الموسوعة القرآنيّة - ج ٩

ابراهيم الأبياري

الموسوعة القرآنيّة - ج ٩

المؤلف:

ابراهيم الأبياري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة سجل العرب
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٧٤

(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) أنه العالم بها ، وأنه المختص بالعلم بها.

١٨٨ ـ (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) :

(قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا) اظهار للعبودية وانتفاء عما يختص بالربوبية من علم الغيب ، أي أنا عبد ضعيف لا أملك لنفسى اجتلاب نفع ولا دفع ضرر.

(إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ربى ومالكى من النفع لى والدفع عنى (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) لكانت حالى على خلاف ما هى عليه من استكثار الخير ، واستغزار المنافع ، واجتناب السوء والمضار ، حتى لا يمسنى شىء منها.

(إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) عبد أرسلت نذيرا وبشيرا.

(لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) يتعلق بالنذير والبشير ، لأن النذارة والبشارة انما تنفعان فيهم. أو هو متعلق بالبشير وحده ، ويكون المتعلق بالنذير محذوفا ، أي الا نذير للكافرين وبشير لقوم يؤمنون.

١٨٩ ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) :

(مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) هى نفس آدم عليه‌السلام.

(وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها) وهى حواء.

(لِيَسْكُنَ إِلَيْها) ليطمئن إليها ويميل ولا ينفر. وذكر بعد ما أنث فى قوله (واحِدَةٍ) ، ذهابا الى معنى النفس ، ليبين أن المراد بها آدم ، ولأن الذكر هو الذي يسكن الى الأنثى ويتغشاها ، فكان التذكير أحسن طباقا للمعنى.

٥٤١

(فَلَمَّا تَغَشَّاها) التغشى : الجماع.

(حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) خف عليها ، ولم تلق منه ما يلقى بعض الحبالى من حملهن من الكرب والأذى.

(فَمَرَّتْ بِهِ) فمضت به الى وقت ميلاده.

(فَلَمَّا أَثْقَلَتْ) حان وقت ثقل حملها.

(لَئِنْ آتَيْتَنا) لئن وهبت لنا.

(صالِحاً) ولدا سويا.

(لَنَكُونَنَ) لهما ولكل من يتناسل من ذريتهما.

١٩٠ ـ (فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) :

(فَلَمَّا آتاهُما) ما طلباه من الولد الصالح السوي.

(جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ) أي جعل أولادهما له شركاء ، على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه.

(فِيما آتاهُما) أي آتى أولادهما ، على حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه. أي تسميتهم أولادهم بعبد العزى ، وبعبد مناة ، وعبد شمس ، وما أشبه ذلك.

١٩١ ـ (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) :

(وَهُمْ يُخْلَقُونَ) أجريت الأصنام مجرى أولى العلم بناء على اعتقادهم فيها وتسميتهم إياها آلهة.

أي أيشركون ما لا يقدر على خلق شىء كما يخلق الله وهم يخلقون لأن الله عزوجل خالقهم.

١٩٢ ـ (وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) :

(وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ) لعبدتهم.

٥٤٢

(نَصْراً وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) فيدفعون عنها ما يعتريها من الحوادث ، بل عبدتهم هم الذين يدفعون عنهم ويحامون عليهم.

١٩٣ ـ (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) :

(وَإِنْ تَدْعُوهُمْ) وان تدعوا هذه الأصنام.

(إِلَى الْهُدى) أي الى ما هو هدى ورشاد ، والى أن يهدوكم.

والمعنى : وان تطلبوا منهم كما تطلبون من الله الخير والهدى ، لا يتبعوكم الى مرادكم وطلبتكم ، ولا يجيبوكم كما يجيبكم الله.

(سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ) أم صممتم عن دعائهم ، فى أنه لا فلاح معهم.

١٩٤ ـ (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) :

(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي تعبدونهم وتسمونهم آلهة من دون الله.

(عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) استهزاء بهم ، أي قصارى أمرهم أن يكونوا أحياء عقلاء ، فان ثبت ذلك فهم عباد أمثالكم لا تفاضل بينكم.

١٩٥ ـ (أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) :

(أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ) أبطل أن يكونوا عبادا أمثالهم.

(قُلِ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) واستعينوا بهم فى عداوتى.

(ثُمَّ كِيدُونِ) جميعا أنتم وشركاؤكم.

(فَلا تُنْظِرُونِ) فانى لا أبالى بكم.

٥٤٣

١٩٦ ـ (إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) :

(إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ) أي ناصرى عليكم الله.

(الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ) الذي أوحى الى كتابه وأعزنى برسالته.

(وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) ومن عادته أن ينصر الصالحين من عباده وأنبيائه ولا يخذلهم.

١٩٧ ـ (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ) :

(وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) والأصنام الذين تطلبون منهم النصر دون الله.

١٩٨ ـ (وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدى لا يَسْمَعُوا وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) :

(يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) يشبهون الناظرين إليك ، لأنهم صوروا أصنامهم بصورة من قلب حدقته الى الشيء ينظر اليه.

(وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) وهم لا يدركون المرئي.

١٩٩ ـ (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) :

(الْعَفْوَ) ضد الجهد ، أي خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم وما أتى منهم وتسهل من غير كلفة ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا.

(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) العرف والجميل من الأفعال.

(وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) ولا تكافئ السفهاء بمثل سفههم ، ولا تمارهم ، واحلم عنهم ، وأغض على ما يسوؤك منهم.

٢٠٠ ـ (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) :

٥٤٤

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ) واما ينخسنك منه نخس ، بأن يحملك بوسوسته على خلاف ما أمرت به.

(فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) ولا تطعه.

٢٠١ ـ (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) :

(طائِفٌ) وقرئ : طيف ، أي لمسة من الشيطان.

(تَذَكَّرُوا) ما أمر الله به ونهى عنه ، فأبصروا السداد ودفعوا ما وسوس به إليهم ولم يتبعوه.

٢٠٢ ـ (وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) :

(يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) أي يكونون مددا لهم فيه ويعصدونهم.

(ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) ثم لا يمسكون عن اغوائهم.

٢٠٣ ـ (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) :

(لَوْ لا اجْتَبَيْتَها) هلا أخذتها.

(بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) أي حجج بينة يعود المؤمنون بها بصراء.

٢٠٤ ـ (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) :

(فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) أي إذا تلا عليكم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن عند نزوله فاستمعوا له.

وقيل : اعملوا بما فيه ولا تجاوزوه.

٢٠٥ ـ (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) :

(تَضَرُّعاً وَخِيفَةً) متضرعا وخائفا.

٥٤٥

(وَدُونَ الْجَهْرِ) ومتكلما كلاما دون الجهر ، لأن الإخفاء أدخل فى الإخلاص وأقرب الى حسن التفكر.

(بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) لفضل هذين الوقتين. أو أراد الدوام.

وبالغدو ، أي بأوقات الغدو ، وهى الغدوات.

والآصال ، جمع أصيل ، وهو الوقت حين تصفر الشمس لمغربها.

وقرئ : بالإيصال ، من آصل ، إذا دخل فى الأصيل.

٢٠٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ) :

(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) هم الملائكة. ومعنى (عِنْدَ) دنو المنزلة والقرب من رحمة الله تعالى وفضله لتوفرهم على طاعته وابتغاء مرضاته.

(وَلَهُ يَسْجُدُونَ) ويختصونه بالعبادة لا يشركون به غيره.

٥٤٦

(٨)

سورة الأنفال

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

١ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) :

(الْأَنْفالِ) الغنائم ، لأنها من فضل الله وعطائه ، الواحد : نفل ، وهو ما ينفله الغازي أي يعطاه زائدا على سهمه من المغنم.

(قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) ان حكمها مختص بالله ورسوله ، يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ويمتثل الرسول أمر الله فيها.

(فَاتَّقُوا اللهَ) فى الاختلاف والتخاصم.

(وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) وتآسوا وتساعدوا فيما رزقكم الله وتفضل به عليكم.

(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ان كنتم كاملى الايمان.

٢ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) :

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) إشارة إليهم ، أي انما كاملو الايمان.

(وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) فزعت.

(زادَتْهُمْ إِيماناً) ازدادوا بها يقينا وطمأنينة.

(وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) ولا يفوضون أمورهم الى غير ربهم ، لا يخشون ولا يرجون الا إياه.

٣ ـ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) :

(يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يؤدونها مستوفية الأركان.

٥٤٧

(وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) وينفقون قدرا من المال الذي رزقهم الله فى وجوه الخير.

٤ ـ (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) :

(حَقًّا) صفة للمصدر المحذوف ، أي أولئك هم المؤمنون إيمانا حقا.

(دَرَجاتٌ) شرف وكرامة وعلو منزلة.

(وَمَغْفِرَةٌ) وتجاوز لسيئاتهم.

(وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) نعيم الجنة.

٥ ـ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) :

(كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ) محل الكاف محل رفع خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هذه الحال كحال اخراجك ، أي ان حالهم فى كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة ، مثل حالهم فى كراهة خروجك للحرب.

ويجوز أن ينتصب على أنه صفة مصدر الفعل المقدر فى قوله (الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) أي الأنفال استقرت لله والرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثبت مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون.

(مِنْ بَيْتِكَ) أي بيته بالمدينة ، أو المدينة نفسها ، لأنها مهاجره ومسكنه.

(بِالْحَقِ) أي إخراجا ملتبسا بالحكمة والصواب الذي لا محيد عنه.

(وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ) فى موضع الحال. أي أخرجك فى حال كراهتهم وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام فيها تجارة عظيمة ، ومعها أربعون راكبا وانتهى خبر هذه العير الى الرسول والى المسلمين فحفزهم هذا الى تلقى العير وبلغ أهل مكة خروج المسلمين

٥٤٨

ففزعوا وتهيئوا ، ثم بلغهم أن العير أخذت طريق الساحل ونجت. ورأى القرشيون أن يقروا ، غير أن أبا جهل أصر على الخروج اعتزازا. ومضى بقريش الى بدر. وكان من وحي السماء (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) اما العير واما قريش ، استشار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصحابه فى خروج قريش إليهم وكان على المسلمين أن يلقوا قريشا بعد أن فاتتهم العير ، فكان منهم من آثروا لقاء العير على النفير ، وودوا لو قعدوا ولم يخرجوا للقاء قريش ، وكانت الأنصار أجمعهم على الخروج.

٦ ـ (يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ) :

(يُجادِلُونَكَ) يعنى قولهم : ما كان خروجنا الا للعير.

(فِي الْحَقِ) أي تلقى النفير.

(بَعْدَ ما تَبَيَّنَ) بعد إعلان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنهم ينصرون.

٧ ـ (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ) :

(وَإِذْ) إذ ، منصوب بإضمار : اذكر.

(إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) أي العير أو النفير.

(أَنَّها لَكُمْ) بدل من قوله (إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ).

(غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ) أي العير ، لأنها لم يكن فيها الا أربعون فارسا. والشوكة : الحدة.

(أَنْ يُحِقَّ الْحَقَ) أن يثبته ويعليه.

(بِكَلِماتِهِ) بآياته المنزلة فى محاربة ذات الشوكة.

٥٤٩

٨ ـ (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) :

(لِيُحِقَّ الْحَقَ) متعلق بمحذوف تقديره : ليحق الحق ويبطل الباطل فعل ذلك ما فعله الا لهما ، وهو اثبات الإسلام وإظهاره ، وابطال الكفر ومحقه.

٩ ـ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) :

(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ) بدل من قوله (إِذْ يَعِدُكُمُ). وقيل هو متعلق بقوله (لِيُحِقَّ الْحَقَ).

واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال طفقوا يدعون الله ، ويقولون : ربنا انصرنا على عدوك.

ويروى أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نظر الى المشركين وهم ألف ، والى أصحابه وهم ثلاثمائة استقبل القبلة ومد يديه يدعو ويسأله النصر.

(أَنِّي مُمِدُّكُمْ) أصله : بأنى ممدكم ، فخذف الجار وسلط عليه (فَاسْتَجابَ) فنصب محله.

(مُرْدِفِينَ) بكسر الدال وفتحها ، من قولك : ردفه ، إذا اتبعه ، وأردفته إياه ، إذا أتبعته.

١٠ ـ (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) :

(وَما جَعَلَهُ) الضمير يرجع الى قوله (أَنِّي مُمِدُّكُمْ) إذ المعنى : فاستجاب لكم بامدادكم.

(إِلَّا بُشْرى) الا بشارة لكم بالنصر.

(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) أي ولا تحسبوا النصر من الملائكة ، فان الناصر هو الله لكم وللملائكة.

٥٥٠

أو ما النصر بالملائكة وغيرهم من الأسباب الا من عند الله ، والمنصور من نصره الله.

١١ ـ (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) :

(إِذْ يُغَشِّيكُمُ) بدل من (إِذْ يَعِدُكُمُ) ، أو منصوب بالنصر ، أو بما فى (مِنْ عِنْدِ اللهِ) من معنى الفعل ، أو بما جعله الله ، أو بإضمار : اذكر.

(أَمَنَةً) مفعول له.

(مِنْهُ) صفة ، أي أمنة حاصلة لكم من الله عزوجل.

(رِجْزَ الشَّيْطانِ) وسوسته إليهم ، وتخويفه إياهم من العطش.

١٢ ـ (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ) :

(إِذْ يُوحِي) بدل من (إِذْ يَعِدُكُمُ).

(أَنِّي مَعَكُمْ) مفعول (يُوحِي).

(فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) تلقينا للملائكة ما يثبتونهم به.

(فَوْقَ الْأَعْناقِ) أي أعالى الأعناق التي هى المذابح.

١٣ ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) :

(ذلِكَ) إشارة الى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل. ومحله الرفع على الابتداء.

(بِأَنَّهُمْ) خبر المبتدأ ، أي ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقتهم.

٥٥١

١٤ ـ (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ) :

(ذلِكُمْ) للكفرة على طريقة الالتفات. ومحله الرفع على : ذلكم العقاب ، أو : العقاب ذلكم فذوقوه.

(وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) عطف على (ذلِكُمْ) ، أو نصب على أن (الواو) بمعنى : مع.

والمعنى : ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم فى الآخرة ، فوضع الظاهر موضع الضمير.

١٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) :

(زَحْفاً) حال من (الَّذِينَ كَفَرُوا).

(فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) أي لا تنقلبوا مدبرين.

١٦ ـ (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) :

(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) ومن لا يلاقيهم وجها لوجه فارا منهم.

(إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) هو الكر بعد الفر ، يخيل عدوه أنه منهزم ثم يعطف عليه.

(أَوْ مُتَحَيِّزاً) أو منحازا.

(إِلى فِئَةٍ) الى جماعة أخرى من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها.

١٧ ـ (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) :

٥٥٢

(فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) الفاء جواب شرط محذوف ، تقديره : ان افتخرتم بقتلهم فأنتم لم تقتلوهم.

(وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) لأنه هو الذي أنزل الملائكة وألقى الرعب فى قلوبهم.

(إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) يعنى أن الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها الا ما يبلغه أثر رمى البشر ، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم.

(وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ) وليعطيهم.

(بَلاءً حَسَناً) عطاء جميلا.

١٨ ـ (ذلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ) :

(ذلِكُمْ) إشارة الى البلاء الحسن ، ومحله الرفع ، أي الغرض ذلكم.

(وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ) معطوف على (ذلِكُمْ) يعنى أن الغرض إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين.

١٩ ـ (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) :

(إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم ، وذلك أنهم حين أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة وسألوا ربهم النصر.

وقيل (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا) خطاب للمؤمنين.

(وَإِنْ تَنْتَهُوا) خطاب للكافرين. يعنى وان تنتهوا عن عداوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٥٥٣

(فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) وأسلم.

(وَإِنْ تَعُودُوا) لمحاربته.

(نَعُدْ) لنصرته عليكم.

(وَأَنَّ اللهَ) بالفتح على : ولأن الله معين المؤمنين كان ذلك.

٢٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) :

(وَلا تَوَلَّوْا) قرئ بطرح احدى التاءين وادغامها.

(عَنْهُ) الضمير لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) أي تصدقون لأنكم مؤمنون لستم كالصم المكذبين من الكفرة.

٢١ ـ (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) :

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا) أي ادعوا السماع.

(وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) لأنهم ليسوا بمصدقين فكأنهم غير سامعين.

٢٢ ـ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) :

(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِ) أي ان شر من يدب على وجه الأرض.

٢٣ ـ (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) :

(وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ) فى هؤلاء الصم البكم.

(خَيْراً) أي انتفاعا بهدى الله.

(لَأَسْمَعَهُمْ) لوفقهم الى أن يستمعوا ويستجيبوا.

٥٥٤

(وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ) أي ولو أنهم استجابوا لتولوا بعد الاستجابة لما ركب فى طبائعهم من انصراف عن الهدى.

٢٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) :

(لِما يُحْيِيكُمْ) من علوم الديانات والشرائع ، لأن العلم حياة والجهل موت.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) أي مرد الأمور كلها اليه.

٢٥ ـ (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) :

(فِتْنَةً) عذابا.

(لا تُصِيبَنَ) جواب للأمر ، أي ان أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة ، ولكنها تعمكم.

ويصح أن تكون نهيا بعد أمر ، فكأنه قيل : واحذروا ذنبا أو عقابا ، ثم قيل : لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله من ظلم منكم خاصة.

ويجوز أن تكون صفة لقوله (فِتْنَةً) على إرادة القول ، كأنه قيل : واتقوا فتنة مقولا فيها : لا تصيبن.

(الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ) من ، للتبعيض ، أو للتبيين.

٢٦ ـ (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) :

(إِذْ أَنْتُمْ) إذ ، مفعول به مذكور لا ظرف ، أي اذكروا وقت كونكم أقلة أذلة مستضعفين.

٥٥٥

(فِي الْأَرْضِ) أرض مكة قبل الهجرة تستضعفكم قريش.

(تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ) لأن الناس كانوا جميعا لهم أعداء.

(فَآواكُمْ) الى المدينة.

(وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ) بمظاهرة الأنصار ، وبامداد الملائكة يوم بدر.

(وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) من الغنائم.

(لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) إرادة أن تشكروا هذه النعم.

٢٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) :

(لا تَخُونُوا اللهَ) فتعطلوا فرائضه.

(وَالرَّسُولَ) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا تستنوا به.

(أَماناتِكُمْ) فيما بينكم بأن لا تحفظوها.

(وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) تبعة ذلك ووباله. أو وأنتم تعلمون أنكم تخونون.

٢٨ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) :

(فِتْنَةٌ) محنة من الله ليبلوكم كيف تحافظون فيهم على حدوده.

أو أنهم سبب الوقوع فى الفتنة ، وهى الإثم أو العذاب.

(وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) ترغيب فى ثواب الله ، وتزهيد لهم فى متاع الحياة من مال وولد.

٢٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) :

(فُرْقاناً) نصرا ، لأنه يفرق بين الحق والباطل ، وبين الكفر بإذلال حزبه ، والإسلام بإعزاز أهله.

٥٥٦

أو مخرجا من الشبهات وتوفيقا.

أو تفرقة بينكم وبين غيركم ، وفضلا ومزية فى الدنيا والآخرة.

٣٠ ـ (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) :

(لِيُثْبِتُوكَ) ليسجنوك ، أو يوثقوك ، أو يثخنوك بالضرب والجرح.

(وَيَمْكُرُونَ) ويخفون المكايد له.

(وَيَمْكُرُ اللهُ) ويخفى الله ما أعد لهم حتى تأتيهم بغتة.

(وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) أي مكره أنفذ من مكر غيره وأبلغ تأثيرا.

٣١ ـ (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) :

(أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ما سطره الأولون من قصص.

٣٢ ـ (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) :

(إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ) أي ان كان القرآن.

(فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) فعاقبنا على إنكاره بالسجيل كما فعلت بأصحاب الفيل.

(أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) أو بعذاب آخر أشد ايلاما.

والمراد نفى كونه حقا ، وإذا انتفى كونه حقا لم يستوجب منكره عذابا ، فكان تعليق العذاب بكونه حقا مع اعتقاده أنه ليس بحق ، كتعليقه بالمحال.

٣٣ ـ (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) :

٥٥٧

(وَأَنْتَ فِيهِمْ) راجيا استجابتهم.

(وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) أي وفيهم من يستغفر.

وقيل : وهم يستغفرون فى موضع الحال. والمعنى : نفى الاستغفار عنهم ، أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم.

٣٤ ـ (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) :

(وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) أي : وأي شىء لهم فى انتفاء العذاب عنهم. يعنى : لا حظ لهم فى ذلك وهم معذبون لا محالة.

(وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي كيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدون عن المسجد الحرام ، كما صدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام الحديبية.

(وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ) وما استحقوا مع اشراكهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمره وأربابه.

(إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ) من المسلمين ، ليس كل مسلم أيضا ممن يصلح لأن يلى أمره ، انما يستأهل ولايته من كان برا تقيا ، فكيف بالكفرة عبدة الأصنام.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) كأنه استثنى من كان يعلم وهو يعاند ويطلب الرئاسة. أو أراد بالأكثر الجميع ، كما يراد بالقلة العدم.

٣٥ ـ (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) :

(إِلَّا مُكاءً) الا صفيرا.

(وَتَصْدِيَةً) وتصفيفا.

٥٥٨

وذلك أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة ، الرجال والنساء ، وهم مشبكون بين أصابعهم ، يصفرون فيها ويصفقون.

(فَذُوقُوا الْعَذابَ) عذاب القتل والأسر يوم بدر.

٣٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) :

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ) قيل نزلت فى المطعمين يوم بدر ، كان الواحد منهم يطعم كل يوم عشر جزائر.

وقيل : قالوا لكل من كانت له تجارة فى العير : أعينوا بهذا المال على حرب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لعلنا ندرك منه ثأرنا بما أصيب منا ببدر.

وقيل : نزلت فى أبى سفيان ، وقد استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش ، سوى من استجاش من العرب وأنفق عليهم الكثير.

(لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أي كان غرضهم فى الانفاق الصد عن أتباع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو سبيل الله ، وان لم يكن عندهم كذلك.

(ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) أي تكون عاقبة إنفاقها ندما وحسرة ، فكأن ذاتها تصير ندما وتنقلب حسرة.

(ثُمَّ يُغْلَبُونَ) آخر الأمر.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا) والكافرون منهم ، لأن منهم من أسلم وحسن إسلامه.

٣٧ ـ (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) :

(الْخَبِيثَ) الفريق الخبيث من الكفار.

(مِنَ الطَّيِّبِ) من الفريق الطيب من المؤمنين.

٥٥٩

(وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ) فيجعل الفريق الخبيث.

(بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) عبارة عن الجمع والضم.

(فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم.

(أُولئِكَ) إشارة الى الفريق الخبيث.

وقيل : ليميز المال الخبيث الذي أنفقه المشركون فى عداوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من المال الطيب الذي أنفقه المسلمون ، كأبى بكر وعثمان ، فى نصرته ، فيجعله فى جهنم فى جملة ما يعذبون به.

٣٨ ـ (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) :

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا) أي قل لأجل هذا القول ، وهو : ان ينتهوا ، ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل : ان تنتهوا.

(يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) لهم من العداوة.

(وَإِنْ يَعُودُوا) لقتاله.

(فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) منهم الذين حاق بهم مكروه يوم بدر.

أو قد مضت سنة الذين تحزبوا على أنبيائهم من الأمم فدمروا.

فليتوقعوا مثل ذلك ان لم يفقهوا.

وقيل : معناه : ان الكفار إذا انتهوا عن الكفر وأسلموا غفر لهم ما قد سلف لهم من الكفر والمعاصي.

(وَإِنْ يَعُودُوا) بالارتداد.

٣٩ ـ (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) :

٥٦٠