موسوعة أخلاق القرآن - ج ٥

الدكتور أحمد الشرباصي

موسوعة أخلاق القرآن - ج ٥

المؤلف:

الدكتور أحمد الشرباصي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الرائد العربي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٢١

أي منهم فريق معتدل لا يشتط ولا يسرف ، والكثرة مفسدة ظالمة مسرفة ، وان كثيرا منهم بعد ذلك في الارض لمسرفون.

وتفيد هذه الآية أن من أهل الكتاب أمة مقتصدة وهم المؤمنون ـ قيل كالنجاشي وسلمان وعبد الله بن سلام ـ اقتصدوا فلم يقولوا في عيسى ومحمد صلّى الله عليهما وسلم ما لا يليق بهما. وقد جاء في تفسير «المنار» عن الآية الماضية قوله :

«منهم أمة مقتصدة ، وكثير منهم ساء ما يعملون» أي منهم جماعة معتدلة في أمر الدين ، لا تغلو بالافراط ولا تهمل بالتقصير. قيل هم العدول في دينهم ، وقيل هم الذين أسلموا منهم. والمعتدلون لا تخلو منهم أمة ، ولكنهم يكثرون في طور صلاح الامة وارتقائها ، ويقلون في طور فسادها وانحطاطها. وهل تهلك الامم الا بكثرة الذين يعملون السوء من الاشرار وقلة الذين يعملون الصالحات من الاخيار ، وهؤلاء المعتدلون في الامم هم الذين يسبقون الى كل صلاح واصلاح يقوم به المجددون من الانبياء في عصورهم ، ومن الحكماء في عصورهم ، ولما جاء الاصلاح الاسلامي على لسان خاتم النبيين والمرسلين صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبله المقتصدون من أهل الكتاب ومن غيرهم ، فكانوا مع اخوانهم العرب من المجددين للتوحيد والفضائل والآداب ، والمحيين للعلوم والفنون والعمران ، فهل يعتبر المسلمون بذلك الآن ويعودون الى اقامة القرآن ، وأخذ الحكمة من حيث يجدونها ، وعدد الاصلاح والسيادة من حيث يرونها ، أم يفتأون بسلكون سنن من قبلهم في طور الفساد والافساد شبرا بشبر وذراعا بذراع ، ومنه الغرور بدينهم مع عدم اقامة كتابه والتبجح بفضائل نبيهم على تركهم لسننه وآدابه».

ومن مواطن ذكر فضيلة القصد في القرآن الكريم ما جاء في سورة النحل في قوله تبارك وتعالى :

١٨١

«وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ» (١).

والسبيل القاصد كما عرفنا هو الطريق المستقيم الذي لا ينحرف ولا يلتوي كأنه يقصد قصدا الى غايته في اعتدال وسداد ، بخلاف الطريق الجائر ، فهو المنحرف الذي لا يوصل الى الغاية ولا يقف عندها. ومعنى الآية أن الله سبحانه يبين الطريق المستقيم المعتدلة بالرسل والبراهين ـ وهي طريق الاسلام ـ ومن الطريق ما يكون جائرا ومنحرفا عن الحق فلا يهتدي به ، والمقصود بأهل الطريق الجائر والله أعلم هم أهل الاهواء المختلفة وأهل الكفر.

وجاء في سورة فاطر قوله تعالى :

«ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» (٢).

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : هذه الامة ثلاثة أثلاث يوم القيامة : ثلث يدخلون الجنة بغير حساب ، وثلث يحاسبون حسابا يسيرا ، وثلث يجيئون بذنوب عظام ، حتى يقول : ما هؤلاء ، وهو أعلم تبارك وتعالى ، فتقول الملائكة : هؤلاء جاءوا بذنوب عظام الا أنهم لم يشركوا بك ، فيقول الرب : أدخلوا هؤلاء في سعة رحمتي ، وتلا عبد الله هذه الآية :

__________________

(١) سورة النحل الآية ٩.

(٢) سورة فاطر ، الآية ٣٢.

١٨٢

«ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ...» (١)

وعن أبي سعيد الخدري كما في تفسير الطبري ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال في هذه الآية : «(ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ، ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات باذن الله) قال : هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة وكلهم في الجنة وعنى بقوله (الذين اصطفينا من عبادنا) : الذين اخترناهم لطاعتنا واجتبيناهم. وقوله (فمنهم ظالم لنفسه) يقول : فمن هؤلاء الذين اصطفينا من عبادنا ، من يظلم نفسه بركوبه المآثم واجترامه المعاصي ، واقترافه الفواحش (ومنهم مقتصد) وهو غير المبالغ في طاعة ربه ، وغير المجتهد فيما ألزمه من خدمة ربه ، حتى يكون عمله في ذلك قصدا (ومنهم سابق بالخيرات) وهو المبرز الذي قد تقدم المجتهدين في خدمة ربه وأداء ما لزمه من فرائضه ، فسبقهم بصالح الاعمال ، وهي الخيرات التي قال الله جل ثناؤه : (باذن الله) يقول : بتوفيق الله اياه لذلك».

ولقد أحس صاحب «ظلال القرآن» ان صدر هذه الآية يحوي كلمات جديرة بأن توحي لهذه الامة بكرامتها على الله ، كما توحي اليها بضخامة التبعة الناشئة عن هذا الاصطفاء وتلك الوراثة فقد أكرمها الله بالاصطفاء والجزاء ، والفريق الاول ولعله تقدم في الذكر لأنه كثير في العدد ، تزيد سيئاته في العمل على حسناته فهو ظالم لنفسه ، والثاني هو الوسط المقتصد الذي تتعادل سيئاته وحسناته ، والفريق الثالث سابق بالخيرات باذن الله ، تربي حسناته على سيئاته ، وفضل الله يشمل الجميع ، فكلهم ينتهي الى الجنة والى النعيم مع تفاوتهم في الدرجات ، وأعظم به من جزاء ومن ثواب : «جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب

__________________

(١) سورة فاطر ، الآية ٣٢.

١٨٣

ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير ، وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ، ان ربنا لغفور شكور ، الذي أحلنا دار المقامة من فضله ، لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب».

وكذلك تعرض الرازي المفسر ، فقد ذكر المراتب الثلاث ، وأورد أقوال العلماء في الظالم والمقتصد والسابق ، وجاء في هذه الاقوال ذكر المقتصد بالخير والتوسط ، ثم انتهى الرازي الى أن المختار عنده هو أن الظالم من خالف فترك أوامر الله ، وارتكب مناهيه ، فانه واضع للشيء في غير موضعه ، والمقتصد هو المجتهد في ترك المخالفة ، وان لم يوفق لذلك ، وندر منه ذنب وصدر عنه اثم فانه اقتصد واجتهد وقصد الحق ، والسابق هو الذي لم يخالف بتوفيق الله ويدل عليه قوله تعالى (باذن الله) أي اجتهد ووفق لما اجتهد فيه وفيما اجتهد فهو سابق بالخير ، يقع في قلبه فيسبق اليه قبل تسويل النفس ، والمقتصد يقع في قلبه فتردده النفس ، والظالم تغلبه النفس ونقول بعبارة أخرى من غلبته النفس الامارة وأمرته فأطاعها ظالم ، ومن جاهد نفسه فغلب تارة وغلب أخرى فهو المقتصد ، ومن قهر نفسه فهو السابق».

وفي سورة لقمان جاء قول القرآن :

«وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» (١).

تواضع في مشيك اذا مشيت ولا تستكبر ، ولا تستعجل ، بل اعتدل واتئد. والقصد في المشي يبين هنا المشية المعتدلة القاصدة التي تليق بالانسان وتنبغي له ، فالقصد من الاقتصاد ، وهو عدم الاسراف ،

__________________

(١) سورة لقمان ، الآية ١٩.

١٨٤

وعدم اضاعة الطاقة الحسية الجسمية في التبختر والاختيال والتثني. فينبغي أن تكون المشية قاصدة الى هدف ، لا تتلكأ ولا تتخايل ولا تتبختر ، بل تتجه الى غايتها ومقصدها في انطلاق واعتدال.

ولقد قالت سورة لقمان قبل الآية السابقة :

«وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً» (١).

وعدم ذلك قد يكون بضده ، وهو مشية المتماوت البطيء الذي يبدي من نفسه الضعف تزهدا ، ولذلك قال : واقصد في مشيك ، أي كن وسطا بين الطرفين المذمومين.

ولنلاحظ هنا أن القصد يكون في كثير من الامور : في التفكير ، وتكوين الرأي ، واصدار الحكم ، والعمل ، والقول ، والمشي ، والحركة ، والنوم ، والراحة ... الخ.

ويقول القرآن المجيد في سورة لقمان أيضا :

«وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ، وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ» (٢).

اذا غشي هؤلاء موج كالظلل فخافوا الغرق ، فزعوا الى الله بالدعاء والطاعة ، لا يشركون به هنالك شيئا ، ولا يدعون معه أحدا سواه ، ولا يستغيثون بغيره ، فلما نجاهم من الغرق والهلاك فمنهم مقتصد ، وهو

__________________

(١) سورة لقمان ، الآية ١٨.

(٢) سورة لقمان ، الآية ٣٢.

١٨٥

الذي على صلاح من الامر ، وما يكفر بآياتنا وحججنا الا كل غدار بعهده جحود للنعم.

* * *

وننتقل الى فضيلة القصد في السنة. ها هوذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الاقتصاد وحسن السمت والهدى الصالح جزء من بضع وعشرين جزءا من النبوة».

وقد ورد في مسند الامام أحمد بن حنبل هذه الجملة من حديث : «وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حسابا يسيرا». كما جاء فيه أيضا : «عليكم هديا قاصدا» أي طريقا معتدلا ، قالها ثلاث مرات.

وفي الحديث : «ما عال من اقتصد ولا يعيل» أي ما افتقر من لا يسرف في الانفاق ولا يقتر.

وجاء في صحيح البخاري : «القصد القصد تبلغوا» أي التزموا القصد.

وأخرج ابن ماجه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ برجل يصلي على صخرة ، فأتى ناحية ، فمكث ثم انصرف ، فوجده على حاله ، فقام فجمع يديه ثم قال : «أيها الناس عليكم القصد ، عليكم القصد».

وروى ابن حيان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّ على رهط من أصحابه وهم يضحكون ، فقال : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ، فأتاه جبريل فقال : ان ربك يقول : لا تقنط عبادي ، فرجع اليهم فقال : سددوا وقاربوا. ومعنى أمر النبي بالسداد والمقاربة أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث ميسرا مسهلا ، فأمر أمته بأن يقتصدوا في الامور ، لأن ذلك يقتضي الاستدامة عادة.

وفي البخاري : «سددوا وقاربوا ، واغدوا وروحوا ، وشيء من

١٨٦

الدلجة. والقصد القصد تبلغوا» أي الزموا الطريق الوسط المعتدل ، واقصدوا السداد وهو الصواب ، ولا تفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة ، لئلا يفضي بكم ذلك الى الملال فتتركوا العمل. والغدو السير أول النهار ، والرواح السير في النصف الثاني من النهار ، والدلجة سير الليل.

وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحب القصد في الحياة ، ويضرب في ذلك القدوة والاسوة : كان يحب القصد في الصلاة والخطبة ، فكانت صلاة رسول الله قصدا ، وكانت خطبته قصدا ، لا هي بالطويلة ولا هي بالقصيرة ، كما روى مسلم وابن حنبل.

وكان يحب القصد في الطعام ، وهو القائل عليه الصلاة والسّلام : «ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فان كان لا محالة ، فاعلا فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه».

أما بعد ، فألهمني الله واياك السداد في القول ، والرشاد في العمل ، والقصد في الحياة.

١٨٧

كف الأذى

مادة «الكفّ» تدل على القبض ، ومن ذلك كف الانسان لأنها تقبض على الشيء. ويقال : كففت فلانا عن الامر وكفكفته. وكف الانسان الشيء أي جمعه ، وكف الانسان عن الامر أي امتنع ، وكفكفت دمع العين أي منعته ، وكف يده عنه أي امتنع عن ايذائه.

وكف الاذى خلق من أخلاق القرآن الكريم ، وفضيلة من فضائل الاسلام العظيم ، وجانب من هدي الرسول عليه الصلاة والتسليم ، وقد روى ابن ماجه حديثا يقول : «لا ورع كالكف». والمراد من فضيلة الكف هو أن يمنع الانسان أذاه أيا كان ، في قول أو عمل أو تصرف ، وأن يحرص على ان يقدم الخير ، فان لم يستطع فعل الخير فلا أقل من منع الاذى وكف الشر ، وقد أشار القرآن المجيد الى هذا المعنى في قوله في سورة النساء :

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ» (١).

أي امنعوا أذاكم.

والكف عن الشر صفة من صفات الله تعالى ، وفي ذلك تكريم أي

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٧٧.

١٨٨

تكريم لهذه الفضيلة القرآنية ، فالله تعالى يقول في سورة النساء :

«فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً» (١).

فهو سبحانه الذي دفع شر الكافرين ، ومنع تطاولهم مرات كثيرة عن المؤمنين ، وهو الذي يضعف قوة الكافرين ، فلا يقدرون أن يعتدوا على المؤمنين.

ويقول الحق تعالى في سورة المائدة :

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ ، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ» (٢).

فالله تعالى هو الذي كف الاذى ، ومنع أولئك الاعداء عن الاعتداء ، وحال بينهم وبين الايذاء.

ويقول الله تعالى مخاطبا عيسى عليه‌السلام في سورة المائدة :

«وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ» (٣).

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٨٤.

(٢) سورة المائدة ، الآية ١١.

(٣) سورة المائدة ، الآية ١١٠.

١٨٩

أي دفعت شر بني اسرائيل عنك حين هموا بقتلك ، ومنعتهم أن يؤذوك.

وفي رسالة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم معنى كف الاذى ومنع الشر ، فالله تعالى يقول لرسوله في سورة سبأ :

«وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ» (١).

يقول الاصفهاني : أي كافا لهم عن المعاصي ، والهاء في الكلمة للمبالغة. ويقول الرازي : «فيه وجهان : أحدهما : كافة أي رسالة كافة ، أي عامة لجميع الناس ، تمنعهم من الخروج عن الانقياد لها. والثاني : كافة أي أرسلناك كافة ، تكف الناس من الكفر ، والهاء للمبالغة على هذا الوجه».

ويقول تعالى في سورة التوبة :

«وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» (٢).

قيل ان معناه : قاتلوهم كافين لهم كما يقاتلونكم كافين.

ويقول التنزيل في سورة النساء :

«سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ ، كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها ، فَإِنْ لَمْ

__________________

(١) سورة سبأ ، الآية ٢٨.

(٢) سورة التوبة ، الآية ٣٦.

١٩٠

يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً» (١).

فالقرآن هنا يوجه الى ما ينبغي من موقف الصرامة والشدة في وجوه أولئك المعتدين الخائنين ، الذين لا يكفون أيديهم عن العدوان والاعتداء. والقرآن هنا يدعو الى قتالهم والقضاء عليهم ، جزاء لمكرهم وغدرهم ، فاذا لم يمتنع هؤلاء عن ايذائكم ويمنعوا شرهم فقاتلوهم بلا هوادة.

* * *

والكف أنواع وألوان ، منها كف النفس عن خواطر السوء ، وكف العقل عن الريبة والشك والظن ، وكف اللسان عن كلمة الاذى ، وكف العين عن النظر الى الحرام ، وكف اليد والجوارح عن المعاصي ، وكف الغير بنهيه عن المنكر ودعوته الى الخير وأمره بالمعروف ، ولقد روى أبو داود والترمذي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انه قال : «اذكروا محاسن موتاكم ، وكفوا عن مساويهم». ولقد قلت في كتابي : «من أدب النبوة» هذه العبارة : «الحكمة في النهي عن سب الاموات بليغة عميقة ، فالانسان يجب أن يتعود لسانه الكلمة الطيبة ، وأن يحذر نهش الاعراض وأكل لحوم الناس ، وبخاصة الاموات ، لأنهم لا يملكون دفاعا عن أنفسهم ، ولا ردا على المفتريات التي توجه اليهم ، ولأنهم من جهة أخرى قد صاروا الى من بيده الحساب والثواب والعقاب ، ولذلك قال سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسّلام : «لا تسبوا الاموات فانهم افضوا الى ما قدموا».

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٩١.

١٩١

ومن حكمة هذا النهي أيضا اغلاق الباب دون ايذاء الاحياء ، فقد يسب الانسان شخصا مات فيغضب لذلك السب ابنه أو أخوه أو قريبه أو صديقه ، وقد أشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الى ذلك حيث قال : «لا تسبوا الاموات فتؤذوا به الاحياء».

ولقد روى الترمذي أن رسول الله صلوات الله وسلامه عليه قال : «انصر أخاك ظالما أو مظلوما».

قيل يا رسول الله ، ننصره اذا كان مظلوما ، فكيف ننصره اذا كان ظالما؟.

فقال رسول الله : «تكفه عن الظلم فذاك نصرك اياه». وهذا الكف من قبيل ما أشرنا اليه ، وهو كف الغير عن الاذى بطريق النهي عن المنكر.

وقد روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : اياكم والجلوس على الطرقات.

فقالوا : ما لنا بد ، انما هي مجالسنا نتحدث فيها.

قال : فاذا أتيتم الى المجالس فأعطوا الطريق حقها.

قالوا : وما حق الطريق؟.

قال : غض البصر ، وكف الاذى ، ورد السّلام ، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.

ونعود الى شرح هذا الحديث في كتابي «من أدب النبوة» (١) فنجده يقول : «الحق الثاني هو كف الاذى ، أي منع الاذى عن الناس ، سواء

__________________

(١) انظر كتابي «من أدب النبوة» ، صفحة ٢٨. نشر المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية ، طبع مطابع الاهرام التجارية ، سنة ١٩٧١ م.

١٩٢

أكان هذا الاذى من الجالس ، أو كان هناك أذى ويستطيع الجالس أن يزيله ، ولذلك قال الرسول : «لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة ، في شجرة قطعها من ظهر الطريق ، كانت تؤذي المسلمين». وقال أبو هريرة للنبي : يا رسول الله ، علمني شيئا انتفع به. قال : «اعزل الاذى عن طريق المسلمين». وروى الترمذي بسند حسن الحديث التالي : «واماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة».

وقد ذكر مسند الامام أحمد بن حنبل حديثا جاء فيه : «كف أذاك عن الناس» والاذى هنا قد يكون بالقول أو العمل أو الاشارة. كما ذكر المسند حديثا جاء فيه : «كف نفسك ويدك».

وروى أبو داود : «أفلح من كف يده».

وفي مسند ابن حنبل : «كفوا السلاح».

وروى ابن ماجه أن رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينصحه ، فأخذ النبي بلسانه ، وقال له : «تكف عليك هذا». كما جاء في الحديث : «كف لسانك الا من الخير».

وقد ذكر ابن الاثير عبارة وردت في الحديث تقول : «يكف ماء وجهه» أي يصونه ويجمعه عن بذل السؤال ، وقد يوضح هذا ما رواه البخاري عن الزبير بن العوام رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لأن يأخذ أحدكم حبله ، فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره فيبيعها ، فيكف الله بها وجهه ، خير له من أن يسأل الناس : أعطوه أو منعوه».

ويتعرض القشيري على طريقته الخاصة به لتفسير قوله تعالى : ألم تر الى الذين قيل لهم» فقال : «أخرجوا أيديكم عن أموركم ، وكلوها الى معبودكم ، ويقال : اقصروها عن أخذ الحرام والتصرف فيه. ويقال :

١٩٣

امتنعوا عن الشهوات. ويقال : كفوا أيديكم الا عن رفعها الى الله في السؤال بوصف الابتهال».

أما بعد فان ديدن المسلم هو أن يصون نفسه وغيره من الاذى مهما كان نوعه أو قدره ، وان بعض الناس تضيق بهم جنبات الحياة ، ويضيق بهم الاحياء من سوء أقوالهم وأعمالهم ، ومن أذاهم الذي يبسطونه على الناس ، تارة بألسنتهم ، وتارة بأعمالهم ، وتارة باحتقارهم ، الى غير ذلك من ألوان الاذى ، فليحرص المؤمن على أن يعيش في الحياة كالعافية ، ان لقيها الناس فرحوا بها ، وان غابت عنهم حنوا اليها وتمنوا لقاءها.

وعلى الله قصد السبيل.

١٩٤

التأويب

تقول اللغة : آب الرجل يؤوب ايابا ، والمآب المصدر ، والأوب ، الاستقامة والقصد ، وجاؤوا من كل أوب ، أي من كل طريق وناحية ، ويقال : أنا على أوب فلان أي طريقته ، والأوبة والتأويب : الرجوع ، ويقال : آب الرجل اذا رجع ، وأوّب تأويبا ـ بتشديد الواو المفتوحة : رجّع ، فهو أوّاب ، والأوّاب : صفة مدح للرجّاع عن كل ما يكرهه الله الى ما يحبه ، وقيل الأواب كالتوّاب : الراجع الى الله تعالى بترك المعاصي وفعل الطاعات ، ومنه قيل للتوبة : أوبة.

والتأويب في مجالنا هذا خلق من أخلاق القرآن الكريم ، وفضيلة من فضائل الاسلام العظيم ، وجانب من هدي الرسول عليه الصلاة والتسليم.

وقد ذكر القرآن الكريم فضيلة التأويب في أكثر من موطن ، وتوّج هذه المواطن باخبارنا أن التأويب من أخلاق الانبياء والمرسلين ، ويا لها من مكانة. هاهوذا القرآن يقول في سورة «ص» هذه الآية :

«وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ» (١).

__________________

(١) سورة ص ، الآية ١٧.

١٩٥

أي ان داود رجّاع عما يكرهه ربه من الذنوب ، الى ما يرضيه من الطاعات ، وقد كان داود مطيعا لله كثير الصلاة ، وكان كثير الرجوع الى الله في أموره كلها.

ويقول القرآن الكريم في السورة نفسها :

«وَوَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ» (١).

أي انه رجّاع الى طاعة الله ، في النعمة بالشكر وفي المحنة بالصبر ، وقال بعض المفسرين : ان الأواب هنا معناه التائب المسبح ، الذي يذكر ذنبه في الخلاء فيستغفر الله منه ، أو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب.

وقد أشار الرازي الى أن قوله تعالى في الآية السابقة : «انه أواب» كالتعليل ، فهو يدل على أنه انما كان نعم العبد لأنه كان أوّابا ، فيلزم أن كل من كان كثير الرجوع الى الله تعالى في أكثر الاوقات وفي أكثر المهمات ، كان موصوفا بأنه العبد ، وهذا هو الحق الذي لا شبهة فيه ، لأن كمال الانسان في أن يعرف الحق لذاته ، والخير لأجل العمل به ، ورأس المعارف ورئيسها معرفة الله تعالى ، ورأس الطاعات ورئيسها الاعتراف بأنه لا يتم شيء من الخيرات الا باعانة الله تعالى ، ومن كان كذلك كان كثير الرجوع الى الله تعالى ، فكان أوّابا ، فثبت أن كل من كان أوّابا وجب أن يكون نعم العبد.

ويقول القرآن المجيد في سورة «ق» :

«وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ، هذا ما تُوعَدُونَ

__________________

(١) سورة ص ، الآية ٣٠.

١٩٦

لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ» (١).

فوعد الله بالجنة يكون لكل راجع عن معصية الله لطاعته ، واذا ذكر الله في الخلاء ذكر ذنوبه فاستغفر منها ، وهو حفيظ على فرائض الله وما استودعه من حقه ونعمته.

يقول الطبري في تفسير الآية : «وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال : ان الله تعالى ذكره وصف هذا التائب الأواب بأنه حفيظ ، ولم يخص به حفظ نوع من أنواع الطاعات دون نوع ، فالواجب أن يعم كما عمم جل ثناؤه ، فيقال : هو حفيظ لكل ما قربه من ربه من الفرائض والطاعات ، والذنوب التي سلفت منه للتوبة منها والاستغفار.

وقد ذكرت الآيات هنا أن الاواب من صفاته أنه من خاف عقاب الذي وسعت رحمته كل شيء وهو غائب عنه لم يره ، وجاء في الآخرة بقلب راجع اليه تعالى.

وقال الفخر الرازي في تفسير الأوّاب الحفيظ في الآية السابقة هذه هذه العبارة : «والأوّاب الرجّاع ، قيل هو الذي يرجع من الذنوب ويستغفر ، والحفيظ الحافظ الذي يحفظ توبته من النقض. ويحتمل أن يقال : الاوّاب هو الرّجاع الى الله بفكره ، والحفيظ الحافظ الذي يحفظ في ذكره ، أي يرجع اليه بالفكر ، فيرى كل شيء واقعا به وموجودا منه ، ثم انتهى اليه حفظه بحيث لا ينساه عند الرخاء والنعماء. والاواب والحفيظ كلاهما من باب المبالغة ، أي يكون كثير الاوب شديد الحفظ. وفيه وجوه أخر أدق ، وهو أن الاواب هو الذي رجع عن متابعة هواه في الاقبال على ما سواه ، والحفيظ هو الذي اتقى الشرك والتعطيل ، ولم ينكره ولم يعترف بغيره ، والاواب هو

__________________

(١) سورة ق ، الآية ٣١ ـ ٣٣.

١٩٧

الذي لا يعترف بغيره ، ويرجع عن كل شيء غير الله تعالى ، والحفيظ هو الذي لم يرجع عنه الى شيء مما عداه».

وقال القرآن الكريم في سورة الاسراء :

«رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً» (١).

أي الله مطلع على نفوسكم ، فان كنتم برآء عن جهات الفساد في أحوال قلوبكم ، وكنتم أوابين أي رجاعين الى الله منقطعين اليه في كل الاعمال ، فسنة الله تعالى وحكمه في الاوابين انه غفور لهم ، يكفر عنهم سيئاتهم ، لأن الاواب من عادته وديدنه الرجوع الى الله تعالى ، والالتجاء الى فضله ، ولا يلتجىء الى شفاعة شفيع كما يفعل المشركون الذين يعبدون من دون الله جمادا يزعمون أنه يشفع لهم ، بل هو يداوم على الرجوع الى ربه.

وجاء في تفسير القرطبي ان الله تعالى وعد بالغفران مع شرط الصلاح ، والاوبة بعد الاوبة الى طاعة الله سبحانه وتعالى ، وأورد أقوالا في معنى الاواب فنقل عن سعيد بن المسيب أنه هو العبد يتوب ثم يذنب ثم يتوب ثم يذنب. وعن ابن عباس ان الاواب هو الحفيظ الذي اذا ذكر خطاياه استغفر منها. وعن عبيد بن عمير : الاوابون هم الذين يذكرون ذنوبهم في الخلاء ثم يستغفرون الله عزوجل.

* * *

وقد أشارت السنة المطهرة الى فضيلة التأويب في أكثر من موطن ،

__________________

(١) سورة الاسراء : الآية ٢٥.

١٩٨

فجاء من دعاء السفر في الحديث : «توبا توبا لربنا أوبا» أي توبا راجعا مكررا.

وروى البخاري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان اذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الارض ثلاث تكبيرات ثم يقول : لا اله الا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، آيبون ، تائبون ، عابدون ، ساجدون ، لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الاحزاب وحده.

وعرفنا عن طريق السنة «صلاة الاوابين» وهي صلاة الضحى عند ارتفاع النهار وشدة الحر. وقد روى السيوطي في الجامع الصغير حديثا صحيحا يقول : «صلّ الصبح والضحى فانها صلاة الاوابين». وروى مسلم : «صلاة الاوابين حين ترمض الفصال» وكلمة «ترمض» بفتح فسكون ففتح ، والفصال بكسر الفاء ، وهي أن تحمى الرمضاء ، والرمضاء هي الرمل ، والفصال هي الجمال ، وانما تحمى الرمضاء من شدة الحر ، مما يحرق أخفاف الابل فتبرك حينئذ.

وقد روى ابن المبارك في الرقائق من رواية ابن المنذر الحديث التالي مرسلا عن صلاة الاوابين : «من صلى بين المغرب والعشاء فانها صلاة الاوابين» وزكّى الغزالي في «الاحياء» هذا القول بحديث عبد الله بن عمر : «من عكف نفسه بين المغرب والعشاء لم يتكلم الا بصلاة أو بقرآن ، كان حقا على الله أن يبني له قصرين في الجنة ، مسيرة كل قصر منهما مائة عام ، ويغرس له بينهما غراسا لو طافه أهل الارض لوسعهم».

وقد تحدث الغزالي عن صلاة الضحى ـ صلاة الاوابين ـ في كتابه «الاحياء» ، وهو يذكر رواتب الصلوات فقال : «السابعة صلاة الضحى ، فالمواظبة عليها من عزائم الافعال وفواضلها ، أما عدد ركعاتها فأكثر ما نقل فيه ثمان ركعات ، روت أم هانىء أخت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما

١٩٩

أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلى الضحى ثمان ركعات اطالهن وحسنهن ، ولم ينقل هذا القدر غيرها. فأما عائشة رضي الله عنها فانها ذكرت أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلي الضحى ويزيد ما شاء الله سبحانه. فلم تحدد الزيادة ، أي أنه كان يواظب على الاربعة ، ولا ينقص منها ، وقد يزيد زيادات. وروي في حديث مفرد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلي الضحى ست ركعات.

وأما وقتها فقد روى علي رضي الله عنه أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصلي الضحى ستا في وقتين : اذا أشرقت الشمس وارتفعت قام وصلى ركعتين ، وهو أول الورد الثاني من أوراد النهار كما سيأتي ، واذا انبسطت الشمس ، وكانت في ربع السماء من جانب الشرق صلى أربعا. فالاول انما يكون اذا ارتفعت الشمس قيد نصف رمح ، والثاني اذا مضى من النهار ربعه بازاء صلاة العصر ، فان وقته أن يبقى من النهار ربعه ، والظهر على منتصف النهار ، ويكون الضحى على منتصف ما بين طلوع الشمس الى الزوال ، كما أن العصر على منتصف ما بين الزوال الى الغروب ، وهذا أفضل الاوقات ، ومن وقت ارتفاع الشمس الى ما قبل الزوال وقت للضحى على الجملة».

وعاد الغزالي الى الحديث عنها حينما تحدث عن وظيفتي ربع النهار الاول فقال : «احداهما : صلاة الضحى ، وقد ذكرناها في كتاب الصلاة ، وأن الاولى أن يصلي ركعتين عند الاشراق ، وذلك اذا انبسطت الشمس وارتفعت قدر نصف رمح ، ويصلي اربعا أو ستا أو ثمانيا اذا رمضت الفصال ، وضحيت الاقدام بحر الشمس ، فوقت الركعتين هو الذي أراد الله تعالى بقوله : «يسبحن بالعشيّ والاشراق» فانه وقت اشراق الشمس ، وهو ظهور تمام نورها ، بارتفاعها عن موازاة البخارات والغبارات التي على وجه الارض ، فانها تمنع اشراقها التام».

٢٠٠