الموسوعة القرآنيّة - ج ٩

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٩

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٤

وقيل : ما عملتم وما نويتم.

١٢١ ـ (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) :

(وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) الضمير راجع إلى مصدر الفعل الذي دخل عليه حرف النهى ، يعنى : وإن الأكل منه لفسق.

أو إلى الموصول ، على : وإن أكله لفسق ، أو جعل ما لم يذكر اسم الله عليه فسقا.

(لَيُوحُونَ) ليوسوسون.

(إِلى أَوْلِيائِهِمْ) من المشركين.

(لِيُجادِلُوكُمْ) بقولهم : ولا تأكلوا مما قتله الله ، وبهذا يرجع تأويل من تأوله بالميتة.

(إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) لأن من اتبع غير الله تعالى فى دينه فقد أشرك به ، ومن حق ذى البصيرة فى دينه أن لا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه كيفما كان.

١٢٢ ـ (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) :

(أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) مثل الذي هداه الله بعد الضلالة ومنحه التوفيق لليقين الذي يميز به بين المحق والمبطل والمهتدى والضال ، بمن كان ميتا فأحياه الله ، وجعل له نورا يمشى به فى الناس مستضيئا به ، فيميز بعضهم عن بعض.

(كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ) كمن صفته هذه.

(زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ) أي زينه الشيطان.

٤٦١

١٢٣ ـ (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ) :

(وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها) أي : وكما جعلنا فى مكة صناديدها ، كذلك جعلنا فى كل قرية أكابر مجرميها لذلك. والمعنى : خليناهم ليمكروا ، وما كففناهم عن المكر. وخص الأكابر لأنهم هم الحاملون على الضلال ، والماكرون بالناس.

(وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ) لأن مكرهم يحيق بهم.

١٢٤ ـ (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللهِ وَعَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ) :

(اللهُ أَعْلَمُ) كلام مستأنف للإنكار عليهم.

(حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) وأن لا يصطفى للنبوة إلا من علم أنه يصلح لها ، وهو أعلم بالمكان الذي يضعها فيه منهم.

(سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) من أكابرها.

(صَغارٌ) وقماءة بعد كبرهم وعظمتهم.

(وَعَذابٌ شَدِيدٌ) فى الدارين من الأسر والقتل وعذاب النار.

١٢٥ ـ (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) :

(فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ) أن يلطف به ولا يريد أن يلطف إلا بمن له لطف.

(يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) يلطف به حتى يرغب فى الإسلام وتسكن إليه نفسه ويحب الدخول فيه.

٤٦٢

(وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ) أن يخذله ويخليه وشأنه ، وهو الذي لا لطف له.

(يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) يمنعه ألطافه ، حتى يقسو قلبه ، وينبو عن قبول الحق ، ويفسد فلا يدخله الإيمان.

(كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) كأنما يزاول أمرا غير ممكن ، لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع ويبعد من الاستطاعة وتضيق عنه المقدرة.

(يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ) يعنى الخذلان ومنع التوفيق ، وصفه بنقيض ما يوصف به التوفيق من الطيب. أو أراد الفعل المؤدى إلى الرجس ، وهو العذاب ، من الارتجاس ، وهو الاضطراب.

١٢٦ ـ (وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) :

(مُسْتَقِيماً) عادلا مطردا ، وانتصابه على أنه حال مؤكدة.

١٢٧ ـ (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) :

(لَهُمْ) لقوم يذكرون.

(دارُ السَّلامِ) دار الله ، يعنى الجنة ، أضافها إلى نفسه تعظيما لها.

أو دار السلامة من كل آفة وكدر.

(عِنْدَ رَبِّهِمْ) فى ضمانه.

(وَهُوَ وَلِيُّهُمْ) مواليهم ومحبهم ، أو ناصرهم على أعدائهم.

(بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) بسبب أعمالهم ، أو متوليهم بجزاء ما كانوا يعملون.

١٢٨ ـ (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنا

٤٦٣

أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا قالَ النَّارُ مَثْواكُمْ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) :

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) منصوب بمحذوف ، أي واذكر يوم يحشرهم ، أو يوم نحشرهم قلنا : يا معشر الجن ، أو يوم نحشرهم وقلنا يا معشر الجن كان ما لا يوصف لفظاعته. والضمير لمن يحشر ، من الثقلين وغيرهم.

(يا مَعْشَرَ الْجِنِ) الجن ، هم الشياطين.

(قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ) أضللتم منهم كثيرا ، أو جعلتموهم أتباعكم فحشر معكم منهم الجم الغفير.

(وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ) الذين أطاعوهم واستمعوا إلى وسوستهم.

(رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ) أي انتفع الإنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى أسباب التوصل إليها ، وانتفع الجن بالإنس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم وشهوتهم فى إغوائهم.

(وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا) يعنون يوم البعث.

(إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ) إلا يفعل شيئا لا بموجب الحكمة.

(عَلِيمٌ) بأن الكفار يستوجبون عذاب الأبد.

١٢٩ ـ (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) :

(نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً) نخليهم حتى يتولى بعضهم بعضا كما فعل الشياطين وغواة الإنس ، أو يجعل بعضهم أولياء بعض يوم القيامة وقرناءهم كما كانوا فى الدنيا.

(بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) بسبب ما كسبوا من الكفر والمعاصي.

١٣٠ ـ (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ) :

٤٦٤

(أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) يقال لهم يوم القيامة على جهة التوبيخ.

(قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا) حكاية لتصديقهم وإيجابهم قوله (أَلَمْ يَأْتِكُمْ).

١٣١ ـ (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) :

(ذلِكَ) إشارة إلى ما تقدم من بعثة الرسل إليهم وإنذارهم سوء العاقبة ، وهو خبر مبتدأ محذوف ، أي الأمر ذلك.

(أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى) تعليل. أي الأمر ما قصصناه عليك لانتفاء كون ربك مهلك القرى بظلم ، على (أن) هى التي تنصب الأفعال.

ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة ، على معنى : لأن الشأن والحديث لم يكن ربك مهلك القرى بظلم. ولك أن تجعلها بدلا من (ذلِكَ).

١٣٢ ـ (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) :

(دَرَجاتٌ) منازل.

(مِمَّا عَمِلُوا) من جزاء أعمالهم.

(وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) بساه عنه يخفى عليه مقاديره وأحواله وما يستحق عليه من الأجر.

١٣٣ ـ (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) :

(وَرَبُّكَ الْغَنِيُ) عن عباده وعن عبادتهم.

(ذُو الرَّحْمَةِ) يترحم عليهم بالتكليف ليعرضهم للمنافع الدائمة.

(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) أيها العصاة.

(وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ) من الخلق المطيع.

(كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ) من أولاد قوم آخرين سبقوكم يكونون على مثل صفتكم.

٤٦٥

١٣٤ ـ (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) :

(إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ) إن الذي ينذركم به من عقاب ، ويبشركم به من ثواب ، بعد البعث والجمع والحساب ، آت لا محالة.

(وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) وما أنتم بمعجزين من يطلبكم يومئذ ، فلا قدرة لكم على الامتناع عن الجمع والحساب.

١٣٥ ـ (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) :

(مَكانَتِكُمْ) المكانة تكون مصدرا ، وبمعنى المكان. واعملوا على مكانتكم ، أي اعملوا على تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم ، أو اعملوا على جهتكم وحالكم التي أنتم عليها.

(إِنِّي عامِلٌ) أي عامل على مكانتى التي أنا عليها.

والمعنى : اثبتوا على كفركم وعداوتكم لى ، فإنى ثابت على الإسلام وعلى مصابرتكم.

(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أينا تكون له العاقبة المحمودة.

١٣٦ ـ (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) :

(مِمَّا ذَرَأَ) مما خلق وأنشأ. وفيه أن الله كان أولى بأن يجعل له الزاكي ، لأنه هو ذرأه وزكّاه ، ولا يرد إلى ما لا يقدر على ذرء ولا تزكية.

(بِزَعْمِهِمْ) أي قد زعموا أنه لله ، والله لم يأمرهم بذلك ، ولا شرع لهم تلك القسمة التي هى من الشرك ، لأنهم أشركوا بين الله وبين أصنامهم فى القربة.

(فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ) أي لا يصل إلى الوجوه التي كانوا يصرفونه إليها من قرى الضيفان والتصدق على المساكين.

٤٦٦

(فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ) من إنفاق عليها بذبح النسائك عندها ، والإجراء على سدنتها وغير ذلك.

(ساءَ ما يَحْكُمُونَ) فى إيثار آلهتهم على الله تعالى وعملهم ما لم يشرع لهم.

١٣٧ ـ (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) :

(وَكَذلِكَ) ومثل ذلك التزيين ، وهو تزيين الشرك فى قسمة القربان بين الله تعالى والآلهة ، أو مثل ذلك التزيين البليغ الذي هو علم من الشياطين.

والمعنى : أن شركاءهم من الشياطين ، أو من سدنة الأصنام زينوا لهم قتل أولادهم بالوأد أو بنحرهم للآلهة ، فلقد كان الرجل فى الجاهلية يحلف لئن ولد له كذا لينحرن أحدهم.

(لِيُرْدُوهُمْ) ليهلكوهم بالإغواء.

(وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) وليخلطوه عليهم ويشبهوه. ودينهم ما كانوا عليهم من دين إسماعيل عليه‌السلام حتى زلوا عنه إلى الشرك.

(ما فَعَلُوهُ) ما فعل المشركون ما زين لهم من القتل ، أو لما فعل الشياطين أو السدنة للتزيين أو الإرداء أو اللبس أو جميع ذلك.

(وَما يَفْتَرُونَ) أو ما يفترونه من الإفك ، أو افتراؤهم.

١٣٨ ـ (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ) :

٤٦٧

(حِجْرٌ) فعل ، بمعنى مفعول ، ويستوى به المذكر والمؤنث والواحد والجمع ، أي ممنوع.

(لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ) يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء.

(وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها) وهى البحائر والسوائب والحوامي.

(وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا) فى الذبح وإنما يذكر عليها أسماء الأصنام.

أي إنهم قسموا أنعامهم ، فقالوا : هذه أنعام حجر ، وأنعام محرمة الظهور ، وهذه أنعام لا يذكر عليها اسم الله ، فجعلوها أجناسا بهواهم ، ونسبوا ذلك التجنيس إلى الله.

(افْتِراءً عَلَيْهِ) أي فعلوا ذلك كله على وجه الافتراء.

١٣٩ ـ (وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) :

(خالِصَةٌ) حمل على المعنى لأن (ما) فى معنى الأجنة. ويجوز أن تكون التاء للمبالغة وأن تكون مصدرا وقع موقع (الخالص).

(مُحَرَّمٌ) ذكر حملا على اللفظ.

(وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) وإن يكن ما فى بطونها ميتة.

(فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ) ذكر لأن الميتة لكل ميت ذكر أو أنثى ، كأنه قيل : وان يكن ميت فهم فيه شركاء.

(سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ) أي جزاء وصفهم الكذب على الله فى التحليل والتحريم.

١٤٠ ـ (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللهُ افْتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) :

نزلت فى ربيعة ومضر والعرب الذين كانوا يئدون بناتهم مخافة السبي والفقر.

٤٦٨

(سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) لخفة أحلامهم وجهلهم بأن الله هو رازق أولادهم لا هم.

١٤١ ـ (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) :

(أَنْشَأَ جَنَّاتٍ) من الكروم.

(مَعْرُوشاتٍ) مسموكات.

(وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ) متروكات على وجه الأرض لم تعرش.

(مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ) فى اللون والطعم والحجم والرائحة.

(إِذا أَثْمَرَ) إذا أينع ثمره.

(وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) المراد ما كان يتصدق به على المساكين يوم الحصاد ، فالآية مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة.

(وَلا تُسْرِفُوا) فى الصدقة.

١٤٢ ـ (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) :

(حَمُولَةً وَفَرْشاً) عطف على جنات. أي وأنشأ من الأنعام ما يحمل الأثقال وما يفرش للذبح أو ينسج من وبره وصوفه وشعره الفرش.

وقيل : الحمولة : الكبار التي تصلح للحمل. والفرش : الصغار كالفصلان والعجاجيل والغنم لأنها دانية من الأرض للطافة أجرامها ، مثل الفرش المفروش عليها.

(وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) فى التحليل والتحريم من عند أنفسكم كما فعل أهل الجاهلية.

١٤٣ ـ (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ

٤٦٩

حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) :

(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) بدل من (حَمُولَةً وَفَرْشاً).

(اثْنَيْنِ) زوجين اثنين ، يريد الذكر والأنثى. والواحد إذا كان وحده فهو فرد ، فإذا كان معه غيره من جنسه سمى كل واحد منهما زوجا ، وهما زوجان.

(آلذَّكَرَيْنِ) للإنكار ، والمراد بالذكرين : الذكر من الضأن والذكر من المعز.

(الْأُنْثَيَيْنِ) الأنثى من الضأن والأنثى من المعز.

والمعنى : إنكار أن يحرم الله تعالى من جنس الغنم ضأنها ومعزها شيئا من نوعى ذكورها وإناثها.

(نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) أخبرونى بأمر معلوم من جهة الله تعالى يدل على تحريم ما حرمتم.

(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) فى أن الله حرمه.

١٤٤ ـ (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) :

(أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) بل كنتم شهداء. ومعنى الهمزة الإنكار.

يعنى : أم شاهدتم ربكم حين أمركم بهذا التحريم.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) فنسب إليه تحريم ما لم يحرم.

(لِيُضِلَّ النَّاسَ) وهو عمرو بن لحى بن قمعة الذي بحر البحائر وسيب السوائب.

٤٧٠

١٤٥ ـ (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) :

(فِي ما أُوحِيَ) تنبيه على أن التحريم إنما يثبت بوحي الله تعالى وشرعه لا بهوى الأنفس.

(مُحَرَّماً) طعاما محرما من المطاعم التي حرمتموها.

(إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) إلا أن يكون الشيء المحرم ميتة.

(أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) أي مصبوبا سائلا ، كالدم فى العروق ، لا كالكبد والطحال.

(أَوْ فِسْقاً) عطف على المنصوب قبله ، سمى ما أهل به لغير الله فسقا لتوغله فى باب الفسق.

(أُهِلَ) عطف على (يَكُونَ).

(بِهِ) الضمير يرجع إليه الضمير المستكن فى (يَكُونَ).

(فَمَنِ اضْطُرَّ) فمن دعته الضرورة إلى أكل شىء من هذه المحرمات.

(غَيْرَ باغٍ) على مضطر مثله تارك لمواساته.

(وَلا عادٍ) متجاوز قدر حاجته من تناوله.

(فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) لا يؤاخذه.

١٤٦ ـ (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) :

(كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) ذو الظفر : ما له إصبع من دابة أو طائر ، وكان بعض ذات الظفر حلالا لهم فلما ظلموا حرم ذلك عليهم ، فعم التحريم كل ذى ظفر.

(وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) أريد بالإضافة زيادة

٤٧١

الربط. والمعنى : أنه حرم عليهم لحم كل ذى ظفر وشحمه ، وكل شىء منه ، وترك البقر والغنم على التحليل لم يحرم منهما إلا الشحوم الخالصة ، وهى الثروب وشحوم الكلى.

(إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما) يعنى إلا ما اشتمل على الظهور والجنوب من السحفة ، وهى الشحمة الملتزمة بالجلد على الظهر من الكتف إلى الورك.

(أَوِ الْحَوايا) أو اشتمل على الأمعاء.

(أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) وهو شحم الألية.

(ذلِكَ) الجزاء.

(جَزَيْناهُمْ) وهو تحريم الطيبات.

(بِبَغْيِهِمْ) بسبب ظلمهم.

(وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما أوعدنا به العصاة.

(فَإِنْ كَذَّبُوكَ) فى ذلك وزعموا أن الله واسع الرحمة ، وأنه لا يؤاخذ بالبغي ويخلف الوعيد جودا وكرما.

(فَقُلْ) لهم.

(رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) لأهل طاعته.

(وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ) مع سعة رحمته.

(عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) فلا تغتر برجاء رحمته عن خوف نقمته.

١٤٨ ـ (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) :

(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) إخبار بما سوف يقولونه ولما قالوه.

٤٧٢

(لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ) أي إن شركهم وشرك آبائهم ، وتحريمهم ما أحل الله ، بمشيئة الله وإرادته ، ولو لا مشيئته لم يكن شىء من ذلك.

(كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي جاءوا بالتكذيب المطلق ، لأن الله عزوجل ركب فى العقول وأنزل فى الكتب ما دل على غناه وبراءته من مشيئة القبائح وإرادتها ، والرسل أخبروا بذلك ، فمن علق وجود القبائح من الكفر والمعاصي بمشيئة الله وإرادته فقد كذب التكذيب كله ، وهو تكذيب الله وكتبه ورسله.

(حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا) حتى أنزلنا عليهم العذاب بتكذيبهم.

(قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ) من أمر معلوم يصح الاحتجاج به فيما قلتم.

(فَتُخْرِجُوهُ لَنا) وهذا من التهكم ، والشهادة بأن مثل قولهم محال أن يكون له حجة.

(إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) فى قولكم هذا.

(إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ) مقدرون الأمر كما تزعمون ، أو تكذبون.

١٤٩ ـ (قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) :

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) يعنى فإن كان الأمر كما زعمتم أن ما أنتم عليه بمشيئة الله فلله الحجة البالغة عليكم على قود مذهبكم وطبقه.

(فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) منكم ومن مخالفيكم فى الدين ، لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه.

١٥٠ ـ (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) :

٤٧٣

(هَلُمَ) يستوى فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث ، عند الحجازيين ، وبنو تميم تؤنث وتجمع. أي هاتوا شهداءكم وقربوهم.

(فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ) أي فلا تسلم لهم ما شهدوا به ولا تصدقهم.

(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) من وضع الظاهر موضع المضمر ، للدلالة على أن من كذب بآيات الله ، وعدل به عن غيره ، فهو متبع للهوى لا غير.

١٥١ ـ (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) :

(تَعالَوْا) من الخاص الذي صار عاما ، وأصله أن يقوله من كان فى مكان عال لمن هو أسفل منه ، ثم كثر واتسع فيه حتى عم.

(ما حَرَّمَ) منصوب بفعل التلاوة ، أي اتل الذي حرمه ربكم ، أو يحرم ، بمعنى : أقل أي شىء حرم ربكم لأن التلاوة من القول.

(أَلَّا تُشْرِكُوا) أن ، مفسرة ، ولا ناهية.

(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) وأحسنوا بالوالدين إحسانا.

(مِنْ إِمْلاقٍ) من أجل فقر ومن خشيته.

(إِلَّا بِالْحَقِ) كالقصاص ، والقتل على الردة ، والرجم.

١٥٢ ـ (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) :

(إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) إلا بالخصلة التي هى أحسن ما يفعل بمال اليتيم ، وهى حفظه وتثميره.

٤٧٤

والمعنى : احفظوه حتى يبلغ أشده فادفعوه إليه.

(بِالْقِسْطِ) بالسوية والعدل.

(لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلا ما يسعها ولا تعجز عنه.

(وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ولو كان المقول له أو عليه فى شهادة أو غيرها من أهل قرابة القاتل ، فما ينبغى أن يزيد فى القول أو ينقص.

١٥٣ ـ (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) :

(وَأَنَّ هذا صِراطِي) أي وإنه هذا صراطى مستقيما ، على أن الهاء ضمير الشأن والحديث.

(وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) الطرق المختلفة فى الدين.

(فَتَفَرَّقَ بِكُمْ) فتفرقكم أيادى سبأ.

(عَنْ سَبِيلِهِ) عن صراط الله المستقيم ، وهو دين الإسلام.

١٥٤ ـ (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) :

(ثُمَ) أعظم من ذلك أنا :

(آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) وأنزلنا هذا الكتاب المبارك ، وقيل هو معطوف على ما تقدم (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ).

(تَماماً) تماما للكرامة والنعمة.

(عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) على من كان محسنا صالحا ، يريد جنس المحسنين.

١٥٥ ـ (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) :

(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ) وهذا القرآن كتاب أنزلناه.

٤٧٥

(مُبارَكٌ) مشتمل على الخير الإلهي والمنافع الدينية والدنيوية.

(وَاتَّقُوا) واتقوا مخالفته.

(لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ليرحمكم ربكم.

١٥٦ ـ (أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) :

(أَنْ تَقُولُوا) كراهة أن تقولوا.

(عَلى طائِفَتَيْنِ) يريد أهل التوراة وأهل الإنجيل.

(وَإِنْ كُنَّا) إن ، هى المخففة من الثقيلة ، واللام هى الفارقة بينها وبين النافية. والأصل : وانه كنا عن دراستهم غافلين ، على أن الهاء ضمير الشأن.

(عَنْ دِراسَتِهِمْ) عن قراءتهم.

١٥٧ ـ (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ) :

(لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) لحدة أذهاننا وثقابة أفهامنا.

(فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) تبكيت لهم. والمعنى : أن صدقتم فبما كنتم تعدون من أنفسكم فقد جاءكم بينة من ربكم ، فحذف الشرط.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) بعد ما عرف صحتها وصدقها ، أو تمكن من معرفة ذلك.

(وَصَدَفَ عَنْها) الناس فضل وأضل.

(سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) سنجزى الذين يعرضون عن آياتنا العذاب المبالغ فى غايته فى الإيلام ، بسبب اعراضهم وعدم تدبرهم.

٤٧٦

١٥٨ ـ (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) :

(الْمَلائِكَةُ) ملائكة الموت ، أو العذاب.

(أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) أو يأتى كل آيات ربك. يريد آيات القيامة والهلاك الكلى.

(بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ) بعض الآيات : أشراط الساعة.

(لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) صفة لقوله (نَفْساً).

(أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) عطف على قوله (آمَنَتْ).

والمعنى أن أشراط الساعة إذا جاءت ، وهى آيات ملجئة مضطرة ، ذهب أو ان التكليف عندها فلم ينفع الايمان حينئذ نفسا غير مقدمة إيمانها من قبل ظهور الآيات.

(قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) وعيد.

١٥٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) :

(فَرَّقُوا دِينَهُمْ) اختلفوا فيه كما اختلف اليهود والنصارى.

(وَكانُوا شِيَعاً) فرقا كل فرقة تشيع اماما لها.

(لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) أي من السؤال عنهم وعن تفرقهم. وقيل من عقابهم.

١٦٠ ـ (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) :

(عَشْرُ أَمْثالِها) على اقامة صفة الجنس المميز مقام الموصوف ، تقديره : عشر حسنات أمثالها.

(وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) لا ينقص من ثوابهم ولا يزاد على عقابهم.

٤٧٧

١٦١ ـ (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) :

(دِيناً) نصب على البدل من محل (إِلى صِراطٍ) لأن معناه : هدانى صراطا.

(قِيَماً) قيل من : قام ، كسيد من ساد ، وهو أبلغ من القائم.

(مِلَّةَ إِبْراهِيمَ) عطف بيان.

(حَنِيفاً) حال من (إِبْراهِيمَ).

١٦٢ ـ (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) :

(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي) وعبادتى وتقربى كله. وقيل : صلاتى وحجى من مناسك الحج.

(وَمَحْيايَ وَمَماتِي) وما آتيه فى حياتى ، وما أموت عليه من الايمان والعمل الصالح.

(لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) خالصة لوجهه.

١٦٣ ـ (لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) :

(وَبِذلِكَ) من الإخلاص.

(وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) لأن اسلام كل نبى متقدم لاسلام أمته.

١٦٤ ـ (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) :

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا) جواب عن دعائهم له الى عبادته آلهتهم.

والهمزة للانكار. أي منكر أن أبغى ربا غيره.

(وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) جواب عن قولهم (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ).

١٦٥ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ

٤٧٨

بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) :

(جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ) لأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم النبيين فخلفت أمته سائر الأمم ، أو جعلهم يخلف بعضهم بعضا.

أو هم خلفاء الله فى أرضه يملكونها ويتصرفون فيها.

(وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) فى الشرف والرزق.

(لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) من نعمة المال والجاه ، كيف تشكرون تلك النعمة وكيف يصنع الشريف بالوضيع ، والحر بالعبد ، والغنى بالفقير.

(إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ) لمن كفر نعمته. ووصف العقاب بالسرعة لأن ما هو آت قريب.

(وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) لمن قام بشكرها.

٤٧٩

(٧)

سورة الأعراف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (المص) :

أي إن القرآن الكريم من هذه الحروف التي ينطقون بها ، ومع ذلك يعجزون عن الإتيان بمثله.

٢ ـ (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) :

(كِتابٌ) خبر مبتدأ ، أي هو كتاب ، والمراد بالكتاب السورة.

(أُنْزِلَ إِلَيْكَ) صفة له.

(حَرَجٌ) أي شك منه. وسمى الشك حرجا ، لأن الشاك ضيق الصدر حرجه ، كما أن المتيقن منشرح الصدر منقسمه.

أي لا تشك فى أنه منزل من الله ، ولا تحرج من تبليغه.

(لِتُنْذِرَ) متعلق بقوله (أُنْزِلَ) أي أنزل إليك لانذارك به أو بالنهى ، لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم ، وكذلك إذا أيقن أنه من عند الله شجعه اليقين على الانذار ، لأن صاحب اليقين جسور متوكل على ربه ، متكل على عصمته.

٣ ـ (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) :

(اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) من القرآن والسنة.

(مِنْ دُونِهِ) من دون الله.

(أَوْلِياءَ) أي ولا تتولوا من دونه من شياطين الجن والانس فيحملوكم على عبادة الأوثان والأهواء والبدع ويضلوكم عن دين الله وما أنزل إليكم ، وأمركم باتباعه.

٤٨٠