الموسوعة القرآنيّة - ج ٩

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٩

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٤

(لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ) أي لم يخف عليه وأنه أعد له كفاءة من العقاب.

(سَنَكْتُبُ ما قالُوا) أي سنحفظه ونثبته فى علمنا كما يثبت المكتوب.

(وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ) كما لن يفوتنا قتلهم الأنبياء ، وجعل قتلهم الأنبياء قرينة له إيذانا بأنهما فى العظم أخوان.

(وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) أي وننتقم منهم بأن نقول لهم يوم القيامة ذوقوا عذاب الحريق.

١٨٢ ـ (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) :

(ذلِكَ) إشارة إلى ما تقدم من عقابهم.

(بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) وذكر الأيدى لأن أكثر الأعمال تزاول بهن ، فجعل كل عمل كالواقع بالأيدى على سبيل التغليب.

(وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي إنه عادل عليهم ، ومن العدل أن يعاقب المسيء منهم ويثيب المحسن.

١٨٣ ـ (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) :

(عَهِدَ إِلَيْنا) أمرنا فى التوراة وأوصانا بأن لا نؤمن لرسول حتى يأتينا بهذه الآية الخاصة ، وهو أن يرينا قربانا تنزل نار من السماء فتأكله ، وكانت تلك معجزة أنبياء بنى إسرائيل ، وهذه وسائر الآيات سواء.

(قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) أي إن أنبياءهم جاءوهم بالبينات الكثيرة التي أوجبت عليهم التصديق وجاءوهم أيضا بهذه الآية التي اقترحوها.

(فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي فلم قتلوهم إن كانوا صادقين ، أي أن الإيمان يلزمهم بإتيانها.

٢٨١

١٨٤ ـ (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) :

(بِالْبَيِّناتِ) أي بالدلالات.

(وَالزُّبُرِ) أي الكتب ، الواحد : زبور.

(وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) أي الواضح ، يعنى التوراة والإنجيل. وجمع بين الزبر والكتاب ، وهما بمعنى واحد ، لاختلاف لفظهما.

١٨٥ ـ (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) :

(وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي ولا توفون أجوركم على طاعاتكم ومعاصيكم عقيب موتكم ، وإنما توفونها يوم قيامكم من قبوركم.

(فَمَنْ زُحْزِحَ) أي أبعد ونحى.

(فَقَدْ فازَ) أي فقد حصل له الفوز المطلق المتناول لكل ما يفاز به ، ولا غاية للفوز وراء النجاة من سخط الله ، والعذاب السرمد ، ونيل رضوان الله والنعيم المخلد.

(وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه ، ثم يتبين له فساده ورداءته.

١٨٦ ـ (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) :

(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) البلاء فى الأنفس : القتل والأسر والجراح ، وما يرد عليها من أنواع المخاوف والمصائب. وفى الأموال : الإنفاق فى سبيل الخير وما يقع فيها من الآفات.

(وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا)

٢٨٢

ما كانوا يسمعونه من أهل الكتاب وممن أشركوا من المطاعن فى الدين ، وصد عن الإيمان ، وتخطئة لمن آمن.

(فَإِنَّ ذلِكَ) فإن الصبر والتقوى.

(مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) من معزومات الأمور ، أي مما يجب العزم عليه من الأمور ، أو مما عزم الله أن يكون.

أي إن ذلك عزمة من عزمات الله لا بد لكم أن تصبروا وتتقوا.

١٨٧ ـ (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) :

(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ) واذكر وقت أخذ الله ميثاق أهل الكتاب.

(لَتُبَيِّنُنَّهُ) الضمير للكتاب. أكد عليهم إيجاب بيان الكتاب واجتناب كتمانه كما يؤكد على الرجل إذا عزم وقيل له : آلله لتفعلن.

(فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) فنبذوا الميثاق وتأكيده عليهم ، يعنى لم يراعوه ولم يلتفتوا إليه.

والنبذ وراء الظهر مثل فى الطرح وترك الاعتداد.

١٨٨ ـ (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) :

(لا تَحْسَبَنَ) خطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) المفعول الأول.

(بِما أَتَوْا) بما فعلوا. وقرئ (آتوا) أي أعطوا.

(فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) تأكيد.

(بِمَفازَةٍ) مفعول ثان ، أي بمنجاة.

١٨٩ ـ (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) :

٢٨٣

(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو يملك أمرهم ، وهو على كل شىء قدير ، فهو يقدر على عقابهم.

١٩٠ ـ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) :

(لَآياتٍ) لأدلة واضحة على الصانع وعظيم قدرته.

(لِأُولِي الْأَلْبابِ) للذين يفتحون بصائرهم للنظر ، وللاستدلال والاعتبار.

١٩١ ـ (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ) :

(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ) ذكرا دائبا على أي حال كانوا ، من قيام وقعود واضطجاع ، لا يخلون بالذكر فى أغلب أحوالهم.

(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وما يدل عليه اختراع هذه الأجرام العظام وإبداع صنعتها وما دبر فيها بما تكل الأفهام عن إدراك بعض عجائبه على عظم شأن الصانع وكبرياء سلطانه.

(ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً) على إرادة القول ، أي يقولون ذلك ، وهو فى محل الحال ، بمعنى : يتفكرون قائلين. والمعنى : ما خلقته خلقا باطلا بغير حكمة ، بل خلقته لداعى حكمة عظيمة ، وهو أن تجعلها مساكن للمكلفين. وأدلة على معرفتك ووجوب طاعتك واجتناب معصيتك.

(فَقِنا عَذابَ النَّارِ) جزاء من عصى ولم يطع ، ولذلك وصل بما قبله.

١٩٢ ـ (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) :

(فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) أي فقد أبلغت فى إخزائه.

(وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) ينصرونهم من عذاب الله.

٢٨٤

١٩٣ ـ (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ) :

(أَنْ آمِنُوا) أي آمنوا ، أو بأن آمنوا.

(ذُنُوبَنا) كبائرنا.

(سَيِّئاتِنا) صغائرنا.

(مَعَ الْأَبْرارِ) مخصوصين بصحبتهم ، معدودين فى جملتهم.

١٩٤ ـ (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) :

(وَآتِنا ما وَعَدْتَنا) أي التوفيق فيما يحفظ علينا أسباب إنجاز الميعاد. والموعود ، هو الثواب أو النصرة على الأعداء.

(وَلا تُخْزِنا) أي لا تبعدنا.

١٩٥ ـ (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) :

(فَاسْتَجابَ لَهُمْ) أي أجابهم.

(أَنِّي لا أُضِيعُ) بالفتح على حذف الباء ، أي بأنى ، وقرئ بالكسر على إرادة القول.

(مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) بيان لعامل.

(بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد ، فكل واحد منكم من الآخر ، أي من أصله. وقيل : المراد وصلة الإسلام.

(فَالَّذِينَ هاجَرُوا) تفصيل لعمل العامل. أي فارين الى الله بدينهم من دار الفتنة.

٢٨٥

(وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) أي واضطروا الى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها ونشئوا بما سامهم المشركون من الخسف.

(وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي) سبيلى ، أي سبيل الدين ، من أجله وبسببه.

(وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا) أي غزوا المشركين واستشهدوا.

(ثَواباً) فى موضع المصدر المؤكد ، بمعنى إثابة.

(وَاللهُ عِنْدَهُ) فهو المختص به وبقدرته وفضله ، لا يثيبه غيره ولا يقدر عليه.

١٩٦ ـ (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) :

(لا يَغُرَّنَّكَ) الخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو عام. أي لا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم فى الأرض وتصرفهم فى البلاد يتكسبون ويتجرون.

١٩٧ ـ (مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) :

(مَتاعٌ قَلِيلٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أي ذلك متاع قليل ، وهو التقلب فى البلاد. أراد قلته فى جنب ما فاتهم من نعيم الآخرة ، أو أنه قليل فى نفسه لانقضائه ، وكل زائل قليل.

(وَبِئْسَ الْمِهادُ) أي وساء ما مهدوا لأنفسهم.

١٩٨ ـ (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) :

(نُزُلاً) النزل : ما يقام للنازل ، وانتصابه إما على الحال من (جَنَّاتٌ) ، ويجوز أن يكون بمعنى مصدر مؤكد ، كأنه قيل : رزقا ، أو عطاء.

(مِنْ عِنْدِ اللهِ) من الكثير الدائم.

(خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) مما يتقلب فيه الفجار من القليل الزائل.

٢٨٦

١٩٩ ـ (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) :

(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) من اليهود والنصارى.

(وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من القرآن.

(وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) من الكتابين.

(خاشِعِينَ لِلَّهِ) حال من فاعل (يُؤْمِنُ) لأن من يؤمن فى معنى الجمع.

(لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) كما يفعل من لم يسلم من أحبارهم وكبارهم.

(أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ما يختص بهم من الأجر ، وهو ما وعدوه.

٢٠٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) :

(اصْبِرُوا) على الدين وتكاليفه.

(وَصابِرُوا) أعداء الله فى الجهاد ، أي غالبوهم فى الصبر على شدائد الحرب لا تكونوا أقل صبرا منهم وثباتا.

(وَرابِطُوا) أي أقيموا فى الثغور رابطين خيلكم فيها مترصدين مستعدين للغزو.

٢٨٧

(٤)

سورة النساء

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) :

(يا أَيُّهَا النَّاسُ) يا بنى آدم.

(الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) فرعكم من أصل واحد ، وهو نفس آدم أبيكم.

(وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) عطف على محذوف ، كأنه قيل : من نفس واحدة أنشأها ، أو ابتدأها وخلق منها زوجها ، وحذف لدلالة المعنى عليه.

أو هو عطف على (خَلَقَكُمْ) ويكون الخطاب فى (يا أَيُّهَا النَّاسُ) للذين بعث إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويكون المعنى : خلقكم من نفس آدم ، لأنهم من جملة الجنس المفرع منه ، وخلق منها أمكم حواء.

(وَبَثَّ مِنْهُما) نوعى جنس الإنس ، وهما الذكور والإناث.

(رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً) ما تسلسل منهما.

(تَسائَلُونَ بِهِ) أي تتساءلون ، أي يسأل بعضكم بعضا بالله وبالرحم أفعل كذا ، أو تسألون غيركم بالله والرحم.

(وَالْأَرْحامَ) بالنصب عطفا على لفظ الجلالة ، أو على محل الجار والمجرور.

٢ ـ (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) :

(الْيَتامى) الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم.

٢٨٨

(أَمْوالَهُمْ) أي لا يطمع فيها الأولياء والأوصياء.

(وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) أي ولا تستبدلوا الحرام ، وهو مال اليتامى ، بالحلال ، وهو ما أبيح لكم من المكاسب.

(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) أي لا تضموها إليها فى الإنفاق ، حتى لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم قلة مبالاة بما لا يحل لكم.

(حُوباً) ذنبا عظيما.

٣ ـ (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) :

(وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) أي وإن خفتم أن تجوروا ، وألا تعدلوا فى مهورهن ، وفى النفقة عليهن.

(فِي الْيَتامى) جمع يتيمة تكون فى حجر وليها تشاركه فى ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط فى صداقها.

(ما طابَ) ما حل ، لأن منهن ما حرم.

(فَواحِدَةً) فالزموا أو فاختاروا واحدة وذروا الجمع.

(أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يريد الإماء.

(ذلِكَ) إشارة إلى اختيار الواحدة أو التسرى.

(أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) أقرب من أن لا تميلوا.

٤ ـ (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) :

(صَدُقاتِهِنَ) مهورهن.

(نِحْلَةً) عطية.

٢٨٩

٥ ـ (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) :

(وَلا تُؤْتُوا) الخطاب للأولياء.

(السُّفَهاءَ) المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغى ولا يدى لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها.

(أَمْوالَكُمُ) أضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم.

(جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) أي تقومون بها وتنتعشون ، ولو ضيعتموها لضعتم فكأنها فى أنفسها قيامكم وانتعاشكم.

(وَارْزُقُوهُمْ فِيها) واجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتجروا فيها وتتربحوا ، حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها فى الإنفاق.

(قَوْلاً مَعْرُوفاً) عدة جميلة ، إن صلحتم ورشدتم ثم سلمنا إليكم أموالكم.

٦ ـ (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) :

(وَابْتَلُوا الْيَتامى) واختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ.

(النِّكاحَ) أي الحلم.

(آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) أي حتى إذا تبينتم منهم هداية.

٢٩٠

(فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) دفعتم إليهم أموالهم من غير تأخير عن حد البلوغ.

(إِسْرافاً وَبِداراً) مسرفين ومبادرين كبرهم ، أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم تفرطون فى إنفاقها وتقولون ننفق كما نشتهى قبل أن يكبر اليتامى فينتزعونها من أيدينا.

(فَلْيَسْتَعْفِفْ) أي يستعف من أكلها ولا يطمع ، ويقنع بما رزقه الله من الغنى إشفاقا على اليتيم ، وإبقاء على ماله.

(فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) بأنهم تسلموها وقبضوها وبرئت عنها ذممكم ، وذلك أبعد من التخاصم والتجاحد وأدخل فى الأمانة وبراءة للساحة.

(وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) أي كافيا فى الشهادة عليكم بالدفع والقبض. أو محاسبا ، فعليكم بالتصادق ، وإياكم والتكاذب.

٧ ـ (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) :

(وَالْأَقْرَبُونَ) هم المتوارثون من ذوى القرابات دون غيرهم.

(مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) بدل (مِمَّا تَرَكَ) بتكرير العامل.

(نَصِيباً مَفْرُوضاً) نصب على الاختصاص ، بمعنى : أعنى نصيبا مفروضا مقطوعا واجبا لا بد لهم من أن يحوزوه.

ويجوز أن ينتصب انتصاب المصدر المؤكد ، كأنه قيل : قسمة مفروضة.

٨ ـ (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) :

(وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) أي قسمة التركة.

(أُولُوا الْقُرْبى) ممن لا يرث.

٢٩١

(فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) الضمير فى (مِنْهُ) لما ترك الوالدان والأقربون ، وهو أمر على الندب.

٩ ـ (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) :

(لَوْ تَرَكُوا) صلة (الَّذِينَ). والمراد بهم : الأوصياء ، أمروا بأن يخشوا الله فيخافوا على من فى حجورهم من اليتامى ، ويشفقوا عليهم. خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافا.

(قَوْلاً سَدِيداً) عدلا صوابا.

١٠ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) :

(ظُلْماً) ظالمين.

(فِي بُطُونِهِمْ) ملء بطونهم.

(ناراً) ما يجر إلى النار ، فكأنه نار فى الحقيقة.

(سَعِيراً) نارا من النيران مبهمة الوصف.

١١ ـ (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) :

(يُوصِيكُمُ) يعهد إليكم ويأمركم.

(فِي أَوْلادِكُمْ) فى شأن ميراثهم بما هو العدل والمصلحة.

(وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً) وإن كانت البنت أو المولودة منفردة فذة ليس معها أخرى.

٢٩٢

(وَلِأَبَوَيْهِ) الضمير للميت.

(لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا) بدل من (لِأَبَوَيْهِ).

(فَرِيضَةً) نصبت نصب المصدر المؤكد.

(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بمصالح خلقه.

(حَكِيماً) فى كل ما فرض وقسم من المواريث وغيرها.

١٢ ـ (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) :

(فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ) منكم أو من غيركم.

(وَإِنْ كانَ رَجُلٌ) يعنى الميت.

(يُورَثُ) أي يورث منه.

(كَلالَةً) خبر (كانَ) أي وإن كان رجل موروث منه كلالة. وكلالة ، حال من الضمير فى (يُورَثُ). والكلالة : من لم يخلف ولدا ولا والدا ، ومن ليس بولد ولا والد من المخلفين ، والقرابة من غير جهة الولد والوالد.

فإذا مات الرجل وليس له ولد ولا والد فورثته كلالة.

(غَيْرَ مُضَارٍّ) حال ، أي يوصى بها وهو غير مضار لورثته ، وذلك بأن يوصى بزيادة على الثلث أو يوصى بالثلث فما دونه ، ونيته مضارة ورثته ومغاضبتهم لا وجه الله تعالى.

٢٩٣

(وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) مصدر مؤكد ، أي يوصيكم بذلك وصية.

(وَاللهُ عَلِيمٌ) بمن جار أو عدل فى وصيته.

(حَلِيمٌ) عن الجائر لا يعاجله.

١٣ ـ (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) :

(تِلْكَ) إشارة الى الأحكام التي ذكرت فى باب اليتامى والوصايا والمواريث ، وسماها حدودا لأن الشرائع كالحدود المضروبة المؤقتة للمكلفين لا يجوز لهم أن يتجاوزوها ويتخطوها الى ما ليس لهم بحق.

١٤ ـ (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) :

(وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي فى قسمة المواريث فلم يقسمها ولم يعمل بها.

(وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ) أي يخالف أمره.

١٥ ـ (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) :

(يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ) الفاحشة : الزنا.

(أَرْبَعَةً مِنْكُمْ) أي من المسلمين.

(فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) هذه أول عقوبات الزناة ، وكان هذا فى ابتداء الإسلام ، ثم نسخ بآية النور بقوله تعالى (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي). ويجوز أن تكون غير منسوخة بأن يترك ذكر الحد لكونه معلوما بالكتاب والسنة ويوصى بإمساكهن فى البيوت بعد أن يحددن صيانة لهن عن مثل ما جرى عليهن بسبب الخروج من البيوت والتعرض للرجال.

٢٩٤

(أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) هو النكاح الذي يستغنين به عن السفاح. وقيل : السبيل هو الحد.

١٦ ـ (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً) :

(وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) يريد الزاني والزانية.

(فَآذُوهُما) أي وبخوهما وذموهما.

(فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا) وغيرا الحال.

(فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) فاقطعوا التوبيخ والمذمة ، فإن التوبة تمنع استحقاق الذم والعقاب.

١٧ ـ (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) :

(إِنَّمَا التَّوْبَةُ) يعنى إنما القبول والغفران أمرهما الى الله تعالى.

(بِجَهالَةٍ) فى موضع الحال ، أي يعملون السوء جاهلين سفهاء ، لأن ارتكاب القبيح مما يدعو إليه السفه والشهوة لا مما تدعو إليه الحكمة والعقل.

(مِنْ قَرِيبٍ) من زمان قريب. والزمان القريب : ما قبل حضرة الموت.

١٨ ـ (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) :

(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) يعنى قبول التوبة للذين أصروا على فعلهم.

(حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) يعنى الشرق والفزع.

٢٩٥

(قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) فليس لهذا توبة.

١٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) :

(لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) أي أن تأخذوهن على سبيل الإرث كما تحاز المواريث وهن كارهات لذلك أو مكرهات.

وقيل : كان يمسكها حتى تموت ، فقيل : لا يحل لكم أن تمسكوهن حتى ترثوا منهن وهن غير راضيات بإمساككم.

(وَلا تَعْضُلُوهُنَ) العضل : الحبس والتضييق.

(لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ) كان الرجل إذا تزوج امرأة ولم تكن من حاجته حبسها مع سوء العشرة والقهر لتفتدى منه بمالها وتختلع ، فقيل : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن.

(إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) وهى النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله بالبذاءة والسلاطة.

(وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وهو النصفة فى البيت والنفقة والإجمال فى القول.

(فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَ) فلا تفارقوهن لكراهة الأنفس وحدها ، فربما كرهت النفس ما هو أصلح فى الدين وأحمد وأدنى إلى الخير ، وأحبت ما هو ضد ذلك.

٢٠ ـ (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) :

(بُهْتاناً) على الحال ، أي باهتين وآثمين. والبهتان : أن تستقبل الرجل بأمر قبيح تقذفه به وهو برىء منه.

٢٩٦

٢١ ـ (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) :

(وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ) قد خلا بعضكم ببعض خلو مضاجعة.

(مِيثاقاً غَلِيظاً) الميثاق الغليظ : حق الصحبة والمضاجعة.

٢٢ ـ (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) :

(فاحِشَةً) بالغة فى القبح.

(وَمَقْتاً) ممقوت فى المروءة ولا مزيد عليه.

٢٣ ـ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) :

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) تحريم نكاحهن ، وهو ما يفهم من تحريمهن ، كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها.

(وَرَبائِبُكُمُ) الربائب : أولاد المرأة من غير زوجها.

(وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) : زوجات أبنائكم.

(الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) دون من تبنيتم.

٢٤ ـ (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) :

٢٩٧

(وَالْمُحْصَناتُ) ذوات الأزواج لأنهن أحصن فروجهن بالتزويج ، فهن محصنات ، بفتح الصاد وكسرها.

(إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) من اللاتي سبين.

(كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) مصدر مؤكد ، أي كتب الله ذلك عليكم كتابا وفرضه فرضا ، وهو تحريم ، أي كتب الله عليكم تحريم ذلك.

(وَأُحِلَّ لَكُمْ) على البناء للمفعول.

(أَنْ تَبْتَغُوا) مفعول له ، بمعنى : بين لكم ما يحل مما يحرم إرادة أن يكون ابتغاؤكم :

(بِأَمْوالِكُمْ) أي المهور وما يخرج فى المناكح.

(مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي فى حال كونكم محصنين غير مسافحين ، فلا تضيعوا أموالكم وتفقروا أنفسكم فيما لا يحل فتخسروا دنياكم ودينكم. والإحصان : العفة وتحصين النفس من الوقوع فى الحرام. والمسافح : الزاني.

(فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) أي فما استمتعتم به من المنكوحات من جماع أو خلوة صحيحة أو عقد عليهن.

(فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) عليه. فأسقط الراجع الى (ما) لأنه لا يلبس.

ويجوز أن تكون (ما) فى معنى النساء ، و (من) للتبعيض أو للبيان ، ويرجع الضمير إليه على اللفظ فى (به) ، وعلى المعنى فى (فَآتُوهُنَ).

(أُجُورَهُنَ) مهورهن ، لأن المهر ثواب على البضع.

(فَرِيضَةً) حال من (الأجور) بمعنى : مفروضة ، أو وضعت موضع (إيتاء) لأن الإيتاء مفروض.

أو مصدر مؤكد ، أي فرض الله فريضة.

٢٩٨

(فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) أي فيما تحط عنه من المهر ، أو تهب له من كله ، أو يزيد لها على مقداره.

وقيل : فيما تراضياه من مقام أو فراق.

٢٥ ـ (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) :

(طَوْلاً) فضلا وزيادة ، أي زيادة فى المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرة.

(فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فلينكح أمة.

(مِنْ فَتَياتِكُمُ) أي من فتيات المسلمين لا من فتيات غيركم.

(وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) أي إن الله أعلم بتفاضل ما بينكم وبين أرقائكم فى الإيمان ، ورجحانه ونقصانه فيهم وفيكم ، وربما كان إيمان الأمة أرجح من إيمان الحرة ، والمرأة أفضل فى الإيمان من الرجل ، وحق المؤمنين ألا يعتبروا إلا فضل الإيمان لا فضل الأحساب والأنساب ، وهذا تأنيس بنكاح الإماء ، وترك الاستنكاف منه.

(بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي أنتم وأرقاؤكم متواصلون متناسبون لاشتراككم فى الإيمان لا يفضل حر عبدا إلا برجحان فيه.

(بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) اشتراط لإذن الموالي فى نكاحهن.

(وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وأدوا إليهن مهورهن بغير مطل وضرار.

(مُحْصَناتٍ) عفائف.

٢٩٩

(غَيْرَ مُسافِحاتٍ) غير مقترفات زنا.

(وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) الأخلاء فى السر.

كأنه قيل : غير مجاهرات بالسفاح ولا مسرات له.

(فَإِذا أُحْصِنَ) بالتزويج.

(نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ) الحرائر.

(مِنَ الْعَذابِ) من الحد.

(ذلِكَ) إشارة إلى نكاح الإماء.

(لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ) لمن خاف الإثم الذي تؤدى إليه غلبة الشهوة.

وقيل : العنت : الحد ، لأنه إذا هويها خشى أن يواقعها فيحد فيتزوجها.

(وَأَنْ تَصْبِرُوا) فى محل الرفع على الابتداء ، أي وصبركم عن نكاح الإماء متعففين (خَيْرٌ لَكُمْ).

٢٦ ـ (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) :

(يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) أصله : يريد الله أن يبين لكم ، فزيدت اللام مؤكد لإرادة التبيين ، والمعنى : يريد الله أن يبين لكم ما هو خفى عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم.

(وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) وأن يهديكم مناهج من كان قبلكم من الأنبياء والصالحين والطرق التي سلكوها فى دينهم لتقتدوا بها.

(وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) ويرشدكم إلى طاعات إن قمتم بها كانت كفارات لسيئاتكم ليتوب عليكم ويكفر لكم.

٢٧ ـ (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) :

٣٠٠