كنز الولد

ابراهيم بن الحسين الحامدي

كنز الولد

المؤلف:

ابراهيم بن الحسين الحامدي


المحقق: مصطفى غالب
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٢

ومثل المطلق ، وموسى وأهل دوره مثل المضغة ومثل الداعي ، وعيسى وأهل دوره مثل العظام ومثل الحجة ، ومحمد صلوات الله عليه وآله وأهل دوره مثل اللحم ومثل الباب ، والقائم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخلق الآخر بالحقيقة ومثل الإمام ؛ فيكون أهل الأدوار السبعة كشخص واحد ، وتلك الصور المجتمعة كالأعضاء لتمام الشخص أوضح ذلك بقوله : كما أن بتلك الأعضاء يتم هذا الشخص الثاني الذي هو الخلق الآخر ، ويسري روح القدس فيها بانبعاث صاحب الدور السابع فيقوي الكل على العبور من مضائق الأجسام (١) والحصول في الصفحة الأعلى منها كما يسري روح الحس في الشخص عند عبورها من مضائق الأحشاء وحصول تمامية الدور السابع ، وخروج العلم إلى الفعل في أيامه إلى قوله :

وانبعاث صاحب الدور السابع وقيامه بالفعل ، وإنّما لا يمكن العبور بانفراد النفس «ووحدانها إلّا معا ولا النفوذ لأجله لكون الأنفس» (٢) في وجودها للنشأة الآخرة والخلق الجديد جارية مجرى الأعضاء التي بها يكون الشخص الذي هو النشأة الأولى وحاجتها في كمالها إلى أمثالها ، فإنها بأفرادها ليست تبلغ كمالها كمالا كلّيا فتكون محيطة بكون ما شمله الوجود ، وإنّما تبلغ من الكمال بعضا ، فيكون بالكل حصول الكل. وهذا الفصل أيضا صرح بجميع ما قدمناه في صدر كتابنا هذا وضربه المثل بأن الجسم لا يكمل إلّا بكمال جميع الأعضاء التي لا عذر له منها من قلبه ، وما هو معه من الأعضاء الكثيرة في البطن وفي الرأس وما يجمع ، ومثل اليدين والرجلين ، وبتمام ذلك وكماله يقدر على العبور إلى دار الحس بسريان الحياة الحسية فيه التي هي الخلق الآخر.

__________________

(١) الأجسام : الأجساد في ج.

(٢) سقطت الجملة الموضوعة داخل قوسين من ج.

٢٤١

فالنشأة الثانية والخلق الجديد في عالم الدين ، كذلك الإمام الذي هو الخلق الجديد في الدور الصغير ، والقائم صلوات الله عليه للأدوار الكبار والصغار الخلق الجديد ، وهو المعني والمراد في الجنة العالية كما قال ، فيكون بالكل حصول الكل ، ويختم على ذلك ميزان الديانة ، ويشهد به الموجود من حال النشأة الأولى التي دلنا عليها ربّ العالمين بقوله :

(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) (١) «يقول إن» (٢) خلقنا الشخص الذي هو الموجود الأول ليس يتم الأعضاء كثيرة وتراكيب كثيرة منها ما هو لطيف وحظ النفس من الحس به أكثر (٣) «ومنها ما هو كثيف وحظ النفس من الحس به أقل» (٤) ، وليس تخلق دفعة واحدة ، بل بزمان ومدة وتقدم عضو في الوجود على سائر الأعضاء ، وما يتبعه عما يجوز أن يخرج وحده إلى عالم الحس لامتناع بقائه إلّا مع إخوانه وأمثاله التي بها تمامه ، ثم لامتناع سريان الروح فيه إلّا فيما له كمال. ولذلك عصار الحيوان لا يجري مجرى النبات الذي تعلق عضو منه بعضو فيصير مثلا له ، وقد ذكرنا سببه فيما سبق فستبقى (٥) صورة ذلك العضو المتقدم على الوجود ، محفوظة العين بما اكتسبه من صورته إلى أن تتم باقي الأعضاء والخلق بالزمان بعد أشهر وأيام ، فيفعل الله تعالى فيها في كل زمان ويوم ، ويتم ما يتم به كماله وتهيؤها بحدوث روح الحس فيه من قوى الكواكب الفعالة فيها بأمر الله.

ثم يخرج الكل دفعة واحدة ، فتصادف بجملتها تهيؤ الهواء ، فيحدث فيه الحس فيحيا ويحس. قال تعالى (٦) : (فَلَوْ لا تَذَكَّرُونَ) (٧). ويقول : فهلّا تعلمون.

__________________

(١) سورة : ٥٦ / ٦٢.

(٢) يقول إن : أي إن في ج.

(٣) أكثر : أقل في ج.

(٤) سقطت هذه الكلمات الموضوعة بين قوسين من ج.

(٥) فتستبقي : تستبقي في ج.

(٦) تعالى : سقطت في ط.

(٧) سورة : ٥٦ / ٦٢.

٢٤٢

وعلى هذا المثال فالأنفس تعمل في كل دور ، وبحسب اكتسابها وطاعتها ، وعملها واقتنائها تكون منزلتها ، فما كان أكثر قياما بالأمر والنهي ، فهي مثلا من قرناء الأعضاء الرئيسية اللطيفة التي يكون حسها (١) أكبر ، وما كان أدون فبحسبه ، فهي من وقت مفارقتها في البرزخ الذي قال الله تعالى : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) (٢) الآية ، والبرزخ مجمع لها. ولما كان كل حد من حدود الله تعالى بدعوته وبعلومه وإفادته مجمعا لمن في دوره ممن يتبعه على أمره ، ويشرفه على ما جاء به ، كالرأس الذي هو مجمع الحواس والأعضاء الكثيرة ، وكالبدن الذي هو مجمع لأعضاء كثيرة هي مثل ما في الرأس ، كاليدين والرجلين ، آلات (٣) في كل منها من الأعضاء مثل ما في الآخر. وبجميعها الشخص شخص واحد. ولعل ذلك تفسير لما في الصدور ، الكتاب من بشارة من قرأ الكتاب من طريق الديانة. والآن بيّن بين إفصاحه بهذا القول ظهور المعنى وزبدة الاعتقاد المرموز به ، الخفي في جميع أوضاعه. وبدّد ذلك ولوح به كما ذكر ليلتقطه من كان أخانا حقا. وضرب الأمثال بأن جسم البشر لا يخلق دفعة واحدة ، بل عضو بعد عضو بتودده مدة وزمانه بعد أشهر وأيام حتى يكمل ويتم تهيّؤه لحدوث روح الحس ، وأن الأعضاء ليست سواء مثل القلب الذي هو أولها وأشرفها ، والرأس بما يجمع من الأعضاء الكثيرة ، والبدن الذي هو جامع الكل.

ثم بيّن أن حدود دار الدعوة منها ما يكون عاليا شريفا كاملا معصوما مثل الباب الذي هو أقربهم إلى الإمام عليه‌السلام ، وذلك أنّه استجاب وارتقى رتبة الإيمان ، ثم طلع رتبة المحصور ، ثم صعد إلى فلك المطلق ، ثم فلك الدعاة ، ثم علت صورته وسمت همته إلى فلك الباب ، وهو ذلك

__________________

(١) حسها : حسبها في ج.

(٢) سورة : ٢٣ / ١٠٠.

(٣) آلات : الوات في ج.

٢٤٣

الشخص بذاته ، وهذه خاصية الآحاد والأفراد.

وكذلك الحجة قد جاوز رتب من دونه ، ثم الداعي كذلك ، فلكل منهم مقام معلوم ، وكل واحد منهم برزخا قد صعد إلى صورته العلمية ممّن لا علم له به ولا علم في ذلك إلّا لمالك النفوس والصور ، فالصعود في ذلك على ما ذكرناه من اجتماع اللطائف وتواردها وتوقفها لإخوانها الذي به يتم تمامها.

وكذلك الغلاف أيضا من آثارات أجساد الصالحين ، تجتمع وهي الريحية التي هي النامية بالحقيقة تتوارد الشيء بعد الشيء إلى الباب الطبيعي الذي قدمنا ذكره بالمناسبة والمجانسة ، ويكون كل فضله من جسد يكون في أعضاء الغلاف على قدر علوّه أو دنوه ، فشيء منها القلب وما هو يقربه في جوارح الرأس يكون كل واحد عضوا مما هو يحويه أو عصبا (١) أو عرقا أو ممّا هو في جملته ، ومنها ما هو يكون من أعضاء اليدين ، ومنها ما يكون في الرجلين ، وقد قدمنا ذكر ذلك مبينا. وكذلك اللطائف وذلك بالاستحقاق والاتفاق على قدر علو المنزلة ودنوها فاعرف ذلك.

وقد جاء عن سيدنا حميد الدين قدس الله سرّه ، عن (٢) الخلقة الجسمانية التي هي النشأة الأولى بما جاء به الكتاب الكريم من قول السميع العليم وعلى ما أخذه من مواليه أهل الحق اليقين ، ووازن النشأة الآخرة بها وقابلها مثلا وممثولا محسوسا ومعقولا قال : فالأنفس تعمل في كل دور بحسب اكتسابها وطاعتها وعملها واقتنائها ، تكون منزلتها ، فما كان أكثر قياما بالأمر والنهي فهي مثلا من قرناء الأعضاء الرئيسية اللطيفة. إلى قوله : فهي من وقت مفارقتها أشخاصا في البرزخ الذي قال الله تعالى : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ

__________________

(١) عصبا : عصبة في ط.

(٢) عن : سقطت في ط.

٢٤٤

هُوَ قائِلُها) والبرزخ مجمع لها فمعنى أن كل نبيّ دعا ، أو وصي أو إمام فإن كل واحد منهم يكون على قدر قوّته وكثرة من استجاب له كالجسم الكبير الكثير الآلات في الأعضاء التي تجتمع إلى المجمع الأعلى والبرزخ الأعظم واجتماعها لتوارد أمثالها وأشكالها لتمام الخلق الجديد الذي هو النشأة الآخرة ، فيكون كل واحد منهم يقوم مقام عضو من الأعضاء التي في الجسم في الرفعة والاتضاع ، إلّا أنها صورة كاملة تامة عالمة قادرة حيّة ناطقة لا علو فيها ، ولا دنو. بل أعضاء متساوية لا فرق بينهما في المسرة واللذة والغبطة والراحة والنور والضياء والبقاء والأزل ، والقيام بالفعل. وروح القدس جامع لها كالبدن الجامع لما في الجسم ، وإنّما لم نذكر العالي من الأعضاء والداني ، إلّا في أعضاء الغلاف لكونه من جملة الأعضاء الجسمانية الذي يستحق كل جسم منها ما أوجبه له فعله ، فذلك كذلك.

ثم قال نضر الله وجهه : إنّه جاء عن موالينا عليهم‌السلام : إن المرء يحشر مع من أحب. وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن يوم القيامة يجيء كل صاحب دور (١) في دوره بمن «في دوره ممّن» (٢) اتبعه على أمره من وصي وإمام والتابعين لهم بإحسان ، وكذلك قال تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (٣) يقول صاحب الدور السابع الذي هو يوم من أيام الله يقيمه ويؤيده ويدعو كل تابع بمتبوعه للحساب والسؤال على ما أقام به وأمر. فقد بين أن المؤمنين والحدود ينتهون إلى الغاية التي هي الإمامة المقرونة بالكتاب والحكمة (٤) والملك العظيم بالغلف على ما ذكرنا. ثم إن النطقاء والأوصياء والأئمة هم المدعيين ، لأن كل واحد منهم قد صار مجمع جميع صور أهل دوره ودعوته فذلك معنى الدعاء والانتهاء إلى المجمع الأعظم الذي

__________________

(١) دور : دورة في ط.

(٢) في دوره ممن : سقطت في ج.

(٣) سورة : ١٧ / ٧١.

(٤) والحكمة : سقطت في ط.

٢٤٥

هو باب الحجاب ، نفس الكل ، عاشر الرتب ولذلك أنّه المحرك لعالم الطبيعة ما علا منها ودنا ، وأقام الحدود ورتب المراتب ، وجذب من علا أو هبط ومن سقط ، كما قال تعالى : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (١) ، بمواد العقول المجردة وتأييدهم لهم بشعاع العلي العظيم الذي هو المبدع الأول المسمى به وصي الدور ، وموفي الفكر لظهور الولد التام الذي به يرتفع إلى ما علا عليه من الرتب الانبعاثية ويسكن هو عن الفعل والتدبير لعالم الطبيعة به ، ويخلفه في مكانه ، ونحن سنحقق ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.

فإذا دنا التمام وثبت الكمال ، بتوارد الصور الشريفة المذكورة إلى المجمع العالي وكان الكل بحصول الكل شخصا واحدا ، كان القائم صلوات الله عليه ، غلاف هو ألطف من كل لطيف ، وأشرف من كل شريف ، وذلك أنّه يكون من الكواكب المنحدرة ، ومن الجواهر المتجوهرة كما قال تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ. وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ) (٢). فيكون ذلك الغلاف أبهى وأطهر وأشرف وأنور وأعلى وأقدر من جميع ما تقدم عليه من أجسام المقامات ، كما أن لطيفه ألطف ما لطف ، فجسده ذلك هو زبدة ما انحدر من الكواكب ومن لطافة ما تلطف من الجواهر.

وذلك أنها إذا انسحقت بعدت فاتصلت خاصتها بفاكهة تكون غذاء لها ، أعني تكون رطبة تغتذي بها شجرة فاكهة وتنمو في أغصانها ، ثم يتحد ببذره فتمتزج به. حتى إن تلك الخاصة تميزها العناية الإلهية فتستخار حتى يمكن أنها تكون في جنة (٣) ، ثم تصير بالاستحقاق والاتفاق غذاء الوالدة ، ثم يكون الحال على ما ذكره ، فإذا ظهر ذلك الولد التام ، كان ذلك الجسد أشرف من غلاف الموجود الأول المتكون من الماء والطين ، فيكون له من

__________________

(١) سورة : ٨ / ٣٨.

(٢) سورة : ٨٢ / ١ ، ٢.

(٣) جنة : حبة في ج.

٢٤٦

القيام بالفعل والقدرة والمعجزات والتمام والكمال ، ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ويكون مثله مثل التاج الذي قدمنا ذكره ، ويكون له من البهاء والضياء والنور والعلاء ما تكيع عنه الأبصار وهو ممثول جرم الشمس بالحقيقة ، فلا يأتي منه أحد بإمارة ولا صيغة ولا إشارة ، وبيان ذلك قول سيدنا حميد الدين نضر الله وجهه :

إن تمام الأمور في بلوغها غاياتها في أن يحصل لها صورة أوائلها ، التي هي علّة وجودها بأن التمام والكمال أن يحصل لها صورة علّة وجودها الذي هو المبدع الأول ، فتكون كهو لو لا شرف السبق.

وقال في شرف القائم وفي انتقال النطقاء والأسس والأئمة من قبله وقيامه وقيامهم قال :

إن الأئمة والحدود الضالين يجعلون مباني أمورهم ومذاهبهم المؤسسة على قضايا أهوائهم منقوضة منسوخة لا يقدرون على إثباتها بحجّة ، ولا يزالون ينتقلون إلى أن ينقضي العدد الذي بمثله يتم الدور ، فيظهر الله تعالى النفس الزكية التي هي خاتمة الأدوار صغيرها وكبيرها ، وحاوية للأنوار ، متقدمها ومتأخرها ، وهو اليوم الآخر المبشر به المأمور بالإقرار به والإيقان بمجيئه ، وهو في السعادة أسعد السعداء ممّن تقدم وتأخر ، باجتماع الأمور له ، ظاهرها وباطنها ، فيتم الله على يديه من أمره في خلقه ما لم يتم على يدي أحد من المؤيدين قبله بكونه جامعا للأنوار الفائضة من دار القدس وموجودا على سابق تقدير من حكيم عليم (١) طالما تحركت الأجسام العالية لأجله وفعلت فيها وفيما دونها بسببه ، وفطرت الأنفس المؤيدة له وعملت قبله ، فتواقفت ، فيسري روح القدس علما في الأنفس بمجردها علوا ، ومشوبها سفلا ، فيكون تماما

__________________

(١) عليم : غليم في ط.

٢٤٧

للخلق الجديد على ما ذكرناه في باب البعث ، ويتمكن في العالم بانطباع الموجودات له ، حتى إنّه لو جاز أن يكون من الطبيعيات مثلا إلهيا ، لكان هو سلام الله تعالى ، وتعالى (عن أن) (١) يناسبه شيء من مخترعاته ، ولا إله إلّا هو بحكمه على الاعتقادات ، واطلاعه على ما في الأنفس والإرادات ، فينطاع الخلق له شرقا وغربا.

وقوله أيضا : فذلك إشارة إلى صاحب القيامة الذي هو خاتم الأدوار كلها بالقوة الإلهية ، فيجمع الله به الصور ، وتطيع له أهل الجزائر وأرباب الدعوة الإلهية ، صنع الله الذي أتقن كل شيء. يقول : من حكمة الله تعالى في اجتماع نفس تنطاع لها السموات وما فوقها من منعوتها وحدّها على قدر ، بباهر أمره التي هي العقول الخارجة إنّه خبير بما تفعلون. يقول : إنّه عليم بما يكون وكيف يكون ؛ إلى قوله : وقد خلق الله خلقا جديدا روحانيا قائما بذاته مسبحا (٢) مقدسا ذاته ، هيولاني ، وفعله قدساني يحصل في دار القدس مجردا من ضيق الأجسام ، متخلصا إلى القصد بمن في جملته وزمرته من المتقين. (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٣). فهو الحد الذي دون المقتدر ، والملك المقتدر هو المبدع الأول ، وقد بين في قوله صعوده. بمن في جملته وزمرته ، فهذا غاية البيان ، وأوضح برهان ، وما يعقلها إلّا العالمون.

فصل : وقد جاء عن أبي يعقوب السجستاني نضر الله وجهه في كتاب البشارات في تأكيد ما ذكرناه (٤) من اجتماع الصور سفلا وعلوا قال (٥) :

روى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) بأن الله خلق آدم على صورته.

__________________

(١) عن أن : أن في ط.

(٢) مسبحا : سبحا في ط.

(٣) سورة : ٥٤ / ٥٤ ، ٥٥.

(٤) ذكرناه : سقطت في ج.

(٥) قال : سقطت في ج.

(٦) وآله وسلم : سقطت في ط.

٢٤٨

وذلك أن للنفس الكلية صورة الصور كلها ، وإليها ترجع الأنفس الجزئيات التي هي من آثاراتها ، وإفاضاتها (١) على أجسادها البشرية ما صارت به جوهرا ، فكل جوهر منه في ذاته ، إذا رجع إلى عالم النفس يكون له صورة على حدته وجزئيته يشبه كلها النفس الكلي ، فآدم عليه‌السلام كان أحد الجزئيات التي ذكرناه وأولهم وأسّهم ، وأنّه كان كصورة النفس خلق حتى لا يتعداه شيء منها في جزئيته ؛ إلى قوله : والإنسانية التي ظهرت في دار الجسم هي الناطقة المتحدة بالنفس الحسية فتعود وهي الحسية روحانية في دار البقاء صورة واحدة يكون العلم لها روحا وهي تقطع عالم الأفلاك إلى عالم النفس إلى عالم العقل سدرة المنتهى وجنة المأوى. والإنسان ما شرف على غيره إلّا بما يختص به من العلم الذي هو الأثر من الباري سبحانه ، وكذلك يكون أبديا باقيا لأنّه متصل بمعرفة اليوم الموعود به ، والأجل المسمى لقوله تعالى : (اعْبُدُوا اللهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ) (٢). فالنفس الحسية ممتزجة بالناطقة إذا قبلت منها واتبعتها حتى تصيرا شيئا واحدا حيا أبديا ، وروحها النفس العقلية. فإذا فارقت الصورة هذا الجسد لحقت بعالمها اللطيف ، واتصلت بالمشاكلة بالنفس ؛ والمشاكلة هي معرفة المبدع تعالى حده بلا تشبيه ولا تعطيل ، ثم معرفة المبدع ومعرفة هذا العالم وما ينتهي إليه.

وقال أيضا : فالنطقاء هم أجزاء النفس ، فأولهم آدم عليه‌السلام وهو جزء من النفس ، والثاني جزءان إلى أن ينتهي إلى (٣) السابع الذي يحوي تمام الأجزاء. فإذا انتهى السابع إلى مرتبته ودرجته ارتقاء النفس إلى العقل الذي هو نهاية الأشياء ، وهو سدرة المنتهى ، فيكون كلّا لما دونه ، ويقوم بابه مقام أول درجة النطقاء (عليه‌السلام) (٤) فيكون كون النفس قد تم وقام

__________________

(١) وافاضاتها : وأفاضلها في ط.

(٢) سورة : ٢٩ / ٣٦.

(٣) إلى : سقطت في ج.

(٤) ع. م : سقطت في ج.

٢٤٩

بابه مقام أول درجة النطقاء عليهم‌السلام ، فلا يزال ينتهي كل باب إلى درجته حتى يقوم النطقاء فينتهي أول المتمين وأول اللواحق إلى الحجج ، وأول المجتهدين إلى اللواحق ، وأول المستبصرين إلى المجتهدين ، وأول المستجيبين إلى المستبصرين ، فلا تزال الأكوار تكور ، والأدوار تدور ، حتى ينتهي المستجيب الذي قد وقعت صورته في الدائرة وذلك لسقوط الفكر ومعرفة كم الأدوار والأكوار ؛ فالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جزء النفس ، والنفس كلّه. والباب عليه‌السلام جزء الرسول ، فالرسول «صلعم جزء النفس والنفس كله والباب ع م جزء الرسول والرسول» (١) كله ، والأئمة عليهم‌السلام أجزاء كليات اللواحق ، واللواحق كليات المجتهدين. والمجتهدون كليات المستبصرين. والمستبصرون كليات المستجيبين ، فهذه سبع دوائر من المستجيب ، وأول نطفة آدم عليه‌السلام (٢) هو جزء النفس من سبعة أجزاء ، فإنّه الأصل الذي بينه وبين الدائرة ، دائرة الوصل (٣) بين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) وبين الجاري إلى أن ينتهي إلى كله ، ومن وقع في دائرة من الدوائر يصير شكله حتى تنتهي الكليات كلها إلى درجة النفس. وفقنا الله وجميع المؤمنين لرحمته ورضاه ، وكل دائرة الرسول «صلوات الله عليه» (٥) بجميع الأجزاء وقبولها من قبل اتصالها وأدائها من دونها مثل كل دائرة ، وهذه الدائرة الدالة على ذلك ، وهذه نقطة النفس والأجزاء (٦).

__________________

(١) سقطت الكلمات الموضوعة داخل قوسين من ج.

(٢) ع. م : سقطت في ط.

(٣) الوصل : هو الأصل في ط.

(٤) وآله وسلم : سقطت في ط.

(٥) صلوات الله عليه : سقطت في ج.

(٦) سقطت الصورة وجاء مكانها بياض في ج وط.

٢٥٠

٢٥١
٢٥٢

ودائرة السابع سبيلها كدائرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجمع الأجزاء وقبولها من قبل اتصالها وأدائها من دونها مثل بمثل ، وهو يعني أن الترافع في الارتقاء من حد المستجيب إلى الرسول على قدر ما بينه في هذه الدائرة ، وأن معاد الحدود إلى الرسول صاعدا من رتبة إلى رتبة ، أو إلى وصي أو إلى إمام في كل وقت وزمان وأن النطقاء أيضا كذلك يصيرون إلى القائم وأنّه لهم كلّ ، وهم له أجزاء ، كما قال سيدنا المؤيد قدس الله سرّه : الكل الذي به الأجزاء تجتمع ، وبه يرتفع من يرتفع ، وبه يتضع من يتضع.

وقال أيضا الشيخ أبو يعقوب في فصل من الكتاب : ودائرة السابع سبيلها كدائرة الرسول مجمع الأجزاء وقبولها من قبل اتصالها وأدائها من دونها مثلا مثلا. وهو يعني أن لهم دائرة نحن نبينها : إن الآخر في أدوار الشرائع أول في المعاد ، لأن الآخر ممثول اللطيف ، يكون ظهوره بعد كمال الكثيف على سبيل هذه الدائرة التي صورناها ليعرف أن آدم عليه‌السلام كان أولا في الدور وهو يعود في الانتهاء آخرا على هذا المثال ، فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى سبحانه.

فهذه الأجزاء التي تجتمع لظهور القائم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد صارت هذه الدوائر كل واحدة على سبيل دور ناطق وأهل دوره الذين يصعدون إليه ويكونون في زمرته ، وكل دائرة متصلة بأختها. وهي أجزاء للقائم صلوات الله عليه. فآدم ممثول المخ ، ونوح مثل العظام ، وإبراهيم مثل العصب ، وموسى مثل العروق ، وعيسى مثل الدم ، ومحمد مثل اللحم ، والقائم مثل الجلد الحاوي على جميع أعضاء الجسم ، فذلك كذلك. فهو الكل ويقومون شخصا واحدا هم القائم في أول الكشف بدلا بما قاموا به من الستر ، وينتقمون من الأضداد ، فإذا آن للقائم الصعود إلى فلك العاشر خلفه

٢٥٣

في موضعه وارتقى العاشر بارتقائه وعاود التدبير للقائم في عالم الطبيعة حتى يستخلص لنفسه من يخلفه كما استخلصه الأول.

فآدم كان أول النطقاء والأجزاء ، والنطقاء من بعده على ما هذا سبيله إلى ما كان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرب الأجزاء إلى القائم ، فبذلك شرف وكمل وفضل هو وأتماء دوره وتابعوهم لكونه يكون أولا هو وأهل دوره أول الأعضاء المجتمعة وأشرفها وأخصها ، كما حقق ذلك حيث يقول : وذلك أن محمدا وأهل دوره ابتداء في الصورة (١) الروحانية كما كانوا آخرا في الصور الشرعية ، ويكونون أيضا كلّا لمن يتقدمهم في أعضاء الصور المجتمعة التي تكون هي القائم. وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نص على وصيه وهو الساعة المشار إليه بها ، وهو القائم في الأمر والنهي بالقوة لا في العلم والحكمة وهو الأساس بالقوة ، والقائم صاحب الكشف بالفعل ؛ لكمال المراتب إلى الخلق الجديد والنشأة الآخرة. وقد أطلعه الرسول على المراتب كلها ، من حد المستجيب إلى الوصاية ، إلى النبوة إلى الرسالة ، إلى الضياءة إلى القدسية ، إلى النطق. ثم انتقل وقد حوزه المراتب كلها ، وعلي (٢) علا جميعها باللطافة التي هي حظه لأنّه حياة الشرائع كلها ، والإسلام والإيمان وحياة الرسل ممن تقدمه ، والأوصياء والأئمة ممن تقدمه ، فكان الوصي علي صلوات الله عليه بهذه الفضائل من الأعضاء المجتمعة في المجمع الأكبر في أفق العاشر ، قلب جميع الصور المجتمعة من ثلاثة آلاف سنة حتى آخر «الخمسين الألف (٣)» من دور الكشف إلى وفاء ستة آلاف الستر مركز الحياة وحجاب روح القدس ، ويكون محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الصورة الرأس الروحاني ، لأن الناطق الحق (٤) الصادق وحاسة النطق في الرأس ،

__________________

(١) سقطت الصورة من ج وط.

(٢) علي : سقطت في ط.

(٣) الخمسين الألف : الخمسة آلاف في ج.

(٤) الحق : سقطت في ج.

٢٥٤

٢٥٥
٢٥٦

ودور أتمائه مثل فاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وإسماعيل بن جعفر ومحمد «بن إسماعيل» (١) سابعهم. منهم حاسة السمع ، ومنهم حاسة البصر ، ومنهم حاسة الشم ، ومنهم حاسة الذوق ، ومنهم حاسة اللمس ، ومنهم حاسة التخيل ، ومنهم حاسة الحفظ ، ومنهم حاسة الذكر.

فهؤلاء الثمانية يكوّنون هذه الحواس الثمان. ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حاسة النطق والفطنة ، وعلي القلب والفكرة ، لأنّه صاحب التأويل ومعنى جميع ما جاءت به الأعضاء الجزئية من أول الدهر إلى آخره ، وجميع النطقاء وأهل إجابتهم كل منهم من حواس الشخص النوراني الروحاني. والقائم «صلوات الله عليه» (٢) يقوم مقام الروح ، الروح المتحد بحاسة القلب وبحاسة الرأس خصوصا ، فالروح هو الحياة المحيي لجميع الأعضاء والآلات ، وغلافه صلوات الله عليه من خاصة الكواكب المنحدرة كما ذكرنا ، ومن الجواهر المتجوهرة التي هي كامنة فيها ، وقد صفّتها الأدوار وعرفها التكرار ، حتى خرج منها المعنى المحفوظ الذي أريد به هذا المعنى الشريف ، فكان أشرف من كل شريف ، وألطف من كل لطيف ، فإذا صعدت الصورة إلى رتبة العاشر المشار إليه بالنفس صعد إلى رتبة من رتبة العقول الانبعاثية. ونحن نصور الرتب الروحانية التي هي تترافع إلى رتبة المنبعث الأول جنة المأوى ، عند سدرة المنتهى ، ولا منفذ بعده ، وهو حجاب المبدع الأول وبابه ، فاعرف ذلك إن شاء الله تعالى (٣).

__________________

(١) ابن إسماعيل : سقطت في ط.

(٢) صلوات الله عليه : سقطت في ج.

(٣) سقطت الصورة من ج وط.

٢٥٧

الأول الذي هو المبدع الأول دائرته الأولة ، والثانية للمنبعث الأول الذي هو حجابه وجنة من صعد من الرتب السفلية والعلوية. فهذان فلكها متحدان الأول به ومن بلغ إليه كان في أفقه في هذا البياض فوق الخط. هذه الدوائر السبع في كل دائرة من العقول ما لا يحصى بعدّ ولا يوصف بحد ، وهي المراتب التي أجابت المنبعث الأول في دعوته وسبقت العاشر إلى القيام بالفعل الذي هو الكمال الثاني فيما غفل عنه وسها من أن يلتزم بالسابق عليه الذي هو المنبعث الأول ، ولم يقر بوحدانية المبدع الحق ولا إلهية ولا شهد بما شهد به المبدع الأول فقط.

فلما سبقته هذه العقول المترتبة ، وكان أولا في الدائرة الثالثة تأخر إلى ما كان عاشرا في العدد منفردا بذاته ، وأقبلت عليه العقول جميعها بالوحي والإلهام حتى رجع إلى ما غفل عنه وسها وأقر وتاب وأناب ، فقام بالفعل لما صح له الكمال الثاني وقام في عالم الطبيعة مقام المبدع الأول في عالم القدس إلى ما يكمل الولد التام ، وقام في الأمر مقامه ، فعلى ذلك ارتقاء وصعود أبدا سرمدا ، بسريان روح القدس الجاري من النهاية الأولة ، وضياء نوره. وهذا بيان ما وعدنا ببيانه ، ونحن نعود إلى فصل من كلام الشيخ أبي يعقوب قدس الله سرّه حيث يقول في الكتاب :

وقلنا إن الباري سبحانه أحدث وأبرز الأمر علته للمعلول أثرا بالمحدث الذي أحدثه وهو الوحدة والأول والعلة والأزل والشيء والكلمة ، والعقل سابعها وجامع لهذه كلها. فهذا العقل وذاته وهو المركز لدائرة ما ، فصارت هذه الحروف التي ذكرناها نقطا للدائرة فدارت الدائرة إلى عودها النقطة الثانية من المركز وهي النفس ، وصارت سابعها مركز النقطة للأجزاء الستة التي صارت حروفا ، وكل حرف نقطها سابعها مركز صارت ببركة مقدر الأشياء ، بما قدر فيها ، فكان ابتداؤها الأنوار الروحانية المستجنة الدائرة (١) بها وصارت سابعها.

__________________

(١) الدائرة : الدائر في ج.

٢٥٨

٢٥٩
٢٦٠