موسوعة أخلاق القرآن - ج ٥

الدكتور أحمد الشرباصي

موسوعة أخلاق القرآن - ج ٥

المؤلف:

الدكتور أحمد الشرباصي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الرائد العربي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٢١

ويقول التنزيل المجيد في سورة آل عمران :

«شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (١).

فالله جل جلاله يقوم باجراء الامور وتدابير الخلق وجزاء الاعمال بالعدل.

وقد جاء في «تفسير المنار» أن المعنى أنه تعالى شهد هذه الشهادة قائما بالقسط وهو العدل في الدين والشريعة. وفي الكون والطبيعة ، فمن الاول تقرير العدل في الاعتقاد ، كالتوحيد الذي هو وسط بين التعطيل والشرك ، ومن الثاني جعل سنن الخليقة في الاكوان والانسان الدالة على حقية الاعتقاد قائمة على أساس العدل ، فمن نظر في هذه السنن ونظامها الدقيق يتجلى له عدل الله العام ، فالقيام بالقسط على هذا من قبيل التنبيه الى البرهان على صدق شهادته تعالى في الآفاق والانفس ، لأن وحدة النظام في هذا العدل تدل على وحدة واضعه.

كذلك أحكامه تعالى في العبادات والآداب والاعمال مبنية على أساس العدل بين القوى الروحية والبدنية ، وبين الناس بعضهم مع بعض.

واذ قد تجلى لك صدق الشهادة ، فمن واجبك أن تقر بها مرددا : «لا اله الا هو العزيز الحكيم» تفرد بالالوهية وكمال العزة والحكمة ، فلا يغلبه أحد على ما قام به من سنن القسط ، ولا يخرج منها شيء عن مقتضى الحكمة البالغة.

والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مأمور من ربه بأن يكون خير الناس

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٨.

١٢١

في التحلي بفضيلة القسط ، فيقول الحق جل جلاله في سورة المائدة :

«وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (١).

والمقسطون هم المقيمون للقسط بالحكم به أو الشهادة أو غير ذلك.

وقد روى الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان قريظة وبنو النضير ، وكان النضير أشرف من قريظة ، وكان اذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة ودى مائة وسق من تمر فلما بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قتل رجل من النصير رجلا من قريظة فقالوا : ادفعوه الينا لنقتله ، فقالوا : بيننا وبينكم النبي صلّى الله عليه وسلّم ، فنزل قوله تعالى : «وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط».

والله جل جلاله قد دعا الى القسط وحب عليه ، فقال في سورة الاعراف :

«قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ» (٢).

أي بالاعتدال في الامور كلها ، وهو الوسط بين الافراط والتفريط.

وقال الحق سبحانه في سورة النساء :

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٤٢.

(٢) سورة الاعراف ، الآية ٢٨.

١٢٢

غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً» (١).

يذكر «تفسير المنار» ان القوامين بالقسط هم الذين يقيمون العدل بالاتيان به على أكمل الوجوه وأدومها ، وذلك لأن القوام هو المبالغ في القيام بالشيء ، والقيام بالشيء هو الاتيان به مستويا تاما بلا نقص ولا عوج ، ومن بنى جدارا لا يقال انه أقامه مهما أطاله. والقرآن يقول :

«فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ» (٢).

وانما احتاج الجدار الى الاقامة لأنه كان مائلا متداعيا للسقوط.

وكونوا قوامين بالقسط : أي لتكن المبالغة والعناية باقامة القسط على وجهه صفة من صفاتكم ، بأن تتحروه بالدقة التامة ، حتى يكون ملكة راسخة في نفوسكم. والقسط يكون في العمل كالقيام بما يجب من العدل بين الزوجات والاولاد ، ويكون في الحكم بين الناس ممن يوليه السلطان ، أو يحكمه الناس فيما بينهم.

وكان ينبغي ـ كما يقول صاحب المنار ـ أن يكون المسلمون بمثل هذه الهداية أعدل الامم وأقومهم بالقسط ، وكذلك كانوا مهتدين بالقرآن ، وصدق على سلفهم قوله تعالى :

«وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» (٣).

ثم خلف من بعد أولئك السلف خلف نبذوا هداية القرآن وراء

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٣٤.

(٢) سورة الكهف ، الآية ٧٧.

(٣) سورة الاعراف ، الآية ١٨١.

١٢٣

ظهورهم ، حتى صارت جميع الامم تضرب المثل بظلم حكامهم وسوء حالهم ، وتفخر عليهم بالعدل.

ويقول التنزيل المجيد في سورة المائدة :

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» (١).

كونوا قوامين بحق الله عليكم ، واشهدوا بالحق من غير ميل الى أقاربكم ، أو حيف على اعدائكم ، ولا يحملنكم البغض على الدخول في جريمة الظلم ، لأن كراهيتكم لبعض الناس قد تؤدي بكم الى ترك العدل ، مع أن كفر الكافر لا يمنع العدل معه. والرسول عليه الصلاة والسّلام يقول : «أد الامانة الى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك».

ويعود «تفسير المنار» ليبين ان الشهادة بالقسط معروفة ، وهي أن تكون بالعدل ، دون محاباة مشهود له ، ولا مشهود عليه ، لا لقرابته وولائه ، ولا لماله وجاهه ، ولا لفقره ومسكنته ، فالشهادة هنا عبارة عن اظهار الحق للحاكم ليحكم به ، أو اظهاره هو اياه بالحكم به ، أو الاقرار به لصاحبه.

والقسط هو ميزان الحقوق ، متى وقعت فيه المحاباة والجور لأي سبب أو علة من العلل ، زالت الثقة من الناس ، وانتشرت المفاسد وضروب العدوان بينهم ، وتقطعت روابطهم الاجتماعية ، وصار بأسهم بينهم شديدا ، فلا يلبثون أن يسلط الله عليهم بعض عباده الذين هم أقرب الى اقامة العدل

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية ٨.

١٢٤

والشهادة بالقسط منهم ، فيزيلون استقلالهم ، ويذيقونهم وبالهم ، وتلك سنة الله التي شهدناها في الامم الحاضرة ، وشهد بها تاريخ الامم الغابرة ، ولكن الجاهلين الغافلين لا يسمعون ولا يبصرون ، فأنى يعتبرون ويتعظون.

ويقول الله عز شأنه في سورة النساء :

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ» (١).

أي ليتكرر منكم القيام بالقسط ، في شهادتكم على أنفسكم ، ثم ذكر الوالدين لوجوب برهما وعظم قدرهما ، ثم ثنى بالاقربين اذ هم مظنة المودة والتعصب ، فكان الاجنبي من الناس أحرى أن يقام عليه بالقسط ويشهد عليه ، وقوله : شهداء لله ، أي لذات الله ولوجهه ، ولمرضاته وثوابه ، دون ميل أو اتباع للهوى فانه مهلك.

ويقول القرآن الحكيم في سورة الانعام :

«وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ» (٢).

بينت كلمة القسط أن الايفاء يجب أن يكون من الجانبين ، أي أوفوا مقسطين أو ملابسين للقسط ، وهذا يقتضي طرفين يقسط بينهما ، فدل على أن الانسان يجب عليه أن يرضى لغيره ما يرضاه لنفسه.

ويذكر القرطبي أن الايفاء يكون بالاعتدال في الاخذ والعطاء ، عند البيع والشراء ، في حدود الطاقة وقدرة البشر ، وما لا يمكن التحرز عنه من تفاوت بين الكيلين ، ولا يدخل تحت قدرة البشر فمعفو عنه.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٣٥.

(٢) سورة الانعام ، الآية ١٥٢.

١٢٥

وقال بعض العلماء : لما علم الله سبحانه من عباده أن كثيرا منهم تضيق نفسه عن أن تطيب للغير بما لا يجب عليها أمر المعطي بايفاء رب الحق الذي هو له ، ولم يكلفه الزيادة عليه من ضيق نفسه بها ، وأمر صاحب الحق بأخذ حقه ، ولم يكلفه الرضى بأقل منه ، لما في النقصان من ضيق نفسه.

وفي موطأ مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه عن عبد الله بن عباس أنه قال : ما ظهر الغلول في قوم قط الا ألقى الله في قلوبهم الرعب ، ولا نشأ الزنى في قوم الا كثر فيهم الموت ، ولا نقص قوم المكيال والميزان الا قطع عنهم الرزق ، ولا حكم قوم بغير الحق الا نشأ فيهم الدم ، ولا حقّر قوم بالعهد الا سلط عليهم الله العدو.

وقد أكد رسول الله شعيب هذه الدعوة الى قومه أهل مدين ، فقال القرآن المجيد على لسانه في سورة هود : «يا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط».

ويقول الله تعالى في سورة آل عمران :

«إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ» (١).

ذكر بعض المفسرين أن ناسا من بني اسرائيل جاءهم النبيون يدعونهم الى الله عزوجل فقتلوهم ، فقام أناس من بعدهم من المؤمنين يأمرونهم بالاسلام فقتلوهم ، فنزلت الآية.

وقد روي عن ابن مسعود قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«بئس القوم قوم يقتلون الذين يأمرون بالقسط بين الناس ، بئس القوم

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٢١.

١٢٦

قوم لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، بئس القوم قوم يمشي المؤمن بينهم بالتقية».

ويذكر تفسير المنار أن الذين يأمرون بالقسط هم الحكماء الذين يرشدون الناس الى العدالة العامة في كل شيء ويجعلونها روح الفضائل وقوامها ، ومرتبتهم في الهداية والارشاد تلي مرتبة الانبياء ، وأثرهم في ذلك يلي أثرهم ، ذلك أن جميع طبقات الناس تنتفع بهدي الانبياء ، كل صنف بقدر استعداده ، وأما الحكماء فلا ينتفع بهم الا بعض الخواص المستعدين لتلقي الفلسفة.

ألم تر كيف اصطلم التوحيد وثنية العرب في مدة قليلة بدعوة النبي عليه الصلاة والسّلام ، وكيف عجزت دعوة فلاسفة اليونان الى التوحيد عن مثل ذلك أو ما يقاربه ، فلم يستجب لهم فيها في الزمن الطويل الا قليل من طلاب الفلسفة.

ذلك بأن دعوة النبي على ما تختص به من التأييد الالهي ، وتأثير روح الوحي ، لها ثلاثة مظاهر بينها الله تعالى في قوله :

«ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ، وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (١).

فالحكمة ما يدعى به العقلاء وأهل النظر من البراهين والحجج ، والموعظة الحسنة ما يدعى به العوام السذج ، والجدل بالتي هي أحسن للمتوسطين الذين لم يرتقوا الى الاستعداد لطلب الحكمة ولا ينقادون الى الموعظة بسهولة ، بل يبحثون بحثا ناقصا ، فلا بد من الحسنى في مجادلتهم ومخاطبتهم على قدر عقولهم.

__________________

(١) سورة النحل ، الآية ١٢٥.

١٢٧

وأما الحكماء فان لهم طريقة واحدة في الدعوة الى الحق والفضيلة مبنية على طلب العدل في الافكار. والاخلاق. وقد يكون الحكيم الذي يدعو الى ذلك متدينا ، ويجري في الاقناع على الطريقة المذكورة آنفا ، وقد يكون غير متدين ، وهو مع ذلك يدعو الى القسط والعدل عن طريق العقل ، بحسب ما وصل اليه علمه مع الصدق والاخلاص.

والاقدام على قتل هؤلاء دليل على غمط العقل ومقت العدل ، وأقبح بذلك جرما ، وكفى به اثما.

وهناك أناس أولى بالقسط من غيرهم ، كاليتامى الذين يستحقون مزيدا من الرعاية والعناية ، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى :

«وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً» (١).

أي عليكم أن تعنوا عناية خاصة بتحري القسط مع اليتامى على أتم الوجوه وأكملها ، بل ينبغي أن يعامل اليتيم بالفضل لا بمجرد العدل ، ولمعاملة اليتيم ثلاث درجات : الاولى درجة الحرام وهو هضم أي حق من حقوقه ، والثانية القيام له بالقسط ، وألا يظلمه أحد في حقه ، والثالثة الزيادة بالفضل والاكرام.

ويقول الله تعالى في سورة النساء :

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٢٧.

١٢٨

«وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» (١).

روى مسلم عن عروة عن عائشة في هذه الآية قالت : يا ابن اختي ، هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله ، فيعجبه مالها وجمالها ، فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها ، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ، فنهى الله تعالى أن ينكحوهن الا أن يقسطوا لهن ، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.

هذا ، ويقول سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه : «المقسطون في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة بين يدي الرحمن عزوجل بما أقسطوا في الدنيا».

اللهم اكتب لنا بفضلك وكرمك أن نكون من المقسطين.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ٣.

١٢٩

النصيحة

تقول لغة العرب ـ وهي لغة القرآن ـ النصح هو تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه ، وهو من قولهم : نصحت له الود أي أخلصته ، وناصح العسل خالصه. يقال نصحه ونصح له أي تحرى ما ينبغي له وما يصلح ، وأراد له الخير ، وأخلص له في تدبير أمره. ونصح العبد لله أي وقف عند ما أمر وما نهى ، وفعل محابه وتجنب مساخطه. ونصح للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : صدق نبوته والتزم ما جاء به ، وتخلّق بأخلاقه بقدر طاقته. ونصح لنفسه : تجنب ما يؤذيها في الدنيا والآخرة.

والنصيحة خلق من أخلاق القرآن الكريم ، وجانب من هدي الرسول الكريم ، وفضيلة من فضائل الاسلام العظيم. فالمؤمن من شأنه أن يحب الخير لنفسه وأخيه ، وتجده دائما فيه نزعة الخير التي تدفعه الى التوجيه والنصح ، ليشيع الخير ويسود التعاون على البر ، فهو يدعو الى الخير ، ويأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، والقرآن الكريم يقول في سورة آل عمران :

«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ، يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ، وَيَأْمُرُونَ

١٣٠

بِالْمَعْرُوفِ ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (١).

وحسب فضيلة النصيحة علوا وشرفا أنها صفة من صفات الانبياء ، وفضيلة من فضائل الرسل عليهم الصلاة والسّلام وهم النماذج العليا للبشرية ، فهذا نوح عليه‌السلام يقول لقومه كما جاء في سورة الاعراف :

«أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ» (٢).

أي أبلغكم ما أرسلني الله تعالى به اليكم من علم وحكمة ، وأنصح لكم ، أي أخلص لكم فيما أعظكم به من الترغيب والترهيب ، والوعد والوعيد ، وأنا على علم أوحاه الله اليّ ، وأنتم لا تعلمون من هذا العلم شيئا ، فاذا نصحت لكم ، وأنذرتكم سوء العاقبة من كفركم واجرامكم ، وحذرتكم نقمة الله وعذابه ، فانما أنصح لكم عن علم ويقين. وهذا هود عليه‌السلام يقول لقومه كما في سورة الاعراف :

«أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ» (٣).

أي أبلغكم التكاليف التي أرسلت بها ، وأنا لكم ناصح فيما أبلغكم اياه ، وأدعوكم اليه لأن فيه سعادتكم ، وأنا أمين في نقله عن الله اليكم ، فأنا ليس من طبعي ولا من شأني أن أكذب ، فكيف أكذب على الله سبحانه وتعالى.

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ١٠٤.

(٢) سورة الاعراف ، الآية ٦٢.

(٣) سورة الاعراف ، الآية ٦٨.

١٣١

وهذا صالح عليه‌السلام يقول أيضا لقومه كما جاء في سورة الاعراف :

«فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ» (١).

وكذلك أهل الفساد يضيقون ذرعا بالناصحين لهم ، ولا يحبونهم ، وقد يعادونهم ويناصبونهم العداوة ، لأن طعم النصح مر ، وقد يتضمن تكليف الانسان الاقلاع عن شهوة من الشهوات ، أو ترك لذة من الملذات ، وهذا صعب في العادة على النفس الامارة بالسوء الا من رحم الله.

وهذا شعيب عليه‌السلام يقف من قومه الموقف نفسه كما جاء في سورة الاعراف :

«فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ» (٢).

انني يا قوم قد أبلغتكم ما أرسلني الله به اليكم من العقائد والمواعظ ، والاحكام والآداب ، ونصحت لكم بما بينته من معانيها ، والترغيب فيها ، وانذار عاقبة الكفر بها ، فكيف أحزن على قوم عصاة أعذرت اليهم ، وبذلت جهدي في سبيل هدايتهم ، فأبوا الا الكفران.

ويقول الحق تبارك وتعالى :

«لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ

__________________

(١) سورة الاعراف ، الآية ٧٩.

(٢) سورة الاعراف ، الآية ٩٣.

١٣٢

لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ، إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (١).

ليس على الضعفاء الذين لا يقوون على الجهاد ، كالشيوخ والعجزة والزمنى ، ولا على الفقراء الذين لا يجدون مالا ينفقون منه على أنفسهم ، ليس على هؤلاء تضييق في حكم الشرع يعدون به مذنبين ، ولا اثم عليهم في القعود عن الواجب ، اذا أخلصوا لله تعالى في الايمان ، وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الطاعة وأداء الامانة بالقول والعمل ، ولا سيما الذي تقتضيه حالة الحرب ، فان النصيحة هي ما يصلح به الشيء ، ويكون خاليا من الغش والخلل.

والنصح لله وللرسول هنا هو كل ما فيه مصلحة الامة ، ولا سيما المجاهدين منها ، مثل كتمان الاسرار ، والحث على البر ، ومقاومة الخيانة في السر والجهر. فكل ناصح لله ولرسوله محسن ، لا سبيل الى مؤاخذته وايقاعه في الحرج.

وينبغي أن نفهم أنه لا فائدة من النصح دون استعداد للتلقي ولذلك نرى نبي الله نوحا يقول لقومه كما جاء في سورة هود :

«وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (٢).

وقد مضت سنة الله تعالى ـ كما جاء في تفسير المنار ـ أن نفع النصح له شرطان أو طرفان ، هما الفاعل للنصح والقابل له ، وانما يقبله المستعد

__________________

(١) سورة التوبة ، الآية ٩١.

(٢) سورة هود ، الآية ٣٤.

١٣٣

للرشاد ، ويرفضه من غلب عليه الغيّ والفساد ، بمقارفة أسبابه من الغرو بالغنى والجاه ، والكبر وهو غمط الحق ، واحتقار المتكبر لمن يزدري من الناس ، وتعصبه لما كان عليه الآباء والاجداد ، واتباع الهوى وحب الشهوات المانعة من طاعة الله. فمعنى ارادة الله تعالى لاغوائهم اقتضا سنتهم فيهم أن يكونوا من الغاوين ، لا خلقه للغواية فيهم جزافا أنفا (بضمتين) أي ابتداء بغير عمل ولا كسب منهم لاسبابها ، فان هذا مضاد لمذهب أهل السنة في اثبات خلق الأشياء مقدرة بأقدارها ، ترتبط أسبابها بمسبباتها.

ومعنى قوله : «هو ربكم واليه ترجعون» هو أنه مالك أموركم ومدبرها ومسيرها على سننه المطردة في الدنيا ، ولكل شيء عنده قدرا ولكل قدر أجل ، واليه ترجعون في الآخرة ، فيجزيكم بأعمالكم خيرها وشرها ، لا يظلم أحدا.

وينبغي ألا نغفل عن أن الناصح قد يكون مخادعا فلا تفيد نصيحته. وهذا الناصح المخادع قد يحس بالريبة والانكشاف ونحن نتذكر هنا أن اخوة يوسف عليه‌السلام قد وقفوا هذا الموقف كما جاء في سورة يوسف

«قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ».

قالوا : أي شبهة عرضت لك فجعلتك لا تأمنا على يوسف ، وكأنهم أحسوا أنه قد ارتاب فيهم على حد قول القائل : «كاد المريب أن يقول خذوني».

ولعل شعورهم بارتيابه فيهم هو الذي جعلهم يؤكدون كلامهم كل هذا التأكيد.

١٣٤

وهذا هو الشيطان الاثيم يريد ان يظهر بمظهر الناصح فيقول القرآن الكريم في سورة الاعراف :

«وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ. فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ» (١).

هذا هو الشيطان اللعين يخادع فيدعي لآدم وحواء عليهما‌السلام أنه ناصح لهما ، وأكد دعواه بأشد المؤكدات وأغلظها ، وحرضهما على الاكل من الشجرة المحرمة ، فما زال يخدعهما بالترغيب في الاكل من تلك الشجرة حتى أسقطهما ، وحطهما مما كانا عليه من سلامة الفطرة ، وطاعة الخالق سبحانه ، بضرورة الباطل وخداعه الكذوب ، حيث نفخ في نار الشهوة الغريزية ، مثيرا لها فوقع آدم وحواء في الخطيئة ، بتأثير الوسوسة والتزيين. ومن هنا ينبغي للانسان أن يحذر المخادعين بالنصائح الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ، وقد ينصحون الانسان بالشيء يوهمونه أنه طريقه الى النجاة والفلاح ، مع أنه طريق الخراب والدمار.

وقد نوه القرآن المجيد بشأن النصيحة الخالصة المخلصة حين قال في سورة القصص على لسان من أخلص النصيحة لموسى فقال :

«إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ» (٢).

* * *

هذا ولفضيلة النصيحة في السنة المطهرة شأن وذكر ، فقد قال سيدنا

__________________

(١) سورة الاعراف ، الآية ٢١ ـ ٢٢.

(٢) سورة القصص ، الآية ٢٠.

١٣٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديثه الشريف : «الدين النصيحة».

قلنا لمن يا رسول الله؟.

قال : لله ولرسوله ولكتابه ، ولأئمة المسلمين وعامتهم».

وقد ذكر العلماء أن النصيحة لله هي صحة الاعتقاد في وحدانيته ، واخلاص النية في عبادته.

والنصيحة لكتاب الله هي التصديق به والعمل بما فيه.

والنصيحة للرسول هي التصديق بنبوته ورسالته ، والانقياد لما أمر به ونهى عنه.

والنصيحة لعامة المسلمين هي ارشادهم الى مصالحهم.

وقد روى البخاري ومسلم عن جابر قال : «بايعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على اقام الصلاة وايتاء الزكاة والنصح لكل مسلم».

وكأن فضيلة النصيحة كانت ركنا من أركان المبايعة التي يقوم بها المسلم اذا أعطى الرسول عليه الصلاة والسّلام الميثاق والعهد بأن يسير على صراط الله المستقيم.

ونفهم من السنة المطهرة أن النصيحة تصبح واجبة اذا طلبها الاخ من أخيه في الله ، ويدل على ذلك قول سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له».

ولقد عني البصراء من الصوفية بأمر النصيحة وآدابها ، فهذا هو حاتم الاصم الصوفي يقول : «النصيحة للخلق : اذا رأيت انسانا في الحسنة أن تحثه عليها ، واذا رأيته في معصية أن ترحمه».

١٣٦

وقد جاء في كتابي «من أدب النبوة» (١) أن هناك طائفة من نوابغ لكلم وردت على ألسنة الصالحين من السلف ، فالفضيل من عياض الزاهد بقول : «المؤمن يستر وينصح ، والفاجر يهتك ويعير».

ويقول : «ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام ، وانما أدرك عندنا بسخاء الانفس ، وسلامة الصدور ، والنصح للامة».

وقال فرقد السبخي : «قرأت في بعض الكتب : المحب لله عزوجل أمير مؤمر على الامراء ، زمرته أول الزمر يوم القيامة ، ومجلسه أقرب المجالس فيما هناك ، والمحبة منتهى القربة والاجتهاد ، ولن يسأم المحبون من طول اجتهادهم لله عزوجل ، يحبونه ويحبون ذكره ، ويحببونه الى خلقه ويمشون بين خلقه بالنصائح ويخافون عليهم من اعمالهم يوم تبدو الفضائح ، أولئك أولياء الله وأحباؤه وصفوته ، أولئك الذين لا راحة لهم دون لقائه».

وقال الامام الحسن البصري : «قال بعض أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : والذي نفسي بيده ان شئتم لأقسمن لكم بالله أن أحب عباد الله الى الله الذين يحببون الله الى عباده ، ويحببون عباد الله الى الله ، ويسعون في الارض بالنصيحة».

اللهم هبنا نعمة النصيحة نسمعها من المخلصين ، ونقولها خالصة للمستجيبين ، فأنت نعم المولى ونعم المعين.

__________________

(١) كتابي «من أدب النبوة» ، صفحة ٤٢. الطبعة الاولى ، سنة ١٩٧٠ ، نشر المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية.

١٣٧

الاتباع

تقول اللغة : تبعه واتبعه : سار وراءه ، سواء أكان السير حسيا أم معنويا ، والاتباع المعنوي هو الاقتداء والامتثال ، وأكثر ما جاء في القرآن الكريم هو من الاتباع المعنوي. ويقال : تبعه أي قفا أثره. والاتباع هو لحاق الثاني بالاول لما له به من التعلق ، فالقوة للاول. والثاني يستمد منه. والاتباع والاقتداء والاحتذاء نظائر.

والمعنى الاخلاقي للاتباع هو أن يميز الانسان الخبيث من الطيب. وأن يتبين طريقه على بصيرة ، وأن يعرف من تقدمه على طريق الحق والصدق. فيتخذه قدوة وأسوة ، فيمضي اللاحق على سنن السابق فتوجد عند الانسان روح الاتباع ، وينأى بنفسه عن ضلال الابتداع.

والاتباع بهذا المعنى فضيلة من فضائل القرآن الكريم ، وخلق من أخلاق الاسلام العظيم ، وجانب من هدي الرسول عليه الصلاة والتسليم.

وخير اتباع ينبغي أن يتجلى به المرء ، ويلتزمه ويحرص عليه هو اتباع هدى الله ، والتزام صراطه المستقيم ، لأن ذلك طريق الامان والاطمئنان ، يقول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة :

١٣٨

«فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (١).

والمعنى : من اقتدى برسلي ، واحتذى أدلتي ، فلا يلحقهم خوف من أهوال يوم القيامة ، من العقاب ، ولا هم يحزنون على فوت الثواب.

وقال بعض المفسرين : ان المعنى أن من تبع هداي الذي أشرعه ، وسلك الصراط المستقيم الذي أحدده ، فلا خوف عليهم من وسوسة الشيطان ، ولا مما يعقبها من الشقاء والخسران ، ولا هم يحزنون على فوت مطلوب أو فقد محبوب ، لأن اتباع الهدى يسهل عليهم طريق اكتساب الخيرات ، ويعدهم لسعادة الدنيا والآخرة.

ويقول الله تعالى في سورة آل عمران عن المجاهدين المؤمنين :

«فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ» (٢).

أي فزعوا الى الله يطلبون رضوانه فحقق لهم الامان والاطمئنان ، وعن الامام الصادق قال : عجبت لمن خاف كيف لا يفزع الى قوله سبحانه :

«حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» (٣).

فاني سمعت الله يقول عقبها : «فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم بمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم».

ويقول الله تعالى أيضا في سورة آل عمران على لسان حواريي عيسى عليه‌السلام :

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٣٨.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ١٧٤.

(٣) سورة آل عمران ، الآية ١٧٣.

١٣٩

«رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ» (١).

أي أطعنا الرسول واقتدينا به فاكتبنا في جملة الشاهدين بجميع ما أنزلت ، لنفوز كما فازوا وننال من كرامتك ما نالوا.

ويقول التنزيل المجيد في سورة آل عمران أيضا :

«فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ» (٢).

فان جادلوك في أمر الدين فقل أسلمت نفسي لربي ، وانقدت لأمر الله ، وأعرضت عن كل معبود سواه ، وأخلصت قصدي بالعبادة اليه ، ومن اهتدى بي في الدين من المسلمين. ويعلق تفسير (في ظلال القرآن) على هذا النص الكريم بقوله :

«فان حاجوك» ـ أي في التوحيد وفي الدين ـ «فقل : أسلمت وجهي لله» أنا «ومن اتبعن» والتعبير بالاتباع ذو مغزى هنا. فليس هو مجرد التصديق. انما هو الاتباع. كما ان التعبير باسلام الوجه ذو مغزى كذلك. فليس هو مجرد النطق باللسان أو الاعتقاد بالجنان. انما هو كذلك الاستسلام. استسلام الطاعة والاتباع .. واسلام الوجه كناية عن هذا الاستسلام. والوجه أعلى وأكرم ما في الانسان. فهي صورة الانقياد الطائع الخاضع المتبع المستجيب. هذا اعتقاد محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومنهج حياته. والمسلمون متبعوه ومقلدوه في اعتقاده ومنهج حياته» ويقارن القرآن الكريم بين من فيه روح الاتباع لما يرضي الله ومن فيه نزعة التمرد على أمر الله ، فيجعل الاول جديرا بالرضوان ، والآخر مستحقا

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية ٥٣.

(٢) سورة آل عمران الآية ٢٠.

١٤٠