موسوعة أخلاق القرآن - ج ٥

الدكتور أحمد الشرباصي

موسوعة أخلاق القرآن - ج ٥

المؤلف:

الدكتور أحمد الشرباصي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الرائد العربي
الطبعة: ٣
الصفحات: ٢٢١

فعلته له ، لأن وجه الشيء في الاصل أشرف ما فيه ، ثم كثر حتى صار يدل على شرف الذكر من غير تحقيق وجه. ألا ترى أنك تقول : وجه الرأي ، ووجه الامر ، ووجه الدليل ، فلا تريد تحقيق الوجه ، وانما تريد أشرف ما فيه من جهة شدة ظهوره وحسن بيانه».

ويعلق تفسير «في ظلال القرآن» على الآية بهذه العبارة :

«ان هذا هو شأن المؤمن لا سواه ، انه لا ينفق الا ابتغاء وجه الله ، لا ينفق عن هوى ولا عن غرض ، لا ينفق وهو يتلفت الى الناس يرى ماذا يقولون ، لا ينفق ليركب الناس بانفاقه ، ويتعالى عليهم ويشمخ ، لا ينفق ليرضى عنه ذو سلطان ، أو ليكافئه بنيشان ، لا ينفق الا ابتغاء وجه الله ، خالصا متجردا لله. ومن ثم يطمئن لقبول الله لصدقته ، ويطمئن لبركة الله في ماله ، ويطمئن لثواب الله وعطائه ، ويطمئن الى الخير والاحسان من الله جزاء الخير والاحسان لعباد الله ، ويرتفع ويتطهر ويزكو بما أعطى وهو بعد في هذه الارض ، وعطاء الآخرة بعد ذلك كله فضل».

* * *

ويقول القرآن الكريم في سورة الانعام :

«وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ، ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ ، فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» (١).

أي انهم في جميع الاحوال يقصدون وجه الله ورضاه ، ويفسر

__________________

(١) سورة الانعام ، الآية ٥٢.

١٠١

ذلك صاحب «لطائف الاشارات» على طريقته فيقول : «تقيدت دعوتهم بالغداة والعشي ، لأنها من الاعمال الظاهرة ، والاعمال الظاهرة مؤقتة ، ودامت ارادتهم فاستغرقت جميع أوقاتهم ، لأنها من الاحوال الباطنة مسرمدة غير مؤقتة ، فقال :

«يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ».

ثم قال : «يريدون وجهه» أي «مريدين وجهه».

ويقول التنزيل في سورة الرعد :

«وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ» (١).

والقرآن هنا يتحدث عن صفات أولي الالباب الاوفياء الاتقياء ، ومن أهمها الصبر طلبا لرضى الله سبحانه ، ويعود صاحب «لطائف الاشارات» الى الحديث على طريقته الخاصة به وبصحبه فيقول : «الصبر يختلف باختلاف الاغراض التي لأجلها يصبر الصابر ، فالعبّاد يصبرون لخوف العقوبة ، والزهاد يصبرون طمعا في المثوبة ، وأصحاب الارادة هم الذين صبروا ابتغاء وجه ربهم.

وشرط هذا النوع من الصبر رفض ما يمنع من الوصول ، واستدامة التوقي منه ، فيدخل فيه ترك الشهوات ، والتجرد عن جميع الشواغل والعلاقات ، فيصبر عن العلة والزلة ، وعن كل شيء يشغل عن الله».

__________________

(١) سورة الرعد ، الآية ٢٢.

١٠٢

ويقول القرآن الكريم في سورة الكهف :

«وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ، وَلا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً» (١).

أي يذكرون ربهم على الدوام يبتغون ، وأهل التفسير يذكرون عند تفسير هذه الآية الحديث الذي تفرد بروايته أحمد ، وهو قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله ، لا يريدون بذلك الا وجهه ، الا ناداهم مناد من السماء : أن قوموا مغفورا لكم ، قد بدلت سيئاتكم حسنات».

ويقول التنزيل الجليل في سورة الروم :

«فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ، وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» (٢).

أي العبرة بالقصد لا بنفس العمل ، وانما الاعمال بالنيات ، ونية

__________________

(١) سورة الكهف ، الآية ٢٨.

(٢) سورة الروم ، الآية ٣٨ و ٣٩.

١٠٣

المرء خير من عمله ، فان من انفق جميع أمواله رياء للناس ، لا ينال ـ كما يقول الرازي ـ من يتصدق برغيف لوجه الله تعالى.

ويقول القرآن الحكيم في سورة الانسان في حديثه عن صفات الابرار :

«وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ، إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً» (١).

أي ان هؤلاء الابرار الاخيار يطعمون الطعام لهؤلاء في الله جل ثناؤه ، وطمعا في ثوابه ورضاه ، لا يريدون عليه مكافأة ولا ثناء ، بل نيتهم خالصة لله عزوجل.

وجاء في سورة الليل قوله تعالى :

«فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى ، لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى ، الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ، وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ، الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى ، وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ، وَلَسَوْفَ يَرْضى» (٢).

أي حذرتكم نارا تتلهب وتتوقد ، لا يذوق حرها الا الشقي الذي يكذب بدعوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأعرض عن الايمان والطاعة. وسيحفظ الله من النار المتقي الخائف الذي يعطي ماله المحتاجين اليه بلا رياء ولا سمعة ، وانما يتصدق بها مبتغيا وجه الله تعالى ، فهو لا يتصدق

__________________

(١) سورة الانسان ، الآية ٨ و ٩.

(٢) سورة الليل ، الآية ١٤ ـ ٢١.

١٠٤

ليجازي على نعمة ، أو ليرد جميلا أو ليقابل احسانا باحسان ، ولكن طلبا لرضى الله ، ولسوف يرضى الله ويرضيه بثوابه وجزائه.

* * *

وقد ذكرت السنة المطهرة ابتغاء رضى الله ووجهه في أكثر من موطن ، فقد قال النبي عليه الصلاة والسّلام لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : «انك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى الا أجرت بها ، حتى ما تجعل في فم زوجتك».

وقد روى ابو داود : «لا نذر الا فيما ابتغي وجه الله تعالى ذكره».

وروى النسائي : «لا يقبل من العمل الا ما كان خالصا وابتغي به وجهه».

ولابتغاء وجه الله تعالى ثمرات جليلة منها :

١ ـ الوصول الى الخير والفلاح :

«ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (١).

٢ ـ الفوز بالاضعاف المضاعفة من الثواب والجزاء :

«وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» (٢).

٣ ـ تحقيق الرضى من الله وهو غاية الغايات ، ورضى الانسان نفسه :

__________________

(١) سورة الروم ، الآية ٣٨.

(٢) سورة الروم ، الآية ٣٩.

١٠٥

«وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ، وَلَسَوْفَ يَرْضى» (١).

٤ ـ الفوز بعقبى الدار :

«وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ» (٢).

وابتغاء وجه الله يدعو المؤمن الى طائفة من القربات والطاعات ، منها أداء حقوق ذي القربى والمسكين وابن السبيل ، واقامة الصلاة ، والانفاق سرا وعلانية مما رزق الله تعالى ، ودفع السيئة بالحسنة ، والصبر الجميل.

اللهم احفظنا من الرياء والسمعة ، ووفقنا لابتغاء وجهك الكريم.

__________________

(١) سورة الليل ، الآية ١٩ ـ ٢١.

(٢) سورة الرعد ، الآية ٢٢.

١٠٦

اقامة الوجه لله

تقول لغة العرب ـ وهي لغة القرآن الكريم : ان الوجه هو الجزء من الانسان الذي فيه الفم والانف والعينان ، ويطلق الوجه على الذات ، لأن الوجه أشرف الاجزاء ، ويطلق أيضا على صدر الشيء وأوله.

وأقام الشيء عدله وأزال عوجه. وأقام دين الله أظهره وعمل بتعاليمه ، وأقام حدود الله : حافظ عليها ولم يجاوزها ، وأقام وجهه للشيء : اهتم به ، وأقبل عليه بنشاط ، ومادة «أقام» تدور المعاني التي تفيدها حول النهوض ، أو انتصاب القامة ، أو الاعتدال ، بالمعنى المادي أو المعنوي.

وفي المادة كذلك معنى الدوام والمحافظة.

واقامة الوجه لله ـ أو اسلام الوجه لله ـ خلق من أخلاق القرآن الحكيم ، وفضيلة من فضائل الاسلام العظيم ، وجانب من هدي الرسول عليه الصلاة والتسليم ، وهو خلق ينهض على أساس التوحيد لله ، والاخلاص في طاعته ، واللجوء اليه على الدوام ، والرجاء منه في كل حال ، وعدم الالتفات الى سواه ، وقد تحدث التنزيل المجيد عن هذا الخلق في مواطن كثيرة ، فمن ذلك قوله في سورة البقرة :

١٠٧

«بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (١).

وأسلم هنا معناها استسلم وخضع وفوض ، وأخلص عمله لبارئه ، أو كما يعبر «تفسير المنار» اسلام الوجه لله هو كمال التوجه اليه وحده ، وتخصيصه بالعبادة دون سواه ، كما قال في سورة الفاتحة :

«إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» (٢).

وقد عبّر عن اسلام القلب ، وصحة القصد الى الشيء ، باسلام الوجه ، كما عبر بتوجيه الوجه ، أو اقامة الوجه ، في مواطن أخرى ، كما سنرى بعد قليل. وذلك لأن قاصد الشيء يقبل عليه بوجهه ، فلما كان توجيه الوجه الى شيء له جهة ، تابعا لقصده ، واشتغال القلب به ، عبر عنه به ، وجعل التوجه بالوجه الى جهة مخصوصة ـ وهي القبلة ـ بأمر الله مذكرا باقبال القلب على الله الذي لا تحدده الجهات.

فالانسان يتضرع ويسجد لله تعالى بوجهه ، وعلى الوجه يظهر أثر الخشوع. والمراد من اسلام الوجه لله افراده بالعبادة والاخلاص له ، بأن لا يجعل الانسان بينه وبين ربه وسطاء يقربونه اليه زلفى ، فانه أقرب اليه من حبل الوريد.

ويقول الله تعالى في سورة النساء :

«وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١١٢.

(٢) سورة الفاتحة ، الآية ٥.

١٠٨

وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً ، وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً» (١).

أي أخلص دينه ، وخضع له ، وتوجه اليه في العبادة ، وكان له مثل أعلى في ابراهيم أبي الانبياء وخليل الرحمن ، الذي كان محبا لله ، وكان محبوبا لله.

ولا أحد أحسن دينا ممن جعل قلبه سالما خالصا لله وحده ، لا يتوجه الى غيره في دعاء أو رجاء ، ولا يرى في هذا الوجود الا آثار صفات الله وسننه ، فلا يطلب الا من خزائن رحمته ، وهو مع ايمانه وتوحيده ، محسن في عمله ، متخلق بأخلاق الله الذي أحسن كل شيء خلقه.

والامام محمد عبده يقول ان العبرة عند الله بالقلوب والاعمال ، وملة إبراهيم الحنيفية هي الصفوة في اخلاص التوحيد واحسان العمل ، وعبر عن توجه القلب باسلام الوجه ، لأن الوجه أعظم مظهر لما في النفس من الاقبال والاعراض ، والسرور والكآبة ، وغير ذلك.

ويقول التنزيل الحكيم في سورة آل عمران :

«فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ» (٢).

والمقصود من الدين انما هو الوفاء بلوازم الربوبية ، فاذا أسلمت وجهي لله لا اعبد غيره ، ولا أتوقع الخير الا منه ، ولا أخاف الا من قهره وسطوته ، ولا أشرك به أحدا ، كان هذا هو تمام الوفاء بلوازم الربوبية والعبودية.

ويذكر الفخر الرازي في معنى اسلام الوجه لله ثلاثة أقوال :

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٢٥.

(٢) سورة آل عمران ، الآية ٢٠.

١٠٩

الاول : أخلصت عملي لله. يقال : أسلمت الشيء لفلان ، أي أخلصته له ، ولم يشاركه فيه غيره.

الثاني : أسلمت وجه عملي لله ، فكل ما يصدر مني من الاعمال ، فالوجه في الاتيان بها هو عبوديتي لله تعالى ، والانقياد لالهيته وحكمه.

الثالث : أسلمت نفسي لله ، وليس في العبادة مقام أعلى من اسلام النفس لله ، فيصير العبد كأنه موقوف على عبادته ، عادل عن كل ما سواه.

وقيل ان معنى الآية السابقة : ان جادلوك بالاقاويل المزورة والمغالطات ، فأسند أمرك الى ما كلفت به من الايمان والتبليغ ، وتوجه الى الله بذاتك ، كما جاء في الحديث الشريف : «سجد وجهي للذي خلقه وصوره ، وكأن النص الكريم يقول ـ كما يعبر الاستاذ الامام محمد عبده ـ ان من يقصد الى الحجاج ، بعد تأييد الحق ، وتفنيد الباطل ، لا يقصد الا الى المجادلة والمشاغبة ، لمحض العناد والمشاكسة ، وذلك شأن المبطلين ، وأما طالب الحق فانه يبخل بالوقت أن يضيع.

ولقد تعرض الفخر لمعنى اسلام الوجه لله عند تفسير قوله تعالى في سورة البقرة :

«بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (١).

وذكر في ذلك وجوها :

أولها : أن الوجه أشرف الاعضاء ، من حيث انه معدن الحواس والفكر والتخيل ، فاذا تواضع الاشرف ، كان غيره بالتواضع أولى.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ١١٢.

١١٠

ثانيها : ان الوجه قد يكنى به عن النفس ، قال الله تبارك وتعالى :

«كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ» (١).

وقال :

«إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى» (٢).

ثالثها : ان أعظم العبادات هي السجدة ، وهي انما تحصل بالوجه ، فلا جرم خص الوجه بالذكر ، ولهذا قال زيد بن عمرو بن نفيل :

وأسلمت وجهي لمن أسلمت

له الارض تحمل صخرا ثقالا

وأسلمت وجهي لمن أسلمت

له المزن تحمل عذبا زلالا

فيكون المرء واهبا نفسه لهذا الامر ، باذلالها.

وذكر الوجه وأراد به نفس الشيء ، وذلك لا يكون الا بالانقياد والخضوع واذلال النفس في طاعته ، وتجنب معاصيه.

ومعنى : «لله» أي خالصا لله ، ولا يشوبه شرك ، فلا يكون عابدا مع الله غيره ، أو معلقا رجاءه بغيره. وفي ذلك دلالة على أن المرء لا ينتفع بعمله الا اذا فعله على وجه العبادة في الاخلاص والقربة.

وأما قوله تعالى : «وهو محسن» أي لا بد أن يكون تواضعه لله بفعل حسن لا بفعل قبيح. وبين أن من جمع بين الامرين : الاخلاص والاحسان ، فله ثواب عظيم عند ربه ، وفوق هذا لا يلحقه خوف من مستقبل ، ولا يناله حزن من الحاضر أو الماضي.

__________________

(١) سورة القصص ، الآية ٨٨.

(٢) سورة الليل ، الآية ٢٠.

١١١

ويقول التنزيل المجيد في سورة الانعام :

«إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (١).

وهذا الكلام على لسان أبي الانبياء خليل الرحمن ابراهيم عليه‌السلام. أي وجهت عبادتي وطاعتي لربي ، وذلك لأن من كان مطيعا لغيره ، منقادا لامره ، فانه يتوجه بوجهه اليه ، فجعل توجيه الوجه كناية عن الطاعة.

وانما جعلت وجهي خالصا لله ، لأنه الذي أبدع خلق السموات والارض وما فيهن ، وأكمل خلقهن أطوارا.

ويقول الحق جل جلاله في سورة الاعراف :

«قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ، وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ، وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ» (٢) :

أي أقبلوا على مساجد الله ، وعلى الصلاة فيها باخلاص. والاخلاص يقتضي تجرد النية ، ولذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسّلام : «انما الاعمال بالنيات». ويقول : «ان الله لا ينظر الى صوركم ولا الى اعمالكم. ولكن ينظر الى قلوبكم ونياتكم».

والمعنى : أعطوا لربكم توجهكم عند كل مسجد تعبدون الله فيه ، مع صحة النية ، وحضور القلب ، وصرف الشواغل ، وادعوه مخلصين له

__________________

(١) سورة الانعام ، الآية ٧٩.

(٢) سورة الاعراف ، الآية ٢٩.

١١٢

الدين. ولنتذكر أن كل شيء من أعمال العباد هالك وباطل ، الا ما أريد به وجه الله ، ولذلك يقول القرآن في سورة القصص :

«وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ، لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (١).

ويقول في سورة يونس :

«وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» (٢).

واقامة الوجه هنا كناية ـ كما يقول الرازي ـ عن توجيه العقل بالكلية الى طلب الدين ، لأن من يريد أن ينظر الى شيء نظرا بالاستقصاء فانه يقيم وجهه في مقابلته ، بحيث لا يصرفه عنه بالقليل ولا بالكثير ، لأنه لو صرفه عنه ولو بالقليل ، لبطلت تلك المقابلة ، واذا بطلت فقد اختل الابصار ، فلهذا حسن جعل اقامة الوجه للدين كناية عن صرف العقل بالكلية الى طلب الدين ، وحنيفا أي مائلا اليه ميلا كليا ، معرضا عما سواه اعراضا كليا ، ويتحقق ذلك بالاخلاص التام ، وعدم الالتفات الى غيره.

ويقول التنزيل الحكيم في سورة الروم :

«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ،

__________________

(١) سورة القصص ، الآية ٨٨.

(٢) سورة يونس ، الآية ١٠٥.

١١٣

وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» (١).

أي أقبل بكلك على الدين ، مائلا عن كل ما عداه ، والزم فطرة الله ، وهي فطرة التوحيد. وكذلك يقول في السورة نفسها :

«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ، يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ» (٢).

ويقول الذكر المجيد في سورة الانسان :

«إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً» (٣).

وقد جاءت في تفسير «مفاتيح الغيب» عند هذه الآية الكريمة العبارة التالية : «الاحسان الى الغير تارة يكون لأجل الله تعالى ، وتارة يكون لغير الله تعالى ، اما طلبا لمكافأة ، أو طلبا لحمد وثناء ، وتارة يكون لهما ، وهذا هو الشرك. والاول هو المقبول عند الله تعالى ، وأما القسمان الباقيان فمردودان. قال تعالى :

«لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ، كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ» (٤).

وقال :

__________________

(١) سورة الروم ، الآية ٣٠.

(٢) سورة الروم ، الآية ٤٣.

(٣) سورة الانسان ، الآية ٩.

(٤) سورة البقرة ، الآية ٢٦٤.

١١٤

«وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ، وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» (١).

ولا شك ان التماس الشكر من جنس المن والاذى.

اذا عرفت هذا فنقول : القوم لما قالوا : انما نطعمكم لوجه الله ، بقي فيه احتمال أنه أطعمه لوجه الله ولسائر الاغراض على سبيل التشريك ، فلا جرم نفى هذا الاحتمال بقوله : «لا نريد منكم جزاء ولا شكورا».

* * *

ولاقامة الوجه لله ثمرات أشار القرآن الى جانب منها حين قال في سورة البقرة :

«بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» (٢).

وفي هذه الآية الكريمة اشارة الى ثلاث ثمرات ، هي :

١ ـ نيل الاجر الجزيل ، واستحقاق الكرامة في دار الاقامة.

٢ ـ عدم الخوف.

٣ ـ عدم الحزن.

وتتحقق تلك الثمرات ـ كما نفهم من النص الكريم ـ باجتماع

__________________

(١) سورة الروم ، الآية ٣٩.

(٢) سورة البقرة ، الآية ١١٢.

١١٥

أمرين ، هما التوحيد النابع من الايمان الخالص ، واحسان العمل.

وأما غير المؤمنين فهم نهب الخوف والحزن ، ولا شك ـ كما يقول تفسير المنار ـ أن المخاوف والاحزان تساور الذين لبسوا ايمانهم بظلم الوثنية ، وأساءوا أعمالهم بالاعراض عن الهداية الدينية.

ترى أصحاب النزغات الوثنية أو الالحادية في خوف دائم حتى مما لا يخيف ، لأنهم يعتقدون ثبوت السلطة الغيبية القاهرة لكل ما يظهر لهم منه عمل لا يهتدون الى سببه ، ولا يعرفون تأويله.

يستخذون للدجالين والمشعوذين ، ويرتعدون من حوادث الطبيعة الغريبة ، اذا ظهر لهم نجم مذنّب ، تخيلوا أنه منذر يهددهم بالهلاك ، واذا أصابتهم مصيبة بما كسبت أيديهم من الفساد ، توهموا أنها من تصرف بعض العباد ، وتراهم في جزع وهلع من حدوث الحوادث ، ونزول الكوارث ، لا يصبرون في البأساء والضراء ، ولا ينفقون في الرخاء والسراء :

«إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً ، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً ، وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ، إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ».

ويلح التفسير في البيان فيقول ان هذه حال من فقد التوحيد الخالص ، وحرم من العمل الصالح في هذه الحياة الدنيا :

«وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ».

وانما كان صاحب النزغات الوثنية في خوف مما يستقبله ، وحزن مما ينزل به ، لأن ما اخترعه له وهمه من السلطة الغيبية لغير الله التي يحكمها

١١٦

في نفسه ، ويجعلها حجابا بينه وبين ربه ، لا يمكنه أن يعتمد في الشدائد عليها ، ولا يجد عندها غناء اذا هو لجأ اليها ، وما هو من سلطتها على يقين ، وانما هو من الظانين أو الواهمين.

وأما ذو التوحيد الخالص فهو يعلم أن لا فاعل الا الله تعالى ، وأنه من رحمته قد هدى الانسان الى السنن الحكيمة التي يجري عليها في أفعاله ، فاذا أصابه ما يكره بحث في سببه ، واجتهد في تلافيه من السنة التي سنها الله تعالى لذلك ، فان كان أمرا لا مرد له ، سلم أمره فيه الى الفاعل الحكيم ، فلا يحار ولا يضطرب ، لأن سنده قوي عزيز ، والقوة التي يلجأ اليها كبيرة لا يعجزها شيء ، فاذا نزل به سبب الحزن ، أو عرض له مقتضى الخوف ، لا يكون أثرهما الا كما يطيف الخاطر بالبال ، ولا يلبث أن يعرض له الزوال :

«الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ، أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (١).

ومن ثمرات اقامة الانسان وجهه لله تبارك وتعالى النجاة والامان ، والترقي الى أعلى الدرجات والاستمساك بحبل متين لا ينقطع ، لأن أوثق الاسباب هو جانب الله ، وكل ما عداه هالك ومنقطع :

«وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ، وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ» (٢).

اللهم انا نسألك بفضلك وطولك وحولك أن تقيم وجوهنا لك وحدك ، وأن ترزقنا الاخلاص في عبادتك ، انك أنت البر الرحيم.

__________________

(١) سورة الرعد ، الآية ٢٨.

(٢) سورة لقمان ، الآية ٢٢.

١١٧

القسط

مادة «القسط» تدل على معنيين متضادين ، فالقسط ـ بكسر القاف هو العدل ، والقسط ـ بفتح القاف ـ هو الجور. وقال الاصفهاني ان القسط هو أن يأخذ قسط غيره ، وذلك جور ، والاقساط أن يعطي قسط غيره ، وذلك انصاف. والقسط هو النصيب المستحق بالعدل ، وهو القسم من الرزق الذي يصيب كل مخلوق ، وفي الحديث : «ان الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه» أي يقلل النصيب من الرزق أو يكثره حسب حكمته. ومن هنا يظهر فرق دقيق بين القسط والعدل ، فالمقسط هو الذي ينتصف للمظلوم من الظالم ، وكمال الاقساط هو أن يضيف المقسط الى ارضاء المظلوم ارضاء الظالم ، وذلك غاية العدل والانصاف ، ولا يقدر عليه الا الله تعالى. وأما العدالة فهي لفظ يقتضي معنى المساواة. ويظهر الاقساط غالبا عند القسمة ، ولذلك جاء في مسند ابن حنبل : «واذا قسموا أقسطوا».

وقد سبق أن كتبت عن العدل في سلسلة «أخلاق القرآن» ومعنى القسط قريب من معنى العدل ، وان كنا قد لحظنا أن هناك فرقا بينهما ، لأن العدل هو المساواة ، والقسط هو النصيب الذي يعطى بالحق ، ومن هنا لا ضير في أن نعود الى تتبع مواطن القسط في القرآن الكريم ، والازدياد

١١٨

من رحيقه خير وبركة.

وأعظم تشريف لهذه الفضيلة القرآنية انها صفة من صفات الله عزوجل ، فالقرآن يقول في سورة يونس :

«وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ» (١).

والقاضي بالقسط هو الله. ومن أسماء الله الحسنى اسم «المقسط». ومعناه كما سبق أن ينتصف للمظلوم من الظالم مع ارضائهما معا.

ومثاله كما روى الغزالي في «المقصد الأسنى» أنه قال :

بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس ، اذ ضحك حتى بدت ثناياه ، فقال عمر : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما الذي أضحكك؟.

قال : رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة ، فقال أحدهما :

يا رب ، خذ مظلمتي من هذا.

فقال الله عزوجل : رد على أخيك مظلمته.

فقال : يا رب ، لم يبق من حسناتي شيء.

فقال عزوجل للطالب : كيف تصنع بأخيك؟ لم يبق من حسناته شيء.

فقال : يا رب ، ليحمل عني من أوزاري.

ثم فاضت عينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالبكاء ، وقال : ان ذلك ليوم عظيم ، يوم يحتاج الناس الى أن يحمل عنهم من أوزارهم ، قال : فيقول الله عزوجل ـ أي للمتظلم ـ : ارفع بصرك فانظر في الجنان.

__________________

(١) سورة يونس ، الآية ٤٧.

١١٩

فقال : يا رب ، أرى مدائن من فضة ، وقصورا من ذهب مكللة باللؤلؤ ، لأي صدّيق ، أو لأي شهيد هذا؟.

قال الله عزوجل : لمن أعطى الثمن.

فقال : يا رب ، ومن يملك ذلك؟

قال : أنت تملكه.

قال : بماذا يا ربي؟.

قال : بعفوك عن أخيك.

قال : يا رب ، عفوت عنه.

قال الله عزوجل : خذ بيد أخيك فأدخله الجنة.

ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم ، فان الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة.

فهذا سبيل الانتصاف والانصاف ، ولا يقدر عليه الا رب الارباب ، وأوفر الناس حظا من هذا الاسم من ينتصف أولا من نفسه ، ثم لغيره لغيره ، ولا ينتصف لنفسه من غيره».

ويقول الله تعالى في سورة يونس :

«إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ» (١).

أي يعطي كل عامل حقه من الثواب الذي جعله الله لعمله ، لا يظلم منه شيئا.

__________________

(١) سورة يونس ، الآية ٤.

١٢٠