

قال عمر: فدك لكِ خاصة والفيء لكم ولأوليائكم؟ ما أحسب أصحاب محمد يرضون بهذا؟

قالت فاطمة: فإنّ الله عزّوجلّ رضي بذلك ورسوله رضي به، وقسّم على الموالاة والمتابعة لا على المعاداة والمخالفة، ومن عادانا فقد عادى الله، ومن خالفنا فقد خالف الله، ومن خالف الله فقد استوجب من الله العذاب الأليم والعقاب الشديد في الدنيا والآخرة.

فقال عمر: هاتي بيّنة يا بنت محمد على ما تدّعين؟!

فقالت فاطمة عليها‌السلام: قد صدّقتم جابر بن عبدالله وجرير بن عبدالله ولم تسألوهما البيّنة! وبيّنتي في كتاب الله.

فقال عمر: إنّ جابراً وجريراً ذكرا أمراً هيّناً، وأنتِ تدّعين أمراً عظيماً يقع به الردّة من المهاجرين والأنصار.

فقالت عليها‌السلام: إنّ المهاجرين برسول الله وأهل بيت رسول الله هاجروا إلى دينه، والأنصار بالايمان بالله ورسوله وبذي القربى أحسنوا، فلا هجرة إلّا إلينا

__________________

(١) التوبة/ ٦٠.

١٨٦

ولا نصرة إلّا لنا، ولا اتّباع بإحسان الّا بنا، ومن ارتدّ عنّا فإلى الجاهلية.

فقال لها عمر: دعينا من أباطيلكِ، واحضرينا من يشهد لكِ بما تقولين!!

فبعثتْ إلى عليّ والحسن والحسين وأمّ ايمن وأسماء بنت عميس ـ وكانت تحت أبي بكر بن ابي قحافة ـ فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت وادّعتْه.

فقال: أما عليّ فَزَوْجُها، وأما الحسن والحسين إبناها، وأمّ أيمن فمولاتها، وأما أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم، وقد كانت تخدم فاطمة، وكلّ هؤلاء يجرّون إلى أنفسهم.

فقال عليّ عليه‌السلام: أما فاطمة فبضعة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن آذاها فقد آذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن كذّبها فقد كذّب رسول الله.

وأما الحسن والحسين فإبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيدا شباب أهل الجنّة، ومن كذّبهما فقد كذّب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذ كان أهل الجنة صادقين.

وأما أنا فقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله: أنت منّي وأنا منك، وأنت أخي في الدنيا والآخرة والرادّ عليك هو الرادّ عليّ، ومن أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني.

وأما أم أيمن فقدشهد لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالجنّة، ودعا لأسماء بنت عميس وذريتها.

قال عمر: أنتم كما وصفتم أنفسكم، ولكن شهادة الجارّ إلى نفسه لا تقبل.

فقال عليّ عليه‌السلام: إذا كنّا كما نحن تعرفون ولا تنكرون، وشهادتنا

١٨٧

لأنفسنا لا تقبل، وشهادة رسول الله لا تُقبل، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، إذا ادّعينا لأنفسنا تسألنا البيّنة؟ أفما من معين يُعين، وقد وثبتم على سلطان الله وسلطان رسوله، فأخرجتموه من بيته إلى بيت غيره من غير بيّنة ولا حجّة (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ).(١)

ثم قال لفاطمة: انصرفي حتّى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين» (٢).

فصريح هذه الرواية أنّ مطالبتها عليها‌السلام بفدك أحد وجوهها هو حقّها عليها‌السلام في الفيء والخمس وأنّ المطالبة لم تكن مقتصرة على الأرض المخصوصة.

الثالثة: ومنها ما رواه الشيخ بإسناده عن اسحاق بن عمار وأبي بصير عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال: «إنّ الله تبارك وتعالى أمهر فاطمة عليه‌السلام ربع الدنيا، فربعها لها، وأمهرها الجنة والنار، تُدخِل أعداءها النار وتدخل أوليائها الجنة، وهي الصدّيقة الكبرى، وعلى معرفتها دارت القرون الأولى»(٣).

__________________

(١) الشعراء/ ٢٢٧.

(٢) بحار الأنوار ٢٩/ ١٩٤، الحديث ٤٠ (كتاب الفتن والمحن، الباب ١١: نزول الآيات في أمر فدك وقصصه وجوامع الإحتجاج فيه) * مستدرك الوسائل ٧/ ٢٩٠، الرقم المسلسل للحديث ٨٢٤٧ (كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب الأوّل: باب أنّه يقسّم ستّة أقسام، الحديث ١٠).

(٣) بحار الأنوار ٤٣/ ١٠٥، الحديث ١٩ (أبواب تاريخ سيّدة النساء فاطمة الزهراء، الباب ٥: تزويجها صلوات الله عليها) * أمالي الطوسي، المجلسي ٣٦، الحديث ٦.

١٨٨

والتعبير «باللام» على حذو التعبير بها في آية الفيء والأنفال المفيدة لملك التصرّف والولاية العامّة، ولعلّ وجه التقدير بالربع لبيان عدم استقلالها عليها‌السلام بالولاية، بل بالمشاركة الطولية مع النبيّ والإمام المعصوم عليه‌السلام، حيث أنها لم تكن إماماً.

الرابعة: وروي العلّامة السيد عليّ الهمداني وهو من علماء أهل السنّة في مودّة القربى عن عتبة بن الأزهري عن يحيى بن عقيل، قال: سمعتُ علياً يقول: «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله: إنّ الله أمرني أنْ أزوّجك بفاطمة رضي الله عنها على خُمس الدنيا أو على ربعها ـ شك فيه عتبة ـ فمَنْ مشى على الأرض وهو يبغضك في الدنيا فالدنيا عليه حرام، ومشيه فيها حرام»(١).

الخامسة: ورووا أيضاً كالصفّوري الشافعي البغدادي في نزهة المجالس (٢)، وفي المحاسن المجتمعة (٣) وأبي يوسف الدمشقي في أخبار الدول وآثار الأُول (٤). والدهلوي في تجهيز الجيش (٥) رووا جميعاً: أنّ صداقها شفاعتها في لأُمّة أبيها.

__________________

(١) مودة ذوي القربى/ ٩٢ * عنه: احقاق الحق ١٠/ ٣٦٨.

(٢) نزهة المجالس ٢/ ٢٢٥ * عنه: احقاق الحق ١٠/ ٣٦٧.

(٣) المحاسن المجتمعة/ ١٩٤، مخطوط * عنه: احقاق الحق ١٠/ ٣٦٧.

(٤) أخبار الدول وآثار الأول/ ٨٨ * عنه: احقاق الحق ١٠/ ٣٦٧.

(٥) تجهيز الجيش/ ١٠٢ * عنه احقاق الحق ١٠/ ٣٦٧.

١٨٩

وهذا يعاضد ولايتها على هذه الأُمّة، إذ الشفاعة لمجموع الأُمّة يستلزم كون الشفيع ذا صلة بين مجموع الأُمّة والمشفوع عنده، حيث أنّ الشفاعة نحو كفالة مطوي فيها تحمّل الشفيع مسؤولية المشفوع عنه، مما يعطي كون الشفيع له نحو ولاية مسبقة على المشفوع عنه، لاسيما أنّ في الحديث ورد عنوان «الأُمّة».

السادسة: وما رواه المجلسي: «قيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله: قد علمنا مهر فاطمة في الأرض، فما مهرها في السماء؟

قال: سل عمّا يعنيك ودع ما لا يعنيك.

قيل: هذا مما يعنيننا يا رسول الله.

قال: كان مهرها في السماء خُمس الأرض فَمَنْ مشى عليها مغضباً لها ولولدها مشى عليها حراماً إلى أن تقوم الساعة».(١)

السابعة: في معتبرة يعقوب بن شعيب: «قال لما زوّج رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عليّاً فاطمة دخل عليها وهي تبكي. فقال لها: ما يبكيك، فو اللّه لو كان في أهلي خير منه ما زوّجتكه، وما أنا زوّجتكه ولكن اللّه زوَّجكِ وأصدق عنكِ الخُمس مادامت السماوات والأرض»(٢).

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٣/ ١١٣ (كتاب تاريخ سيّدة النساء فاطمة الزهراء، الباب ٥: باب تزويجها).

(٢) بحار الأنوار ٤٣/ ١٤٤ (كتاب تاريخ سيّدة النساء فاطمة الزهراء، الباب ٥: باب تزويجها).

١٩٠

الثامنة: وفي الكافي: «ولكن اللّه زوّجك من السماء وجعل مهركِ خُمس الدنيا ما دامت السماوات والأرض». (١)

التاسعة: وفي الجلاء والشفاء في خبر طويل عن الباقر عليه‌السلام «وجُعِلَتْ نِحلتُها من عليّ خُمس الدنيا وثلث الجنّة وجُعلت لها في الأرض أربعة أنهار: الفرات، ونيل مصر، ونهروان، ونهر بلخ، فزوِّجْها أنت يا محمد، بخمسمائة درهم تكون سنّة لأمّتك». (٢)

العاشرة: وفي حديث خباب بن الأرتّ: «ثم قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله: زوّجت فاطمة ابنتي منك بأمر الله تعالى على صداق خُمس الأرض وأربعمائة وثمانين درهماً، الأجل خُمس الأرض، والعاجل أربعمائة وثمانين درهماً» وقد روي حديثَ خُمس الأرض يعقوبُ بن شعيب عن الصادق عليه‌السلام (٣).

الحادية عشر: ومثله ما في مصباح الأنوار وكتاب المحتضر رفعه بإسناده عن ابن عباس: أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ عليه‌السلام: «يا عليّ، إنّ الله عزّوجلّ زوّجك فاطمة وجعل صداقها الأرض، فَمَنْ مشى عليها مبغضاً لك

__________________

(١) الكافي ٥/ ٣٧٨ (كتاب النكاح، باب ما تزوّج عليه أمير المؤمنين عليه‌السلام فاطمة عليها‌السلام، الحديث ٧).

(٢) بحار الأنوار ٤٣/ ١١٣ (كتاب تاريخ سيّدة النساء فاطمة الزهراء، الباب ٥: باب تزويجها).

(٣) بحار الأنوار ٤٣/ ١١٣ (كتاب تاريخ سيّدة النساء فاطمة الزهراء، الباب ٥: باب تزويجها).

١٩١

مشى عليها حراماً»(١).

الثانية عشر: وروي في فقه الرضا: «أروي عن العالم عليه‌السلام أنّه قال: ركز جبرئيل برجله حتّى جرت خمسة أنهار ولسان الماء يتبعه الفرات ودجلة والنيل ونهر مهربان ونهر بلخ، فما سقت وسقى منها فللإمام، والبحر المطيف بالدنيا. وروي أن الله جل وعزّ جعل مهر فاطمة عليها‌السلام خمس الدنيا، فما كان لها صار لولدها عليهم‌السلام». (٢)

ومفاد هذه الجملة من الروايات من أمهار فاطمة عليها‌السلام خُمس الأرض أو ربعها وأنّها لها، نظير ما ورد في أنّ الأرض كلَّها للإمام، والمراد باللام فيها ملكية التصرّف أي الولاية العامّة عليها.

الثالثة عشر: ومنها ما رواه الكليني في الكافي بسند صحيح إلى أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال:

«وجدنا في كتاب علي عليه‌السلام (إِنَّ الْأَرْ‌ضَ لِلَّـهِ يُورِ‌ثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتّقون

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٣/ ١٤٥، الحديث ٤٩ (كتاب تاريخ سيّدة النساء فاطمة الزهراء، الباب ٥: باب تزويجها).

(٢) مستدرك الوسائل، ٧/ ٢٩٥، الرقم المسلسل للحديث ٨٢٥٠ (كتاب الخمس، أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الباب الأوّل: باب أنّ الأنفال كلّ ما يصطفيه من الغنيمة و...، الحديث ٢).

١٩٢

والأرض كلُّها لنا»(١).

الرابعة عشر: وما رواه الكليني كذلك بسنده عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال: «إنّ الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء، ثم قال عزّوجلّ: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّ‌سُولِ وَلِذِي الْقُرْ‌بَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) فنحن أصحاب الخمس والفيء وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا.

والله يا أبا حمزة، ما من أرض تفتح ولا خمس يخمس فيضرب على شيء منه إلّا كان حراماً على من يصيبه، فَرْجاً كان أو مالاً، ولو قد ظهر الحقّ لقد بيع الرجل الكريمة عليه نفسه فيمن لا يزيد حتّى أن الرجل منهم ليفتدي بجميع ماله ويطلب النجاة لنفسه فلا يصل إلى شيء من ذلك وقد أخرجونا وشيعتَنا من حقّنا ذلك بلا عذر ولا حق ولا حجّة»(٢).

ونظير هذه الرواية مما عبّر بذوي القربى كثير من الروايات الواردة في باب الأنفال والفيء، وهذين العنوانان لا ريب في شمولهما لها عليها‌السلام.

والخلاصة: قد تحصّل من الجهات المتقدّمة مشاركةُ الصدّيقة عليها‌السلام مع النبيّ والإمام في الولاية العامّة في الأمور بنحو المشاركة الطولية وإن لم

__________________

(١) الكافي ١/ ٤٠٧، الحديث ١ (كتاب الحجّة، الباب ١٠٥: باب أنّ الأرض كلّها للإمام عليه‌السلام).

(٢) الكافي ٨/ ٢٨٥، الحديث ٤٣١ (كتاب الروضة).

١٩٣

تكن ولايتُها عليها‌السلام مستقلّةً بل بنحو التشريك، وهذه الولاية بهذا المعنى ليس مقتضاها الإمامة والولاية العامّة الإصطلاحية ولكنها لا تقتصر على الأموال العامّة من جهة ماليتها ولا على خصوص أرض فدك والعوالي كما قد درج تفسير احتجاجها في أرض فدك على ذلك.

الجهة السابعة: ولايتها ومؤيدات أخرى

ويؤيد استاء ولايتها من الآيات والروايات المتقدّمة أمور أخرى، منها: كون ولاية زواجها بيده تعالى خاصّة، دون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ودون الإمام المعصوم، مع أنّ مقتضى قوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)(١) هو ولايته على كلّ أفراد المؤمنين مقدِّمةً على ولايتهم على أنفسهم، ومن ثَم زوّج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من زيد بن حارثة مولاه، مع أنها كانت كارهة لذلك، فضلاً عن كراهية أهلها، فنزل في ذلك قوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَ‌سُولُهُ أَمْرً‌ا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَ‌ةُ مِنْ أَمْرِ‌هِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)(٢).

وكذلك الحال في الإمام المعصوم حيث يرث مقام الرسول فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم في شؤونهم الفردية كما هو وليّهم في أمورهم العامّة.

__________________

(١) الأحزاب/ ٦.

(٢) الأحزاب/ ٣٦.

١٩٤

إلّا أنّ في خصوص الزهراء عليها‌السلام قد ورد من طريق الفريقين (١) أنّ ولي أمر زواجها هو اللّه تعالى خاصّة. وهذا مما يقتضي كون مقامها ذا شأن خطير، وأنّ لها نحواً من الولاية لبلوغها تلك الدرجة التي تضطلع بأهلية خاصّة، تتقيد قيمومته صلى‌الله‌عليه‌وآله بما هو الرسول عليها.

وهذا الإقتضاء مطرّد في باب الولاية وماهيتها، فإنّ انحصار ولاية الولي على المولّى عليه مع فرض واجدية الولي وأهليته للقيمومة لا يكون إلّا ببلوغ المولّى عليه درجة من الكمال يضطلع بها بشؤون الولاية، كما في سائر موارد المولّى عليهم.

__________________

(١) فقد ورد عن طرق أهل السنة ما تواتر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ عندما خطب أبو بكر إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاطمة عليها‌السلام فقال: «أنتظر لها القضاء» ثم خطب إليه عمر، فقال: «أنتظر لها القضاء» الخبر.

وقد روى ذلك الطبراني في المعجم الكبير ١٠/ ١٥٦ * كنز العمال ١١/ ٦٠٠ * ميزان الاعتدال ٢/ ٦٧١ * ينابيع المودة ٢/ ٨٩ * الجامع الصغير للسيوطي ١/ ٢٥٨ * الكشف الحثيث/ ١٧٤ * تاريخ مدينة دمشق ٣٧/ ١٣ * ذخائر العقبى للطبري/ ٢٩ * المنتقى من اتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل للشافعي القلقشندي/ ٦٦ * المختار من مسند فاطمة الزهراء للسيوطي/ ١٥٧ * وابن شاهين المروزي في كتاب فضائل فاطمة عليها‌السلام والبلاذري في تاريخه، عنهما بحار الأنوار ٤٣/ ١٠٧.

وعن طرق الشيعة ما رواه في كشف الغمّة ـ كما في البحار ٤٣/ ١٤١ ـ قول رسول اللّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي بكر عندما خطب فاطمة عليها‌السلام: «أمرها إلى ربّها»، وقال لعمر مقالته لأبي بكر كذلك. وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأشراف قريش عندما خطبوها فردّهم: «إنّ امرها إلى ربّها، إن شاء أن يزوّجها زوّجها».

١٩٥

منها: ما ورد من نصوص الفريقين ـ التي مرّت في المقام الثاني ـ من أنه لم يكن لها كفو ـ لولا عليّ (١) ـ من آدم فما دونَه؛ إذ مقتضى عنوان الكفوِ، المشاركةُ والمعادلةُ في الجملة، ونظير ما ورد في تفسير قوله تعالى (مَرَ‌جَ الْبَحْرَ‌يْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْ‌زَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ)(٢) من أنّ البحرين هما عليّ وفاطمة، والبرزخ هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنه لا يطغي أحدهما على الآخر.

فقد روي في تفسير البرهان عن الكليني والصدوق وتفسير محمد بن عباس وغيره من كتب الأصحاب المعروفة، إحدى عشر طريقاً لهذه الرواية وكذا من طرق أهل السنّة، ففي رواية يحيى بن سعيد العطار، قال: «سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول: (مَرَ‌جَ الْبَحْرَ‌يْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْ‌زَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ) قال: عليّ وفاطمة عليهما السلام بحران من العلم عميقان لا يبغي أحدهما على صاحبه، (يَخْرُ‌جُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْ‌جَانُ) الحسن والحسين عليهما السلام»، وفي رواية أخرى فُسّر البرزخ الذي بينهما برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. (٣)

__________________

(١) لاحظ ما تقدم، ولاحظ بحار الأنوار ٤٣/ ١٠ (أبواب تاريخ سيّدة النساء، الباب ٢: أسمائها وبعض فضائلها) فقد أورد المجلسي رحمه الله عدّة روايات.

(٢) الرحمن/ ١٩ ـ ٢٠.

(٣) البرهان ٤/ ٢٦٥ ـ ٢٦٦ * وبحار الأنوار ٤٣/ ٣٢، الحديث ٣٩ (أبواب تاريخ سيّدة النساء، الباب ٣: باب مناقبها وبعض أحوالها) * وكذا ما رواه الثعلبي في تفسيره يرويه برواية سفيان الثوري وسعيدبن جبير.

١٩٦

وهذه الروايات المتقدّمة تدلّ على نحو مشاركة لها عليها‌السلام في الولاية لما هو مقرّر من تلازمها مع المقام العلمي اللدنّي ونحوه من المقامات الغيبية، وبهذا التقريب يستشهد لولايتها العامّة بروايات اشتقاق النور.

منها: ما رواه المجلسي في بحار الأنوار مسنداً إلى سلمان الفارسي، قال: «دخلتُ على رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما نظر إليّ قال: يا سلمان، إنّ الله عزّوجلّ لم يبعث نبياً ولا رسولاً إلّا جعل الله له اثني عشر نقيباً.

قال: قلت: يا رسول الله، قد عرفتُ هذا من الكتابين.

قال: يا سلمان، فهل علمتَ نقبائي الإثني عشر الذين اختارهم الله للإمامة من بعدي؟

فقلت: الله ورسوله أعلم.

قال: يا سلمان، خلقني الله من صفاء نوره فدعاني فأطعتُه وخلق من نوري علياً فدعاه إلى طاعته فأطاعه، وخلق من نوري ونور عليّ عليه‌السلام فاطمة فدعاها فأطاعته، وخلق منّي ومن عليّ ومن فاطمة، الحسن والحسين فدعاهما فأطاعاه.

فسمانا الله عزّوجلّ بخمسة أسماء من أسمائه؛ فالله المحمود وأنا محمد، والله العليّ وهذا عليّ، والله فاطر وهذه فاطمة، والله الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين»(١).

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٥/ ٦، الحديث ٩، ومنها ما رواه في الجزء ٣٠/ ٦٧، وج ٣٥/ ٢٧ و ٢٨، وج ٣٧/ ٨٣، وج ٤٠/ ٤٤، وج ٤٧/ ١٦٧، وج ٤٣/ ١٧، وج ٥٧/ ١٩٢ ـ ٢٠٢.

١٩٧

إذ من الواضح أنّ مفاد اشتقاق النور هو بيان لمقاماتهم عليهم‌السلام بحسب التكوين المترتب عليها الولاية بحسب التكوين والتشريع.

ومنها الروايات المتقدّمة في مصحف فاطمة عليها‌السلام (١).

ومنها: ما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا بإسناده عن عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام في حديث تزويج الله تعالى لفاطمة من علي عليهما السلام، إلى أن قال:

«فقال الله عزّوجلّ: يا راحيل، إنّ مِنْ بركتي عليهما «عليّ وفاطمة» أنّي أجمعهما على محبتي وأجعلهما حجّتي على خلقي. وعزّتي وجلالي لأخلقنّ منهما خلقاً ولأنشأنّ منهما ذرّية مباركة طاهرة، أجعلهم خزاني في أرضي ومعادن لحكمي، بهم أحتجّ على خلقي بعد النبيين والمرسلين ...

ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله: ولقد أخبرني جبرئيل عليه‌السلام: إنّ الجنّة وأهلها مشتاقون إليكما ولولا أنّ الله تبارك أراد أن يتخذ منكما ما يتخذ به على الخلق حجّة لأجاب فيكما الجنة وأهلها ..»(٢).

ومنها: الروايات المتقدّمة في أنّ الله تعالى يرضى لرضا فاطمة ويغضب

__________________

(١) مرّ في المقام الثاني: حجّيتها على حجج الله المعصومين عليهم‌السلام.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام للصدوق/ ١٧٦، ورواه الصدوق بإسناد آخر عن أبي عبدالله الصادق عليه‌السلام ورواه بإسناد ثالث في الأمالي عن الصادق عليه‌السلام * وفي بحار الأنوار ٤٣/ ١٠١ ـ ١٠٣.

١٩٨

لغضبها، مما يدلّ على حجّيتها كما تقدّم من دون تقييد لذلك بالعلوم التي صدرت منها، أي ليست حجّيتها بالوساطة العلمية فقط بل يعمّ رضاها في الأمور العامّة وغضبها فيها.

كما تجلى ذلك واضحاً في موقفها عليها‌السلام بُعيد وفاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في رسم الخلافة الإسلامية لكلّ الأجيال، ومن ثَمّ دارت أربعين ليلة على المهاجرين والأنصار تحثّهم على مناصرة عليّ وتجديد البيعة له، مما يدلّ على إشرافها ومساهمتها في تدبير أُسّ الأمور العامّة وهي الخلافة.

ونظير ما ورد في وصيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عند احتضاره صلى‌الله‌عليه‌وآله: «يا عليّ، أنفذ لما أمرتْك به فاطمة، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل عليه‌السلام» (١). فإنّ مقتضى مادة الأمر ثبوت نحو ولاية للآمر، وإن كان عليّ عليه‌السلام إماماً لفاطمة عليه‌السلام.

وفي رواية العباس عن أبي جعفر الأحول، قال: «قال أبو عبدالله عليه‌السلام: ما تقول قريش في الخمس؟

قال: قلت: تزعم أنه لها.

قال: ما أنصفونا والله، لو كانت مباهلة لتباهلنّ بنا وإن كانت مبارزة لتبارزنّ

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٢/ ٤٨٤ و ٤٨٥، الحديث ٣١ (تاريخ نبيّنا، أبواب ما يتعلّق بارتحاله إلى عالم البقاء، الباب الأول: باب وصيّته عند قرب وفاته).

١٩٩

بنا، ثم يكون هم وعليّ سواء؟»(١).

وتقريب دلالتها أنّه عليه‌السلام جعل الملازمة بين من يباهل بهم، ومن له الولاية على الخمس الذي هو أهمّ الضرائب المالية الكبرى في الشريعة الإسلامية.

ومقام المباهلة كما تقدّم هو مقام الإحتجاج، أي من يكون حجّة على حقانية الدين وله هذا المقام هو الذي يكون صاحب ولاية في الخمس، وهذا الحال سيّان في الفيء والأنفال؛ لأن العنوان هو ذوي القربى، وأحد مصاديق من قامتْ به المباهلة، هي الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

ومنها: ما تقدّم تقريبه في آية المودة (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرً‌ا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْ‌بَىٰ)(٢) فإنّ مفاد هذه الآية ولاية ذوي القربى المعصومين منهم خاصّة على الأُمّة، وإن كان مطلق ذوي القربى لهم مطلق المودّة.

وحيث تقرّر ذلك: فذوي القربى ـ كما عرفت فيما تقدّم ـ أول مصاديقه فاطمة عليها‌السلام، وقد فُسّرت آية المودّة في آيات أخري كقوله تعالى: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ‌ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَ‌بِّهِ سَبِيلًا).(٣)

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩/ ٥١٧، الرقم المسلسل للحديث ١٢٦١٤ (كتاب الخمس، أبواب قسمة الخمس، الباب الأوّل: باب أنّه يقسّم ستّة أقسام، الحديث ١٥).

(٢) الشورى/ ٢٣.

(٣) الفرقان/ ٥٧.

٢٠٠