كنز الولد - المقدمة

كنز الولد - المقدمة

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٤٢

١
٢

٣
٤

مقدّمة

من المعلوم أنّ العقائد الإسماعيلية لا يمكن دراستها وبحثها على أنّها عقائد ثابتة لفرقة موحدة ، ذلك أنها عقائد تطورت حسب البيئات والأزمان ، فاختلفت باختلافها ، وتشعبت آراؤها ونظرياتها ، حتى أصبح من الصعب أن تبلور هذه العقائد أو أن تصهر في بوتقة واحدة.

والكتاب الذي نضيفه اليوم إلى مجموعة الكتب والأبحاث التي نشرناها حول الحركات الباطنية في الإسلام ، كنز من كنوز المعرفة الخاصة بدعوة الإسماعيلية الطيبية ، والصورة التي رسمها هذا السفر النفيس بمنهجه ومادته ، صورة علمية جديرة بالمطالعة والدراسة.

إن كتاب «كنز الولد» من الكتب السرية النادرة الوجود ، الجليلة القدر ، المحتوية على تسلسل المراتب الباطنية ، والحدود الروحانية ، والنظريات العقلانية العميقة في علم «الحقيقة» أي العبادة العلمية أو علم الباطن كما هو معروف لدى دعاة الإسماعيلية ، فعقائد الإسماعيلية الطيبية وأسرار التوحيد الإسماعيلي التي يرسم خطوطها المؤلف تجسد ما هي عليه اليوم عند طائفة «البهرة» بفرعيها السليماني والداودي ، ولقد وصفه المؤرخ الداعي إدريس عماد الدين القرشي (٨٣٢ ـ ٨٧٢ ه‍) بأنّه الكتاب الجليل في علم الحقائق الموسوم بكنز الولد (١). وممّا يعطي قيمة فكرية كبرى لهذا الكتاب من الناحية

__________________

(١) عيون الأخبار الداعي إدريس عماد الدين ج ٧ ص ٢١٠.

٥

الفلسفية أن المؤلف ذكر فيه لأول مرة في تاريخ الفكر الإسماعيلي رسائل إخوان الصفاء ، والرسالة الجامعة ، واعتمد في مناقشاته على آراء الشخص الفاضل صاحب الرسائل والجامعة ونظرياته ، لذلك نلاحظ بأن دعاة الطيبية في اليمن قد نهجوا فيما بعد نهج الحامدي في دراسة الرسائل والجامعة واعتبروها بمثابة الكتاب الثاني بعد القرآن.

وقبل أن نتعرض للحديث عن تحقيقنا لهذا الكتاب لا بدّ لنا من إبراز صورة واضحة عن الإسماعيلية الطيبية في اليمن إذ ان المؤلف من دعاة هذه الفرقة المطلقين ، والكتاب من الكتب السرية الخطيرة لدى تلك الفرقة ، ليكوّن القارئ فكرة صحيحة عن هذه الفرقة التي لعبت دورا هاما في تاريخ اليمن الديني والسياسي. ولعلماء الدعوة اليمنية الفضل الأكبر في نقل شتات التراث الفكري الإسماعيلي وتدوينه في كتب ومؤلفات ، وحفظ ما تركه الدعاة والفلاسفة والمؤلفون في عهد الخلفاء الفاطميين وفي دور الستر الأول.

الانقسام الإسماعيلي

اختلفت آراء المؤرخين وتضاربت أقوالهم حول التصدع والانقسام الذي حصل بين صفوف الإسماعيلية الفاطمية بعد وفاة الخليفة الفاطمي الإمام المستنصر بالله في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة سنة ٤٨٧ ه‍ ، بعد أن أقام في الخلافة ستين عاما توصل خلالها إلى ما لم يتوصل إليه أحد قبله من الأئمة الذين تولوا شئون مصر في العهد الفاطمي ، كما بلغت الدعوة الذروة ، وانتشرت في أغلب البلاد العربية على أيدي دعاة علماء وفلاسفة كبار. ويرجع سبب هذا الانقسام إلى أن الإمام المستنصر بالله كان قد نص على أن يتولى الإمامة والخلافة بعده ابنه الأكبر نزار الذي ولّاه عهده سنة ٤٨٠ ه‍. ولما داهم

٦

المستنصر المرض وشعر بدنوّ أجله ، شرع في أخذ البيعة لولده نزار ، ولكن الوزير الأفضل بن بدر الجمالي الأرمني الجنس الذي كان يتمتع بنفوذ كبير في طول البلاد وعرضها ، أخذ يماطل ويسوف حتى توفّي الإمام المستنصر قبل أن تتم مبايعة نزار. فاغتنم الأفضل هذه الفرصة وحال بين نزار وبين حقّه الشرعي في الخلافة والإمامة ، وعقد اجتماعا ضم الأمراء وكبار رجال الدولة من الانتهازيين المتملّقين الذين يستهدفون الأمور الدنيوية الزمنيّة وينهدون إلى الجاه والصولجان ، دون أن يعطوا القيمة المطلقة للنص ، فأصموا آذانهم عن سماع كل ما يتعلّق به ، ورفضوا أن يتصرفوا على ضوء الحق والواقع. فعملوا بموجب إرشادات الأفضل الذي أثار مخاوفهم من نزار ، ومناهم بأرفع المناصب وأجزل العطايا ، بعد أن فرض عليهم ضرورة تنحية نزار عن الخلافة والإمامة ، وتولية أخيه أبي القاسم أحمد ـ وكان طفلا صغيرا ـ وهو ابن أخت الأفضل ، فعارضه في ذلك الأمير عبد الله بن المستنصر ومحمد بن مصال اللكي. ولكن الأفضل الذي كان يتفاعل في أعماقه حقد عنيف دفين على نزار ويخشى أن يتسلم الخلافة فيقصيه عن الوزارة لما كان يتصف به من سمعة سيئة ، ونفوذ عظيم في البلاد ، لم يعبأ بهما وبادر إلى مبايعة أبي القاسم أحمد ولقبه (المستعلي بالله) وكلف قاضي القضاة علي ابن نافع الكحال بأخذ البيعة له من كبار رجال الدولة وأعيانها ، الأمر الذي أهاب بعدد كبير من الدعاة ومن مريدي المذهب الإسماعيلي إلى عدم الاعتراف بإمامة المستعلي والمناداة بإمامة صاحب النص نزار وأبنائه من بعده ، وبذلك انقسمت الإسماعيلية إلى فرقتين : الأولى ظلت على تمسكها بالنص للإمام نزار ، فسميت النزارية. والفرقة الثانية سارت وراء المستعلي فعرفت بالمستعلية وهي موضوع بحثنا في هذه العجالة.

وتشير المصادر التاريخية إلى أسباب إقصاء نزار عن الخلافة فتقول :

٧

«دخل الأفضل مرّة القصر راكبا من باب الذهب بينما كان نزار خارجا من نفس الدهليز فصاح به (انزل يا أرمني يا نجس عن الفرس إذا ما كنت داخلا إلى القصر ، ما أقل أدبك) فحقدها عليه ، وخاف إذا ما أصبح خليفة أن يقضي عليه ، ويبعده عن الوزارة ، فسعى إلى خلعه ، وبايع أخاه المستعلي» (١) وباعتقادي أن الأسباب أعمق ممّا ذكر بكثير وكانت تستهدف القضاء على المذهب الإسماعيلي قضاء مبرما ، لو لا أن هناك بقية باقية من الإيمان في قلوب الدعاة العلماء والمخلصين الأوفياء من أبناء الدعوة فوقفوا سدا منيعا في وجه المتآمرين.

ولما لمس نزار بأن حقّه الشرعي قد اغتصب بالحيلة والقوة سار إلى الإسكندرية بصحبة أخيه عبد الله وابن مصال اللكي ونخبة من العلماء والدعاة ، فاستقبله والي الإسكندرية ناصر الدولة أفتكين والقاضي جلال الدين بن عمار وبايعاه ، ومن ثم أخذا له البيعة من جميع أهل الإسكندرية ولقب (المصطفى لدين الله). وأتته البيعة وكتب الولاء من بلاد فارس وبلاد الشام ، فلمّا علم الأفضل بذلك خرج لقتال نزار على رأس جيش لجب ، فدارت الدائرة على الأفضل وعاد مهزوما إلى القاهرة ، حيث أخذ يعد العدة لقتال نزار ، ونجح باستمالة بعض العربان من أنصار نزار. ولما تم له ذلك عاد ثانية إلى الإسكندرية ففتحها بعد حصار مرير سفكت خلاله دماء بريئة طاهرة من كلا الطرفين المتقاتلين ، وألقى القبض على حاكمها أفتكين وعلى القاضي جلال الدين وعدد من رجالات الدعوة النزارية ، وقيل إنّه قبض على نزار فسلّمه للمستعلي الذي أمر أن يبنى عليه جدار فمات. وفي رواية أخرى أن نزارا قتل في القاهرة

__________________

(١) الكامل لابن الأثير ١٠ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ (ط. صادر) تاريخ الدولة الفاطمية ص ١٧١ لحسن إبراهيم حسن وتاريخ الدعوة الإسماعيلية لمصطفى غالب طبعة ٢ ص ٤٥٢

٨

سنة ٤٨٨ ه‍. أما ابن مصال اللكي فقيل إنّه استطاع الإفلات أثناء الحصار وفرّ إلى بلاد المغرب عن طريق البحر.

ولكن النصوص التاريخية الإسماعيلية النزارية التي عثر عليها مؤخرا في إيران وسورية ، لا تؤيد هذه المزاعم بل تؤكد بأن الإمام نزارا قد أجبره أتباعه ومريدوه أثناء الحصار على أن يغادر الإسكندرية سرّا يرافقه ابن مصال اللكي وخمسة من الفدائيين الذين كانوا قد وصلوا الإسكندرية موفدين من قبل الحسن بن الصباح. وإليك ما أشار إليه الشيخ الإسماعيلي المغربي محمد بن أبي المكارم : «عند ما اشتد الحصار على الإسكندرية من قبل الجاحد المارق الزنديق الأرمني الأفضل غادرها مولانا الإمام نزار عليه‌السلام مع أهل بيته متخفيا بزي التجار نحو سجلماسة حيث مكث عند عمته هناك بضعة أشهر حتى عادت إليه الرسل التي أوفدها لإبلاغ الحسن بن الصباح عن محل إقامته ، فسار إلى جبال الطالقان مع أهل بيته ومن بقي معه من دعاته وخدمه حيث استقر بقلعة ألموت بين رجال دعوته المخلصين» (١).

ونحن إزاء هذه الروايات المتضاربة نقف موقف الباحث المنصف المتجرد عن كل نزعة لنقول والشك يداعب مخيلتنا : لو صحت هذه الرواية وغيرها من الروايات التي عثرنا عليها في بعض المخطوطات السورية لكانت دليلا قاطعا على أن ما قيل حول القضاء على نزار في القاهرة محض اختلاق قصد به الطعن في صحة نسب الأئمة النزارية الذين ظهروا في ألموت. لأنه في حالة ثبوت الرواية التي تزعم بأن نزارا قد قتل في القاهرة مع أبنائه يكون قد تم استئصال سلالته ممّا يجعل الباب مفتوحا أمام أتباع الفرقة المناوئة ليزعموا بأن أئمة «ألموت»

__________________

(١) محمد بن أبي المكارم : كتاب الأخبار والآثار ، الورقة ١٦٣ ، وتاريخ الدعوة الإسماعيلية لمصطفى غالب ص ٢٥٥

٩

هم من نسل الحسن بن الصباح أو كيابذرك آميد إلى آخر ما هنالك من مزاعم. وباعتقادي أن كل هذه المزاعم والإشاعات دبرت بإحكام من قبل الأفضل وأتباعه بقصد إبعاد الإسماعيلية الذين تهافتوا على نزار عند ما استقر به المقام في «ألموت».

ومهما يكن الأمر فقد استطاع الأفضل أن يستأصل شأفة النزارية في مصر ويثبت دعائم الخلافة المستعلية.

ولما كان المستعلي كما ذكرنا لا يزال طفلا فقد ترك شئون السياسة والحكم إلى خاله الأفضل ، وعكف بدوره على المجون واللهو والتمتع بالأمور الدنيوية.

وفي عهده بدأت الحروب الصليبية ، وراح الصليبيون يشنون الغارات المتواصلة على سواحل بلاد الشام ، وواصلوا تقدمهم حتى دخلوا بيت المقدس. ولمّا علم الأفضل بذلك ، خرج إليهم في عشرين ألف فارس من عساكر مصر ، واشتبك الفريقان في معركة ضارية قتل فيها كثير من جنود مصر ، فاضطر الأفضل إلى الاتجاه نحو عسقلان ، ثم عاد إلى القاهرة عند ما شعر بأن العصيان والتمرد أخذا يسيطران على الأغلبية من كتائبه. وبعد أن تمكن من تطهير الصفوف وجمع الكلمة أعد جيشا كبيرا سنة ٤٩٣ ه‍. أسند قيادته لسعد الدولة النواسي ، فالتحم مع الصليبيين في عسقلان ، في معركة دامية أسفرت عن مقتل سعد الدولة وتراجع جيشه إلى القاهرة ، ممّا أتاح للصليبيين أن يواصلوا زحفهم وفتوحاتهم حتى تم لهم الاستيلاء على بعض المدن الساحلية في بلاد الشام وبيت المقدس ، فأسسوا فيها الإمارات والممالك.

وبعد وفاة المستعلي جلس على أريكة الخلافة ولده الآمر بأحكام الله في اليوم التاسع من صفر سنة ٤٩٥ ه‍. وكان له من العمر خمس سنوات ، فجعل الأفضل من نفسه كفيلا له ، وقبض على زمام الأمور في البلاد ، ولكن الأفضل ما عتم أن دارت عليه الدائرة فقتل بينما كان متوجها إلى القصر في

١٠

اليوم السابق لعيد الفطر سنة ٥١٥ ه‍. فتولى الوزارة مأمون البطائحي الذي استبد بالسلطة كلها ، لأن الآمر كان مسلوب الإرادة لا حول له ولا قوة ، كثير العبث والمجون. ممّا أهاب ببعض الفدائية من الإسماعيلية النزارية إلى اغتياله والتخلص منه بينما كان يعبر الجسر المؤدي إلى جزيرة الروضة سنة ٥٢٤ ه‍.

ولما كان الآمر لم ينجب ولدا يتولى الخلافة بعده ، فقد وثب عليها عمّه الحافظ عبد المجيد بن المستنصر معتبرا نفسه حسب العرف الإسماعيلي «إماما مستودعا» وسرعان ما دعا لنفسه بالإمامة. ولكن الإسماعيلية المستعلية ، وخاصة إسماعيلية اليمن زعموا بأن الآمر عند ما قتل كانت إحدى زوجاته حاملا ، ثم وضعت طفلا ذكرا سموه «الطيب» فالإمامة على هذه الصورة لهذا الوليد ، الذي تمكن أحد دعاتهم في القاهرة من إخفائه عن الحافظ وإرساله في «مقطف» إلى الملكة الحرّة أروى الصليحية باليمن ، وهذه من جانبها سترته وجعلت نفسها كفيلة عليه ، ونائبة عنه في تولي أمور الدعوة المستعلية ، ولقبت نفسها «كفيلة الإمام المستور الطيب بن الآمر». وتدور حول هذه القصة روايات وأساطير لا يسعنا إلّا استعراضها ومناقشتها على ضوء المنطق والعقل والواقع لما يكتنفها من ملابسات وغموض.

تجمع النصوص التاريخية للدعوة الإسماعيلية الطيبية في اليمن على أن الخليفة الفاطمي الآمر قبل مصرعه بقليل أنجب طفلا في الليلة المصبحة باليوم الرابع من شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وخمس مائة ، وسمّاه الطيب ، وكنّاه أبا القاسم ، وكتب سجلات البشارة بهذا المولود والنص على إمامته ، ومن ذلك سجله إلى الملكة الحرّة الصليحية الذي قال فيه : «بسم الله الرّحمن الرحيم. الحمد لله ربّ العالمين. من عبد الله ووليه الآمن ، المنصور ، أبي علي الآمر بأحكام الله ، أمير المؤمنين ، إلى الحرة ، الملكة ، الطاهرة ، الزكية ، الرضية

١١

وحيدة الزمن ، سيّدة ملوك اليمن ، عمدة الإسلام ، خالصة الإمام ، ذخيرة الدين ، عمدة المؤمنين ، كهف المستجيبين ، عصمة المسترشدين ، وليّة أمير المؤمنين ، وكافلة أوليائها المؤمنين ، أدام الله تمكينها ونعمتها ، وأحسن توفيقها ومعونتها. سلام عليك. فإن أمير المؤمنين يحمد إليك الله الذي لا إله إلّا هو ، ويسأله أن يصلي على جده محمد خاتم النبيّين وسيّد المرسلين ، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين الأئمة المهديّين وسلم تسليما.

أمّا بعد ، فإن نعم الله عند أمير المؤمنين لا تحصى بعد ، ولا تقف عند أمد ، ولا تنتهي إلى الإحاطة بها الظنون ، لكونها كالسحاب الذي كل ما انقضى منها سحاب أعقبه سحاب هتون. فهي كالشمس الساطعة الإشراق ، الدائمة الانتظام والاتساق ، والغيوث المتتابعة الاتصال ، المتوالية في الغدو والآصال ، ومن أشفها لديه قدرا ، وأعظمها صيتا وذكرا ، وأسناها جلالا وفخرا ، الموهبة بما جدده الآن بأن رزقه مولودا زكيّا رضيا مرضيّا برا تقيا. وذلك في الليلة المصبحة بيوم الرابع من شهر ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وخمس مائة ، ارتاحت إلى طيب ذكره المنابر ، وتطلعت إلى مواهبه آمال كل باد وحاضر ، فأضاءت بأنوار غرّته وبهجته طلعة ظلم الدياجر ، وانتظمت به الدولة الزاهرية الفاطمية عقود الفضائل والمفاخر ، استخرجه من سلالة النبوة كما يستخرج النور من النور ، ومنح أمير المؤمنين منه ما قدح به زناد السرور. وسمّاه الطيب لطيب عنصره ، وكناه أبا القاسم كنية جده نبي الهدى المستخرج جوهره من جوهره. وأمير المؤمنين يشكر الله تعالى على ما منّ به من اطلاعه كوكبا منيرا في سماء دولته ، وشهابا مضيئا في فلك جلاله ورفعته ، شكرا يقضي باستدامة نعمته ، وإدرار سحائب طوله ورأفته ، ويسأله أن يبلغه فيه كنه الآمال ، ويصل به حبل الإمامة ما اتصلت الأيام والليالي ، ويجعله عصمة للمسترشدين ، وحجّة على الجاحدين ، وغوثا للمضطرين ، وغيثا

١٢

للمنتجعين ، ووزرا للخائفين ، وسعادة للعارفين ، لتنال الدنيا بسعادته أو فى حظوظها وقسمها ، وتصبح الأيام مفترة عن ناجذ مبسمها. ولمكانك من حضرة أمير المؤمنين المكين ، ومحلك عنده الذي ارتفع عن المماثل والقرين ، أشعرك هذه البشرى الجليل قدرها ، العظيم فخرها ، المنتشر صيتها وذكرها ، لتأخذي من المسرة بها بأوفى نصيب ، وتذيعيها فيمن قبلك من الأولياء المؤمنين إذاعة يتساوى بالمعرفة بها كل بعيد منهم وقريب ، لينتظم بها عقد السرور ، ويتضوع عرفها تضوع المندل الرطب في البادين والحضور. فاعلمي هذا واعملي به إن شاء الله. والسلام عليك ورحمة الله. وكتب في اليوم المذكور. والحمد لله وحده وصلى الله على جدنا محمد رسوله وآله الطاهرين وسلم تسليما. حسبنا الله ونعم الوكيل وصلى على رسوله سيدنا محمد وعلى آله الأئمة الطاهرين وسلم وشرف وكرّم إلى يوم الدين» (١).

وتشير المصادر الطيبية إلى أن الخليفة الآمر أوفد إلى الملكة الحرّة الشريف محمد بن حيدرة ، بسجلات تتضمن السلام عليها ، مع منديل كم سمل ، وأمر الشريف ابن حيدرة بتسليمه إليها. ويزعمون بأن الشريف عند ما سلم السجلات والمنديل إلى السيدة الحرّة ، فاضت عيناها بالدموع إذ علمت بأنّه نعى إليها نفسه (٢).

ويحدثنا المؤرخ الإسماعيلي الطيبي إدريس عماد الدين في كتابه عيون الأخبار فيقول : «الآمر قتل بيد جماعة من النزارية ، فأظهر الوزير أبو علي أحمد بن الأفضل مذهب أهل السنة ، بعد أن أقام الدعوة للخليفة المزعوم أبي القاسم المنتظر القائم في آخر الزمان المهدي حجّة الله على العالمين. واستولى

__________________

(١) تاريخ اليمن لعمارة : ١٢٨ والصليحيون والحركة الفاطمية باليمن للهمداني ص ١١٨.

(٢) الصليحيون : ١٨٣

١٣

على أمور الدولة وقبض على ابن مدين صاحب الرتبة وقتله. وقتل من أصحاب ابن مدين الدعاة ابن رسلان والعزيزي ونسلان ، وهرب قونص إلى اليمن ، وعاد بعد ذلك فقتل. وأقام ابن مدين قبل مقتله في رتبته صهره القاضي أبا علي ، وأمره أن يخرج الإمام الطيب خوفا من عدوان الوزير ابن الأفضل. فاستتر القاضي صهر ابن مدين بستر الإمام الطيب وسافر معه. وكان ابن مدين المنتصب بالدعوة إلى الطيب في الديار المصرية وأقامه الآمر بأحكام الله في الرتبة البابية ، وأشار الآمر إلى القاضي أبي علي صهر ابن مدين بحفظ رتبته ، فغاب القاضي بغيبة الطيب. فلم يعرف إلّا المخلصون أين مقصده ومثواه ، وما زال السرّ إلى هذا الأوان والإمامة جارية في الإمام الطيب أبي القاسم أمير المؤمنين وعقبه الطاهرين في كل وقت وزمان» (١).

هذه خلاصة النصوص التاريخية التي وجدناها في بعض كتب دعاة الفرقة الإسماعيلية المستعلية الطيبية ، أما الإسماعيلية النزارية فإنّهم يلوذون بالصمت المطبق تجاه هذه المشكلة ، ويكتفون بالإتيان على ذكر مصرع الآمر على يد بعض الفدائيين انتقاما لما حل ببعض النزارية في مصر واليمن على يديه. والغريب في الأمر أنّنا لا نجد مؤرخا من مؤرخي العصر الفاطمي يأتي على ذكر الطيب بن الآمر ووجوده ، بل نراهم جميعا يذهبون إلى أن الآمر بأحكام الله لم يعقب ولدا ذكرا يتسلم الخلافة والإمامة من بعده ، لذلك تسلمها عمّه الحافظ عبد المجيد. أمّا زوجة الآمر التي كانت حاملا عند مصرعه ، فقد ولدت انثى.

وهكذا لم نتمكن من أن نتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض في هذه النقطة الهامة التي هي كل المشكلة ، ممّا جعلنا نشك في صحة النصوص الطيبية ،

__________________

(١) الصليحيون : ١١٩ كتاب عيون الأخبار لإدريس عماد الدين ج ٤ ص ٢٤٠.

١٤

لو لا أنّنا عثرنا على السجل الذي أرسله الآمر قبل مصرعه بوقت قصير إلى الملكة الحرّة أروى الصليحية يبشرها فيه بولادة الطيب ، في كتاب تاريخ اليمن للمؤرخ المعاصر لتلك الفترة عمارة اليمني الحكمي (٥١٥ ـ ٥٦٩) علما بأن عمارة لم يكن طيبيا ولا مجيديا ولا فاطميا في ميوله المذهبية ، وكان من المؤرخين الفقهاء والمطلعين الملمين بحقائق الأمور في مصر واليمن إبان الحكم الفاطمي. والذي يجعلنا نعتمد ما أورده عمارة أنه تحدث عن هذا السجل وظروفه ومناسباته في الوقت الذي كان يعيش فيه في مصر بين أتباع الفرقة المستعلية المجيدية الذين كانوا من ألد خصوم الفرقة الطيبية ، بدون خوف ولا وجل. وبالرغم من كل هذا سيظل الشك يراود مخيلتنا فنتساءل عن سبب ستر الإمام الطيب بعد أن تم نقله إلى مكان أمين في كنف الحرة أروى الصليحية باليمن؟ ومن حقنا أن نتساءل ونشك حتى نصل إلى عين الحقيقة التي يقبلها العقل والمنطق. ولو فرضنا جدلا أن الدعاة في القاهرة ستروا الإمام الطيب خوفا عليه من الوزير ابن الأفضل ، فهل يظل مستورا هو وعقبه إلى الأبد وقد أصبح في مكان تتوفر فيه الطمأنينة على حياته؟ ونحن نعلم ـ دون كبير عناء ـ أن نظام الستر الإسماعيلي له ترتيب وقواعد لا يصح تجاوزها مطلقا. فاستتار الإمام الطيب وعقبه منذ ذلك الوقت حتى الآن وإلى ما لا نهاية يخالف الأصول والأحكام الإسماعيلية ، ويعود بالدعوة القهقرى (١). ومهما تكن ظروف هذه الأسطورة وملابساتها فقد أدت إلى انقسام الإسماعيلية المستعلية إلى فرقتين : الأولى زعمت بوجود الطيب وانتقاله إلى اليمن فعرفت بالطيبية وجعلت مركزها في اليمن واستقلت كليّا عن الخلافة الفاطمية في مصر ، والثانية نادت بإمامة الحافظ عبد المجيد الذي أصبح خليفة لمصر وعرفت بالمجيدية.

__________________

(١) الصليحيون : ١٨٧ ـ ١٨٨.

١٥

الحركة الإسماعيلية في اليمن

التاريخ يجهل جهلا تاما متى بدأت الحركة الإسماعيلية في اليمن ، ومن هو أول من دعا لها في تلك الديار. ونحن لا نستطيع على ضوء ما نملكه من نصوص ووثائق أن نحدد بدقة ووضوح تاريخ بذر أول بذرة إسماعيلية في اليمن ، لأن الدعوة الإسماعيلية كما هو معلوم بدأت سرية تخضع لنظام دقيق من «التقية» عملا بما يروى عن الإمام جعفر الصادق : «التقية ديني ودين آبائي ، من لا تقية له فلا دين له ...» (١) وقوله : «والمذيع لأمرنا كالجاحد له» وقوله عليه‌السلام : «إن احتمال أمرنا ستره وصيانته عن غير أهله» وقوله : «رحم الله عبدا اجتر مودّة الناس إلينا وإلى نفسه فحدثهم بما يعرفون وستر عنهم ما ينكرون ... اكتم سرّنا ولا تذعه (٢)» هذا ما جعل الدعاة الإسماعيلية الأول يحرصون أشد الحرص على أن تظل أسرار دعوتهم بعيدة عن متناول أيدي من ليست لهم علاقة بالدعوة ، لذلك نرى التاريخ الإسماعيلي يقف موقف الصمت المطبق تجاه هذه الأمور ، كما أن مؤرخي الدعوة لم يعطونا صورة صحيحة عنها. مما جعلنا نلجأ إلى فك بعض الإشارات والرموز التي وردت في بعض المؤلفات والوثائق السرية عسى أن نوفّق لرسم خط بياني واضح لهذه الفترة الغامضة من التاريخ الإسماعيلي.

يذكر الداعي جعفر بن منصور في كتابه الموسوم بأسرار النطقاء أن الإمام محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق (١٤٥ ـ ١٩٣ ه‍) أول الأئمة المستورين كان يقيم في المدينة وينشر الدعوة منها إلى جميع البلدان الإسلامية. «... ففرّق الإمام محمد بن إسماعيل دعاته في جزائر الأرض ، وأمر أهل

__________________

(١) دعائم الإسلام للقاضي النعمان تحقيق آصف فيضي ص ٦٠.

(٢) المصدر نفسه ص ٦٠ ـ ٦١

١٦

الجزائر بإقامة الدعوة باسمه ، فعمرت الأرض ، وانتشر الأمر ، وأقبلوا في السياحة لإيجاد دار هجرة ...». هذا ما ذكره أكبر داع من دعاة اليمن الأول ، ومن الطبيعي جدا أن يتطلع الإمام محمد بن إسماعيل إلى اليمن المعقل المنيع للشيعة ـ كما تطلع إلى المغرب فسيّر إليه الدعاة ـ كجزيرة من جزائر الأرض فيرسل إليه الدعاة أصحاب الخبرة والدراية بشئونه وبفن نشر الدعوة والمبادي ، بسرية تامة وبموجب نظام «التقية» الشديد.

ويمكننا القول بأن عددا كبيرا من أهالي اليمن كانوا في كلّ عام بعد أن يؤدوا فريضة الحج يتوجهون لزيارة العتبات المقدسة في العراق. ولعل دعاة الإسماعيلية قد استغلّوا هذا الموعد وسيلة لبث عقائدهم ودعوتهم. ويلفت نظرنا نص آخر وجدناه في مخطوط إسماعيلي سوري يشير إلى أن الداعي الكبير عبد الله بن ميمون القداح (١٩٠ ـ ٢٧٠ ه‍) هو أول من فكّر بإرسال الدعاة إلى اليمن. لذلك نراه يختار ولده الأكبر أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح لهذه المهمة. حيث تمكن من مرافقة الحجيج إلى اليمن وزرع أول نواة إسماعيلية في (عدن لاعة). ويؤيد ما ذهبنا إليه النص التالي : «... أصبح سيدنا الشيخ الجليل والعلامة النحرير عبد الله بن ميمون القداح حجة عظيمة الشأن والقدر لمولانا عليه‌السلام محمد بن إسماعيل .. فغاب وإياه عن الأنظار لينشر الدعوة في الجزائر والأمصار ...»

وتحدثنا الروايات الإسماعيلية بأن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح قد عاد من اليمن عند ما أعلنت وفاة والده عبد الله واحتل مرتبته. «... كان حجة ثالث الأئمة المستورين أي الحسين بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل تسلم من عبد الله بن ميمون. فأصبح الحجة الجليل قدرها. العظيم خطرها. وأرفع الحجب وأسماها. وألطفها وأعلاها ...» (١) ويذكر التاريخ الإسماعيلي

__________________

(١) كتاب الأزهار مخطوط سوري مؤلفه مجهول ص ١٩.

١٧

بأن حجّة الإمام الحسين بن عبد الله ـ أي أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح ـ هو الذي أرسل الداعي الحسين الأهوازي إلى البحرين ، وأخذ العهود والمواثيق على علي بن الفضل الجدني والحسن بن فرج بن حوشب (منصور اليمن) وسيرهما في أول سفارة إسماعيلية إلى اليمن.

ويحدثنا ابن حوشب عن كيفية تحوله من مذهب الاثني عشرية إلى المذهب الإسماعيلي فيقول : «... بينما كنت أفكر ذات مرّة تذكرت القول المأثور عن علي بن محمد بن علي بن موسى الكاظم في سنة ٢٥٢ من أن المهدي سيظهر بعد اثنتين وأربعين سنة أي سنة ٢٩٤ (١). فخرجت إلى دجلة ثم أخذت في قراءة سورة الكهف ، فأقبل شيخ يمشي ، ما نظرت إلى أحد يملأ عيني هيبة قبله. فجلس ناحية ، وجلس الرجل بين يديه ، وأقبل غلام فقرب مني ، فقلت : من أنت؟ فقال : حسيني. فاستعبرت ، وقلت : بأبي الحسين المضرج بالدماء ، الممنوع من هذا الماء! فرأيت الشيخ ينظر إليّ ، وكلّم الرجل الذي بين يديه كلاما لم أفهمه ، فقال لي الرجل : تقدم إلينا! فقمت وجلست بين يديه ...» (٢). ثم يذكر ابن حوشب الحديث الذي دار بينه وبين الشيخ ، ويبين مبلغ حديثه من نفسه ، وما لاحظه عليه من رجاحة العقل. ويصف اليأس الذي تسرب إلى نفسه لجهله المكان الذي رحل إليه الشيخ بعد المقابلة ويقول بأنّه بينما كان مطرقا يفكر في نفس المكان السابق ، إذ انقشعت عن نفسه غياهب الأسى حين حضر الرجل الذي شاهده في صحبة الشيخ ، وأخبره بمقره ، فرافقه إلى حيث مثل بين يديه. فتوسل ابن حوشب إليه أن يقبل منه البيعة وأن يأخذ عليه العهود والمواثيق للإمام الإسماعيلي ، فتردد الشيخ ريثما ينتهي من اختبار درجة ثقافته المذهبية وقوّة احتماله. ولما وقف على

__________________

(١) في الأصل ٢٩٦.

(٢) افتتاح الدعوة للقاضي النعمان مخطوط ، الورقة ٣.

١٨

مجمل آرائه أجابه إلى طلبه ، ثم أدخله في اليوم الثاني على صاحب الأمر الذي تروج باسمه الدعوة ، الإمام الحسين بن عبد الله ، فأعجب بنبوغه وإخلاصه وتفانيه في سبيل آل البيت فقربه إليه : «... وكان الإمام يخصني ويقربني ويرمز بقرب الأمر ودنو العصر ..».

ويذكر ابن حوشب بأنّه بينما كان في أحد الأيام جالسا بين يدي الإمام قال له : «.. يا أبا القاسم! البيت يماني والركن يماني والدين يماني والكعبة يمانية ، ولن يقوم هذا الدين ويظهر أمره إلّا من قبل اليمن ... يا أبا القاسم! هل لك في غربة في الله؟». قلت : «يا مولاي! الأمر إليك! فما أمرتني به أمتثله». قال. «اصبر ، كأنّي برجل قد أقبل إلينا من اليمن ، وما لليمن إلّا أنت». فقلت : «أستعين بالله على ما يرضيك» (١).

ومهما يكن الأمر فإنّنا نستنتج من كل هذه الأقوال بأن النواة الإسماعيلية الأولى زرعت في بلاد اليمن وفي (عدن لاعة) بالذات قبل (منصور اليمن) بفترة طويلة ، ولمّا اعتراها بعض الفتور إثر عودة أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح لتسلم مرتبة الحجية ، أخذ الإمام يعد العدة لاختيار من يحل محله في اليمن. وممّا أورده ابن حوشب يتضح لنا بأن الاختيار وقع عليه بعد أن أصبح موضع ثقة الإمام ، وأمله الذي يرجوه ، ونلاحظ أن الإمام الإسماعيلي كان على علم بوصول علي بن الفضل يحمل إليه أخبار اليمن. وبالفعل ما عتم أن وصل ابن الفضل إلى الكوفة سنة ٢٦٧ ه‍ بعد أن أدى فريضة الحج في مكة المكرمة ، فعرض عليه الإمام أن يصحبه ابن حوشب لمؤازرته في بث الدعوة باليمن فقال ابن الفضل : «... والله إن الفرصة ممكنة في اليمن ، وإن الذي تدعون إليه جائز هنالك ، وناموسنا يمشي عليهم. وذلك لما أعرف

__________________

(١) عيون الأخبار للداعي إدريس عماد الدين ج ٥ ص ٤٠.

١٩

فيهم من ضعف الأحلام ، وقلّة المعرفة بأحكام الشريعة المحمدية ...» فقال الإمام مخاطبا ابن الفضل : «إن هذا الرجل الذي نبعث به معك بحر علم ، فانظر كيف تصحبه» ، ثم قال عليه‌السلام : «الله الله بصاحبك ، وقّره واعرف له حقّه ، ولا تخالفه فيما يراه لك ، إنّه أعرف منك ، وإنّك إن خالفته لم ترشد ...». ثم توجه إلى ابن حوشب فقال : «يا أبا القاسم! هذا الذي كنّا ننتظره ، فكيف رأيك في الذي عرضته عليك من أهل اليمن؟ ...» فامتثل أبو القاسم لأوامر الإمام التي قال فيها : «إلى عدن لاعة فاقصد ، وعليها فاعتمد ، فمنها يظهر أمرنا ، وفيها تعز دولتنا ، ومنها تفترق دعاتنا ، اجمع المال والرجال ، والزم الصوم والصلاة والتقشف ، واعمل الظاهر ، ولا تظهر الباطن ، وقل لكل شيء باطن ، وإن ورد عليك ما لا تعلمه ، فقل لهذا من يعلمه ، وليس هذا وقت ذكره ..» ، كما أوصاه بعلي بن الفضل فقال له : «.. هو شاب قريب عهد بالأمر ، فانظر كيف تسوس أمره ..» ، ثم خاطبهما معا بقوله : «أبعثكما إلى اليمن تدعوان إلى ولدي هذا ، فسيكون له ولذريته عزّ وسلطان ، وإن الله عزوجل قسم لليمانيين ألا يتم أمر في هذه الشريعة إلا بنصرهم ..». وبعد أن تزودا بكل ما يحتاجانه في هذه المهمة الشاقة خرجا من الكوفة إلى القادسية في نهاية سنة ٢٦٧ ه‍. وفي ذلك يقول ابن حوشب : «ولما ودعت الأهل والأحبة متشوقا إلى إقطاع الغربة وتوجهت ، فلمّا خرجت من القادسية أوجست خيفة ، فسمعت حاديا يقول (١) :

يا حادي العيس مليح الزّجر

بشّر مطاياك بضوء الفجر

__________________

(١) افتتاح الدعوة للقاضي النعمان الورقة ١٠ ـ ١٢ وزهر المعاني للداعي إدريس ص ٦٥.

٢٠