البداية في توضيح الكفاية - ج ٣

علي العارفي الپشي

البداية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

علي العارفي الپشي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: نشر نيايش
المطبعة: چاپ دانش
الطبعة: ١
ISBN: 964-90047-8-5
ISBN الدورة:
964-90047-5-0

الصفحات: ٦٢٠

لا يخفى على أحد ، إذ الفقيه يحتاج في استنباط معاني الألفاظ التي ترتبط بالأحكام الشرعية إلى قول اللغوي ولا يحتاج إليه في استيفاء معاني الألفاظ التي لا ترتبط بالأحكام الشرعية.

فلو فرض انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام الشرعية في عصر غيبة ولي الله الأعظم ، روحي له الفداء ، لكان قول اللغوي معتبرا إذا أفاد الظن والاطمينان من باب حجية مطلق الظن حينئذ أجاب المصنّف قدس‌سره عن الوجه الرابع بجوابين :

الأول : إذا انفتح باب العلم والعلمي بالأحكام في عصر الغيبة فمجرد انسداد باب العلم والعلمي باللغات لا يوجب حجيّة قول اللغوي ، إذ لا يتمّ حينئذ سائر مقدّمات حجيّة الظن المطلق.

وامّا إذا انسد باب العلم والعلمي بالأحكام ، والحال ان سائر المقدّمات لدليل الانسداد موجود على نحو الكامل فقول اللغوي حجّة من باب الظن المطلق لا من باب الظن الخاص.

ولو فرضنا كون جميع اللغات معلومة لنا إلّا موردا واحدا يحصل من قول اللغوي الظن به فهذا حجّة من باب الظن المطلق لا من جهة الظن الخاص إذا تمّت مقدّمات دليل الانسداد ، كما لا يخفى.

الثاني : ان البحث في حجية قول اللغوي يكون من باب الظنّ الخاص ولكن هذا الوجه بلا دليل انسداد الكبير لا ينتج نتيجة ولا يثمر ثمرة ، إذ يبتنى هذا على الانسداد ، ولو فرضت تمامية مقدّمات الانسداد فيكون قول اللغوي حجّة من باب الظن المطلق ، والحال ان المدعى حجيّته من باب الظنّ الخاصّ.

نعم إذا قام دليل معتبر على حجيّة قول اللغوي فلا يبعد أن يكون انسداد باب العلم بتفاصيل اللغات موجبا لاعتبار قول اللغوي إذا وجد دليل على الاعتبار بمعنى اقتضاء الانسداد بتفاصيل اللغات وجود هذا الدليل على نحو الحكمة لا العلّة

٢٠١

ولا يلزم من وجود الحكمة وجود المسبب وهو حجية قول اللغوي.

كما يلزم من وجود العلّة وجود المعلول والمسبب ، والمسبب هنا عبارة عن حجية قول اللغوي.

والفرق بين الحكمة وبين العلّة ان قول اللغوي حجّة في الموارد التي لا يحصل العلم بتفاصيل اللغات ، وامّا إذا حصل العلم في موارد ، أو مورد واحد فلا يكون قوله حجّة فيها ، أو فيه إذا كان الانسداد أي انسداد باب العلم بالأحكام علّة لحجية قول اللغوي.

نعم لو كان دليل حجية قول اللغوي مختصّا بحال الانسداد لأمكن أن يكون الانسداد علّة لا حكمة وإلّا أي وان لم تكن الحجية مختصة بحال الانسداد لكان الانسداد علّة لا حكمة ، كما لا يخفى.

فالانسداد نظير عدم اختلاط المياه بالإضافة إلى وجوب حفظ العدّة للمطلقة إذ حفظ العدّة واجب عليها سواء اختلط المياه أم لم تختلط في صورة عدم حفظ العدة.

فالمعيار في حجيّة مطلق الظن هو تمامية مقدّمات الانسداد الكبير لا تمامية مقدّمات الانسداد الصغير.

وامّا الفرق بين الانسداد الكبير وبين الانسداد الصغير فهو ان الكبير هو انسداد باب العلم في جميع الأحكام من جهة السنّة وغيرها.

والصغير هو انسداد باب العلم بالأحكام بالسنّة فقط مع انفتاح باب العلم بها في الطرق الاخرى نحو ظاهر الكتاب الكريم والاجماع المحصّل مثلا ، وامّا التفصيل فسيأتي في بحث دليل الانسداد إن شاء الله تعالى.

ولا يخفى ان الداعي والباعث إلى جعل الانسداد حكمة لحجية قول اللغوي لا علّة هو إطلاق أدلّة حجية قول اللغوي ، وهذا الاطلاق يشمل لامكان العلم

٢٠٢

بالأحكام ولانسداد العلم بها.

امّا بخلاف العلّة فإنّها تقتضي حجيّة قول اللغوي إذا انسد باب العلم بالأحكام الشرعية ، كما لا يخفى.

قوله : لا يقال على هذا لا فائدة في الرجوع إلى اللغة ...

إذا لم يكن اللغوي من أهل الخبرة في الأوضاع وفي تعيين الموضوع له والمعنى المجازي.

والحال : ان قوله لا يفيد الاطمينان والوثوق ، وعليه فالرجوع إلى قول اللغوي لا يفيد فائدة تامّة بل يكون الرجوع إليه لغوا وبلا فائدة.

قلنا : لا يخلو الرجوع إليه عن الفائدة العقلية ، إذ ربّما يوجب الرجوع إلى قول اللغوي القطع بالمعنى المراد من اللفظ ، وان لم يحصل العلم بحقيقته ، أو مجازيّته أي إذا انكشف لنا من موارد استعمال اللفظ الفلاني في المعنى الخاص وانضمت إليها مناسبات وقرائن المقامية فيحصل لنا العلم بأن هذا اللفظ ، وذلك كلفظ الصعيد مثلا ، استعمل في المعنى الفلاني ، وهو مطلق وجه الأرض ، ويحصل لنا القطع بأن المراد منه هذا المعنى دون غيره.

وهذا فائدة عظيمة تحصل لنا بالرجوع إلى قول اللغوي وإلى كتب اللغة ولا تحصل لنا بدون الرجوع إليه ، ولا يخفى ان هذا القطع يكفي في الفتوى والإفتاء إذ المدار ظهور اللفظ لا تميز الحقيقي عن المجازي. ويتفق هذا القطع المذكور كثيرا للفقيه ، وهذا واضح.

فإن قيل : قد ادعى سابقا ان أهل اللغة لا يكون من أهل الخبرة بالأوضاع فلا يحصل الوثوق من قوله فضلا عن حصول القطع بالمعنى المراد من اللفظ بقوله ؛ قلنا : هذا القول مربوط في الأوضاع بكل الموارد وجميعها فيمكن حصول الوثوق بل حصول القطع بقول اللغوي في بعض الموارد فلا منافاة في البين أصلا ولا

٢٠٣

تناقض لاشتراط وحدة الكلّ والجزء في التناقض.

توضيح : وهو لا يخفى على أهل الفن ان المدار في استنباط الأحكام من الكتاب الكريم والسنّة الشريفة ، هو ظهور الألفاظ في المعاني وليس المدار فيه تميز الحقائق عن المجازات.

وعليه : فمن قول اللغوي يحصل الوثوق بل القطع بظهور اللفظ في معنى من المعاني وهو يكفي في الفتوى ، كما لا يخفى.

فإن قيل : إذا قطعت بظهور اللفظ في معنى من قول اللغوي فقد قطعت بأن هذا اللفظ حقيقة فيه.

قلنا : أصالة الظهور أي ظهور اللفظ في المعنى أعمّ من الحقيقة والمجاز والعام لا يدلّ على خصوص الخاص ، وهو الحقيقة مثلا ؛ إذا قيل : رأيت أسدا في الحمّام هذا ظاهر في الرجل الشجاع وليس بحقيقة.

والبعض قد استدلّ على حجيّة قول اللغوي بدليل قد دلّ على حجيّة خبر الثقة في الأحكام ودعوى ان خبر اللغوي ليس متعرّضا للأحكام لأنّه من الخبر عن الموضوع ، كاخباره بان لفظ السماء قد وضع لمطلق جهة العلو ، وهو اخبر عن الموضوع لا الحكم ، فيتحقق الفرق بين قول محمد بن مسلم (رض) وقول اللغوي.

أجاب المصنف قدس‌سره بأنّ هذه الدعوى فاسدة لأنّ المراد من الخبر في الأحكام كلّ خبر ينتهي إلى خبر عن الحكم سواء كان مطابقة كما أخبر محمد بن مسلم رحمه‌الله ، عن وجوب صلاة الجمعة عن مولانا الصادق عليه‌السلام مثلا أم كان بالالتزام كما أخبر زرارة بن أعين قدس‌سره عن الباقر عليه‌السلام بأن هذا الوادي وادي العقيق. فهذا يدلّ مطابقة على الموضوع الخارجي ويدلّ التزاما على وجوب الاحرام منه لمن مرّ به في الموسم ، وهذا الاستدلال متين جدّا ، بشرط أن يكون اللغوي من الموثقين.

وعليه : فإذا جاز الاعتماد على خبر ابن مسلم رحمه‌الله مثلا ، في الموضوعات

٢٠٤

الخارجية ، كما اذا اخبر راوي ثقة بان مثل يوم الجمعة عيد والوادي العقيق والقرن المنازل يجب الاحرام منهما وعرفات يجب الوقوف فيها ؛ لأنّه ثقة لم لا يجوز الاعتماد على خبر الجوهري ولويس معلوف صاحب المنجد فيها ، لأنّهما ثقتان على الفرض.

الإجماع المنقول عن حجيّة الخبر

قوله : فصل الاجماع المنقول بخبر الواحد حجّة عند كثير ممّن قال باعتبار ...

الإجماع يطلق على معنيين :

أحدهما : العزم والإرادة وبه فسّر قوله تعالى : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) أي اعزموا أمركم.

وثانيهما : مطلق الاتفاق كقوله تعالى في سورة يوسف الصدّيق على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام : (وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) أي اتفق اخوة يوسف عليه‌السلام (١) بان يلقوه في الجب وهو البئر.

وقد نقل في الاصطلاح الاصولي إلى اتفاق خاصّ وهو اتفاق من يعتبر قوله من الامّة المرحومة في الفتاوى الشرعية على أمر من الامور الدينية ، فاتفاق أهل البلد على عزل الحاكم ليس بإجماع ، وكذا اتفاق الفقهاء على ان الأرض متحرّكة بحركتين الوضعية والانتقالية ليس بإجماع أيضا.

نعم اتفاق الفقهاء على استحباب غسل الجمعة إجماع في اصطلاحهم لأنّ أهل البلد لا يعتبر قوله في الفتاوى ، والاتفاق على تحرّك الأرض ليس بأمر من الامور الدينية ، ولهذا لا يسمّى اجماعا في الاصطلاح.

__________________

١ ـ سورة يوسف ، آية ١٢.

٢٠٥

والغرض من عقد هذا الفصل هو بيان الملازمة بين حجية خبر الواحد وحجية الاجماع المنقول بخبر الواحد ، كما إذا ادّعى شيخنا الطوسي قدس‌سره الاجماع على حكم شرعي من الأحكام وعدمها فمن قال بحجية أخبار الآحاد قال بحجيّة الاجماع المنقول بخبر الواحد نظرا إلى انّه من افراده ومصاديقه فيشمله أدلّة حجيّتها فالمقصود من تقدّم بحث الاجماع المنقول بخبر الواحد على بحث أخبار الآحاد هو بيان الملازمة بين حجية الخبر وبين حجية الاجماع المنقول.

ولا ريب في ان الاجماع المنقول حجّة عند الأكثر (رض) ، والوجه في حجّيته شمول أدلّة حجيّة الخبر الواحد للاجماع المنقول لكونه من أفراده ومصاديقه وليس لحجية الاجماع دليل مستقلّ على حدة فلا بدّ حينئذ من شمول أدلّة اعتبار الخبر الواحد بعمومها ، أو اطلاقها للاجماع المنقول بخبر الواحد.

وتحقيق القول في وجه اعتبار الاجماع المنقول يستدعي رسم امور :

الأمر الأوّل : وجه اعتبار الاجماع هو علم ناقل الاجماع برأي المعصوم عليه‌السلام ومستند القطع برأي المعصوم عليه‌السلام لحاكيه أي لحاكي الاجماع على ما يظهر من كلمات الاصوليين (رض) أحد امور أربعة :

الأوّل : هو دخول المعصوم عليه‌السلام في المجمعين شخصا ، والحال ان المعصوم عليه‌السلام لم يعرف عينا ، إذ مع معرفته عينا لا حاجة إلى الاجماع بل يستمع الخبر من شخصه عليه‌السلام كسائر الأخبار المرويّة عن المعصوم عليه‌السلام لأنّ الاجماع من حيث هو اجماع ليس بحجّة بل هو حجّة من جهة دخول المعصوم عليه‌السلام في المجمعين لأنّه سيّدهم ورئيسهم ومن البعيد أن يتّفق المرءوسين على حكم من الأحكام وعلى قانون من القوانين ولكن لم يدخل رئيسهم فيهم.

الثاني : قطع حاكي الاجماع باستلزام الاجماع الذي يحكيه لرأي المعصوم عليه‌السلام عقلا من باب اللطف ، أو عادة فلو اتفق أهل عصر من الأعصار على

٢٠٦

حكم مخالف لحكم الله تعالى لوجب على المعصوم عليه‌السلام إظهار الخلاف من باب اللطف لأنّ المعصوم عليه‌السلام لو لم يظهر الخلاف لما كان مقربا للعباد إلى طاعة الله تعالى ، ولما كان مبعدا للعباد عن عصيان الله تعالى.

والحال : ان وجود الامام عليه‌السلام لطف وتصرّفه في عالم الامكان لطف آخر وعدمه منّا فوجود الامام عليه‌السلام لطف واللطف واجب على الله تعالى ، كما استدلّ بوجوب اللطف على الله تعالى لإرسال الرّسل وانزال الكتب فالأوّل يسمى بالاجماع الدخولي ؛ والثاني يسمّى بالإجماع اللطفي وهو مذهب الشيخ الطوسي قدس‌سره ومن تبعه. كما ان الأوّل مذهب القدماء.

الثالث : قطع حاكي الإجماع برأي المعصوم عليه‌السلام عادة ، إذ من المعلوم ان رأي الرعية والمرءوسين على اختلاف أنظارهم إذا اتفقوا على حكم فهذا الاتفاق عادة ملازم لرأي الرئيس والسلطان وان لم تكن هذه الملازمة دائمية بل تكون غالبية.

وفي ضوء هذا : فإذا اتفق الفقهاء أي فقهاء عصر واحد على حكم من الأحكام فقد كشفنا عادة ان رأيهم هو رأي المعصوم عليه‌السلام وان رأي المعصوم عليه‌السلام هو رأيهم ويسمّى هذا بالاجماع الحدسي ، وهذا مختار المتأخّرين (رض) ومنهم المصنّف قدس‌سره في حجيّة الاجماع ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الرابع : قطع حاكي الإجماع برأي المعصوم عليه‌السلام اتفاقا وفي هذا النوع من الاجماع ليست الملازمة العقلية ولا العادية وقاعدة اللطف بموجودة بل مسألة الحدس مطرح هنا والحدس عبارة عن فهم المسائل من غير طريق حواس الخمس الظاهري ، فإذا اتفق جمع من الفقهاء قدس‌سرهم على حكم من الاحكام الشرعية ، فقد كشفنا موافقة رأي المعصوم عليه‌السلام من طريق الحدس مع رأي المجمعين والعلماء (رض).

ولا يخفى ان الفرق بين العادة والاتفاق ان الأوّل غالبي ، والثاني أحياني ، والثالث والرابع يسمّى بالإجماع الحدسي ، الخامس قطع حاكي الاجماع برأي

٢٠٧

المعصوم عليه‌السلام هو ، اي القطع برأي الامام عليه‌السلام عبارة عن تشرّفه بحضوره المقدّس وأخذ الحكم منه شفاها ، ولكن من أجل المصالح ينقل الاجماع في المسألة ولا ينسب الحكم إلى شخص المعصوم عليه‌السلام ويسمّى هذا بالاجماع التشرّفي وهذا النحو من الاجماع قد حصل لبعض الفحول والمقدسين كالمقدّس الاردبيلي والسيّد بحر العلوم وغيرهما من الأوحدي قدس‌سرهم.

فإن قيل : لم لم ينقل المتشرّفون الأحكام منه عليه‌السلام مستقيما.

قلنا : نقلوا بلفظ الاجماع لبعض دواعي الاخفاء منها ما ورد في توقيع صاحب الأمر روحي له الفداء لمحمّد السمري قدس‌سره ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو مفتر كذّاب ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.

توضيح : وهو من ادّعى ان خروج معلوم النسب لا يقدح في الاجماع فهو يقول بحجية الاجماع من أجل دخول المعصوم عليه‌السلام في المجمعين ، ومن ادّعى الملازمة عقلا بين رأي المعصوم عليه‌السلام وبين رأي المجمعين فهو يقول بحجيّته من باب اللطف ، أو ادعى انقراض عصر المخالف ، إذ يكفي في قاعدة اللطف اتفاق اهل عصر واحد فلا يقدح خروج من انقرض عصره وان كان مجهول النسب يحتمل كونه الامام عليه‌السلام.

ومن الواضح انّه استند إلى قاعدة اللطف ، هذا مضافا إلى تصريحاتهم بالاجماع الدخولي والاجماع اللطفي كما يشهد بهذا مراجعة كلماتهم وإلى تصريحات المتأخّرين بالاجماع الحدسي الاتفاقي ، ومن ادعى الملازمة عادة ، أو اتفاقا بين رأي المعصوم عليه‌السلام وبين رأي المجمعين فهو قائل بحجيّته من باب الحدس والكشف عن قول المعصوم عليه‌السلام.

فتلخّص ممّا ذكر ان الأقوال في حجيّة الاجماع ثلاثة :

الأوّل : للقدماء ، والثاني : للشيخ الطوسي قدس‌سره ومن تبعه ، والثالث :

٢٠٨

للمتأخّرين قدس‌سرهم.

قوله : الأمر الثاني انّه لا يخفى اختلاف نقل الاجماع ...

والتوضيح يحتاج إلى تمهيد مقدّمة وجيزة ؛ وهي ان السبب عبارة هنا من اتفاق فتاوى العلماء على حكم من الأحكام بلحاظ مقام الاثبات أي كون العلم به سببا للعلم برأي الإمام عليه‌السلام وامّا بلحاظ مقام الثبوت ، فالأنسب أن يكون رأي غير الإمام عليه‌السلام مسبّبا عن رأي المعصوم عليه‌السلام والمسبب هنا عبارة عن قول المعصوم عليه‌السلام.

وفي ضوء هذا : يكون نقل الاجماع على نحوين :

الأوّل : نقل السبب والمسبّب معا.

الثاني : نقل السبب فقط.

امّا الأوّل فيكون على نحوين :

الأوّل : أن يكون كلاهما حسيين كالاجماع الدخولي ، كما إذا قال ناقل الاجماع ؛ اتفقت الامّة المرحومة على استحباب غسل الجمعة مثلا ، أو اتفق أهل القبلة على استحباب جلسة الاستراحة في الركعة الاولى بعد السجدة الثانية مثلا. فالظاهر دخول فتوى الامام عليه‌السلام في ضمن فتاوى الامّة وأهل القبلة لأنّ المعصوم عليه‌السلام سيّد الامّة ورئيسها ورئيس أهل القبلة. ومن البعيد أن لا يدخل رأي الرئيس في رأي المرءوسين ولا يطابق قولهم قوله.

الثاني : أن يكون السبب حسيّا والمسبّب حدسيّا كما في الاجماع اللطفي عقلا من باب اللطف ، والاجماع الحدسي عادة أو اتفاقا ، كما إذا قال ناقل الاجماع ؛ اجمع أصحابنا أو قال ؛ اتفق علماءنا ، الظاهر عدم شمول كلمة أصحابنا وعلماءنا لشخص الإمام عليه‌السلام كما هو المتبادر من هاتين الكلمتين في أذهان السامعين لا سيما إذا أراد الناقل غير الإمام عليه‌السلام ، ولكن لا بدّ في صحّة نقل الاجماع أن يكون هذا

٢٠٩

الاجماع كاشفا عن قول المعصوم عليه‌السلام.

ولا يخفى أنّه ينقل رأي المعصوم عليه‌السلام في ضمن نقل الاجماع حدسا تارة ، بأن يراد من العلماء في قول الناقل أجمع علماءنا جميع العلماء حتى الامام عليه‌السلام فإنّه سيّدهم ويكون رأيه عليه‌السلام منقولا عن حدس ورأي غيره عليه‌السلام منقولا حسّا ، كما هو الغالب أي نقل رأي الامام عليه‌السلام حدسا غالب ونقل رأي الامام عليه‌السلام حسّا نادر يتفق لأوحدي من العلماء (رض) ، كما في الاجماع التشرفي ، واخرى لا ينقل ناقل الّا ما هو السبب عند ناقله عقلا ، كما في الاجماع اللطفي ، أو عادة او اتفاقا كما في الاجماع الحدسي.

ولا يخفى أيضا اختلاف ألفاظ النقل صراحة وظهورا وإجمالا في نقل السبب والمسبّب معا ، أو في نقل السبب فقط مثلا ، إذا قال ناقل الاجماع اتفق جميع العلماء حتى الامام عليه‌السلام على كذا كان هذا صريحا في نقل السبب والمسبب معا ، وإذا قال الناقل اتفقت الامة على كذا ، كان هذا ظاهرا في نقل السبب والمسبب معا ، إذ المتبادر من لفظ الامة جميع آحاد الأمة حتى الامام عليه‌السلام ، ولكن يحتمل أن يكون المراد منه غير الامام عليه‌السلام ، واذا قال الناقل أجمع الأصحاب (رض) كان ظاهرا في نقل السب فقط ، إذ الظاهر من كلمة الأصحاب غير الإمام عليه‌السلام كما هذا متبادر منها إلى الأذهان.

امّا إذا قال : أجمع علماءنا على كذا وكذا فربّما كان هذا مجملا ، إذ يحتمل أن يكون المراد من هذه الكلمة عموم العلماء حتى الإمام عليه‌السلام كما هو جمع مضاف إلى ضمير المتكلّم مع الغير وهو مفيد للعموم ، والحال ان الإمام عليه‌السلام فرد أكمل من العلماء ، ويحتمل أن يكون المراد منها غير الإمام عليه‌السلام ، كما يكون من كلمة أصحابنا وفقهائنا غير المعصوم عليه‌السلام للتبادر إلى الأذهان منها غيره عليه‌السلام.

٢١٠

قوله : الأمر الثالث انّه لا إشكال في حجيّة الاجماع المنقول بأدلّة حجيّة الخبر ...

ولا يخفى ان نقل الاجماع إذا كان متكفّلا لنقل السبب والمسبب معا عن حسّ كما في الاجماع الدخولي ، فلا ريب حينئذ في شمول أدلّة حجيّة الخبر الواحد للاجماع المذكور لكون الاجماع من مصاديق الخبر ومن الأخبار الحسيّة ، ولكن انّما الكلام في نقله كذلك في زمان الغيبة ، روحي لصاحبها الفداء ، هل يمكن للناقل نقل السبب والمسبّب معا في هذا الزمان عن حسّ أم لا يمكن هذا له إلّا نادرا ، ولا ريب في ان هذا نادر جدّا.

وكذا لا إشكال في حجيّة الاجماع إذا لم يكن متضمّنا لنقل السبب والمسبب معا عن حس بل كان نقل الاجماع ممحضا لنقل السبب عن حس بشرط أن يكون نقل السبب فقط عن حسّ سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا كما في الاجماع اللطفي أو عادة ، أو اتفاقا كما في الاجماع الحدسي من باب الملازمة العادية بين رأي المعصوم عليه‌السلام وبين رأي المجمعين ، أو من باب الملازمة الاتفاقية بين رأي المعصوم عليه‌السلام وبين رأي المتّفقين.

كما ان الملازمة العقلية ثابتة بين رأي الإمام عليه‌السلام وبين رأي الرعايا إذا قلنا بحجية الاجماع من باب اللطف.

وفي ضوء هذا : فيعامل حينئذ أي حين استلزام نقل السبب لرأي الإمام عليه‌السلام في نظر المنقول إليه مع هذا الاجماع المنقول معاملة الاجماع المحصل في الالتزام بمسببه وهو رأي الإمام عليه‌السلام بأحكام المحصل وآثاره.

ولا ريب في ان أحكام الاجماع المحصل عبارة عن احكام قول الإمام عليه‌السلام وكذا آثار الاجماع المحصل عبارة عن آثار قول المعصوم عليه‌السلام من وجوب المتابعة وحرمة المخالفة واستحقاق المثوبة والعقوبة والمدح والذم واللوم.

٢١١

وقد يكون نقل الاجماع متضمّنا لنقل السبب والمسبّب معا ، ولكن المسبّب وهو قول الإمام عليه‌السلام ليس عن حسّ بل بملازمة عقلية ، أو عادية ثابتة عند الناقل والمنقول إليه ، كما إذا حصل من أقوال العلماء المتقدّمين والمتأخرين القطع برأي الإمام عليه‌السلام للملازمة العادية بين قول الإمام عليه‌السلام وبين قول العلماء ، فهذا القسم يكون حجّة بشرط أن يرى المنقول إليه ان قول الإمام عليه‌السلام لازما عاديّا لاتفاق الكلّ.

وامّا إذا كان نقله للمسبّب لا عن حسّ بل بملازمة ثابتة بين رأي الإمام عليه‌السلام وبين قول المجمعين عقلا عند الناقل لقاعدة اللطف دون المنقول إليه ففيه إشكال ، إذ هذا الاجماع ليس نقلا لقول المعصوم عليه‌السلام عند المنقول إليه كي يشمله دليل حجيّة الخبر الواحد ، إذ عمدة الأدلّة على حجيّة أخبار الآحاد هي بناء العقلاء ولا ريب في ان بنائهم على حجية الخبر الحسّي لا الحدسي كما إذا روى زرارة بن أعين عن الباقر أو عن الصادق عليهما‌السلام حسّا كذا وكذا مثلا.

كما ان المنصرف من الآيات الشريفة ، وتلك كآية النبأ والسؤال وغيرهما. والروايات المباركة ، على تقدير دلالتها على حجيّة أخبار الآحاد عن حسّ لا عن حدس خصوصا إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاده الملازمة العقلية ، أو الملازمة العادية بين رأي الإمام عليه‌السلام وبين رأي المجمعين.

ولا ريب في ان هذا الاجماع ليس بكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام فالأحكام المذكورة للاجماع ثابتة له إذا انكشف الحال والمطلب أي إذا علم أن نقل الاجماع متضمّن لنقل السبب والمسبّب معا عن حسّ لا عن حدس ، أو متضمّن لنقل السبب والمسبّب معا ، ولكن نقل السبب عن حس كما إذا رأى الناقل فتاوى أكثر العلماء وأشهرهم ولكن نقل المسبب عن حدس حاصل للناقل من قول الأكثر أو حاصل له من قول بعض الكملين كالشيخ الأنصاري والميرزا الشيرازي والميرزا النائيني قدس‌سرهم مثلا ، أو حاصل له من اتفاق العلماء في عصر واحد من أخل قاعدة اللطف ، ففي

٢١٢

جميع هذه الموارد يكون كشف قول المعصوم عليه‌السلام عن حدس لا عن حس ، كما لا يخفى.

أو متضمّن لنقل السبب فقط كالنقل لفتاوى جميع الامّة مثلا ، وكان هذا السبب سببا في نظر المنقول إليه للمسبّب.

ففي جميع هذه الموارد حال الإجماع معلوم وهو حجّة ، وامّا إذا اشتبه الحال فلم يعلم ان نقل الاجماع عن حسّ ، أو عن حدس فلا يبعد أن تشمله أدلّة حجيّة الخبر الواحد فإنّ عمدة أدلّة حجيّة أخبار الآحاد هي بناء العقلاء وسيرتهم وبنائهم على حجيّة الخبر العادل ، أو الخبر الموثق فيعملون به وان احتملوا كونه عن حدس ، إذ ليس بنائهم إذا أخبروا بشيء كوجوب صلاة الجمعة ، أو حرمة الفقاع مثلا ، على التوقّف والتفتيش عن ان هذا الخبر عن حسّ ، أو عن حدس بل سيرتهم ثابتة على نحو الدوام والاستمرار على العمل على طبقه والجري على وفقه بلا توقّف وتفتيش أصلا.

نعم : لا يبعد أن يكون بناء العقلاء على الحاق الخبر المشكوك كونه عن حسّ أو عن حدس بالخبر المعلوم كونه عن حس قطعا فلا يبعد أن يكون هذا الالحاق ثابتا إذا لم يكن وجود القرينة على الحدس في نقل الاخبار ، وإذا لم يكن اعتقاد الناقل للخبر نقله عن حدس ، ويشهد لهذا المطلب عدم صحّة الاحتجاج عند ترك العمل بالخبر باحتمال كونه عن حدس فلاحظ الملازمة عقلا ، أو عادة ، أو اتفاقا بين السبب وبين المسبّب كما في الاجماع اللطفي والاجماع الحدسي ، لكن مع عدم ثبوتهما عند المنقول إليهم فلم يحرز بناء العقلاء بما هم عقلاء في هاتين الصورتين المذكورتين ، على معاملة الخبر الحسّي مع الخبر المشكوك كونه عن حس ، أو عن حدس. وكذا الحال في الاجماع المشكوك كونه عن حس ، أو عن حدس حرفا بحرف.

٢١٣

لكن الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب قدس‌سرهم غالبا مبنية على حدس الناقل موافقة رأي الإمام عليه‌السلام مع رأي المجمعين ، أو مبنية على اعتقاد الناقل الملازمة عقلا بين رأي الإمام عليه‌السلام وبين رأي العلماء قدس‌سرهم ، كما في الاجماع اللطفي ، أو مبنية على اعتقاد الناقل الملازمة عادة ، أو اتفاقا بين رأيه عليه‌السلام وبين رأيهم قدس‌سرهم كما في الاجماع الحدسي.

فلا اعتبار لهذه الاجماعات ما لم ينكشف أن نقل المسبّب كان مستندا إلى الحسّ ، فلا بدّ في الاجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة وذلك نحو اتفق علمائنا وأجمع أصحابنا وأجمع الامّة الإسلامية واتفق علماء عصرنا ، أو فقهاء الإسلام ، أو فقهاء الشيعة قدس‌سرهم ، ففي هذا الاجماع المنقول لا بدّ للمجتهد من السعي الكمي والكيفي من حيث مقدار دلالة لفظ الناقل سعة وضيقا أي يدلّ على اتفاق كل العلماء (رض) حتى الامام عليه‌السلام ، أو يدلّ على اتفاق جلّ الفقهاء ، أو يدلّ على اتفاق بعض العلماء وبعض الامّة هذا دلالة الألفاظ كمّا.

وامّا كيفا مثل دلالتها باتّفاق الكلّ ، أو اتفاق الجلّ ، أو البعض مطابقة وصراحة أو التزاما ضمنا مثلا ، ولا بدّ للمجتهد المحقّق المدقّق من ملاحظة حال الناقل أهو ضباط ورع جيّد الفهم سريع الذهن والادراك مستقيم الطبع متتبع كامل محقّق مدقّق قوي من حيث البضاعة العلمية أم ليس كذلك.

ولا بدّ من ملاحظة موضع نقل الاجماع المنقول أهو في الكتب المعتمدة عند الأصحاب أم هو مهمل في جملة منها.

فلا بدّ من لحاظ حال الناقل ومن لحاظ موضع النقل ومن ملاحظة ألفاظ النقل كي يتبيّن الحال وينكشف حال الاجماع من حيث الحجية وعدمها أي من حيث الكشف عن قول المعصوم عليه‌السلام ومن حيث عدم الكشف عنه ويعامل مع ذلك المقدار معاملة الاجماع المحصل إذا كان ناقل الاجماع فردا متتبعا.

٢١٤

مثلا : إذا نقل الناقل المتتبع رأي أربعين عالما مجتهدا في حكم من الأحكام فكأنّ المنقول إليه استكشف رأي الإمام عليه‌السلام وموافقة رأيه المبارك مع رأي الأربعين فقيها مثلا ، وإذا علم المنقول إليه ان الناقل تتبّع رأي الأربعين مجتهدا ولم يتتبع رأي الأربعين فقيها آخر في المسألة ، فالمنقول إليه يضمّ قولهم مع قولهم ، فقد حصل له الحدس برأي الإمام عليه‌السلام حينئذ مع انضمام سائر القرائن الدال على موافقة رأي المعصوم عليه‌السلام مع رأي المجمعين ، فالمعيار نظر المنقول إليه ، فإذا كان بنظره يكفي في موافقة رأي المعصوم عليه‌السلام وفي حدسه رأيه المبارك اتفاق أربعين فقيها فهو المطلوب ، وإلّا فلا اعتبار لهذا الاجماع الذي نقله الناقل.

وفي طبيعة الحال : فلا ينفع نقل الاجماع للمنقول إليه ما لم ينضمّ إلى الاجماع المنقول ما به تمّ هذا الاجماع الذي نقله الناقل والمتمّم عبارة عن أحد امور ثلاثة :

الأوّل : تحصيل المنقول إليه بنفسه الاجماع الذي هو كاشف عن قول المعصوم عليه‌السلام من أجل تتبعه قول المجتهدين في المسألة.

الثاني : نقل للمنقول إليه سائر الأقوال وإن كان هذا الناقل غير الناقل الأوّل ، مثلا : إذا نقل أحمد لمحمّد أقوال الأربعين مجتهدا في المسألة ، ونقل علي لمحمّد أقوال الأربعين مجتهدا آخر ، فقد حصل عند المنقول إليه قول العلماء المعاصرين ويحصل له الحدس برأي الإمام عليه‌السلام فيكون هذا الاجماع حجّة لأنّه كاشف عن قول المعصوم عليه‌السلام عند المنقول إليه.

الثالث : تحصيل المنقول إليه من أجل التتبّع والتفحّص التام بعض الامارات والقرائن بحيث إذا ضمّه إلى الاجماع المنقول بخبر الواحد لكان كافيا في استكشاف رأي المعصوم عليه‌السلام وفي الحدس عن قوله عليه‌السلام.

وامّا الامارات التي تكفي عن استكشاف رأيه المبارك فهي عبارة عن تحقيق الناقل في المسائل وتتبعه وورعه واحتياطه في الامور والمسائل والفتاوى ، مثلا : إذا

٢١٥

ادّعى الشيخ الأنصاري والمقدّس الأردبيلي والسيّد مهدي بحر العلوم والميرزا الكبير والميرزا النائيني قدس‌سرهم الاجماع في حكم من الأحكام فقد تحقّق للمنقول إليه ، كالمجتهد الآخر من قولهم الحدس برأي الإمام عليه‌السلام وإلّا فمجرّد الاجماع من حيث هو إجماع ليس بحجّة أصلا.

ولقد أجاد المحقّق قدس‌سره في المعتبر ، وامّا الإجماع عندنا حجّة بانضمام قول المعصوم عليه‌السلام ، وحينئذ فإذا فرضنا انّه خلى المائة من الفقهاء عن قول المعصوم عليه‌السلام لما كان إجماعهم حجّة وإذا فرضنا ان قوله عليه‌السلام قد حصل وتحقّق في ضمن قول اثنين مثلا ، بأن نحتمل احتمالا معتدّا به كون أحدهما الامام عليه‌السلام لكان هذا حجّة لكن لا بلحاظ اتفاقهما من حيث الاتفاق بل باعتبار قوله عليه‌السلام ، وكذا نقل صاحب المعالم قدس‌سره قول المحقّق قدس‌سره في المعالم.

قوله : فافهم ...

وهو إشارة إلى انّه إذا كان العلم بالمعنى الأعمّ الشامل للظنّ بوجود رأي الإمام عليه‌السلام في الاثنين ، أو الثلاثة كافيا في الحجية فكيف اشترط الأعلام والفحول قدس‌سرهم ، اتفاق الكلّ والجميع في الاجماع وفي كشفه عن قول المعصوم عليه‌السلام.

وفي ضوء هذا : فيشترط اتفاق الكلّ في الكشف عن قول الإمام الرئيس عليه‌السلام فاتفاق الاثنين من الفقهاء قدس‌سرهم في الكشف عن قوله عليه‌السلام مجرّد فرض واعتبار ليس لهما تحقّق الخارجي.

قوله : فتلخّص بما ذكر ان الاجماع المنقول بالخبر الواحد من جهة حكايته ...

فتلخّص بما ذكر من حجيّة الاجماع المنقول : إذا كان متضمّنا لنقل السبب والمسبّب عن حس.

وإذا كان نقل السبب حسّا مستلزما للمسبّب حدسا بنظر المنقول إليه امّا

٢١٦

تضمّنا كما في الاجماع الدخولي وامّا التزاما كما في الاجماع اللطفي ، فهذا الاجماع المنقول حجّة بشرط أن تثبت الملازمة العقلية ، أو الملازمة العادية عند المنقول إليه بين رأي الإمام عليه‌السلام ورأي المجمعين وأقوال العلماء قدس‌سرهم.

فأدلّة حجيّة أخبار الآحاد تشمل الاجماع المنقول حينئذ من حيث حجيّته امّا في صورة التضمّن فلكون نقل السبب والمسبب معا حسّا كما هو رأي القدماء قدس‌سرهم ، واحتجّوا على ذلك بأن الأرض لا تخلو عن حجّة الله تعالى طرفة عين ، وإلّا لساخت الأرض وأهلها كما في الرواية.

وعليه : فإذا أجمع علماء العصر على أمر من الامور الدينية فمن المسلّمات شركة الإمام الغائب الذي يكون موجودا فيما بينهم معهم.

فشرطية حجيّة الاجماع الدخولي أن يكون شخص مجهول النسب ، أو أشخاص مجهولة النسب موجودين فيما بينهم وإلّا فالإجماع يكون بلا أثر وبلا نتيجة.

وامّا حجيّته في صورة الالتزام فلكون نقل السبب عن حسّ مستلزما لنقل المسبّب في نظر المنقول إليه عقلا كما في الاجماع اللطفي ، إذ اتفاق علماء عصر الواحد في الفتوى الواحد إذا لم تكن موافقة لحكم الله الواقعي فيجب على الامام المعصوم عليه‌السلام الذي يكون حافظا للدين وضامنا لحفظه من طريق اللطف أن يظهر الخلاف بواسطة المخالف ، فإذا لم يوجد المخالف في البين فقد استكشفنا ان هذا الاتفاق على الفتوى مطابق لحكم الواقعي ؛ وامّا حجيّته في صورة الالتزام إذا رأى المنقول إليه الملازمة العادية بين رأي الإمام عليه‌السلام وبين رأي المجمعين ، فلكون الاجماع كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام حدسا كما في الاجماع الحدسي وهو رأي المتأخّرين قدس‌سرهم ، لأنّ اتفاق الأصحاب (رض) يكشف عن موافقته لرأي المعصوم عليه‌السلام ، إذ علم من سيرة الفقهاء (رض) خلفا عن سلف ان الأمر الذي

٢١٧

لا يكون مستندا إلى رأي الإمام عليه‌السلام فهم لا يتّفقون على ذلك أصلا فهذا الاجماع يدل على قول الإمام عليه‌السلام بالتضمّن أو بالالتزام.

فالأوّل كما في الاجماع الدخولي ، والثاني كما في الاجماع الحدسي كخبر الواحد في الحجية والاعتبار إذا كان المنقول إليه يرى الملازمة العقلية ، أو العادية بين رأيه عليه‌السلام وبين رأي العلماء قدس‌سرهم فاشتراط الملازمة المذكورة في صورة نقل السبب فقط.

وامّا إذا كان نقل السبب والمسبّب معا فلا يشترط حينئذ شيء ، إذ هو نقل قول المعصوم عليه‌السلام حسّا كما في الاجماع الدخولي ، أو حدسا كما في الاجماع الحدسي واللطفي.

والحاصل : ان نقل أقوال العلماء (رض) ، أو الامّة على نحو الجملة كما يقال : أجمع العلماء ، أو الفقهاء قدس‌سرهم ، ولا يقول ناقل الاجماع أجمع زيد المجتهد وعمر المجتهد وبكر المجتهد و ... والاجمال كأن يقال : اتفق العلماء على كذا ، فهذه الكلمة عبارة إجمالية عن قول يلازم كل العلماء عقلا ، أو عادة قول الإمام عليه‌السلام.

فإذا كان الاجماع كخبر الواحد في الاعتبار وفي الحكاية عن رأي المعصوم عليه‌السلام فتشمله أدلّة اعتبار الخبر من سيرة العقلاء وغيرها كما ستأتي إن شاء الله تعالى ، فينقسم الاجماع المنقول بأقسام الخبر من صحيح اعلائي إذا عدّل الناقل بعدلين وموثّق إذا كان الناقل ثقة بشهادة عدلين ، وحسن إذا كان الناقل إماميّا ممدوحا بين الناس ، وضعيف إذا كان معلوم الفسق ، أو كان مجهول الحال لم يعلم عدالته ولا فسقه ؛ ومسند إذا ذكر الناقل الوسائط بينه وبين المنقول عنه الأوّلي ، ومرسل إذا لم يذكر الناقل الوسائط بل أسقطها ويشارك الاجماع الخبر الواحد في أحكامه ولوازمه ، من وجوب العمل على وفقه والجري على طبقه ومن حكم تعارض الاجماع مع اجماع آخر كتعارض الخبر الواحد مع الخبر الآخر من

٢١٨

الرجوع إلى المرجّحات السندية ، أو الدلالية وبعد تساويهما من جميع الجهات الحكم هو التخيير ، أو التساقط كما سيأتي في بحث التعادل والتراجيح إن شاء الله تعالى.

هذا كلّه إذا يرى المنقول إليه الملازمة العقلية ، أو الملازمة العادية بين رأي المجمعين وبين رأي الإمام عليه‌السلام وإذا كان المنقول إليه لا يرى الملازمة المذكورة بينهما فيما إذا نقل الناقل السبب فحسب فلم يكن الاجماع المنقول مثل الخبر الواحد في الاعتبار والحجية من أجل الحكاية عن رأي المعصوم عليه‌السلام ، إذ لم ينقل الناقل قول الإمام الرئيس عليه‌السلام حينئذ تضمّنا ولا التزاما بنظر المنقول إليه ، فمن أين يجيء اعتبار هذا الاجماع.

وامّا إذا لم ينكشف الاجماع عن قول المعصوم عليه‌السلام حسّا ، أو كان الكشف عن قوله عليه‌السلام حدسا فإذا لم تكن الملازمة ثابتة في نظر المنقول إليه فهو ليس بحجّة ، وامّا بالنسبة بنقل السبب فينظر المنقول إليه إلى لفظ الناقل فيأخذ المنقول إليه بمقدار دلالته على اتفاق الكلّ ، أو على اتفاق الجلّ ، أو على اتفاق البعض فينضمّ المنقول إليه أقوال العلماء (رض) والقرائن على تقدير الأخيرين ، وهما اتفاق الجلّ والمعظم واتفاق البعض.

فمن المجموع يستكشف المنقول إليه قول المعصوم ورأي الإمام عليه‌السلام ولكن الاجماع المنقول جزء السبب وجزئه الآخر انضمام المنقول إليه أقوال العلماء بالاجماع المنقول فإذا تمّ السبب فقد انكشف قول الإمام الرئيس عليه‌السلام فتشمله أدلّة حجيّة الخبر ، إذ لا فرق في حجيّة الخبر الواحد بين نقل تمام السبب ، أو نقل جزء السبب ويشاركه في أحكامه من المنجزية عند الاصابة والمعذرية عند الخطأ ووجوب الموافقة وحرمة المخالفة ومن تعارض الاجماعين ، إذ تعارضهما كتعارض الخبرين في الأحكام.

٢١٩

وان لم يكن نقل الاجماع اللطفي والحدسي في نظر المنقول إليه مستلزما لرأي الإمام عليه‌السلام لا عقلا ولا عادة فلم يكن هذا الاجماع كخبر الواحد في الحجية والاعتبار وفي الحكاية عن قول المعصوم عليه‌السلام ، إذ ليس حينئذ كاشفا عن قول الإمام عليه‌السلام كما ان الكشف عن قوله عليه‌السلام ملاك حجيّته عند الإمامية ، ولا ريب في أن هذا البحث مربوط بالحكاية عن المسبب وهو رأي الإمام عليه‌السلام.

وامّا من جهة نقل السبب ، وهو أقوال العلماء (رض) ، فهو في الاعتبار والحجيّة بالنسبة إلى مقدار نقل من أقوال العلماء قدس‌سرهم ، نقلها الناقل إلى المنقول إليه على الاجمال كأن يقول أجمع العلماء ، أو اتفق الأصحاب وأمثالها.

فهذا مثل نقل أقوالهم على التفصيل في الاعتبار والحجيّة مع لحاظ حال الناقل من جهة كونه من أهل التبحّر والاطّلاع وانّه لا يعتمد على ظاهر كلمات العلماء (رض) ومشايخه في نقل الاجماع ، أو يعتمد على بعض الوجوه والقرائن التي يراها طريقا إلى فتوى جميع الأصحاب قدس‌سرهم في المسألة.

مثلا : إذا رأى الناقل فتوى الفاضلين ، وهما المحقّق الحلّي والعلّامة الحلّي قدس‌سرهما والشهيدين والمحقّق الثاني والميرزا الكبير الشيرازي والميرزا النائيني وصاحب الجواهر قدس‌سرهم ، في المسألة من المسائل فقد زعم الناقل ان رأي سائر العلماء قدس‌سرهم موافق لرأي هؤلاء المذكورين ، لحسن ظن الناقل بدقّة أنظارهم وشدّة احتياطهم في المسائل وشدّة ورعهم وكمال عدالتهم ، التي هي مانعة عن الاقتحام في الفتوى بلا دليل معتبر وحجّة معتبرة وهي عبارة عن قول المعصوم عليه‌السلام ، والمنقول إليه إذا انضمّ إلى قولهم سائر الأقوال والامارات والقرائن فقد حصل السبب التامّ حينئذ للكشف عن قول المعصوم عليه‌السلام فقد كان المجموع كاجماع المحصل فيترتّب على الاجماع المنقول أحكام الاجماع المحصّل من الحجية والاعتبار والكشف والمنجّزية والمعذرية ووجوب الموافقة وحرمة المخالفة.

٢٢٠